المشهد الأول “ مشهد نور الوجود بطلوع نجم العيان “
بسم الله الرحمن الرحيم أشهدني الحق بمشهد نورالوجود،وطلوع نجم العيان وقال لي :من أنت ؟ قلت :العدم الظاهر .قال لي:والعدم كيف يصير وجودا ؟ لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ؟ قلت :ولذلك قلت:أنا العدم الظاهر.وأما العدم الباطن فلا يصح وجود. ثم قال لي :إذا كان الوجود الأول عين الوجود الثاني ،فلا عدم سابق ،ولا وجود حادث،وقد ثبت حدوثك. ثم قال لي:ليس الوجود الأول عين الوجود الثان . ثم قال لي :الوجود الأول كوجود الكليات،والوجود الثاني كوجود الشخصيات . ثم قال لي :العدم حق ،وما ثم غيره،والوجود حق ليس غيره. قلت له : كذلك هو . قال لي :أراك مسلّما تقليدا،أو صاحب دليل ؟ قلت:لامقلد ،ولا صاحب دليل قال لي:فأنت لاشيء قلت له:أنا الشيء بلا مثلية ،وأنت الشيء بالمثلية .قال : صدقت .ثم قال لي :ما أنت بشيء ،ولا كنت شيئا،ولست على شيء .قلت له : نعم :لو كنت شيئا ،لأدركني جواز الإدراك. ولو كنت على شيء لقامت النسب الثلاث . ولو إني الشيء لكان لي مقابل ،ولامقابل لي. ثم قلت له: وجدت في الأبعاض ولم أوجد، فأنا مسمى من غير اسم،وموصوف من غير وصف،ومنعوت بلا نعت،وهو كمالي .وأنت مسمى بالاسم ،وموصوف بالوصف، ومنعوت بالنعت،وهو كمالك .ثم قال لي :لايعرف الموجود إلا المعدوم . ثم قال لي:لايعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود ثم قال لي : الوجود مني،لا منك،وبك، لأبي . ثم قال لي :من وجدك وجدني،ومن فقدك فقدني .ثم قال لي : من وجدك فقدني ،ومن فقدك وجدني . ثم قال لي :من فقدني وجدني ، ومن وجدني لم يفقدني . ثم قال لي :الوجود والفقد لك لا لي . ثم قال لي : الوجود والفقد لي، لا لك. ثم قال لي : كل وجود لا يصح إلابالتقييد،فهو لك . وكل وجود مطلق فهو لي . ثم قال لي :وجود التقييد لي ،لا لك . ثم قال لي :الوجود المفروق لي بك ،والوجود المجموع لك بي . ثم قال لي : وبالعكس . ثم قال لي :الوجود بالأولية غير وجود،ودونها هو الوجود الحقيقي .ثم قال لي :الوجود بي،وعني ،ولي .ثم قال لي :الوجود عنّي ،لا بي ،ولا لي ثم قال لي :الوجود لا بي ،ولاعني ،ولا لي .ثم قال لي :إن وجدتني لم ترني ،وإن فقدتني رأيتن . ثم قال لي : في الوجود فقدي،وفي الفقد وجودي . فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيقي .انتهى
أشهدني الحق بمشهد نورالوجود،وطلوع نجم العيان :
في خطبة الفتوحات حكى لنا الشيخ الأكبر،عن مراسيم انتقال مهام الختمية إليه بحضور مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وبحضور الأنبياء والرسل ، وبحضور الصحابة الاربع،وعرَف كيف تكون امدادات أمهات المشارب،لأن تعزلات الختم في النبوة المحمدية تُفَعِّلها،وتظهر المقتصيات. كما طلب معرفة مقتضيات الاسماء الإلهية،وتأثيرها في الكون، قال:
يا منزل الآيات والأنباء ● أنزل علي معالم الأسماء
حتى أكون لحمد ذاتك جامعا ● بمحامد السراء والضراء
وهذه المعرفة الربانية اللدنية،هي من شروط مقام الختمية:أي معرفة الاسماء الالهية،الجلالية والجمالية (بمحامد السراء والضراء)،ثم أثنى على مولانا رسول في قصيدة ومن جملة ما قال:
يا سيدي حقا أقول،فقال لي ● صدقاً نطقت فأنت ظل ردائي
فاحمد،وزد في حمد ربك جاهدا ● فلقد وهبت حقائق الأشياء
فقال لي “أنت ظل ردائي“،فهذا ابن عربي ،الشيخ الاكبر مع علو كعبه،ليس الا ظل رداء مولانا سول الله صلى الله عليه وسلم ،وشعرة في جسده الشريف.
فهذه المشاهد(مشاهد الأسرار القدسية)لايمكن شرحها وتجاهل الحقيقة المحمدية التي هي واسطة في كل شيء،وليس ابن عربي إلا ظل ردائها(وليس ظلها).
وقال له صلى الله عليه وسلم “فلقد وهبت حقائق الأشياء“فتكلم في كل شيء، ففتح الكثير من الأبواب العرفانية المغلقة.ويضيف:
وانثر لنا من شأن ربك ما انجلى ● لفؤادك المحفوظ في الظلماء
من كل حق قائم بحقيقة ● يأتيك مملوكا بغير شراء
.”ما انجلى لفؤادك“فهذه المشاهد هي تجليات إلهية،تحل بقلب ابن عربي.فالشيخ الأكبر أناخ راحلته في مقام الختمية،مقام القرب، الذي أشار إليه الحديث القدسي“ما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به،ولسانه الذي ينطق به ،وبصره الذي يبصر به…..(الحديث)”كنت”هذه الكينونة استقرت في قلب ابن عربي فهو يسمع الخطاب الإلهي في باطنه لاخارجا عنه.
يقول ابن عربي(كتاب المشاهد القدسية)قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى“ما وسعني ارضي ولاسمائي ووسعني قلب عبدي ”فقلب العارف لا تدرك له نهاية،اذ هو محل نظر الله من العبد،وموضع تجليه وحضرة اسراره ،ومهبط ملائكته ،وخزانة انواره ،وبحر علومه،انتهى.
“اشهدني “أي ايقظ قابليتي وفتح عين بصيرتي،فكنت سامعا به،لا باذاني.ناظرا به لا بعياني ،ناطقا به لا بلساني .
يقول ابن عربي :اعلم وفقك الله،أن في قولي “أشهدني الحق” و”قال لي” وقلت له” فالحق صفة من صفات أفعاله،جردها من ملابس حنادس غيوب كلماته، وأرسلها فياضة على حقيقة جوهرية ذاتية،ثم ناداها في الكون فأجابته،إجابة صورة المرآة للناظر،وإجابة الظل لشخصه القائم،فالفعل يثبت الوصف،والوصف يستدعي بطبعه الموصوف،ولايخفى عن العقلاء،أن الباري سبحانه منزه عن قيام الاصوات والحروف بذاته،بل هو سبحانه متكلم على الاطلاق بكلام قديم هو صفة معنى اتصف به في ذاته،لايقال هو،هو،ولا هوغيره، كعلمه وقدرته،وسائر صفاته تنزه سبحانه كلامه عن الصوت والحروف،والتقدم والتأخر…انتهى.
ف”الحق” صفة من صفات الله،منها يصدر الخطاب لصفة الختمية لابن عربي ،يسمع الخطاب في باطنه لاخارجا عنه.
أشهدني الحق بمشهد نور الوجود:
نور الوجود،هو النور المحمدي الاحمدي،هو الذي أنار الوجود، وأخرجه من ليل العدم ،وعرف الخلائق بالخالق.وهو سر وحدة الشهود(فأينما تولوا فثم وجه الله)الذي فتق الحق تعالى به الوجود،الممد لجميع حقائق الوجود،به رحم الوجود ،وتميز العابد من المعبود.
قال تعالى(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)نورالنبوة القديم،وكتاب الله المبين.وقال تعالى(الله نور السموات والارض مثل نوره)فالنور المحمدي مثال لنور الله،وعبد من عباد الله.
قال صلى الله عليه وسلم “أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر”فلهذا النور المحمدي الأحمدي الأولية في الخلق،والأولية في الظهور،والنوريُرى،ويُرى به،فلولاه لم تخرج الدنيا من عدم ” لولاك لولاك ما خلقت الافلاك.
يقول ابن عربي في الصفحة 4 الجزء1 السطر الاول “… كان أول اسم كتبه ذلك القلم الأسمى دون غيره من الأسماء إني أريد أن أخلق من أجلك يا محمد العالم الذي هو ملكك“.
فهذه المشاهد كلها من نور الوجود،وبنور الوجود،و ابن عربي ما هو الا ظل رداء نور الوجود،هو واسطة في تبليغها،والرداء من اسماء الحقيقة المحمدية.
يقول ابن عربي:أوقفني من أوقف كل وارث وعارف،وأمدني بالأسرار الإلهية والمواقف،وأثبتني في ديوان الكشف والظهور،وجعلني أتردد بين سدرة المنتهى والبيت المعمور،إذ هي درجة الصديقية ،الجارية على الأثار النبوية(كتاب المشاهد) انتهى.
يقول الشيخ الأكبرعن الحقيقة المحمدية :…أنها بحور ليس لها سواحل، يستمد منها المخصب والماحل،وتستصحب القاطن والراحل.انتهى.
فأي عارف يستمد علومه من مولانا سول الله صلى الله عليه وسلم،و يقتفي أثره.
أما طلوع نجم العيان.
نجم العيان هو اسم الجلالة” الله“،هو كالشمس،وباقي الأسماء التي تحت حكمه أقمارله،وطلوعه هو استعداده للتجلي، وللظهور،وطلب المألوهين.فالكون كله يسير تحت سلطان تجليات الأسماء الإلهية،هي الماسكة للوجود بأياد خفية،قال تعالى(ياأيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد)فكل ما يفتقر إليه يصب في مقتضى اسم من الاسماء الإلهية،هي غذاء الكون ومدده..
يقول ابن عربي(الفتوحات المكية):… لكل اسم من الأسماء الإلهية،صورة في العلم الإلهي،مسماة بالماهية،أو الأعيان الثابتة في العدم،ولكل اسم منها ايضا صورة في الخارج ،مسماة بالمظاهر،و الموجودات العينية…انتهى.
هذا المشهد يشير الى البسائط الازلية،قبل القبل،فله الأولية والبطون، حيث لا مكان ولازمان،ولاأين ولا آن،ولا أكوان،ويبين ان نورالوجود هو الذي آل بالوجود الى الــعــيــان أي الظهور (فالأسماء الإلهية تطلب صورها)بعد الاصطحاب مع الأسماء الإلهية،ومع الفيضة القرءانية،وبطبيعة الحال الكل من مقتضى القرءان(ما فرطنا في الكتاب من شئ).
وهذا المشهد هو تابع لإسمه تعالى”الحق“ولحضرة محمدية،خطاب باطني من الحق”الصفة”الى الصفة الختمية،لهذا قال ابن عربي فيما بعد”وأنت الشيء بمثلية” فمرتبة الألوهية ظهرت بصفات الشيئية،وكل هذا وراء البرزخية المحمدية(ما كان لبشرأن يكلمه الله إلاوحيا أو من وراىء حجاب).
فمقام الشيخ ،مقام الختمية،له معرفة بمقتضيات الأسماء الالهية(وهذا شرط في الختمية كما يقول)ولايظن أحد أنه يخاطب الله،ويسمع من الله.