مفهوم الامية في المعرفة الصوفية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين. موضوعنا حول كلمة الامي التي اتصف بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.                                     يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته:الأمي: هوالذي لا يكتب ولا يقرأ قال تعالى﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾.وقال اللغوي والنحوي قطرب: الأمية: الغفلة والجهالة،ومنه قوله تعالى﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾أي: إلا أن يتلى عليهم .قال أبو زكرياءالفراء: سمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأمن كتاب،وذلك فضيلة له،لإستغنائهبحفظه،واعتماده على ضمان الله بقوله﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ﴾.  إذن فتعريف الأمي بأنه هو الذي لايقرأ ولا يكتب مستقيم مع الأصل اللغوي. مؤيدا بالرواية،وهوالرأي  المعتمد عند جمهور المفسرين، و إن إعتبرنا هذه الأراء،فالأمية هنا شرف عظيم لا يعادله شرف ،لأنها دليل واضح على صدقه في نزول القرآن عليه،وتفيد كذب دعوى من قال أنه أنشأه من تلقاء نفسه.وللقرءان ظاهر وباطن ولباطنه سبعة أبطن. روى أبو داود في الزهد:قال:حدثنا أيوب عن أبي قلابةعن أبي الدرداء،قال:”لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرءان وجوها كثيرة “،وعلى هذا فالأمية لها معنى اخر عند الذوق.         قال تعالى﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ﴾فكيف يؤمر الناس جميعاً بإتباعه،لأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب،فهذه ليست مفخرة .فـ”الأمّي” أصلها “أُمْ” أضيفت إليها ياءُ النسبة،ك”مكِّي” نسبة لمكة،الأم ،باللسان العربي تعني كذلك الأصل و الأول،فأُمُّ الرجل أصله،كما في سورة القصص﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰحَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا﴾أي في أصولها ،ومنها قوله تعالى﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾أي اصل الكتاب،فهو بذلك الرسول النبي الأمي،أي “الأصل” و”الأول”بنبوته ورسالته،فاللسان العربي كمابيَّن أن الامي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب،فهويبين كذلك أن الأمي هو الأصل.فهو الامي بأصله وأوليته في الوجود.كنت نبيا وءادم منجدل في طينته

وكما هوالشأن بالنسبة لبيت الله الحرام،الذي له كذلك الأولية﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾وبهذه الأولية كان قريتهم الأم﴿ لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾فكما أن أول بيت وضع للناس هو أم قراهم،فهوكذالك أمهم وأصلهم..قال تعالى﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ دون واو فاصلة بينهم،إذ العطف يقتضي المغايرة فهي بهذا،صفة للنبي الرسول،صفة ملازمة وحصرية لحقيقته،.قالتعالى﴿قُلْ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًاالَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَاإِلَهَ إِلَّاهُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ﴾أميته للناس جميعا،هي حضرة الجمع المحمدي الأحمدي الكلي،للأسرار، والأنوار،والآثار،والعلوم،والفهوم .. فالأمية هي سدرة منتهى الخلائق أجمعين،وهي نهاية مقامات السالكين. فالآية تقصد الأمم جمعاء،وبالأخص أهل الكتاب، فلو كانت تعني الجهل ، لكان فيه مذمة ومنقصة للحبيب حيث أن الخطاب موجه لأعدائه، وحاشا.فهي مفخرة، بمعنييها اللغوي والعرفاني،إذ ليست من الجهل بالحروف ورسومها،فَتنزَّه عبدٌ أدبه ربه فأحسن تأديبه أن يتصف بالنقائص البشرية،كيف،واول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم..إقرأ….،وهو الموصوف بالعلم من أول قَدم.اذ كان نبيا وءادم منجدل في طينته

أماقوله لجبريل عليه السلام “ما أنا بقارئ”فأداة (ما)في اللغة إما موصولية أو نافية أو استفهامية،”ما أنا بقارئ “من اعتبرها نافية قال معناه : أنا لست بقارئ.واعتبرها الصوفية استفهامية،أي ما تريد أن أقرأ لك ؟ لقد قرأته قبلك. لذا قال له الحق تعالى﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾.

قال تعالى﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَبٍ وَلاَتَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذالاَّرْتَبَ الْمُبْطِلُونَ﴾.ما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنيك ،من قبله أما من بعده ،وبعدما ظهر الحق جليا وانتشر الإسلام في كل ربوع الجزيرة ومن المشككين من ءامن.فليس من الكمال ان لا يَعْرف أعظم الأنبياء الكتابة؛ وصبي ذو الثلاثة سنوات او الاربع  يعرف الكتابة والقراءة … نعم …ماكنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنيكمن قبله؛ اي من قبل نزول القرءان عليك .

أما من بعد ما ظهرت نبوته فهو كما يتلوه من غيرزيادة ولا نقصان ولا تغييرو يخطه.فلو ظهرصلى الله عليه وسلم حين بعتثهيحسن الخط والقراءة،لاستُنتج منه أنه ربما طالع كتب الأوَّلين فحصّل على هذه العلوم،فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة،كانذالك من المعجزات،

قال تعالى ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ﴾.فيقرأ السور الطوال،من غير تبديل الألفاظ،ولا تغيير الكلمات، قال تعالى (وَأَنزَلَ ٱللَّهُعَلَیۡكَٱلۡكِتَـٰبَوَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُٱللَّهِعَلَیۡكَعَظِیما)علمه الحق تعالى ما لم يكن يعلم.فلم يتعلم الكتابة ولا القراءة على يد معلم (اذا لارتاب المبطلون)لأنه موصوف في التوراة والإنجيل بالامي فظهر لهم بالامية،فصرفهم  معناها اللغويقال تعالى (ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِیَّ ٱلۡأُمِّیَّ ٱلَّذِی یَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ )فهو مكتوب عندهم بهذه الصفة الأمية ويجب أن يظهر بها حين بعثته حتى لا يقال انه تعلم…

وهذه الصفة خاصة به ولم يتصف بها غيره من الانبياء،وبهذافقد اضفت صفة الفردانية على النبوة . روى ابن الجوزي في كتاب (مولد العروس) بسنده عن أبي هريرة قال: سأل النبي جبريل،فقال:يا جبريل كم عمرت من السنين؟ فقال :يارسول الله لا أعلم،غير أن في الحجاب الرابع نجما يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة،رأيته إثنين وسبعين ألف مرة،فقال النبي  وعزة ربي أنا ذلك الكوكب. 

اول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم..إقرأ….إقرأ باسم ربك الذي خلق….فهل من اول ،أمر نزل عليه؛ أمر بالقراءة ،هل يمكن أن يكون أميا لا يقرأ ولا يكتب؟؟.ولم يمتثل الامر الإلهي…. 

*قال تعالى (وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن یُقۡضَىٰۤ إِلَیۡكَ وَحۡیُهُۥ) تدل على انه صلى الله عليه وسلم على علم مسبق بالقرآن

والرسم القرءاني دال على انه صلى الله عليه وسلم يعرف الكتابة  فالرسم توقيفي بأمر من مولانا رسول الله لكتاب الوحي

فقال لهم اكتبوا معصيت الرسول في سورة المجادلة بتاء مبسوطة

واكتبوا السوءفي القرءان كله موافقا للرسم الاملائي واكتبوه في سورة الروم بالف مقصورة في اخره

واكتبوا رحمت هنا بتاء مربوطة ،فياية أخرى بتاء مطلوقة  وكذلك نعمة

 وسنت…… وقال لهم صلى  الله عليه وسلم اكتبوا كلمة قرءان بألف ثابتة في القرءان كله الا في يوسف والزخرف.بدون ألف..واكتبوا هنا يعف في مكان آخر يعفو وفي آخر يعفوا.. 

واحذفوا من هنا ياء وأضافوا إلى هنا واوا  أوالفا….

هذه أكبر دليل على إتقانه صلى الله عليه وسلم للكتابة.. فالرسم القرءاني توقيفي   لا دخل للصحابة فيه

ورد في صحيح مسلم – كتاب الوصية قال ابْنَ عَبَّاسٍ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ ‏.‏فَقَالَ ‏”‏ ائْتُونِي *اَكْتُبْ* لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدِي) ان لم يكن يعرف الكتابة لم قال صلى الله اكتب لكم

يروى في صلح الحديبية أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلب من الإمام علي أن يمحو كلمة (رسول الله) كما قرر المشركون ليتم الصلح، فلما أبى الإمام علي محو (رسول الله) وكتابة (محمد بن عبد الله) أخذ منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الورقة ومحاها..وفي الرواية.وكتب هذا ماقاضى عليه محمد بن عبد الله.

جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه ممن تعلم الكتابة والقراءة من الأسرى.فتَعَلُّم الخط شيء سهل،فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى مجهود،فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم،ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين،وأعطاه من العلوم والحقائق مالم يصل إليه أحد من البشر،فكان صلى الله عليه وصلم يعرف الكتابة ويفهم كل  اللغات فالاميالحقيقي هو من لا يعرف سيدنا محمد

 وخلاصة القول الأمية عند أهل التحقيق رضي الله عنهم،هي الصفة التي تنسب لها جميع المقامات المحمدية الاحمدية،والإمدادية الربانية على الإطلاق،وهي سدرة منتهى الخلائق،فلهذا سُمي بالأميّ فهو  أم الموجودات،وأصلها من حيث حقيقته لا من حيث صورته الشريفة المولودة من أم و أب،فكما أن آدم عليه السلام أب البشر،فالنبي أب الأرواح، فهو آدم لآدم،وروح العالم.

 وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه

حصل المقال على : 700 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد