مزج جوهرة الكمال التجانية

مزج لجوهرة الكمال التجانية

مـــزج أقــــوم أظـــهــــر وأبــــهــم

اللَّهم صلِّ وَسلِّم وبارك على سيدنا ومولانا محمد الوسيط البرزخي المكلف بالخلافة الكونية﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ والحقيقة النورانية. التي لها وجهة حقية، ووجهة خلقية، فقام مقامك وبلغ أحكامك ﴿إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ وتلا كلامك ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمِ﴾ وناب منابك ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ عيْن الرحمة الربانية التي لها السبقية” رحمتي سبقت غضبي” كنز الـمعارف اللدنية التي لها الأولية ﴿فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ﴾العبد الحقاني محتده الأحدية، وحقيقة الحقائق الكلية. الجامعة لما كان ويكون من المقتضيات الأسمائية والصفاتية، حسية كانت أو معنوية. الياقوتة المتحققة بـمركز الفهوم، الجامع لكل معلوم، كلامك القديـم الذي حوى كل العلوم، وجُمع فيه الخصوص والعموم. ولا شئ إلا وبه مرسوم، حسب ما قدر في بساط الرحمانية. حَائِطَة ومحيطة، فاعلة منفعلة، وعلى كل الخبايا، والخفايا مطلعة. علة ومعلول، دليل ومدلول ﴿رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ في العوالم الملكية والملكوتية.  

محمد بشر لا كالبشر *بل هو كالياقوت بين الحجر

اسقمت السابق واللاحق، وحيرت العارف المحقق. قال سلطانهم خضنا بحرا بساحله وقفوا، وأشار بازهم الى أن قدمه، على رقبة من عرفوا وحققوا، وصاح عاشقهم صَدِّقُوا أولا تُصَدقوا:

وروحي للأرواح روح وكل ما *ترى حسنا من فيض طينتي

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رُوحَ الأَرْوَاحِ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ العُيُونِ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ بِلِسَانِ ﴿إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ كيف يخوض بحرا هو قطرة في يـمه، وكيف يعرف هيولى حقاني هو شعرة من جسده، رَسا على بحر بلا ساحل، وظن أنه خاض. وَلَـجه ورجع، وبالسُّقم والوجع عاد. هيهات هيهات” ما عرفني حقيقة غير ربي” ﴿كُلَّمَا أَضَاءَلَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾.

توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر*وإلا تيمم بالصعيد أو الصخر

﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾بالمضارع الذي يفيد التجدد والاستمرارية، فلم يبصروا حقيقتك النورانية، الظاهرة الخفية، الباطنة والمتجلية، الرحمة الإلهية. فرأوا وما أبصروا، وشاهدوا وما حققوا. الصراط تام أقوم، أو همم أنهم خاضوا، وأسقم لأنهم ما خاضوا. وما رجعوا وما عادوا، بحر بلا ساحل، بحر الحقيقة المحمدية. وقوفا على الاقدام في حق سيدي يعظمه الرحمان والكون والانس ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ بحر بلا قعر. فأعجزهم الطلب، وأعياهم التنقيب، فرجعوا حيارى هلكى” ما عرفني حقيقة غير ربي” ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾. (أفهام الخلائق لا تتعلق بالحقيقة، والحقيقة لا تتعلق بالخليقة، الخواطر علائق. وعلائق الخلائق لاتصل إلى الحقائق، والإدراك إلى علم الحقيقة صعب، فكيف إلى حقيقة الحقيقة؟ الحق وراء الحقيقة، والحقيقة دون الحق. الفراش يطير حول المصباح إلى المصباح، ويعود إلى الأشكال فيخبرهم عن الحال، بألطف مقال، ثم يـمرح بالدلال، طمعا في الوصول إلى الكمال…(الحلاج طس الفهم) .الصراط أسقم، ابتلع وأقحم، نطق وأبهم، خصص وعمم، طار وحَوَّم، قيَّدَ وأطلق. جمع وفرق. والعجز عن الإدراك إدراك. قالها أول من آمن وصدق.

فتوهموك ولم يروك فأصبحت   * من وهمهم في خدك الآثار

كيف أصبحت يا حارث”؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله حقاً، قال صلى الله عليه وسلم: ”انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك”؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: ”يا حارث، عرفت فالزم” .

وقدم إماما كنت إمامه * وصلي صلاة الفجر في أول العصر.

عرفت فالزم ترى عين الرحمة الربانية، في صورة لاهوتية. وعين الحق في صورة محمدية ﴿وَمَا رَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ وترى عَيْنِ المعارف لكل مُتَعَرِّضٍ مِنَ الْبُحُورِ وَالْأَوَانِي، تصطحب مع كل التجليات، وتنشر كل الرحمات، وتـمد كل عارف، بل مَنْ مِنْ كُلِّ علم يسعى غارف، ولو كان من أهل الزخارف ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكِ﴾ فالنبوة من ايات الله الكبرى ،ومن مخلوقاته العظمى ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فكل ما علا عليك هو سماؤك وما علا على الكون إلا نبوة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هي سماء الجميع استمد منها الأنبياء والرسل، فكانوا لغيرهم سماء. واغترف بها الأولياء فصاروا بسرها مقربين أصفياء. والمومنون من فَدِّيَّتِها أصبحوا أغنياء، الحسنة بعشر أمثالها. أما المدثر بنبوته المزمل بأميته، فليس كهيئتنا لافي ذاته، ولافي صفاته، ولا في أفعاله وأحواله” إني لست كهيئتكم” .هو أرض الخليقة منه نبتت، ومن فيضه تكثرت، وببركته انتشرت، ومن علومه اغترفت، وهذا أكبر من خلق الناس، وهل كل الناس يعلم هذا ؟ الصراط ابتلعهم، وبلونيته صبغهم، وبظهور حقيقته في عين البطون أعجزهم، وببطونها في عين الظهور أسقمهم ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هو آخِذٌ بِنَاصِيَّتِهَا إِنَّ رَّبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، فكل سالك يسير، وبفتوحات زمانه يشير، وبجناحيها يطير. مرهون بالتجليات، ولو كان من خلفاء الخليفة، وسماء لما دونه من الخليقة ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾.

فهذه صلاة العارفين بربهم * فإن كنت منهم فانضح البر بالبحر

فهو طلعة الحق بالحق، أضافه لنفسه ﴿سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ إضافة السيد لعبده، والسلطان لخليفته، وألبسه حلل الأسماء التفاعلية ﴿إِنـَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ وأضفى عليه حقوقا ربانية، فأصبح واسطة في كل التجليات الإلهية، ونبراسا للمقتضيات الحالية والمستقبلية، والعطاءات الربانية. مَلَأْت الأكوان الحائطة بالأماكن القدسية المكية، ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ﴾ قيومية الكعبة باطنة، ولها آثار ظاهرة. فأنت الرُّكْنُ وَالْمُلْتَزَمُ وَالْحَجَرُ المستلم، والسر الَّذِي فِي زَمْزَمِ، النَّظَرُ إِلَى البَيْتِ عِبَادَةٌ فَافْهَمِ. فُكنْتَ سرا مكتما، ونورا أعظما، وكنزا مطلسما. فصل اللهم عليه صَلاَةً تعرفنا بِهَا إِيَّاهُ، منه إليه، به عليه. وتكون مبايعة له في السر والعلانية، من أهل الدوائر العلوية والسفلية، وتنشر رحمته الوسعية وتمد العارفين بالعلوم اللدنية ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَا﴾  .فالزم بر الأمان تسلم ،وصدق ببحر العرفان تغنم، ولا تنكر تأثم. وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى ءاله وصحبه.

مزج جوهرة الكمال. ابن المبارك مارس 2013 الموافق لربيع الثاني 1434هــــ

حصل المقال على : 2٬493 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد