قال سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه في كتاب الابريز: “…… وإذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم جاءت معه الأنوار التي لا تطاق،وإنما هي أنوار محرقة مفزعة قاتلة لحينها، وهي أنوار المهابة والجلالة والعظمة، حتى إنا لو فرضنا أربعين رجلا بلغوا في الشجاعة مبلغا لا مزيد عليه ثم فجئوا بهذه الأنوار، فإنهم يصعقون لحينهم، إلا أن الله تعالى يرزق أولياءه القوة على تلقيها، ومع ذلك فالقليل منهم هو الذي يضبط الأمور التي صدرت في ساعة حضوره صلى الله عليه وسلم .انتهى.
قلت: في زمن الصحابة ظهرت النبوة المحمدية في صورة آدمية في هيئة الهيكل المحمدي الشريف فكان الحكم لبشريته صلى الله عليه وسلم اكثر من نورانيته، لكي لا يعبد من دون الله ،ولم يظهر من نورانيته الا القليل كما ورد في كتب السيرة انه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلف كما من أمام، ويرى بالضوء كما في الظلام،ليس له ظل ،لأنه نور، ويرى بنوره. فكان الصحابة محجوبين بجسمانيته عن نورانيته “قل انما أنا بشر مثلكم” …”ياكل الطعام ويمشي في الاسواق” ظهر بصفات العبودية اكثر من صفات الربوبية لكي لايفتنوا به ولا يؤلهوه ولكي ينشغلوا بالقرءان والسنة النبوية وتبليغها لنا ،لا به صلى الله عليه وسلم.
أما عندما انتقل المولود من ام واب الى الرفيق الاعلى فلم يبق للبشرية اثر بل لاترى النبوة المحمدية الا بصفات الربوبية فرؤيتها لاتطاق للأنوار التي تشع منها ،ويراها الرائي بها لابنفسه، أي تظهر له حسبها ويراها بها اذهي التي تقويه حتى يراها ،فهي ليست من عالم الاشباح ولا من عالم الارواح .هي مرتدية بالاسماء الالهية وبالخلافة الكونية .
فالرؤيا لمن صحت له الرؤيا النبوة المحمدية في هذه الدنيا يقظة لا تدوم الا دقيقة او اكثر بقليل
اولا: للانوار التي تكلم عنها الشيخ الذباع،والتي لاتطاق.
وثانيا: لأن النبوة مطلقة وغير مقيدة لا بالزمان ولا بالمكان (فزمنها) غير زمننا فافترض ان احد من العارفين شاهد يقظة النبوة في دقيقة من دقائقنا وأملت عليه علوما في تلك الدقيقة فلو اراد ان يعيد قراءة ما تلت عليه النبوة في تلك الدقيقة لربما اخذ منه ساعة كاملة او اكثر لِيتمَّ سردها علينا.
فزمن الصحابة زمن الشريعة وزمن العارفين زمن الحقيقة فظهرت لهم بصفات الربوبية ” من رآني فقد راى الحق” ومنهم من ظن انه بين يدي الحق يخاطبه وليس الا الوجهة الحقية لمولانا محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم لهذا كان كلام بعضهم قريبا من الحلول او الاتحاد.
فمجالسة النبوة غير واردة في المعرفية الصوفية أي ان تجلس النبوة بجنبك وتخاطبك غير وارد فأنوارها لاتطاق وليست من جنسنا وليست مقيدة مثلنا ومن قال الولِي لا يكون وليا حتّى يجالسه سيد الوجود صلى الله عليه فإن كن من اصحاب التحقيق فالكلام مدسوس عليه ولم يتفوه به.
حصل المقال على : 1٬646 مشاهدة