لايعرف الموجود إلا المعدوم

الشرح [8]

ثم قال لي : لايعرف الموجود إلا المعدوم . ثم قال لي : لايعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود ثم قال لي :الوجود مني ،لا منك،وبك،لا بي.

:الشرح

لا يعرف الموجود إلا المعدوم:

الموجود الحقيقي هو الله تعالى الواجب الوجود، ولا يعرفه إلا المعدوم ،أي من اضمحلت هويته،وانعدمت أنانيته،وفنى في خالقه “فإن لم تكن”…”تراه” فصار عدما ظاهرا.
لا يعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود: لا يعرف الله تعالى إلا من كان الحق هويته،ورد في الحديث القدسي“مايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به،ويده التي يبطش بها…” (الحديث).أي هو ناظر بالله، متكلم به،سامع به.فبهذه الصفة ،وبهذه الكينونة،فهو موجود به،يعرفه به.لهذا اثبتت ابن عربي أنانيته وقال“أنا العدم الظاهر“. 

 قال: بعضهم

ويفنى ثم يفنى ثم يفنى** فكان فناؤه عين بقائه

فهو يفنى ولكن لايفنى عن فنائه،لأن فناؤه عبوديته،وكماله في عبوديته.وبهذا البقاء صح له الوجود،فليس في الوجود سوى تجليات الأسماء والصفات الإلهية،فمن فنى فيها اتصف بالوجود الحقيقي.وقد سبق أن قال :الوجود حق وليس غيره.

لايعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود: كل ما في الكون هو موجود، ومن الوجود،ولا يعرف حقيقة هذه الأشياء،إلا من كان وجوده بالله ،وفي الله،ومن الله يعطي كل شيء قيمته،ولايستصغر شيئا،لأن الحق تعالى لم يخلق شيئا عبثا. وأعظم موجود يعرف الوجود الحقيقي،ويعرف الموجودات هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،قال تعالى(ولاتقولن لشاىء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله)وانتبه الى “لشاىء” كتبت مخالفة للكتابة الإملإية بزيادة ألف ثابتة في وسطها، فالنبوة المحمدية على معرفة بكل الأشياء الكونية،وكيف لا؟وهي المراقب للكون لذا ورد “إني فاعل”ثابت الالف.الوجود كله من خلق الله،مقدر أزلا ومنظم أبدا.(قل كل من عند الله)(وقيل للذين اتقوا ما أنزل ربكم قالوا خيرا)فما في الوجود إلا أسماء الله وتجلياتها، وكل ما يُفتقر إليه في الوجود،يرجع إلى إسم من أسماء الله(يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد)فالكون هو مجلى،من مجالي الجمال الإلهي،وعند العارفين الكون لايوصف إلا بالحسن،فهو في جملته حسن مطلق،وما القبح في الأشياء إلا اعتبار ونسب. يقول الجيلي:

فكل قبيح إن نسبت لحسنه ** أتتك معاني الحسن فيه تسارع

فالعارف موجود،يعرف الوجود، ويعرف الموجود في الوجود، يعرف أن ما في الكون إلا اسماء الله وصفاته،فما في الكون إلا الجمال(صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) ومن هذه النافدة قال الغزالي :”ليس بالإمكان أبدع مما كان”.

ففي هذه المشاهد،الشيخ الاكبر في حالة فناء يقول “في الباب السابع والثلاثون ومائتان في معرفة الوجود”

وجود الحق عين وجود وجدي ** فإني بالوجود فنيت عنه‏.

اعلم أن الوجود عند القوم ،وجدان الحق في الوجد، يقولون إذا كنت صاحب وجد ولم يكن في تلك الحال الحق مشهودا لك ،وشهوده هو الذي يفنيك عن شهودك وعن شهودك الحاضرين فلست بصاحب وجد….انتهى.

ثم قال لي :الوجود مني ،لا منك: لاخالق غير الله،ولا موجود غير الله،ولا فاعل سوى الله،والمخلوق عدم ظاهر قائم بالله، وموجود به.

يقول ابن عربي في(الباب 514)… فلو كان للعدم لسان لقال: “إنّك على صورته” ويقول في الجزء الأول الصفحة 388…فالحق سبحانه يقدر الأشياء أزلا ولا يقال يوجد أزلا، فإنه محال من وجهين،فإن كونه موجدا إنما هو بأن يوجد ولا يوجد ما هو موجود وإنما يوجد ما لم يكن موصوفا لنفسه بالوجود وهو المعدوم فمحال أن يتصف الموجود الذي كان معدوما، بأنه موجود أزلا فإنه موجود عن موجود أوجده ،والأزل عبارة من نفي الأولية عن الموصوف به فمن المحال أن يكون العالم أزلي انتهى.

وبك، لابي.: لأن الإله يطلب المألوه،والرب يطلب المربوب والشافي يطلب المريض (إن ربهم بهم)فكل الأسماء الإلهية تطلب الظهور،ظهورها وانفعالها في المخلوقات. ولا تعطيل لدائرة من الدوائر الكونية.

قال صلى الله عليه وسلم :لو لم تذنبوا لذهب الله بكم،وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم“وقال صلى الله عليه وسلم:”إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله“(رواه أبو نعيم في الحلية).

يقول ابن عربي “أظهرنا وظهر بنا”.

فالموجود خليفة الله في أرضه،والعالم مسخر له.قال تعالى(ربنا الذي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)وهذه الاية تنفي أن تكون حضرة من حضرات الأسماء الإلهية معطلة الحكم.‏

وأول موجود أوجده الله في الوجود،هو نبوة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بها ظهر الوجود،فهي روح الوجود، ونفس الوجود،وسر حياة الوجود لولاه ماخرج الوجود من العدم.“لولاك لولاك ماخلقت الأفلاك”هو”الحق المخلوق به” كل التجليات الالهية واسطة فيها حضرة محمدية ،هو وجه الله المشهود في ذرات الوجود (فأينما تولوا فثم وجه الله)واذا حققنا أن النبوة المحمدية اصطحبت مع الأسماء الإلهية ومع الفيضة القرءانية،فالوجه المذكورهوالنبوة المحمدية إجمالا،وهذا الختم الأكبر  نائبه في الوجود،لهذا قال له”الوجود بك لا بي“.وقلت أن هذه المشاهد تتم تحت سلطان الوساطة المحمدية،فبها يرى ،وبها يسمع ،وهو مستهلك في حقيقتها.ونختم بأبيات للشيخ أبي مدين التلمساني،تصب في هذه المعاني:

الله قل وذر الوجود وما حوى ** إن كنتَ مرتاداً بلوغَ كمالِ
فالكلُّ دون اللَهِ إن حقّقتهُ **عدمٌ على التفصيل والإجمال
واعلَم بأنك والعوالم كلَّها **لولاهُ في محو وفي اضمحلال
من لا وجودَ لذاتهِ من ذاته ** فوجودهُ لولاهُ عينُ محالِ
فالعارفونَ فنوا ولمّا يشهدوا **شيئاً سوى المتكبر المتعال
ورأوا سواهُ على الحقيقةِ هالكاً ** في الحال والماضي والاستقبال
فالمح بعقلك أو بطرفك هل ترى ** شيئاً سوى فعل منَ الأفعال
وانظُر إلى علو الوجود وسفلهِ ** نظراً تؤيدهُ بالإستدلالِ
تجد الجميع يُشيرُ نحو جلالهِ ** بلسان حالٍ أو لسان مقال
هو ممسك الأشياء من علوٍ إلى ** سفلٍ ومُبدِعُها بغيرِ مثالِ

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد صاحب الشرائع الأحمدية،والشريعة المحمدية والعارفون نقطة في بحر حقيقته المحمدية ،كل منهم للحقائق ذائق .وبتجليات عصره ناطق .،

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد