قال الشيخ الاكبر ابن العربي.
لقد صار قلبي قابلا كلَّ صورةٍ = فمرعى لغزلان ودير لرهبانِ
وبيت أوثان وكعبةَ طائفٍ = وألواح توراةٍ ومصحفَ قرآن ِ
أدين بدين الحُبِّ أنّى توجّهَت = ركائبُهُ فالدين ديني وإيماني
يقول الجيلي قدس الله سره في الباب الخامس من كتابه “قاب قوسين وملتقى الناموسين”:في تَسميّته بالحبيب،وبيان الحركة الحُبيّة التي هي مَحتدّ اسمه. ورد في الحديث عن ابن عباس أنه قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ،فخرج حتى إذا دنا منهم سَمعهم يتذاكرون،فسمع حديثهم. فخرج عليهم فسَلّم وقال: “سمعت كلامكم وعَجَبكُم أن الله اتّخذ إبراهيم خليلاً وهو كذلك،وموسى كلّم الله تكليماً وهو كذلك، وعيسى روح الله وهو كذلك،وآدم اصطفاه الله وهو كذلك. وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر،وأنا أوّل شافع وأول مُشفِّع ولا فخر، وأنا أول من يُحرّك حَلق الجنة فينفتح لي فندخُلها ومعي فقراء المؤمنين من أمّتي، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر”.
اعلم أن هذا حديث جامع مُصرّح بكماله وأفضليته على كل الكُملاء والفضلاء. وسأنبئك عن سِرّ تخصيصه صلى الله عليه وسلم باسم “الحبيب”،لتعلم أن المقام الحُبّي أعلى المقامات الكمالية. ورد في الحديث عن النبي أنه قال حاكياً عن الله تعالى:”كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم، فبي عرفوني”
فكان التوجّه الحُبّي الأول صادر من الجناب الإلهي في إيجاد المخلوقات، فالحُبّ لبقيّة مقامات الكمال أصل وهي له كالفروع.ولأجل أن المقام الأول الأصلي كان مخصوصاً بالموجود الأول الأصلي، فجميع الحقائق الإلهية إنما ظهرت بواسطة الحُبّ،إذ لولا ذلك لما وُجد الخلق،ولولا الخلق لما عُرفت الأسماء والصفات. والخلق إنما ظهروا بواسطة الروح المحمدي،فلولا الحقيقة المحمدية لم يكن خَلق،ولولا الخلق لم تظهر صفات الحق لأحد،فلولا الحقيقة المحمدية لما عرف الله مخلوق ولا ظهرت صفاته لأحد،إذ لا أحد.
فالحُبّ هو الواسطة الأولى لوجود الموجودات،وسيدنا محمد هوالواسطة الأولى لظهورالموجودات.فعُلم بذلك أن سيدنا محمداً هوالذي كان المقصود بالتوجّه الحُبّي للمعرفة بالكنز المَخفي،وأن جميع ما سواه كانوا عَطفاً عليه.فهو الأصل في مقصود الحُبّ الإلهي،وغيره كالفرع له،ولأجل ذلك خصّه الله تعالى باسم “الحبيب” دون غيره.وإنما أحبّ الله تعالى أمّته الذين اتّبعوه بقوله(قل إن كنتم تُحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله)،لأنهم مخلوقون منه كما قال: “أنا من الله، والمؤمنون منّي”.انتهى.
” فدين الحب”:الذي ورد على لسان ابن عربي هو إشارة إلى الحديث الصحيح كشفا عند الصوفية.الغير الوارد نقلا عن رسول الله،وهو: كنت كنزا مخفيا،فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني. فبالحب ظهر الوجود،وبسيدنا محمد عرف الرب المعبود. (فبي = 92= محمد)والدين الخالص الذي جاء به سيدنا محمد،هو دينه يومن بكل ما جاء به. كما يشير”بدين الحب”الى شدة اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم،فكلما ازدادت المحبة،ازداد الاتباع ،وكلما ازداد الاتباع ،ازدادت المحبة. (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فدين الحب هو الحقيقة المحمدية ذاتا وصفاتا،محمدية وأحمدية .
لأن الكنز المخفي هم مراتب الحقيقة المحمدية،التي ظهرت بحلل الاسماء الالهية،وبحلة الفيضة القرءانية،أما الذات الإلهية فغنية عن التجلى،وغنية عن البطون،وعن الكنزية،فالكنزيتطلب مَخفي ومُخفى عليه، والشارع صلى الله عليه وسلم نهانا عن التفكر في ذات الله..و”كان الله ولاشئ معه” فافهم.
قال تعالى(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(التوبة). الآباء،الابناء، الازواج ،العشيرة ،الاموال، التجارة،المساكن…لم يترك الحق تعالى شيئا يتعلق به قلب الانسان إلا ذكره …فالله تعالى ورسوله يجب أن يكون أحب اليك من أي شخص،وأي متاع،وأي شيء. قال له عمر:يارسول الله،لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي!فقال النبي صلى الله عليه وسلم:لا والذي نفسي بيده،حتى أكون أحب إليك من نفسك،فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر؛ رواه البخاري .
فكل شيئ تحبه يجب أن يكون الله ورسوله أحب إليك منه،و إيمانك لا يكون كاملا حتى يكون سيدنا محمد أحب اليك من كل شيء،فهذا هو دين الحب،لايقبل ايمانك اذا لم تدخل هذا المقام،وتدين به . وبهذا فمعرفة النبوة المحمدية،فرض عين،ولايمكن أن تحب شخصا أو شيئا لا معرفة لك به.فاعرفوا نبيكم جزاكم الله خيرأ.اعرفوا هذا البرزخ النوراني العظيم . اعرفوا سنته. وسيرته. وحقيقته .
نور الله قلبي وقلبكم وزاد في هذا النبي حبي وحبكم