كيفية التعلّق بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:والتعلّق بسيدنا محمد على نوعين:
النوع الأول: هو التعلّق الصوري بالجناب النبوي،وهو على قسمين:
القسم الأول: هو الاستقامة على كمال الاتّباع له،بمواظبة ما أمر به الكتاب والسنة،قولاً وفعلاً واعتقاداً،على ما هو عليه أحد الأئمة الأربعة.. ومن كمال هذا القسم من الاتّباع الصوري أن تعتمد فعل عزائم الأمور، ولا تركن إلى الرّخَص، قال الله تعالى:(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل). فينبغي للتابع،الكامل الاتباع،أن يأتي بعزائم الأمور،ولا يركن إلى التسهيل ولا يقف مع الرخص،ولا مع ما أمر به ونُهي عنه،فإن ذلك مقام الإسلام ونحن نطلب لك ما لأنفسنا من مقامات القربة والصدّيقية،ومن شرطها اتّباع النبي في ارتكاب عزائم الأمور. ولن تقدر على ذلك كما ينبغي إلا بعد معرفة النفس ودسائسها وعلَلها،ولا يعرف ذلك إلابواسطة شيخ من أهل الله تعالى يدُلّك على ذلك جميعه. وجملة الطريق إلى الله تعالى أربعة أشياء: أحدها: فراغ القلب من الميل إلى ما سوى الله تعالى،في الدنيا والآخرة.
الثاني: الإقبال على الله بالكلية بالقصد والمحبة المنزّهة عن العدل،من غير فتور ولا التفات ولا مَلل ولا طلب عِوَض.
الثالث: دوام المخالفة للنفس في كل ما تطلبه من الأمور التي تتعلّق بمصالحها دنيا وآخرة، وأعظم المخالفات للنفس ترك ما سوى الله تعالى نظراً واعتقاداً وعلماً.
الرابع: دوام الذكر لله تعالى بالنظر إلى جلال الله وجماله، سواء كان ذكر اللسان أو ذكر القلب أو ذكر الروح أو ذكر السر أو ذكر الجملة،وقد شرحناها في كتاب “غنية أرباب السماع في كشف القناع عن وجوهات الأسماع”..
النوع الثاني:
أن تتّبعه صلى الله عليه وسلم بشدّة المحبّة له حتى أن تجد ذوق محبّتك له في جميع وجودك،فإنّي والله لأجد محبّتي له في قلبي وروحي وجسمي وشعري وبشري كما أجد سريان الماء البارد في وجودي إذا شربته بعد الظمأ الشديد في الحر الشديد. هذا وأن حُبّه صلى الله عليه وسلم فرض واجب على كل أحد،قال الله تعالى:(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، وقال رسول الله: ” لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من وماله وولده”..
وقد علمت أن النوع الأول،الذي هو في التعلّق الصوري بالجناب النبوي، إنما هو:القيام على ظاهر الشريعة وسلوك عزائم الطريقة والاسترسال في
محبّته بالكلية وبالتعظيم لشأنه صلى الله عليه وسلم،في السرّ والعلانية. ومن جملة التعظيم لشأنه صلى الله عليه وسلم أن تتأدّب مع أصحابه وأهل بيته بالمحبة والتعظيم والإيثار لهم عليك،وأن تتأدّب مع كافة أهل الله فإنهم أقرب الناس إلى النبي،فإن سوء الأدب مع أهل الله موجِب للبُعد عن الله تعالى..
النوع الثاني: هو التعلّق المعنوي بالجناب المحمّدي،وهو أيضاً على قسمين: القسم الأول: هو دوام استحضار صورته صلى الله عليه وسلم،والتأدّب لها حالة الاستحضار بالإجلال والتعظيم والهيْبة..
والقسم الثاني: هو استحضار حقيقته الكاملة الموصوفة بأوصاف الكمال الجامعة بين الجمال والجلال،المُتجليّة بأوصاف الله الكبير المتعال، المُشرّفة بنور الذات الإلهية في الأبادوالأزال،المحيطة بكل كمال حَقّي وخلقي، المستوعبة لكل فضيلة في الوجود صورة ومعنى،حُكماً وعيناً،غيباً وشهادة ،ظاهراً وباطناً. ولن تستطيع أن تستحضر كل ذلك له حتى تعلم أنه صلى الله عليه وسلم هو البرزخ الكُلّي القائم بطرفي حقائق الوجود القديم والحديث.. وإنما كان صلى الله عليه وسلم برزخاً بين الحقائق الحقيّة والحقائق الخلقية،لأنه حقيقة الحقائق جميعها،ولهذا كان مقامه ليلة المعراج فوق العرش،والعرش غاية المخلوقات إذ ليس فوق العرش مخلوق.فعند استوائه صلى الله عليه وسلم كانت المخلوقات بأسرها تحته،وربّه فوقه،فصار برزخاً بين الحق والخلق بالصورة المحسوسة كما كان برزخاً بالمعنى..
انتهى
لقد أجاد و أفاد الامام الجيلي في هذا النص المقتبس من كتابه “قاب قوسين” رحمه الله تعالى
حصل المقال على : 13 مشاهدة