وقال لي :من أنت ؟ قلت :أنا العدم الظاهر قال لي :والعدم كيف يصير وجودا ؟ لو لم تكن موجودا لما صح وجودك ؟ قلت:ولذلك قلت:أنا العدم الظاهر.وأما العدم الباطن فلا يصح وجود.
بدأ الشيخ الأكبر خطبة الفتوحات بقوله:الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عَدَم وعَدَمِه، وأوقف وجودها على توجه كَلمِه لنحقّق بذلك سرّ حدوثها وقِدَمها من قِدَمه اهـ.
قال تعالى(وإن من شيء إلاعندنا خزائنه وماننزله إلابقدر معلوم)فالأشياء في هذه الخزائن محفوظة،خروجها يكون وفق الإرادة الإلهية (إذاأردناه)والحكمة الربانية(وما ننزله إلا بقدر معلوم)فالأشياء ثابتة لأعيانها،غير موجودة لأنفسها،وهي موجودة عن عدم.
الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه،عن عدم من حيث أنه لم يكن لها عين ظاهرة،وجودها في العلم الالهي،اذ لا وجود للعدم عند الله.العدم اسم على غير مسمى .اذ لوكان هذا موجودا،ماكان عدما.وهذا معنى قوله:(عن عدم وعدمه).
فالاشياء قبل ظهورها موجودة في علم الله ومشهودة له،لا يخفى عليه شيء منها. لأن الله تعالى على كل شيء قدير،وبكل شئ بصير.قال تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه ان نقول له كن فيكون) وخاطبه وهو معدوم، وسمع الخطاب وامتثل الامر.
يقول ابن العربي(باب العلم) وهذه الأعيان الثابتة في العدم ،لاتمتلك من خصائص الوجود شيئا سوى القابلية لسماع الخطاب الإلهي والإستجابة له.انتهى.
بمعنى أنها مشهودة لله في حال عدمها. فالعدم بالنسبة للأشياء هو وجودها في العلم الالهي ،في انتظار التجلي الذي سيظهرها.فهي في وجود علمي ينتظرالخروج الى وجود عيني، أي لم تمر من تجليات الأسماء، وفي الوجود لايوجد عدم لا ظاهر ولاباطن.
ابن عربي في هذه المشاهد،في حالة فناء في عين البقاء،فلا وجود لكينونته (فالمخاطَب هو صفته الختمية)وهو يعرف أن الله تعالى هو الواجب الوجود، غيره ممكن الوجود. فحقيقته عدم اظهرته الأسماء الإلهية، ومن كان جوده مقيد بغيره فهوعدم ظاهر؟ .
في كتاب(المشاهد)يقول :وأنا أقول بالبقاء،ولا أقول بالفناء،إلا في مقام ما،وعلى وجه ما،وهذا هو النمط الثالث(يقصد أن هناك بقاء،وفناء ونمط ثالث يتطلب فيه الفناء مقاما ما،ووجها ما) وليس وراءه مقام ،ولا مرمى ،إلا مقام ما لايقال وهو في سورة الاحزاب عند ذكر مسكن الصفات المحمدية،هناك نبه الله تعالى إليه.انتهى. الصفات المحمدية هي(إن المسلمين والمسلمات،والمومنين والمومنات. ..آخ.)وهي مقامات،نبَّه الله تعالى إليه بقوله تعالى (ياأهل يثرب لامَقام لكم) وفيها قرائتين بالفتح مَقام وبالرفع مُقام ولكل قرءاة معنى
يقول ابن عربي(انشاء الدوائر) :.العالم برز من وجود علمي الى وجود عيني، فهو قديم في العلم الإلهي،محدث في الحس، معدوم في الوجود الحسي موجود في الوجود العلمي اهـ.
ويقول في نفس الكتاب: فالإنسان “قديم مُحدث موجود معدوم”.أما قولنا “قديم” فلأنه موجود في العلم القديم،مُتصوّر فيه أزلاً.. وأما قولنا “مُحدث” فإن شكله وعينه لم يكن ثُمّ كان،فصحّ من هذا أن الوجود ليس بصفة للموجود انتهى.
لأن الصفة ملازمة للموصوف، والعدم لا صفة له ،إذ لوكانت له صفة للازمته، وأخرجته عن كونه عدما ،والصفة نفسها حقيقة معدومة.
يقول الجيلي مشيرا الى عدمه:
لا فعل لي إن قلت إني فاعل – والقول لا قولي إذا أنا قائل
ما في الوجود جميعه من فاعل – شيئا لأنك فعله والفاعل
كذب الذي هو مدع فعلا له – بالانفراد فإنه بك جاهل
أنت الذي تعطي وتمنع في الورى – حقا وتقطع من تشاء و تواصل
فعل البرية عين فعلك سيدي – وهم كالآلات و أنت العامل
ويقول ابن العربي في (الباب 514)… فلا يُقال فيك موجود،فإن ظلّ العدم فيكَ يَمنع من هذا الإطلاق أن تستحقّه،استحقاق من لا يقبل العدم.ولا يُقال فيك: معدوم،لأن ضوءَ الوجود الذي فيك يمنع من هذا الإطلاق أن تستحقّه،استحقاق من لا يقبل الوجود.فأنت جامع الطرفين، ومظهر الصورتين،وحامل الحُكمين،لولاك لأثّر المُحال في الواجب وأثّر الواجب في المُحال،فأنت السدّ الذي لا ينخرم ولا ينفصم. فلو كان للعدم لسان لقال:“إنّك على صورته”،فإنه لايرى منك إلا ظِلّه،فإنه رأى فيك صورتَه. فعَلِمَك بك لنوره،وجَهلك العدم المطلق لظِلّه.فأنت المعلوم المجهول،صورة الحقّ، سواء. فتُعلَم من حيث رُتبتك،لامن حيث صورتك.إذ لو عُلمت من حيث صورتك لعُلم الحقّ، والحقّ لايُعلَم.فأنت من حيث صورتك لاتُعلم،فالعلم بك إجمال لاتفصيل..]اهـ
وعلى هذا الأساس ففي حقيقة الأمر،الوجود كله ينتمي لله وحده،وما سواه “عدم” في ذاته ووجوده،إنما هو بقدرما يتجلى عليه الحق تعالى بأسمائه،فإذا تجلى عليه بإسمه المميت انتهت حياته،وانتهى وجوده،وبهذا قالوا إن الوجود الحق واحد والمخلوقات في ذاتها لاتمتلك الوجود،والوجود مستعار لها(العارية الوجودية) فالوجود الحق لله الواحد،وما سواه يستمد منه وجوده،وهو في ذاته عدم،وخروجه الى الوجود تابع لتجلي اسمه تعالى الخالق ثم البارئ،والمصور….والى غير ذلك من الاسماء التي تسهر على سيره وفق الإرادة الألهية..… فوجوده محدود،مقيد،مشروط،والفناء ينتظره .
حصل المقال على : 26 مشاهدة