للوهلة الأولى يبدو مصطلح (فراعنة الأولياء) صادماً،خصوصاً ارتباطه بالفقهاء الذين يحرسون الشريعة الإسلامية الغرّاء.لكن عندما تستعرض نصوص الشيخ التي يُفصح فيها بنفسه عن مقصوده من هذا المصطلح، وبأنه ينسحب على صنف من الفقهاء،كما فعل ذلك مع صنف من الصوفية المدّعين،سيزول عجبك واستغرابك، وتقول : صدق الشيخ الأكبر فيما ذهب إليه فهو من جوهر الدين في فضح المفسدين المتستترين بالعلم أو بالنّسب..
يقول الشيخ الأكبرفي الفتوحات المكية:…غير أن أصحابنا اليوم يجدون غاية الألم،حيث لايقدرون يُرسلون ما ينبغي أن يُرسل عليه سبحانه كما أرسلت الأنبياء،وإنما منعهم أن يُطلقوا عليه ما أطلقت الكتب المنزلة والرسل عدم إنصاف السامعين من الفقهاء وأولي الأمر،لما يسارعون إليه في تكفير من يأتي بمثل ما جاءت به الأنبياء في جنب الله،وتركوا معنى قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).فأغلق الفقهاء هذا الباب من أجل المدعين الكاذبين في دعواهم، ونِعْمَ ما فعلوا،وما على الصادقين في هذا من ضرر لأن الكلام والعبارة عن مثل هذا ما هو ضربة لازب،وفي ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كفاية لهم.وأما الملوك فالغالب عليهم عدم الوصول إلى مشاهدة هذه الحقائق لشغلهم بما دفعوا إليه،فساعدوا علماء الرسوم فيما ذهبوا إليه،إلا القليل منهم فإنهم اتّهموا علماء الرسوم في ذلك لما رأوه من انكبابهم على حطام الدنيا وهم في غنى عنه، وحُبّ الجاه والرياسة،وتمشية أغراض الملوك فيما لا يجوز،وبقي العلماء بالله تحت ذلّ العجز والحصر معهم،كرسول كذّبه قومه.. اهـ، ويقول: الكامل من أهل الشرع هو الذي أحكم العلم والعمل،فجمع بين الظاهر والباطن. والناقص منهم هم الفقهاء الذين يعلمون ولا يعملون،ويقولون بالظاهر ولا يعرفون الباطن.. اهـ،ويقول في كتابه روح القدس في محاسبة النفس: فإيّاك يا أخي من أن تظنّ في أنّي أذمّ الفقهاء من أجل أنهم فقهاء أو لنقلهم الفقه،لا ينبغي أن يُظنّ هذا بمسلم،وإن شرف الفقه وعلم الشرع لا خفاء به. ولكن أذمّ من الفقهاء الصنف الذي تكالب على الدنيا،وطلب الفقه للرياء والسمعة،وابتغى به نظر الناس ليُقال،ولازم المِراء والجدال،وأخذ يردّ على أبناء الآخرة الذين اتّقوا الله فعلمهم الله من لدنه علماً،فأخذت الفقهاء ــ أعني هذا الصنف منهم ــ في الردّ عليهم في علم لا يعلمونه ولا عرفوا أصوله،ولو سئل أحدهم عن شرح لفظة ممّا اصطلح عليه علماء الآخرة ما عرفها،وكفى به جهلاً.. كما أنّي ذممتُ الصوفية في كتابي هذا ولم أرد به الصادقين،وإنما أعني الصنف الذي تزيّا بريّهم عند الناس وباطنُه مع الله بخلاف ذلك.. ولما كان هذا الصنف من الفقهاء غلبت عليهم نفوسهم وشهواتهم،واستولى عليهم الشيطان،وعلى أيديهم جرى الضّرر على أولياء الله وبشهادتهم هلكوا.. وأما العلماء العاملون المنصفون الراسخون في العلم،فهم السادة الذين هداهم الله،فهم مصابيح الهُدى وأعلام التّقى،وارثو رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل والإخلاص والوصف،الذي صحّ لهم به نسب التقوى. فإذا سمعتني أذمّ الفقهاء في كتاب فإنما أعني به هذا الصنف المدبر،الذي اتبع شهوته وغرض نفسه الأمارة بالسوء،وكذلك ذمّي للصوفية إنما أذمّ هذا الصنف الذي ذكرت،فإن الحلولية والإباحية وغيرهم من هذا الطريق ظهروا وتظاهروا بالدّعاوي واتّصفوا،فهُم قُرناء الشيطان وحلفاء الخسران.. اهـ…
حصل المقال على : 113 مشاهدة