الخطوط العريضة لفهم كلام ابن عربي.

الخطوط العريضة لفهم كلام ابن عربي،ومعرفة منطقه الصوفي.

موضوع لتقريب كلام ابن عربي للقارئ ،فالقارئ يجب عليه معرفة كلامه عن الذات الإلهية،عن الاحدية، عن الأسماء الإلهية،عن الحروف الهجائية،عن مراتب الوجود،عن الوجود والعدم،عن التجليات الإلهية،وأنها تختلف من عصر لاخر،بل من دقيقة لاخرى للوسع الإلهي.اذا فهمت هذه الأبواب جيدا،ينقى ذوقك،ويترقى ادراكك، بإذن الله.

الـذات الإلهـية.

يقول ابن عربي (ج1 ص189)”….فإن العالم يتعدد،والحق واحد لا يتعدد،ولا يصح أن يكون أولاً لنا ،فإن رتبته لا تناسب رتبتنا،ولاتقبل رتبتنا أوليته،ولوقبلت رتبتنا أوليته،لاستحال علينا اسم الأولية،بل كان ينطلق علينا اسم الثاني لأوليته،ولَسْنَا بثان له تعالى عن ذلك،فليس هوبأول لنا،فلهذا كان عين أوليته عين آخريته، وهذا المدرك عزيز المنال يتعذر تصوّره على من لاأُنْسة له بالعلوم الإلهية،التي يعطيها التجلي والنظر الصحيح، وإليه كان يشيرأبو سعيد الخراز،بقوله عرفت الله بجمعه بين الضدين ثم يتلو(هوالأول والآخر والظاهروالباطن) فقد أبنت لك عن سرّ الأزل،وأنه نعت سلبي،وأماسرّالأبد فهو نفي الآخرية،فكما أن الممكن انتفت عنه الآخرية، شرعاً من حيث الجملة،إذ الجنة والإقامة فيها إلى غير نهاية، كذلك الأولية بالنسبة إلى ترتيب الموجودات الزمانية معقولة موجودة ..انتهى.

 

قلت :أول مايجب على القارئ لكتب ابن عربي أن يعرف،هوأن ابن عربي لايعتبر الذات الالهية مرتبة وجودية،فلا كلام له عنها.فمعرفتنا بالذات معرفتنا بأنها موجودة وكفى،ولايلحق بها وصف،ولا تتعلق بها عبارة ولاتصلهاالاشارة، باطنة (بطونا نجهله)وراء حجاب الأحدية،ووراء حجب الحقيقة المحمدية،وتجليات الأسماء والصفات الإلهية.اصطحاب النور المحمدي الأحمدي مع الأسماءالإلهية،ومع الفيضة القرءانية،هو الذي وهب للوجود صفة الوجود،(كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني.انتهى.

يقول ابن عربي في الفتوحات: “… الحق بين الخلق وبين ذاته الموصوفة بالغنى عن العالمين.فالألوهيه في الجبروت البرزخي، فتقابل الحق بذاتها،وتقابل الخلق بذاتها، ولهذافلها التجلي في الصور الكثيرة، والتحول فيها والتبدل.فلها الى الخلق وجه به يتجلى في صورالخلق،ولها الى الذات وجه به تظهر للذات…ولايعرف من الحق غيرهذه الاسماء” انتهى.

قلت : الألوهية أي مرتبة اسم الجلالة “الله” لها وجهة حقية،متجهة للذات الأحدية،ووجهة خلقية تنظر الى المخلوقات(ومن هذه الوجهة ظهرت بصفات بشرية،كالمكر،والضحك، والاستهزاء،والكيد،والهرولة…)والاسماء الإلهية لها تجل في صورالوجود،اذ الوجود كله من مقتضياتهافهي فاعل،والكون منفعل،ولا دخل للذات الإلهية، لافي الفعل ولا في الانفعال لغناها المطلق،فلايمكن ان تكون مرتبة وجودية.فكما ترى الذات الإلهية ليست من الوجود ،وجودها لا معرفة لنا به،فعلى من تقع وحدة الوجود؟هذا افتراء كبير على ابن عربي.
خصوصا وابن عربي يعطي للألوهية تصورا حسيا،كأن لها وجودا ماديا كقوله”هوالظاهر في المظاهر” وابن عربي يحذرنا من أن لانسقط في غيابات هذه التعبيرات الحسية،وأن ننفد الى باطن الكلام،وهويميل كثيرا إلى هذا التصوير الفني،فتراه يرسم الدوائروالتخطيطات والاشكال في الكثيرمن كتبه،يقول في (انشاء الدوائر) “المعنى اذا ادخل في قالب الصورة والشكل،تعشق به الحس،وصار له فرجة يتفرج عليها ويتنزه فيها ….انتهى .
الاحــديــة.
الأحدية كذلك ليست مرتبة وجودية بالنسبة لابن عربي.
في كتابه(إنشاء الدوائر)لم يجعل الأحدية،لامن اسماء الذات،ولامن اسماء الصفات وجعل الواحد من اسماء الذات. يقول …“فوجدنا الذات الإلهية،منزهة عن أن يكون لها بعالم الكون والخلق والامر مناسبة،أوتعلق بنوع ما من الانواع ،لأن الحقيقة تأبى ذلك،فنظرنا ما الحاكم المؤثر في هذا العالم فوجدنا الأسماءالإلهية، فأبقينا الذات المقدسة على تقديسها وتنزيهها..”

قلت :فكما ترى فهو يجعل الظهور للأسماء الإلهية،والتأثيرلها،وينزه الذات الالهية،بل وينزه حتى اسم الجلالة “الله” الجامع لمعاني الأسماء،ويتركهه على منزلته من التقديس(ولهذاصنف الألوهية من دوائر البطون في مراتبه)ويضيف أنه عندما يتكلم عن الألوهية فهو لايقصد الذات الإلهية،إنما يتكلم عن مقتضى الإسم التابع حكمه لإسم الجلالة ،ويأخذ المسألة من جهة ذلك الاسم(كقول القائل ياالله اشفني فإنه يقصد اسمه الشافي)فهويتلون مع الاسماء.

بالاصطحاب اكتسب نورالنبوةصفات الأسماء الإلهية،واكتسبت الأسماء الإلهية صفات النورالمحمدي،ليتمكن النور المحمدي من التجلي بهم،وليظهر المستخلف(محمد)بصورة من استخلفه “من راني فقد راى الحق”.(وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى) فكان الرامي الربوبية في صورة محمدية.وللإشارة، وهذا بأهمية بمكان،أنه لم يقع الاصطحاب بين النورالمحمدي،واسم الجلالة “الله”إنما مع 98 الباقية،إذ لوكان الاصطحاب لاتصف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بصفات الالوهية ،وهذا يستحيل.فهوعبد من عباد الله،ألبسه الله تعالى حلل الأسماء، وحلةالقرءان،والعبديةأعظم مقام اتصف به النور المحمدي،وهي أول مرتبة نبوية.وإذا فهمت هذا اطمنئنت عليك من أوحال التوحيد”فأَلْقِ بالك واشحذ فؤادك، واشكر الله .

الأسماء الإلهـية

يقول في انشاء الدوائر”… فالإمام المقدم الجامع اسمه”الله”فهو الجامع لمعاني الاسماء كلها وهودليل الذات، فنزهناه كما نزهنا الذات،وأيضا فإنه من حيث ما وضع جامع الأسماء  لِكَوْنٍ ما،من الأكوان،ما نأخذه من حيث ما وضع(أي دليل على الذات)وإنما نأخذه من جهة حقيقة ما،من الحقائق التي هو مهيمن عليها،ولتلك الحقيقة اسم يدل عليها من غيراسم الله،فلنأخذها من جهة ذلك الاسم(قلت :كقولنا يا الله اشفني فإنا نقصد اسمه الشافي الذي لايحتمل غيره مقتضى الشفاء)، ونبرزالكون منها ونترك اسم “الله”على منزلته من التقديس ،فإذا تقررهذا وخرج الاسم الجامع عن التعلق بالكون،وبقي على مرتبته حتى لاتبقى حقيقة إلابرزت، فحينئد يظهر سلطان ذاته كليا.فأَلْقِ بالك واشحذ فؤادك،واشكر الله الذي سخرني لك، حتى علمت من الوجود ماغاب عنه اكثر الخلق، بأقرب محاولة و أصح مثال .انتهى.

قلت: أول من قال أن الاسماء الإلهية هي الفاعلة في الوجود،الشيخ ابن قسي، وهوأول من تكلم على مراتب الوجود. فالأسماء الإلهية هي المتجلية في الوجود،والكون كله من مقتضياتها صغيرها وكبيرها،جليها وخفيها، ظاهرهاوباطنها. العدم هو الذي يستثنى من التجليات الإلهية،وهوإسم على غير مسمى.                            الأشياء تخرج بعد التجلي من وجود علمي إلى وجود عيني قال تعالى (إنما قلنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)وسماه شيئا،وهو غيرموجود، وخاطبه،وسمع خطابه،وامتثل الأمر “فكان”وكل إنسان يسير تحت مقتضيات الأسماء الإلهية ،بل كل الخلائق،وتتغير تحت تأثيرها،إلا الجماد ما سمي جمادا إلا لجموده تحت تجل واحد لا يتغير.

أماالنبوة المحمدية فلا تأثير للأسماء الإلهية عليها،لأنها طرف في التجلي،في حين الوجهة الخلقية تحت تاثير الأسماء،فجاع،وهاجر،وتزوج وولد….صلى الله عليه وسلم.

فمثلا :من الناس من كان التجلي عليه  بالاسم “المصور”فأصبح يعرف كيف يرسم لوحات رائعة،دون أن يكون دخل مدرسة، بل منهم من كان أميا(الاشخاص العصاميين).. وبعض الحشرات تستمد من العقل الأول، كالنحل،والعنكبوت، والطيور،والأسماك المهاجرة.

قال تعالى(ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها).أي تحت حكم إسم الجلال “الله” الاسماء 98 هورئيسها،وهو لم يشمله الاصطحاب.أما نقيب الأسماء الإلهية،فهو الاسم الرحمن (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيما تدعوا فله الاسماء الحسنى)فالرحمن نائب الرئيس،واقتضى هذا أن يليه في مراتب الوجود،واقترن أكثر من 120 مرة مع اسمه تعالى” الرحيم”،فوجب أن تكون الرحيمية بساطا تحت سلطة البساط العام :بساط الرحمانية(بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن علم القرءان)رحيم بين رحمانين، اقتضى هذا أن يكون بساط الرحيمية، داخل بساط الرحمانية،وجزء منه يخص المومنين.

فابن عربي يميزبين الذات الالهية في أحديتها،ومرتبة الألوهية في تجلياتها، وطلبها المألوه .فحقق هذا تفز،ففي مرتبة الألوهية خرجت الأسماء والصفات الإلهية،من بطونها وطلبت أن تعرف،وأن تظهر في الموجودات،علما وقدرة،ورزقا وكلاما وهذا يقتضي وجود اعيان ثابتة(حسب تعبيرابن عربي)تسمع الأمر الإلهي”كن” وتمثتله. فالذات الإلهية لا موصوفة ولامسماة،ولا صورة لها،فهي في أزل لا أول له،إلا أن ثنائية الصفة والموصوف من جهة يوجب لها بداية، وتعلق الصفة وتحققها في الوجود من جهة أخرى يوجب لها بداية كذلك(فالصفة ملازمة للموصوف).هذا التعلق هو الذي عبرعنه ابن عربي بالاثنينية عندما قال”….إذ لا تُعقل النسبة إلا باعتبار الاثنينية”.اه.فالاسماء والصفات الإلهية،حدود نفوذها مرتبة الألوهية.

يقول ابن عربي: (ف ح 1/163)…. ولو كانت الصفات أعياناً زائدة وما هو إله إلا بها لكانت الألوهية معلولة بها،فلايخلوأن تكون هي عين الإله،فالشيءلايكون علة لنفسه أولا تكون،فالله لايكون معلولاً لعلة ليست عينه،فإن العلة متقدّمة على المعلول،بالرتبة فيلزم من ذلك افتقارالإله من كونه معلولاً لهذه الأعيان الزائدة،التي هي علة له وهو محال ثم إنّ الشيء المعلول،لايكون له علتان،وهذه كثيرة ولايكون إلهاً إلابها فبطل أن تكون الأسماء والصفات أعياناً زائدة على ذاته تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا…. ويرى ابن عربي ان هناك صفة ثبوتية واحدة للذات الالهية،هي الاستغناء الذاتي في مقابلة الافتقارالذاتي للمخلوقين.

والأسماء الإلهية متضادة متشاجرة فيما بينها،وكل اسم يجر لدائرته،ولاتعطيل لدائرة من الدوائر الكونية ،قال صلى الله عليه وسلم“لولم تذنبوا لذهب الله بكم،وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم “. واعلم أن الله تعالى ما أوجد شيئا إلا أوجد له مثلا،وضدا وخلافا.فمثال المثلين البياضان،ومثال الصدين السواد والبياض،ومثال الخلافين اللون والرائحة والطعم في محل واحد.فلا تعترض على شيء في الوجود واترك العباد وخالقهم، هوأعرف بهم،وبما يليق بهم.

الحروف الهجائية
يشير في الفتوحات أن هذه الحروف التي تتوازى مع مراتب الوجود،والأسماء الالهية هي أرواح ملائكة تتسمى بأسماء هذه الحروف،وهذه الحروف الملائكة هي التي تحفظ هذه الأسماء الإلهية،وتحفظ مراتب الوجود المرتبطة بها،أوقل بعبارة أخرى إن هذه الحروف الالهية هي باطن الأسماء، وباطن مراتب الوجود في نفس الوقت،أما حروف لغتنا البشرية المنطوقة والمكتوبة، فهي تمثل أجساد هذه الحروف الأرواح، وصورها الظاهرة….وتسمى هذه الملائكة الروحانيات في عالم الارواح بهذه الحروف….وبهذه الأرواح تعمل الحروف لابذواتها أي صورها.. ويحكي ابن عربي أنه اجتمع مع مَلَك القاف،وهو ملك عظيم…وما منهم ملك إلا وقد أفادني…. انتهى.

فلكل اسم روحانية ملك تحفظه،وتقوم به،وأولهم ملك الهاء…ثم الهمزة وملك العين المهملة …وهذه الحروف تعمل بأرواحها .اخ … والهاء والهمزة يعتبرهما ابن عربي من عالم العظمة أي عالم الجبروت،أما حروف عالم الملك والشهادة ،فهي الباء والميم والواو،توازي مرتبة الجن،والبشر،وآخر مراتب الوجود. انظر الفتوحات( ج1ص 85ص…ج2 ص 395 ص421 469).

فبالنسبة لابن عربي مقتضيات الأسماء الإلهية كلها كلمات الله.                                                        يقول ابن عربي في هذا المقام :اعلم أنّ الممكنات هي كلمات الله التي لاتنفد،وبها يظهر سلطانها الذي لايبعد، وهي مركبات، لأنّها أتت للإفادة فصدرت عن تركيب يعبّر عنه باللسان العربي بلفظة (كن)فلايتكون منها إلا مركب من روح وصورة،فتلتحم الصور بعضها ببعض لمابينها من المناسبات…والمادة التي ظهرت فيها الكلمات هي نفس الرحمن ولهذا عبّر عنه بالكلمات.انتهى.                                                              ومن هنا يرى ابن عربي أن الوجود قد نشأ حروفا في(النْفس الإلهي).أرادت الألوهية أن ترى نفسها في صورة غيرذاتها،فتكونت مراتب الوجود الأساسية،كما تنتظم اللغة في النفس الإنساني،فإذا استوت الحروف، أمكن تكوين الكلمات،واذا استوت بالمثل مراتب الوجود الأساسية،امكن ظهور الموجودات…انتهى (الفتوحات).          أليست الموجودات في النهاية هي كلمات الله ؟(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)ولهذا رتب الوجود على حسب الحروف الأبْجدية الثمانية والعشرين،توازي كل مرتبة منها حرفا من حروف اللغة.فوازى بين الحروف العربية والوجود،ووازى بين مراتب الوجود والأسماء الإلهية، فلكل دائرة اسم الإلهي مدبر،والرابط بين مراتب الوجود وحروف اللغة،عند ابن عربي نابع من تصوره للعماء على أساس أنه النفس الرحماني،فكما تتشكل حروف اللغة،وكلماتها في النفس الانساني،كذلك تتشكل الموجودات في العماء.

فالموجودات كلمات الله،لها وجه الى القدم من حيث وجودها في علم الله الأزلي،ولها وجه الى الحدوث من حيث ظهورهافي صورالوجود.وابن عربي يجعل الإنسان اخرالموجودات ويجعل المرتبة 18 للنار،و19للهواء و20 للماءو21 للتراب وبهذا فهو يتبع الترتيب السيميائي [نهمت]كالمشارقة،أما المغاربة فيتبعون (نــتــرم)(وقد سبق وأن بينت سبب الاختلاف).ومما انفرد به ابن عربي ولم أجده عندغيره قوله أن الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلفون،وفيهم رسل من جنسهم،ولهم شريعة تعبدوا بها،ولهم لطائف وكثائف، وعليهم من الخطاب الأمر،ليس عندهم نهي،وفيهم عامة وخاصة وخاصة الخاصة (ج1 ص 58).

ويقسم ابن عربي هذه الحروف على عالم الملكوت،وعالم الجبروت،وعالم الملك، وعالم الشهادة،ويحتفظ ابن عربي لعالم الخيال بالحركات،دون الحروف الصوامت،فمثلا حروف عالم الملك والشهادة هي الفاء، والميم، والواو،وهي الحروف التي توازي مراتب الجن والبشر، ومرتبة المرتبة،والتي هي اخر المراتب الوجودية.(الفتوحات ج1 ص 57 وج 2 ص 421- 469، و 395،ومتفرقات في الفتوحات) انتهى.                             وهذه الحقائق فوق طورالعقل،تدرك بالكشف،وبالفتح الرباني،بحرلا قعرله، فالتسليم أولى

وتباعا لعدد الحروف الهجائية ،حصر ابن عربي مراتبه في عالم الظهور في 28 مرتبة لاتزيدولاتنقص على عدد الحروف، من أجل النفس،فأول ذلك العقل وهوالقلم، وهو قول النبي أنه “أول ما خلق الله العقل”،وفي خبر آخر”أول ما خلق الله القلم” (الحديث). فكان أول خلق،خلقه الله من النفس،الذي هو العماء القابل لفتح صور العالم فيه،العقل وهو القلم،ثم النفس، وهواللوح،ثم الطبيعة،ثم الهباء،ثم الجسم، ثم الشكل،ثم العرش،ثم الكرسي،ثم الأطلس،ثم فلك الكواكب الثابتة،ثم السماء الأولى،ثم الثانية،ثم الثالثة،ثم الرابعة،ثم الخامسة ثم السادسة، ثم السابعة،ثم كرة النار،ثم كرة الهواء،ثم كرة الماء،ثم التراب، ثم المعدن ،ثم النبات،ثم الحيوان،ثم الملك، ثم الجن، ثم البشر،ثم المرتبة، والمرتبة هي الغاية في كل موجود.

ان مراتب الوجود المتنوعة،تمثل حجبا على الذات الأحدية الباطنة،فبالنسبة لابن عربي العقل الأول،هوأول مراتب الوجود، ويمثل الإنسان اخر مراتب الوجود،وأرقاها من حيث تجليات الاسماء الالهية،وليست الاخرية هنا زمانية ،اذ لامدخل للزمان في تصورابن عربي للكون،ولكن يقصد بها اجتماع كل حقائق الاسماء الإلهية،في هذا الموجود واكتمال دائرة الوجود. فللإنسان باطن تابع للأسماء الإلهية الباطنة فيه ،جمع بين الصورة الالهية(خلق الله ادم على صورته)وظاهر بظهورمقتضياتها،فله ظاهر وباطن،ولروحه الأولية (لأنه من روح الله)وله اخرية الظهورفي الكون.قال تعالى (سبحان الذي بيده ملكوت كل شئ)فللإنسان ملك وملكوت.فالكون صورة لحقيقة الأسماء الإلهية،والإنسان كذالك، فهو كون مصغر،تعددت التجليات وأدى هذا الى اختلاف بني ءادم في الوانهم، والسنتهم،وطبائعهم،ودياناتهم،وحرفهم… وكونه على الصورة الرحمانية(الأسماء)وعلى الصورة الكونية(كون مصغر)لايعني أن هناك اتحادا أو وحدة وأوحلولا.الرب رب الى ما لا نهاية،والعبدعبد الى مالا نهاية ،وسيضل مفتقرا،افتقارا ذاتيا الى خالقه،ولايجتمع خالق ومخلوق في وجه من الوجوه،أبدا أبدا،أبدا.
والإنسان الذي يوازي بين الصورة الرحمانية التي هو عليها،ومتخلق،ومتحقق بالأسماء الالهية،ويعطي الصورة الكونية حقها في امتثال أوامر الله…هو الإنسان الكامل،هومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،وحسب ذوقي هذا المصطلح لا يتماشى مع صفات النبوة المحمدية ،لإن كلمة “الإنسان”جمعت الصفات المذمومة (كفورا،ضعيفا، جهولا،هلوعا….)فهو صلى الله عليه وسلم :البشر الحقاني الكامل. فالوجود يستمد استمراريته من هذا الروح الكلي،والبرزج النوراني.علاقة الامداد من جانب، والاستمداد من جانب(كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا).

مراتب الوجود(باختصار).

ابن عربي يقسم الوجود الى ظاهر وباطن:
مستوى البرزخ الاعلى :
هو عالم البطون،يسميه البرزخ الاعلى،أو برزخ البرازخ ،وتندرج في هذه بالتوالي: الألوهية،مرتبة العما،حقيقة الحقائق الكلية،الحقيقة المحمدية.
مرتبة الالوهية:وهي مجموع الأسماء الالهية الفاعلة في الوجود،والكون كله من مقتضيات تجلياتها.لها وجهة الى الذات الأحدية،ووجهة الى العالم .
فعند ابن عربي،كل حكم يثبت في باب العلم الالهي للذات،أنما هو للالوهية وهي احكام ونسب واضافات (لاأعيان) وسلوب فالكثرة في النسب لافي العين ،وهنا زلت أقدام من شرّك بين من يقبل التشبيه وبين من لايقبله عند كلامهم في الصفات…”(ف ح 1/41)
–مرتبة العماء او الأعيان الثابتة:.قال ابن عربي “العما أصل الاشياء والصور كلها، وهو اول فرع ظهر من أصل(ج3 ص 420.)والعما عند ابن عربي يمثل وسيطا بين الوجود المطلق والعدم المطلق.
–مرتبة حقيقة الحقائق الكلية: هي الأحمدية فالقرءان هوحقيقة الحقائق الكلية.
— الحقيقة المحمدية:وسيط برزخي بين مرتبة الالوهية والخلائق،فلها وجهة حقية ووجهة خلقية.
مستوى عالم الامر:مراتب وجودية كلها ظهور.
في هذا المستوى تظهر فعالية الأسماء الإلهية،في ايجاد أعيان الممكنات،وترتبط كل مرتبة وجودية بمرتبة معرفية،يعبرعنها برمزية حرف من حروف اللغة،عددها28مرتبة (هو كذلك عدد منازل القمر) يبدأ ابن عربي بالعقل الاول /القلم الاعلى.الاسم المدبر لهذه المرتبة هو اسمه تعالى البديعوالحرف : الهمزة.
2 النفس الكلية / اللوح :لهااسمانمدبران:الباعث،الباطن.وحرفان :الهاء والعين.
وهكذا(انظر التفصيل بالمدونة)…ويجعل في المرتبة 26،الجن والاسم :اللطيف والحرف:الباء.
والمرتبة 27 للبشر .الاسم:الجامع .أما الحرف فالميم.والمرتبة 28.هي للإسم:رفيع الدرجات. وحرفها: الواو. ويقول ان الواو غاية حروف النفس(أي مخرجه اخر الشفتين).
ولاينبغي فهم هذه الدوائرعلى اساس التدرج الزمني ،فليس في حق الله ماض ولاحاضرولامستقبل،الأزمنة كلها في حقه متساوية،فالزمن أمر مرتبط بعالم الحس، ولامدخل له في حقائق الألوهية،إنه مفهوم نسبي محدث مخلوق (ف ح ج 1 ص 291). ويقول أن الحروف التي تتوازى مع مراتب الوجود،والأسماء الإلهية ملائكة ،هي التي تحفظ هذه الأسماء،وتحفظ مراتب الوجود المرتبطة بها،ليست هي حروف لغتنا الإنسانية،بل هي أرواح وملائكة تسمى بأسماء هاته الحروف.أما حروف لغتنا البشرية المنطوقة والمكتوبة،فتمثل أجساد هذه الحروف الأرواح وصورتها الظاهرة…اهــ.

ومن هنا ظهرعلماءالحروف،والعالم العارف بخصائص الحروف يمكن أن يسخر هذه الملائكة في بعض المهام،وبالمغرب مازال يوجد علماء متضلعين في هذا العلم ،وفي علم الاوفاق،وخصائص واسرار الحروف، منهم من لاعلاقة له بالتصوف،يلتقون مع اهل التصوف في كثرة الذكر،والعزلة،وقلة الأكل. الفرق بينهما أن اهل التصوف يجودون بما عندهم من علوم ومعارف، للاخر اذا طلبه،وهؤلاءلايعطون علومهم إلا ناذرا،يورثونها لأبنائهم ان كان فيهم استعداد لذالك.                                                                                           ولا ينبغي فهم هذه الدوائرعلى اساس التدرج الزمني بمعنى ان الذات كانت موجودة ثم تبعتها الأحدية والألوهية ووو….فليس في حق الله ماض، ولا حاضر،ولامستقبل،الأزمنة كلها في حقه تعالى متساوية،فالزمن امر مرتبط بعالم الحس،وكلمة الأزل نعت ينفي عن الله الأولية،وهو استمرار الوجود ودوامه في أزمنة غير متناهية،في جانب الماضي.أما الأبدي فما لا آخرله،والسرمدي من لا أول له ولا آخرله.

الوجود والعدم.
العالم برز من وجود علمي الى وجود عيني،فهو قديم في العلم الالهي،محدث في الحس، معدوم في الوجود الحسي موجود في الوجود العلمي،أي معدوما بالنسبة لمرتبة ما من مراتب الوجود، موجودا بالنسبة لمرتبة اخرى(ابن عربي انشاء الدوائر).
الله تعالى هو الواجب الوجود،غيره ممكن الوجود.وجوده مرتبط بالأسماء الإلهية فهوعدم ظاهر.
يقول ابن عربي في (كتاب مشاهد الانوار القدسية ومطالع الاسرارالالهية).قيل لي :من انت.؟ قلت :أنا العدم الظاهر.قيل لي : والعدم كيف يصير وجودا،لو لم تكن موجودا لما صح وجودك؟قلت: ولذلك قلت أنا العدم الظاهر،أما العدم الباطن فلا يصح وجوده.

يقول: لكل اسم من الأسماء الإلهية،صورة في العلم الإلهي،مسماة بالماهية،أو الأعيان الثابتة في العدم،ولكل اسم منها ايضا صورة في الخارج،مسماة بالمظاهر، والموجودات العينية (الفتوحات المكية).   ويقول في (الباب 514)… فلا يُقال فيك: موجود،فإن ظلّ العدم فيكَ يَمنع من هذا الإطلاق أن تستحقّه،استحقاق من لا يقبل العدم. ولا يُقال فيك:معدوم،لأن ضوءَ الوجود الذي فيك يمنع من هذا الإطلاق أن تستحقّه، استحقاق من لا يقبل الوجود. فأنت جامع الطرفين،ومظهر الصورتين، وحامل الحُكمين،لولاك لأثّر المُحال في الواجب وأثّر الواجب في المُحال،فأنت السدّ الذي لاينخرم ولا ينفصم. فلو كان للعدم لسان لقال: “إنّك على صورته”، فإنه لايرى منك إلا ظِلّه…فإنه رأى فيك صورتَه.فعَلِمَك بك لنوره،وجَهلك العدم المطلق لظِلّه.فأنت المعلوم المجهول، صورةالحقّ،سواء. فتُعلَم من حيث رُتبتك،لا من حيث صورتك.إذ لو عُلمت من حيث صورتك لعُلم الحقّ،والحقّ لا يُعلَم. فأنت من حيث صورتك لا تُعلم،فالعلم بك إجمال لا تفصيل.. ] اهـ

قلت:فالأشياء في حالة عدمها مشهودة لله،ومعروفةعنده،لايخفى عليه شيء من أمرها.هذه الأعيان الثابتة في العدم،ليس لها من الوجود،الا سماع الأمر الالهي وامتثاله.
قال تعالى (انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون)”فسماه شيئا وهو معدوم ،وخاطبة وهومعدوم وأمره وهو معدوم“أن نقول لـــه“، وسمع الامر، وامتثل.فالاشياء في حال عدمها معلومة لله،مشهودة له لا يغيب عنه شئ منها.

قال تعالى(هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)”لم يكن شيئا مذكورا” لااسم ولا صفة له،نفى عنه الشيئية، فالأمريتعلق بالمعدوم ،اذ لو تعلق بالموجود لكان من باب تحصيل الحاصل. قال تعالى(وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم)خزائن الأسماء الإلهية في عندية الحق،فالاسماء الالهية هي التي تجعل منه شيئا مذكورا،له صورة واسم وحقيقة.والتجلي هو الذي سيظهره ويخرجه الى الوجود، والأمر الإلهي هو الذي يفَعِّل التجلي،(برفع الياء وتشديد العين وكسرها)والتجلي هو الذي سيظهر الشيء،ويخرجه من العدم وفق الإرادة الإلهية،وهذه الأعيان الثابتة في العدم ،بعد التجلي تصبح من المظاهر الوجودية،ومن الموجودات العينية،ومقتضى من المقتضيات الكونية،فالتجلي يخرج الشيء من وجود علمي الى وجود عيني.
بدأ الشيخ الأكبر خطبة الفتوحات بقوله:“الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمِه... أوجد الاشياء عن عدم: فكل الاشياء سبقها العدم.”عن عدم وعدمِه”،وكأنه يشير الى ان الله تعالى أوجد الأشياء عن عدم وعن وجود،اذ لا وجود للعدم عند الله .العدم اسم على غير مسمى.اذ لوكان هذا العدم موجودا،ماكان عدما. وهذا معنى قوله:(عن عدم وعدمه)
فالاشياء قبل ظهورها موجودة في علم الله ومشهودة له، لايخفى عليه شيء منها..لأن الله تعالى على كل شيء قدير.
فالعدم بالنسبة للأشياء هو وجودها في العلم الالهي،في انتظار التجلي الذي سيظهرها.فهي في وجود علمي ينتظر الخروج الى وجود عيني،أي لم تمر من خزائن الأسماء.الشيء ليس له صورة ،وغير مقيد بصفة 
.ولا له حقيقة تدرك،لا يحق في حقه الا النفي ،والنفي لا ينتج من وراءه حاصل.

وعلى هذا الاساس ففي حقيقة الأمر، الوجود كله ينتمي لله وحده ،وما سواه “عدم” في ذاته ووجوده،إنما هو بقدرما يتجلى عليه الحق تعالى بأسمائه،فإذا تجلى عليه بإسمه المميت انتهت حياته، وانتهى وجوده،وبهذا قالوا ان الوجود الحق واحد والمخلوقات في ذاتها لاتمتلك الوجود،والوجود مستعار لها(العارية الوجودية) فالوجود الحق لله الواحد،وما سواه يستمد منه وجوده وهو في ذاته عدم،وخروجه الى الوجود تابع لتجلي اسمه تعالى الخالق ثم البارئ…
فوجودها محدود،مقيد،مشروط.
يقول ابن عربي(باب العلم)وهذه الأعيان الثابتة في العدم لاتمتلك من خصائص الوجود شيئا سوى القابلية لسماع الخطاب الإلهي والإستجابة له.انتهى.
بمعنى انها مشهودة لله في حال عدمها.                                                              ويقول في الفتوحات ج1 ص168 الأعيان المعدومة “….ولم يكن للأعيان في حال عدمها شيء من النسب إلا السمع ،فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها ،لقبول الأمر الإلهيّ إذا ورد عليها بالوجود، فلما أراد بها الوجود قال لها كن، فتكوّنت وظهرت في أعيانها فكان الكلام الإلهيّ أوّل شيء أدركته من الله تعالى بالكلام الذي يليق به سبحانه فأوّل كلمة تركبت كلمة كن ….”انتهى.
واذا اخبرنا ابن عربي عن “الأعيان الثابتة في العدم”فالجيلي يحدثنا عن” العارية الوجودية” في الأشياء،فيقول ماهي إلا نسبة الوجود الخلقي إليها ،مع كون الوجود الحقي أصل لها في الحقيقة،فقد اعطى الحق تعالى للأشياء وجودا من ذاته(الالوهية)لتظهر بذلك اسرار الألوهية في الكون،فالوجود الحقيقي لا ينسب الا لله تعالى وحده،أما ما عداه فموجود بهذه الصفة الإضافية وظاهر بتلك العارية.انتهى.

ويعرف الجرجاني”الأعيان الثابتة في العدم” يقول :والعين الثابتة كماهي حقيقة،في الحضرة العلمية ليست بموجودة في الخارج، بل معدومة ثابتة في علم الله تعالى”،ويقول في موضع آخر من معجمه:“الأعيان الثابتة هي حقائق الممكنات في علم الحق تعالى،وهي صور حقائق الأسماء الإلهية في الحضرة العلمية لاتأخّرلها عن الحق إلا بالذات لا بالزمان،انتهى.

كما أن أهل الله يسمون الاحدية عدم .قال شيخي رحمه الله تعالى في بعض تغزلاته:
الحمد لله الذي اوجد عن =عدم المحض صفي الانوار.

لانعدام الأسماء في بساطها،وانعدام التجليات،فلا تلحق بها النسب الوجودية. لهذا أضاف اهل الله نعت “القدم في كلامهم كأن يصفوا الاحدية بالقدم ،أونور النبوة.هو نعت يفيد ان الحق تعالى غير مسبوق بالعدم.أو نور النبوة قديم اي غير مسبوق بالعدم ..أما الازل: فهو نفي الاولية عن الله تعالى ،وهذا النعت لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،ويعني ان لا اولية لله تعالى .الابد: نعت ينفي الاخرية عن الحق تعالى.
أما المعدوم الحقيقي الذي لاصورةله، ولااسم،ولارسم له،ولاجودله،لاعلمي وبالاحرى عيني ،فهو وجود إله مع الله ،والصاحبة،والولد،والشريك.
:“” كان الله ولا شيء معه“؟(السؤال 23 من اسئلة الترمذي):واعلم ان الحق تعالى لا تصحبه الشيئية ولا تنطبق عليه،وكذلك: “هو ولا شيء معه” فإنه وَصْف ذاتيّ له: سَلْب الشيئيّة عنه،وسَلب مَعيّة الشيئيّة. لكنه مع الأشياء وليست الأشياء معه،لأن المَعيّة تابعة للعلم:فهو يَعلمنا فهو مَعنا، ونحن لا نَعلمه فلسنا معه.اعلم أن لفظة “كان” تُعطي التّقييد الزماني،وليس المُراد هنا به ذلك التقييد،وإنما المراد به الكون الذي هو الوجود. فتحقيق “كان” أنه حرف وجوديّ،لا فعل يطلب الزمان

كلام ابن عربي تابع لتجليات زمانه.
قال أهل الله:قف حيث وقفوا ثم احكم …وقال اخرون :لا يفهم كلام الأقطاب إلا الأقطاب.ومن الصعب الوقوف حيث وقف ابن عربي.فقد طرق الكثير من أبواب المعرفة الصوفية،والعلوم اللدنية،والكثير من الأبواب فُتحت له.وهوختم ،ومن اصحاب وحدة الشهود،فما يرى ببصيرته،يصعب شرحه لمن لم يمر بالمجاهدات التي مر منها ابن عربي،ولم يتتلمذ على شيوخ كبار في التصوف،فابن عربي كان له كذاك شيوخ (اثنان) من النساء….قدس الله سره اعطى انطلاقة قوية للتصوف.

وعلى العموم لفهم كلام ابن عربي يجب فهم كيف يرى تسلسل مراتب الوجود، وكيف يرى الأحدية في هذا الترتيب،وأنه يرجع الوجود كله على مرتبة الألوهية ،لاعلى الأحدية ولاعلى الذات الإلهية، ويرجع كذالك ظهورالأعيان الثابتة كما يسميها(وهو مصطلح أول من استعمله المعتزلة)الى تجليات الأسماء الإلهية،وكيف يتلون مع الأسماء وهذا سماه العارفون :مقام التلوين(وهناك مقام التمكين).
ويجب معرفة أن بعض كشوفات ابن عربي ،خاصة به،ومتعلقة بتجليات زمانه فلا تتعب نفسك في تذوقها وفهمها، فالتجليات تتغير،والوجود لا يثبت على تجل واحد (كل يوم هو في شان) هذا لافتقار الوجود إلى خالقه.فلوأدركت مقام ابن عربي،وكشف لك عن المسالة التي راى ابن عربي لرأيتها من زاوية مخالفة، وبتجل مخالف،فلا يتجلى الحق تعالى لشخصين بنفس التجلي للوسع الإلهي،ولو تَكَلَّمتَ عنها لاختلفت معه في المبنى واتفقتما في المعنى،وربما زدت عليه لأن التجليات في ترق..

يقول ابن عربي : إن الانسان الكامل صاحب المعرفية القلبية،هووحده القادرعلى ادراك الحقيقة في ثباتها ،وتنوعها،ووحدتها،وكثرتها،وذلك لأنه على صورة الحق،أما الانسان العادي الحيواني فعليه أن يقنع بالتسليم بما جاء به الشرع دون محاولة للتأويل أو إعمال العقل حتى لا يزيغ…

وفي الباب التاسع:(معراج الإنسان في سُلّم العرفان):والإنسان،في وَقت رُقيّه في سُلّم المعراج،يكون له تَجلّ إلهي بحسب سُلّم معراجه. فإنه لكل شخص من أهل الله سُلّم يَخُصّه،لا يَرقى فيه غَيره. ولو رَقِيَ أحد في سُلّم أحد، لكانت النبوة مُكتسبة،فإن كل سُلّم يُعطي،لذاته،مرتبة خاصة لكل من رَقيَ فيه،ولكانت العلماء تَرقى في سُلّم الأنبياء،فتنال النبوة برُقيّها فيه.والأمر ليس كذلك. وكان يزول الإتّساع الإلهي بتكرارالأمر،وقدثَبت،عندنا،أنه لا تكرار في ذلك الجَناب.انتهى.

الخطوط الغليظة

 تكلمت عن الخطوط العريضة،لفهم كلام ابن عربي،فما هي الخطوط الغليظة:

— كلام الإمام محيي الدين بن العربي،من عند الحق تعالى،كما قال في الفتوحات: “…ما وضعت كلمة إلا بإلقاء روحانيّ في قَلب كِيّاني…فيجب الإنقياد لكلامه والخضوع لمعارفه،فإنه الوارث الكامل.فلا يشرح كلام صوفي ،إلا صوفي سلك الطريق وصاحب أهل التحقيق.

–لا تظن أن مجرد جلوسك على مقعد بالجامعة، ودراسة التصوف،والفلسفة، ونعثك ب”مختص في التصوف”يمكنك من فهم فحول أهل المعرفة.يجب أن تكون منتميا لطريقة صوفية سلسلتها معروفة،شيخا عن شيخ الى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،وشيخها مأذون له.فالمدعون كثروا،ضلواوأضلوا.والمريد قلًّت نيته،وضعفت همته،وغاب إدراكه، فيعتقد في أن العارف هوالذي يطير في الهواء،أويمشي فوق الماء،أو يكاشفك بما اكلت في المساء،هذه الصفات يشترك فيها كذالك علماء الحروف والاوفاق، والمتعاملين مع الجن (قرينك يخبره بأسرارك لأنه ملازم لك ليلا ونهارا)…

فلا صفة للعارف غير المعرفة...ومن هذا الباب تجد أتباع التصوف العرفاني قليلون.

— وأن تكون لك أذكار تُنقي،وصلوات نعتية تُرقي،تنقلك بسرعة من مقام الى مقام،ومن حال الى حال،ولكل مقام مقال.فالذاكر بصلوات نعتية خصوصا التي أعطيت من الحضرة المحمدية ،كالمسافر على طائرة،وغيره كالمسافر على سيارة أو على دراجة نارية.

— أن يتبادل ما عرفه من كلام الشيخ مع شيخه ومع اخوان اخرين كي يفيد ويستفيد ويصحح اغلاطه،وقراءة كتب الصوفية الذين اهتموا بشرح البعض من كلامه.

— الاقتداء بالسنة ظاهرا وباطنا،ونوافل الطاعات من صيام وقيام،واذكار تساعد السالك في سيره،والصبر ضروري ،فكل شيء في الدنيا يتطلّب جُهداً ووقتاً وصبراً،وهذه قاعدة عامة،فلا يحصل أحد على شئ إلا بعد تَعب.وكذلك الأسرارالإلهية (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)لا بد من المجاهدة والمكابدة،والصبر.فمقام الإحسان لا ينال بالتسويف،والطريق طويل طويل طويل، ومكتظ بالسالكين، وكل ودوره،ونصيبه من فتوحات المقام الذي وصل إليه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولان محمد صاحب الشرائع الأحمدية والشريعة المحمدية ،وعلى الزهراء البتول بنت الرسول،وعلى الحسنيين سُلَّم الارتقاء وعلى علي سيد الفضلاء وعلى آله وصحبه. محمد بن المبارك.09 دسمبر 2024 الموافق08 جمادى الثانية 1446

حصل المقال على : 191 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (3)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد