السؤال العشرون:
إذا كانت أعمال العباد كلّها لله،محمودها ومذمومها،فمن أين جاءهم الشّقاء؟.
من أركان الايمان الستة،الايمان بالقدر خيره وشره،وأن الله تعالى خالق كل شيء،وأنه لايقع في الكون شيء إلابإرادته ومشيئته،وأن علمه تعالى بما سيكون قديم قبل خلق الأشياء،وكل ذلك في اللوح المحفوظ مسطر.قال سبحانه تعالى(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)،وقال(وَمَاتَشَاءُونَ إِلاَّأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)،وقال تعالى(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍخَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)وقال تعالى(مَاأَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَافِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم”كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ”(رواه مسلم).
فإذا افترضنا أن الله تعالى لم يقدر الأشياء التي ستظهر في الوجود،وأن المخلوقات تتصرف بإرادتها،فهذا يعني أن هناك فاعلا غير الله: كالهوى،أو إرادة الشخص،أو مخلوق آخر، أوالطبيعة، أوالدهر…والحق تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم.وجعل لهم عقلا وسمعا وبصرا،وبهذا فللشخص الاختيار في سلوك الطريق الذي شاء بعقله ومشيئته. فالعبد له فعل،وله صنع،وله عمل،والله سبحانه هو خالقه،وخالق فعله وصنعه وعمله. لأنه لايمكن أن يوجد في الوجود من ليس تابع للأسماء الله.ومن أسماء الله الخالق،و المعطي والمانع والضار والنافع…. فمن الضروري ظهور تأثير الأسماء الإلهية في الوجود. وحكمها أزلي ومقتضياتها محدثة.
قال تعالى(وهديناه النجدين):طريق الخير وطريق الشر ،وقال تعالى(وَقُل الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن ْشَاءَ فَلْيَكْفُرْ)وعلى عمله يحاسب ويجازى،والله سبحانه يعلم هذا قبل ان يخلقه،يعلم ما سيختاره،وليس هناك جبرعلى فعل الشر،ولا اختيار الكفر،بل أرسل الرسل وأنزل الكتب،(مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَاتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا عليها)(وماربك بظلام للعبيد) .قال تعالى(إِنَّاهَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّاشَاكِرًا وَإِمَّاكَفُورًا)فهو عمل العبد واختياره وقال(فَمَن يَعْمَلْمِ ثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْمِ ثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّايَرَهُ)وقال تعالى (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)وقال تعالى(وَذُوقُواعَذَابَ الْخُلْد بِمَاكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )“بما كنتم تعملون“فالعبد يحاسب على عمله،والحق تعالى عالم بكل شيء، فعلم كيف سيتصرف هذا العبد في الحياة الدنيا(ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه).
اذا وضعت يدك في النار وأحرقتك،فهذا الله تعالى على علم به، ومقدر عنده ،ولكن أنت المسؤول عنه،إذا كنت لا تحسن السباحة ومع ذلك غامرت بنفسك وسط الامواج ، وأنهيت حياتك فهل أنت المسؤول أم غيرك؟؟، والحق تعالى يقول(ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة)إذا بحثت عن إمرأة وزنيت بها،هل أنت السؤول أم ترمي بالمسؤولية على القدر،وتقول ليس على ذنب،الله قدر علي هذا؟ فعلا هو مقدر فعلم الله سابق لا لاحق ،ولكن أنت السؤول على اقترافك للمعصية.وقس على هذا السرقة والكذب والغيبة وأكل مال اليتيم….
وإذا كنت تحافظ على الصلوات في وقتها والصيام والقيام …،فهذا مقدر،وفي علم الله منذ الازل،ولكن لولا سعيك في طلب الخير ما تيسر لك.الكل تحت المشيئة الإلهية مسطر،وقبل خلق الخلق مقدر. قدرالمقادير ووضع الموازين فمن سأل فماخرج من القضاء، ومن ترك السؤال فماخرج من القضاء.
والقضاء هوحكم الله الأولي،في أعيان الموجودات.أما القدرفهوخروج الممكنات من العدم إلى الوجود،واحدا بعد واحد،مطابقة للقضاء (الجرجاني).
قال تعالى (وَمَاظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وقال تعالى ( اَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَن وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَات فَمَاكَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُواأَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).فالحق تعالى لا يظلم عباده ( من يعمل مثقال ذة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ولا أحد عنده علم بالقدر.
يقول ابن عربي في اطار جوابه على السؤال 3″من اسئلة الحكيم الترمذي (بالتصرف) قد يُعلَم سِرّ القدر وتَحكّمه في الخلائق.وقد أُعْلِمنا به،فعَلمناه بحمد الله.فإن مظاهر الحق في أعيان الممكنات،المُعبّرعنها بالعالَم،هي آثار القدر،وهي علامة على وجود الحق،ولا دليل أدَلّ على الشيء من نفسه: فلَم يُعلَم الحق بغيره،بل عُلم بنفسه. انتهى .
يضيف ابن عربي :..” فأفعال الحق لا ينبغي أن تُعَلّل،فإنه ما ثَمّ عِلّة موجبة لتكوين شيء إلاعين وجود الذات وقبول عين الممكن لظهور الوجود. فالأزل لا يَقبل السؤال عن العلَل.انتهى.
لأن في الازل “كان الله ولاشيء معه”.
ويضيف: فالسبب الذي لأجله طُوي علم القدرهو: أن له نِسبة إلى ذات الحق ونسبة إلى المقادير.فعَزّ أن يُعلم عِزّ الذات،وعَزّ أن يُجهَل لنِسبة المقادير،فهو المعلوم المجهول ..فأولياء الله وعباده لايطلبون علمَه للنّهي الوارد عن طَلبه. انتهى.
ويضيف في الجواب عن السؤال (35):متى يَنكشف لهم سِرّ القدر؟ الجواب: سِرّ القدر غير القدر،وسرّه عين تحكّمه في الخلائق،وأنه لاينكشف لهم هذا السرّ حتى يكون الحق بَصرهم،حينئذ انكشف لهم علم ما جَهلوه، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء. قال تعالى على لسان عزير(أنّى يُحيي هذه بعد موتها).فهو طلب معرفة العلم بكيفيّة تعلّق القدرة بالمقدور،وهوسرّ القدر وقد أشار الى هذا الشيخ الاكبر في فصوص الحكم:فصّ حكمة قدريّة في كلمة عزيرية