ياء الانكسار وللنفس استصغار

تحقيق بدون تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العلمين

اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الشرائع الاحمدية والشريعة المحمدية وعلى اله وصحبه وسلم

قولنا )يا الله) او(يالطيف) .(يا) ليست للنداء .النداء للبعيد.والحق تعالى اقرب إلينا من حبل الوريد،هي ياء العبودية والافتقار،وياء التذلل والانكسار، وللنفس استصغار….

وقد ورد الخطاب ب”يا” في عدة مواضع من القرءان الكريم

بين الحق وعباده ،فنادى كل الأنبياء ب * يا* 

“يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة”

يا نوح اهبط بسلام منا وبركات

“يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا” … ” يا موسى أقبل ولا تخف… “يا عيسى.

 (يا) من الله خطاب لعباده ،وهي دائما محذوفة ألفها، وسبب الحذف أن المنادي والمنادى حضرتين مختلفتين ، لا مجانسة بينهما ولامناسبة ،حضرة الالوهية وحضرة العبودية،آمر ومأمور،حق وخلق.رب وعبد. ونداء”وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”نداء يعنون عن انعدام المجانسة بينه وبين خلقه، .(يا) تشير الى البعد بين الخالق والمخلوق ،فليس كمثله شئ لا في سمعه ولا في بصره ،وهو تعالى قريب منهم بالكيفية التي تليق بتنزيه ذاته ،وهم ليسوا قريبين منه. احديته تعالى صفة سحق ومحق، ولاتجل بها بإجماع جميع العارفين . ووحدانيته لا مثل لها سواء في أفعاله او صفاته.والذات الالهية لا كلام لناعنها “تتفكروا في ءالاء ولا تتفكروا في ذات الله “.

والأنبياء عليهم السلام لم يستعملوا في مناجاتهم الحق تعالى * يا  *.

قال سيدنا ابراهيم : “رب ارني كيف تحيي الموتي ، ولم يقل يارب.

وقال سيدنا موسى :  “رب ارني انظر اليك”.

“وايوب اذ نادى ربه رب اني مسني الضر”  نداء بلا يا .  

“وزكرياء اذ نادى ربه رب”.

اما في حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتكررت (يا أيها النبي) في 13 موضعاً، وتكررت(يا أيها الرسول) في موضعين، وهذا خطاب للنبوة وليس نداء لها،فالند اء للبعيد والنبوة حاضرة في الكون الالهي، وشاهدة عليه،قال تعالى” ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهذا ومبشرا ونذيرا”،وقال تعالى” ياأيها النبي اذا طلقتم النساء”فالخطاب له صلى الله عليه وسلم،والمقصود أفراد أمته ممن يريد الطلاق.

كقوله تعالى “ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم”،وقال تعالى “انه لقول رسول كريم” فالرسالة تكلفت بتفاصيل الأقوال،أما النبوة فتكلفت بتفاصيل الأفعال (فالدوائر الكونية عددها 40،عشرون منها تكفلت بها الأحمدية والباقي للمحمدية انظر الانسان الكامل للجيلي) فورد خاطب الحق تعالى لسيدنا محمد بصفاته “يا أيها النبي” ياأيها الرسول” تعظيماً له،وتبجيلاً،وتخصيصاً له بذلك عن سواه. كماخاطبه بوصف هيئته، ب” يا أيها المزمل “يا أيها المدثر” فالمقصود التلطف به،والتحبب إليه.

وليس هناك حواربين الله وسيدنا محمد صلى الله عليه.اي لا نجد في القرءان”يا محمد”ولانجد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: رب(كباقي الأنبياء).فهو قريب من رب العزة وهو نورمن الله، قال تعالى *لقد جاءكم من الله نوروكتاب مبين* فالكتاب المبين هو القرءان والنور،هو نورالنبوة. وقال صلى الله عليه وسلم “أول ما خلق الله نورنبيك ياجابر” قال تعالى”وإذا سألك عبادي عني فإني قريب “ولا شك أنه قريب من المسؤال،وقرب الحق تعالى من السائل على قدر قربه من المسؤول.فإذا أردت أن تسأل عن الله فسأل عنه الخبيربه القريب منه: نبيه سيدنا محمد،ففي الياء(يا الله) (يا لطيف)اثبات لوساطة سيدنا محمد فقولنا “اللهم”معناه “يا الله”حذفت ياء التدلل ،وحلت مكانها الميم،والميم في كلام العرب تشيرالى التفخيم،والتعظيم، فنقول:سيادتكم،وحضرتكم،وجلالتكم،وهي كذلك من علامات الجمع،فنقول(عليه) للواحد و(عليهم) للجمع.فهوجمع ظهر في حرف، فهذه الميم جُمعت فيها جميع الأسماء والصفات الإلهية،فهي الميم المدغمة الباطنة )مـحمـمـد (.

حديث الشفاعه العظمى : روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال في اخر حديث الشفاعة  : …..فانطلق ، فآتى تحت العرش ، فأقع ساجداً لربى ، ثم يفتح اللـه علىّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلى ، ثم يقال : يامحمد ، ارفع رأسك ، وسل تعطـى ، واشفع تُشفّــع ……فأرفع رأسى ، فأقول : ياربى أمتى (الحديث)  والسؤال  المطروح لما خاطبه الحق تعالى بقوله يامحمد ولم يخاطبه في القرءان (بيا محمد)  ..؟؟؟  

وورد الخطاب بين الأنبياء كقول سيدنا اسماعيل”ياأبت افعل ما تؤمر”فهى احترام وتفويض الأمرلأبيه،وكذلك سيدنا يوسف”ياأبت اني رأيت احد كوكب”فهي اخبار واستشارة. وقوله تعالى”يابني إن الله اصطفى لكم الدين”.هي تلطف وتقرب وتذكير.

بقي إلى أن أشير إلى أن الربوبية جاءت مقترنة ب٠يا “يا التدلل”،في آيتين وهما الوحيدتين في القرءان لا ثالث لهما.تخصان عالم البطون:

الأولى:

“وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورا وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوّا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِیا وَنَصِیرا [الفرقان].  

“قال الرسول”والرسول مبلغ ما قيل له،ولو كان مبلغا ما عنده من العلم، لم يكن رسولا،فإن حقيقة الرسالة هوالإبلاغ .اي هناك إثنينة بين متكلم وسامع،وهي الخضوع ،”ادبني ربي فأحسن تأديبي” ظاهرا وباطنا.ونسبهم إليه(قومي بالياء ) وهذا في عالم البطون وهونبي ،والنبي من النبأ ،فتنبأ بأن قومه(إن قومي) سيتخذون “هذا القرءان مهجورا ” باسم الاشارة الذي يقتضي الحضور،وهذا يعني ان القرءان كان حاصلا عند نبوته معروفا عندها،وهجرانهم له  بعدم قراءته ،وعدم تحكيمه في معاملاتهم، لم يعد دستورهم (وهذا حال أهل زماننا).

الثانية: “وَقِیلِهِۦ یَـٰرَبِّ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ قَوۡم لَّا یُؤۡمِنُونَ”[الزخرف]هذه كذلك في عالم الحكم  بساط النزول الإجمالي ،خضوع الموصوف، لصفته الرسالية الأحمدية. 

عالم الحكم قبل القبل لذا بنيت للمجهول “قيل”وهو مجهول بالنسبة لنا اما بالنسبة للحضرة الإلهية فهو معروف.

حساب قيله بالمغربي= 145 أي53+ 92 ليس إلا الصفة الأحمدية(53) و الموصوف بها محمد 92 ، منه إليه.وهذه الاية عامة تشمل كل من لم يومن بالله  ” ان هؤلاء قوم” باسم الاشارة كذلك الذي يفيد ما يفيد و” قوم”  وردت نكرة لتعم جميع الازمنة. فالنبوة على علم بكل ما سيجري في الكون الإلهي فلا شئ يفاجئه وهو المراقب الكوني ،والخليفة الكلي” فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين”، ولا يقال للغائب ارتقب.

وقد تطرق أحد العارفين قدس الله سره، الى بساط باطني، لاتجل به، ولا ظهور فيه ،وسماه بساط الهوية، وأشار ان في هذا البساط نورالنبوة، تعرف على كل المقتضيات القرءانية.

وهذه المخاطبة التي حدثنا عنها القرءان بين الصفة الاحمدية والموصوف بها محمد، لم ترد إلا في عالم البطون، اما في عالم الظهور،فوساطة جبريل لازمة للتشريع اولا ،و ثانيا لتبقى عبودية سيدنا محمد وبشريته ظاهرة للعموم ،لكي لايعبد من دون الله ،وجاءت الشريعة  تُخبره “فذرهم وما يفترون”… “فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا” ….”وَاصْبِرْ وَمَاصَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ “.

فأدبه ربه من يوم خلقه،وبهذا الادب خاطب ربه في البسائط الأولية حيث لا وجود لجبريل ولا لغيره من الملائكة “وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم” …”وماتكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان”في شأن””.  

وجاءت (يا) لغيرالانبياء:فتكررت (يا أيها الذين آمنوا) في القرآن في 89 موضعاً،وتكررت(يا أيها الناس) في 20 موضعاً،وتكرر(يا أيها الإنسان) في موضعين. فهي تنبيه وتذكير،وزجر للرجوع الى السبيل المستقيم . وورد الخطاب  إلى نساء النبي” يا نساء النبي” و قوله تعالى” يا أيتها النفس المطمئنة”  وهناك  خطاب  موجه للنوع الانساني (يا بني آدم) وخطاب لأقوام الرسل ” يابني اسرائيل”، ولإبليس” قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين”خطاب واستفسارو لتثبت عليه الحجة والحق تعالى اعلم به.

        ووردت  (يا) من الرسل لأقوامهم، نحو خطاب موسى عليه السلام لقومه” يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم” ( انتبه ياقوم بدون ياء احرها) ،أو من الأقوام لرسلهم، نحو خطاب قوم نوح لرسولهم:  قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا” وقد يكون من الملائكة، نحو قوله تعالى”  إذ قالت الملائكة يا مريم”. وقوله سبحانه” ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك”.وقد يكون الخطاب من الإنسان لنفسه، إما فرحاً وسروراً،كقوله سبحانه” قال يا ليت قومي يعلمون” وإما حسرة وندامة، كقوله تعالى “ياحسرتى على ما فرطت في جنب الله “،وقوله تعالى”يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد “، وقد يكون (الخطاب ) من الحشرات، كقوله تعالى: “قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ” وللجماد”يا جبال أوبي معه” .وقد يكون (الخطاب) من الجن، من ذلك قوله سبحانه” يا قومنا أجيبوا داعي الله”. وقد يكون (الخطاب) من الشيطان لآدم عليه السلام، كقوله تعالى”: قال يا آدم هل أدلك “. و من فرعون لقومه”  ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر”. وجاء الخطاب للكفار “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” وهي الوحيدة في القرءان،وهي تذكير للكفار في جهنم بما اقترفوه في الحياة الدنيا من معاصي،وأن الحق تعالى لم يظلمهم . وجاءت (يا أيها الكافرون) في موضع واحد تنبههم أن الكفر كان من اختيارهم وهم مسؤولون،ومحاسبون على ذلك. وورد  خطاب الكفاربعضهم البعض في القرءان. وقد استعملها الكفار وماقصدوا بها النداء انما التَّهَكُّم “وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون” 

 وجاءت (يا ايه) بحذف الألف في الاخر( ليست يا أيها) في ثلاثة مواضع:
” يا أيه الساحر” :خالفت اللغة العربية لأنه ليس ساحرا.  “سنفرغ لكم ايه الثقلان” : جاءت بدون ألف لأن “الثقلان” (الجن والانس) غير متجانسين الأول من نار والثاني من طين.   ‏‏وقوله تعالى ” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” حذفت الألف لأن المومنين غير متساوين،لا في توبتهم،ولا في فلاحهم، ولا في مقاماتهم.

وجاءت (يا) في  موضع التنكير، في قوله تعالى” يا حسرة على العباد”    والحسرة ليست شخصا فينادى،والمخاطب هم مكذبي الرسل ،وفي موضع التأسف “يا أسفى على يوسف” والبشرى:  يا بشرى هذا غلام”  حتى في محادتتنا نستعملها كصيغة احترام وتقدير وليس مناداة  فإذا كنا أمام رئيسنا نخاطبه:يا حضرة الرئيس..وبينك وبينه مترا…. وعزيز مصر كان يعرف هذه (الياء) ففي خطابه ليوسف حذفها لأنه يعتبر يوسف عبدا له “يوسف أعرض عن هذا” وتقديره: يا يوسف أعرض عن هذا. وقوله تعالى على لسان هارون عليه السلام : “قال ابن أم إن القوم استضعفوني”وتقديره : يا ابن أم.( أما يبنؤم فهي كلمة واحدة اذ لو كانت نداء أو تضرعا لظهرت ألف الحذف بين الياء والباء كما في سائر القرءان).                                                                                         قال عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه:(إِذَا سَمِعْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فَأَصْغِ إِلَيْهَا سَمْعَكَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ تُؤتَى بِهِ أَوْ سوء تُصْرَفُ عَنْهُ) (رواه البيهقي في شعب الإيمان). هو خطاب يسترعي اسماع المخاطبين وهو اسلوب الغرض منه  التنبيه  والإهتمام لأن كلمة يا ايها تثير الانتباه، فيهتم المستمع بما يستمع لذا اعتبرها اهل اللغة نداء. واول من استعملها قس بن ساعدة قال : أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.  

ورجوعا الى نقطة الانطلاق فعند اصحاب الحقيقة (يا الله) او(يالطيف) او( ياشافي)هي(يا) خضوع ،وخشوع ،وخنوع. ياء التذلل وإثبات  للوساطة النبوية ، قد شيخ شيوخنا ابن مشيش” ولا شئ الا وهو به منوط” وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم ” الله المعطي وإنما أنا قاسم” والقاسم احد المعطين.  ومن اعتبرها ‘ياء’ النداء فلا حرج ، فهو تحقيق بدون تعليق ،انما هي اذواق على أوراق. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه

ابن المبارك

حصل المقال على : 1٬429 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد