مقتطفات من خبيئة الكون للامام ابي الفيض الكتاني
(يُصلّون): التعبير بالمضارع فيه العجب،فلنقتصر هنا على مقالات:
إيجاب اقتدائنا بالحق جل ثناؤه،فإنه تعالى لما عظّم شأن نبيه في مملكته الواسعة الأكناف الفسيحة الأطراف،ورفع له ذكره،وشرح له من بين العوالم صدره،ووضع عنه وزره الذي أنقض ظهره. أمر عباده بذلك فقال(إن الله وملائكته يصلون على النبي)أي:المختص بالنبوة الكلية المطلقة،فلا يشارك فيها.فترتيب المملكة الإلهية اقتضى أن الحقيقة المحمدية برزخ بين الله تعالى وبين سائر الخلائق بقوة ما أوتيت من السراح والإطلاق في العوالم العلوية والسفلية،إذ هي سارية في المُلك بحسب ما تقتضيه حجابيتها العظمى،ولولا قوة نورانيتها،ورسوخ في جأشها بما تتلقفه من الإفاضة الإلهية،ثمّ عنها يُفاض المدد لأخصّ العالم بما أنه ليس في قوته الثبوت تحت صدمات التجلّي.وإذا لم يثبُت للتجلّي الكليم عليه السلام،فكيف يثبت غيره ممن هودونه،على أنه إنما أصعقه التجلي الواقع للجبل.فكأنه ليس للحق سبحانه في مُلكه إلا هذه الحقيقة المحمدية،إذ هي التي تتلقّى الشؤون الحقانية،منها إلى الحقّ بدون برزخية برزخ آخر،وتُفيض على الأكوان.
مسألة انتفاعه صلى الله عليه وسلم بصلاتنا عليه أم لا؟ لا محل لذلك الخلاف،لأنه لا يتنازع اثنان أن المصلّي هنا لا يصدُر منه إلا طلب الجناب الأقدس أن يُصلّي على حبيبه الأعظم،وذلك الطلب منّا سمّاه الشارع صلاة. وإذا كان سبحانه هو المصلّي،فالرسول الأكرم ينتفع بصلاة الله تعالى عليه قطعاً، كما أنّنا ننتفع بذلك الطلب منّا
الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم مقبولة قطعاً،لأن الله تعالى هو المصلي.. وكذلك صلاة العبد التي هي الطلب مقبولة قطعاً،لأن الله تعالى يصلي على حبيبه كلما صلّى عليه مُصلّ..