الاعمدة السبع للمعرفة (الباب 177 من الفتوحات)
يقول ابن العربي:… ذكر المحاسبي أن “المعرفة” هي العلم بأربعة أشياء: “الله، والنفس،والدنيا،والشيطان”. و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المعرفة بالله ما لها طريق إلا“المعرفة بالنفس”،فقال:“من عرف نفسه عرف ربه)، وقال:(أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه). فجعلك دَليلاً،أي جعل معرفتك بكَ دليلاً على معرفتك به: فإما بطريقة ما وَصفك بما وَصف به نفسه،من ذات وصفات، وجعْله إيّاك خليفة ونائباً عنه في أرضه، وإما بما أنت عليه من الإفتقار إليه في وجودك،وإما الأمران معاً،لا بد من ذلك. فالرسول صلى الله عليه وسلم ،ما أحالَك إلاعلى نفسك،لمّا علِم أنه سيكون الحق قُواك،فتعلمه به،لا بغيره. المعرفة في طريقنا،عندنا،مُنحصرة في العلم بسبعة أشياء،وهو الطريق التي سلكت عليه الخاصة من عباد الله:
الأول “علم الحقائق”،وهو العلم بالأسماء الإلهية.
الثاني“العلم بتجلّي الحق في الأشياء”.
الثالث “العلم بخطاب الحق عبادَه المُكَلّفين بألسنة الشرائع”.
الرابع “علم الكمال والنّقص في الوجود”.
الخامس “علم الإنسان نفسَه من جهة حقائقه”.
السادس “علم الخيال”،وعالَمِه المُتّصل والمُنفصل.
السابع “علم الأدوية والعِلَل”.
فمن عرف هذه السبع المسائل فقد حصّل المُسمّى “معرفة”،ويندرج في هذا ما قاله المحاسبي وغيره في المعرفة.
[فصّل الشيخ الأكبر القول في كل علم من هذه العلوم السبعة،نقتطف منها بعض الأساسيات..]. العلم الأول:العلم
بالحقائق،وهوالعلم بالأسماء الإلهية: وهي على أربعة أقسام:
قسم يدلّ على “الذات”،وهوالإسم العَلَم الذي لا يُفهَم منه سوى ذات المُسمّى،لا يدلّ على مدح ولا ذمّ.وهذا قسم لا نجده في الأسماء الواردة علينا في كتابه ولا على لسان الشارع،إلاالإسم “الله”،وهواسم مُختلف فيه.
وقسم ثانٍ يدلّ على “الصفات”،وهو على قسمين:قسم يدلّ على “أعيان صفات معقولة” يُمكن وجودها،وقسم يدلّ على “صفات إضافية” لاوجود لها في الأعيان.
وقسم ثالث يدلّ على “صفات أفعال”،وهو على قسمين:صريح ومُضمّن.
وقسم رابع “مُشترك” يدلّ بوجه على صفة فعل مثلاً،وبوجه على صفة تنزيه. أما “علم الأسماء الإلهية”، فهو:العلم بما تدلّ عليه ممّا جاءت له،والعلم أيضاً بخواصها. والكلام فيه محجور على أهل الله العارفين بذلك،لما في ذلك من كشف أسرار وهَتْك أستار،وتأبى الغيرة الإلهية إظهار ذلك. بل أهل الله،مع معرفتهم بذلك، لا يستعملونها مع الله.فلو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بالإسم الخاص ويستعمله،لأجابه الله في عين ما سأل، فعَلمنا أن دُعاءه لم يكن بخاصّ الإسم، وتأدّب.ومعلوم عند الخاص والعام أن ثَمّ إسماً عاماً يُسمّى “الإسم الأعظم”،وهو في آية الكرسي وأول سورة آل عمران. ومع علم النبي صلى الله عليه وسلم به،ما دعا به في ما ذكرناه.