ولمّا ثَبت أن العلم بأمر ما،لا يكون إلا بمعرفة قد تقدّمت قبل هذه المعرفة، بأمر آخر يكون بين المعروفين مناسبة،لا بد من ذلك. وقد ثبت أنه لا مناسبة بين الله تعالى وبين خَلقه،من جهة المناسبة التي بين الأشياء، وهي مناسبة (الجنس أو النوع أو الشخص).فليس لنا علم مُتقدّم بشيء فنُدرك به ذات الحق.. فلا يُعلم الباري بعلم سابق بغيره أبداً،كما يزعُم بعضهم من (إستدلال الشاهد على الغائب)،بالعلم والإرادة والكلام، وغير ذلك،ثمّ يُقدّسه بعد ما قد حَمله على نفسه وقاسَه بها.. ولو نَظر العاقل إلى المفعولات الصناعية والطبيعية والإنبعاثية والإبداعية،ورأى جهل كل واحد منها بفاعله،لعَلم أن الله تعالى لا يُعلم بالدليل أبداً،لكن يُعلم أنه موجود،وأن العالَم مُفتقر إليه إفتقاراً ذاتياً لا مَحيص له عنه ألبتّة. قال الله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد). فمن أراد أن يَعرف (لُباب التوحيد)،فلينظُر في الآيات الواردة في التوحيد من الكتاب العزيز،الذي وَحّد الله بها نفسه،فلا أحد أعرف من الشيء بنفسه. فلتنظُر بما وَصف الحق نفسه،وسَلْ الله تعالى أن يُفهمك ذلك، فسَتقف حينئذ على علم إلهي لا يبلُغ إليه عقل بفكره أبد الآباد.. ابن عربي الحاتمي
حصل المقال على : 605 مشاهدة