من قناة المدونة :الجيلي

https://www.youtube.com/watch?v=A75M10GRkrs

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.السلام عليكم ورحمة الله.

موضوعنا حول عملاق من عمالقة التصوف وعارف من العيار الثقيل احد الذائقين لمراتب الوجود والخائضين فيها هو الشيخ عبد الكريم الجيلي بن إبراهيم وكُنيته (قُطب الدين).وُلد سنة (767هـ بقرية من قُرى بغداد.. ويذكر صاحب كتاب(كشف الظنون)أن الجيلي من ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني المتوفى ببغداد سنة (561هـ)يُعتبرعبد الكريم الجيلي واحداً من أبرز الشخصيات في تاريخ التصوف الإسلامي.. وكان سيّاحاً في أرض الله،مُتنقّلاً بين البلاد على طريقة أهل التجريد..فمن العراق إلى فارس،ومن الهند إلى بلاد اليمن،ومن مصر إلى ساحل فلسطين.ورغم التنقّل الكثير والسياحة الدائمة ،فهناك مدينة واحدة شَغلت وجدان الجيلي فتَعلّق بها أكثر من غيرها،وهي مدينة زَبيد اليمنية) التي تَعرّف فيها على شيخه شرف الدين بن إسماعيل الجبرتي،وهو الرجل الذي كان له أكبر الأثر في سيرة الجيلي وتصوّفه بعد ذلك..الذي دَعاه ب(أستاذ الدنيا وشَرف الدين،سيّد الأولياء المحقّقين والقطب الكامل والمُحقّق الفاضل. .غَريب الأولياء ومَحلّ نَظر الله إلى هذا العالَم..القطب الأكبر  والكبريت الأحمر..)..  والجيلي  شاعرصوفي لايقل مكانة عن ابن الفارض أو ابن عربي. يقول:    

  ومُذ ْكنت طفلا فالمعالي تطلبني*وتأنف نفسي كل ما هوواضع

     ولي همة كانت وهي لم تزل*على أن لها فوق الطباق مواضع

ويتحدث الجيلي في شعره عن تفرده بين اهل زمانه وغربته بينهم :

فمالي في الاحياء ان عشت صاحب * ومالي حقا ان اموت مشايع

وهذه اذواق ومشاعر الصوفية أصحاب مقام الختمية. فهم غرباء بين اهاليهم  يتامى في حيهم وهذا الاحساس بالتوحد لم يكن عند الجيلي فحسب بل نجده عند عامة اقطاب التصوف من امثال السهروردي وابن عربي .  ولكل صوفي طريق يسلكه، وفتوحات تخصه، فهو يتزود من عالم الكشف والإلهام.لقد استخدم الجيلي بعض المصطلحات الخاصة في مؤلفاته يقول: “الشيء يقتضي الجمع،والأنموذج يقتضي العزة،والرقيم يقتضي الذلة، وكل من هؤلاء مستقل في عالمه سابح في فلكه. ونعني بالرقيم هنا العبد، وبالأنموذج قطب العجائب…. إلخ.    

 فلم يَسلم الجيلي من حملة فقهاءعصره .فالفقيه ان لم يوفق في احدى فتواه يقال عنه أخطأ ،اما الصوفي ان زلت قدمه في احدي عباراته فيقال تزندق وكفر. يقول في عينيته:

وكم كان صدري للنبال عريضة * وعرضي لسهم الطاعنين مواقع                                                  

 ويصل الغموض والإستغلاق بالجيلي أحيانا إلى درجة يستحيل معها فهمه يقول:إن المعجب الحقيق،والطائرالحمليق الذي له ستمائة جناح وألف شوالة صحاح،الحرام لديه مباح،واسمه السفاح بن السفاح،مكتوب على أجنحته أسماء مستحسنة صورة الباء في رأسه،والألف على أجنحته،والجيم في جبينه والحاء في نحره، وباقي الحروف بين عينيه صفوف …”انتهى.   فالجيلي بلغة مبهمة مستغلقة يتكلم عن الأسماء الإلهية ومقتضياتها،والباء إشارة إلى الحقيقة المحمدية،والألف يرمزبه الى الأحدية،فالجيلي يفضل الإشارة على العبارة،والتلويح على التصريح،وهومولع بضرب الأمثال، فنجد مثال الثلج والماء في معرض كلامه على الوجهة الحقية، والوجهة الخلقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا في كلامه.  وخشي الجيلي ألا يفهم كلامه فيظنون به الظنونا فيقول في مقدمة الانسان الكامل : اشهد ان لااله الا الله المتعالي عن العبارات المتقدس عن ان تعلم ذاته بالتصريح والاشارات كل اشارة دلت عليه فقد اضربت عن حقيقته صفحا وكل عبارة اهدت الله فقد ضلت عنه جمحا.   ويضيف: إني ما وضعت شيئا في هذا الكتاب الا وهو مؤيد بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن لاح له شئ في كلامي بخلاف الكتاب والسنة فليعلم أن ذلك من حيث مفهومه لامن حيث مرادى الذي وضعت الكتاب من اجله فليتوقف عن العمل به مع التسليم الى ان يفتح الله تعالى عليه بمعرفته (الانسان الكامل).انتهى 

                   ويفرق الجيلي خاصة والصوفية عامة بين الجمال والحسن على اعتبار أن الجمال هو صفة الله تعالى ،والحسن هو صورة هذا الجمال، المتجلى في الكون. ولما كان الكون هو مجلى من مجالي الجمال الالهي فالكون عند الجيلي لا يوصف الا بالحسن فهو في جملته حسن مطلق ,وما القبح في الاشياء الا اعتبار ونسب. فالقبيح يوصف بذلك لعدم ملأمته للجمال المطلق ولا يوجد عند الجيلي قبح مطلق بل هناك (فعل قبيح) باعتبار النهي عنه(وشئ قبيح ) باعتبار جمال في غير موضعه (وكلمة قبيحة) باعتبار المقام الذي قيلت فيه…وهكذا يرتفع حكم القبح المطلق من الوجود ويبقى الحسن المطلق وذلك من حيث أن الوجود هو فيض إلهي يقول في عينيته :
فكل قبيح إن نسبت لحسنه == أتتك معاني الحسن فيه تسارع
لأن ما في الكون إلا اسماء الله وصفاته فما في الكون إلا الجمال ،  
أما في الدنيا فليس إلاجمال الجلال، وذلك سر قوله تعالى” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “.”رحمتي سبقت غضبي”. ولا يوجد التجلي الجمالي المطلق،ولا التجلي الجلالي المطلق إذ لو كانا لفسد نظام الكون “لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض”وهذا من مهام النبوة المحمدية إدخال اللطف في التجليات الالهية والتخفيف من حرارتها “وهناك تجليات ظاهرها جملالي محض وباطنها جمالي محض كقوله تعالى ” فاقدفيه في اليم” ظاهرها جلالي وباطنها جمالي .وهناك تجليات ظاهرها جمالي وهي غير ذلك “قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو مااستعجلتم به ريح فيها عذاب اليم “.وهذا للوسع الإلهي.
ويتطرق الجيلي الى العارية الوجودية في المخلوقات، فيقول إنها نسبة الوجود الخلقي إليها مع كون الوجود الحقي أصل لها في الحقيقة، فقد أعطى الحق تعالى للاشياء وجودا من ذاته لتظهر بذلك أسرار الالوهية في الكون. فالوجود الحقيقي لا ينسب الا لله تعالى وحده .أما ما عداه فموجود بهذه الصفة الاضافية وظاهر بتلك العارية.
ومن كبار الصوفية الذين أشاروا إلى هذه العارية الوجودية و إلى هذا الحسن الكوني المطلق سلطان العاشقين عمر ابن الفارض(توفى سنة 632 هــ) يقول
وصرح بإطلاق الجمال ولاتقل =بتقييده بزخرف زينة
فكل مليح حسنه من جماله =مُـعـار له بل حسن كل مليحة
والشيخ عبد الكريم الجيلي ميز بين الاحمدية والمحمدية يقول رضي الله عنه في هذه الابيات :
ذات لها في نفسها وجهان =للسفل وجه والعلا للثاني
ولكل وجه في العبارة والادا = ذات وأوصاف وفعل وبيان
معناه أن الذات المحمدية لها وجه للأعلى وهي الوجهة الحقية ووجه للاسفل وهي الوجهة الخلقية, والوجهتان مختلفتان في العبارة والفعل والأوصاف.
إن قلت واحدة صدقت وإن تقل ==إثنان حق إنه إثنان
مع أنه لم يسميها الأحمدية فهو يشير إليها (إن تقل إثنان حق إنه إثنان) .والجيلى صعد بمراتب الوجود إلى 40 مرتبة .وقد شم رضي الله عنه رائحة التصرف لهذه الحقيقة المحمدية في الدوائر الكونية ،وهوما عبر عنه “بالفعل” في البيت:
ولكل وجه في العبارة و الأدا==ذات وأوصاف وفعل وبيان
مراتب الوجود أربعون كما أوضحها الجيلي ،عشرون منها تكفلت بها الأحمدية والعشرون الباقية تكفلت بها المحمدية
ويضيف :
ولئن ترى الذاتين قلت لكونه ==عبدا وربا إنه اثنان
فهي المسمى أحمد من كون ذا ==ومحمد لحقيقة الأكوان
رأى الجيلي رضي الله عنه حقيقتان منفصلتان إحداهما متصفة بالعبودية والأخرى بالربوبية وهو قوله ” عبدا وربا إنه إثنان” وهذا غاية التحقيق بالنظر الى تجليات زمانه .وفد جعل الأحدية مرتبة من مراتب الوجود على غرار ابن عربي الذي لم يعتبرها مرتبة وجودية .وابن عربي يرى أن الأحدية صفة ،والجيلي رأى أنها اسم .والجيلي هو الوحيد الذي تجرأ ونعت ابن عربي بالسهو ( الانسان الكامل)
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد

  •  
  • بالنسبة لمؤلفات الشيخ الجيلي فهي تَربو على الثلاثين  أذكر منها:   كتاب الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل): أشهر كتب الجيلي،وواحد من أشهر الكتب الصوفية على الإطلاق   (الكهف والرقيم  في اسرار بسم الله الرحمن الرحيم): الذي كشف فيه عن أسرار البسملة الشريفة وشرحها شرحاً ذوقياً..  كتاب (المَناظر الإلهية): وهو كتاب صغير يحتوي على مائة منظر من المناظر النورانية التي شاهدها الجيلي في خلوته..  كتاب(الكمالات الإلهية في الصفات المحمدية)
  • ·            (مراتب الوجود وحقيقة كل موجود): وفي هذا الكتاب يُقسّم الجيلي الوجود إلى أربعين مرتبة وجودية قصيدة (النادرات العَينيّة في البادرات الغيبيّة): وهي واحدة من أطول قصائد الشعر الصوفي في الإسلام،إذ تتألّف من (540) بيتاً،بل إننا لا نَعرف قصيدة صوفية تتعدّاها في عدد أبياتها إلا قصيدة إبن الفارض التائية المُسماة (نَظْم السّلوك) والتي تتألّف من (667) بيتاً..
  • كتب كتابا اسمه :شرح الفتوحات المكية وفتح الابواب المغلقات من العلوم اللدنية وهو شرح للباب 559 من الفتوحات على اساس ان هذا الباب هو مختصر جميع ابواب الفتوحات كما يقول ابن عربي بنفسه ، و الجيلي هو الوحيد الذي كانت له الجرأة الكافية للإعتراض على ابن عربي في بعض المسائل .أما الباقون فعندما يمرون قرب كشوفات ابن عربي يطأطئون رؤسهم ويهمهمون : الله أكبر هذا البحر.
  • في كتابه الانسان الكامل باب العلم قال الجيلي لقد سها الامام ابن عربي حين قال بأن العلم تابع للمعلوم وليس كذلك بل المعلوم تابع للعلم
  • توفي الشيخ الجيلي سنة (826هـ) ببَلدة زبيد باليمن،وبهذا يكون قد عاش تسع وخمسين سنة،قضى معظمها في المجاهدة الروحية وتحصيل العلوم..وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد نبي الله وعلى الزهراء بنت رسول الله
  • ========
حصل المقال على : 893 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد