بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى”ولقد همَّت به وهمَّ بها”في ماذا همت به،وفي ماذا همَّ بها؟ هل هناك أحدية المعنى أي الامرالذي همت به،هو نفس الامرالذي هم بها فيه.إذا نظرنا الى قول امرأة العزيز” الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه” فهي تنسب المراودة لنفسها،اذ هي التي غلَّقت الابواب ولم تقل أنه راودها بل قالت “فاستعصم” والسين والتاء للطلب،كإستغفر،أي طلب المغفرة، واستعصم أي طلب العصمة. فالانبياء معصومون وهوالبرهان الذي رآى”وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (يوسف24) أي العصمة، والبرهان عند الفقهاء هو الدليل الذي يظهر به الحق ،ويتميز عن الباطل” قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” ،لذا اتبعها تعالى قوله “كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء”فحضورالبرهان ورؤية يوسف له،دليل على صدقه وعصمته.
“ولقد همَّت به “:أداة “قـد” اذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق، واضيفت لها لام التأكيد “لقد” بمعنى همت به ولا مجال للشك في ذلك،وما قال تعالى(ولقد هم بها)،فماهمت به مؤكد، و”هم بها”غير مؤكد ، بل أُبطل مفعول الهمِّ كيفما كان ب “لولا”وأخبرنا الله تعالى أن شيئا من سوء نية لم يخطر ببال يوسف “كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ”فصرف الله تعالى عنه السوء،وكل مايسوء هو من السوء، ويسوء سينا يوسف أن يطلع ربه على قلبه،فيرى فيه نية الشهوة في زليخا ورغبة في حرام ،والفحشاء هو وقوع الزنا،فنزه الحق تعالى سيدنا يوسف عن سوء نية في باطنه،وعن أي رغبة في الفاحشة في ظاهره.فظاهره وباطنه مع الله ،ومِلْك لله،ودليلك على هذا قوله تعالى”إنه من عبادنا المخلصين”بفتح اللام اي من اخلصهم الله لعبادته وليست بكسر اللام ،ومن اخلصه الله لعبادته كيف يصدر منه مالايرضاه الله ؟ وهو نبي مرسل.قال تعالى حكاية عن ابليس قوله” فبعزتك لأغوينهم اجمعين إلاعبادك منهم المخلَصين”واسثتنى عباد الله المخلَصين.
وقد شهدت له زليخا نفسها بقولها” وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ” .” وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ”وخِطاب العزيز لها وشهادته ببراءة يوسف،قال “يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ”.فلم ينسب الذنب والإستغفارلسيدنا يوسف،وقد اشار سيدنا يوسف الى صحة كلام العزيز” ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب” فكل رغبة من يوسف في زليخا هي خيانة للعزيز،اضافة الى الشاهد من أهلها قال تعالى”وشهد شاهد من أهلها” فهذا يزيل كل لُبس أنه همَّ بها،في نفس ما كانت تسعى إليه.همت به لترغمه على ماتريد،وهم بها ليصرفها عن مالايريد،والدليل أنه فَرَّهاربا منها وقدت قميصه من دبر،فالإشتراك في اللفظ ونية كل واحد مختلفة. ودليل آخر قول سيدنا يوسف للملك أن يسأل عن النسوة”وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (يوسف 50)فهذا يدل على أنّ يوسف عليه السلام، يريد أن يذكر الملك بحقيقة ما حصل قبل سنوات؛ فتجريح الأيدي لا بدّ أن تكون له دلالة يفهمها الملك، لذا نجد أنّ الملك، وبعد وصول الرسالة، يقول للنساء:”ما خطبكنّ إذ راودتن يوسف عن نفسه”وهذا يشير إلى أنّ تقطيع الأيدي له دلالة عُرفيّة شائعة في ذلك الزمان.ولم يكن مجرد صدفة غريبة. فقدمت لكل واحدة منهن سكينا ولم تقدم مع السكين تفاحة كما يحب البعض ذكره، فلربما هي عادة قديمة يقدمن بها الاعتذار لمن اسأن إليه وقولهن “إنا لنراها في ضلال مبين” تصريح بمعرفتهن بما حصل،فلو كان لسيدنا يوسف نصيب من الخطإ لما حرك هذا الموضوع ثانية،ولتجاهله وقد مرعليه اكثر من عقد من الزمان.قال تعالى “ان ربي بكيدهن عليم” فهو تعالى عليم بكيدهن كما هو عليم بنية يوسف، فالله تعالى لا يخفى عليه شئ، ويوسف يعلم أن زليخا كانت مشغوفة بحبه قال تعالى”قد شغفها حبا” اى اجتاز حبه شغاف قلبها واستقر داخله أي صارحبها يوسف على قلبها كالشغاف وهو الجلدة الرقيقة التي تحتوي على القلب(endocarde) فهي محيطة به ،ولمعرفته بحبها له همت به شغفا به ،وهم بها،لصرفها عن السوء ،رحمة بها.فالأنبياء معصومون ولا سبيل للشيطان على قلوبهم.
حصل المقال على : 1٬238 مشاهدة