قال الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه الله تعالى في كتابه( قاب قوسين)
اعلم أن الله تعالى لما أحبّه صلى الله عليه وسلم جعله شفيعاً لخلقه إليه يوم القيامة،وليس لأحد من الخلق عموم الشفاعة سواه.فهو مقدّمهم وراعيهم،وكل راعٍ مسئول عن رعيته.فأوجب الله عليه الشفاعة لهم والقيام بمصالحهم ،دنيا وآخرة.وما أوجب عليه إلا ما وفّقه للقيام به،فمن أجل ذلك وعده بالوسيلة التي هي المقام المحمود يوم القيامة،وليست الوسيلة في المعنى إلا الواسطة للوصول إلى المطلوب وهي الشفاعة. فلما كان صلى الله عليه وسلم واسطة الجميع في البداية للأجل الظهور،كان واسطتهم في النهاية لأجل النعيم المُقيم. فليس في الأزل والأبد،وسيلة ولا واسطة ولا علّة لوجودك ووجود كل خير لك ولكل موجود،أحد سواه صلى الله عليه وسلم. فمن الأولى أن تتعلّق بجنابه وتعكف على بابه،ليحصل الميْل من الجهتين،فيُسرع الوصول إلى المقصود.
ولهذا كان دأب الأولياء الكمّل أن يتعلّقوا بجنابه ويحُطّوا جِباههُم على بابه صلى الله عليه وسلم. ولم يزل ذلك دأبهم ودأب كل من أراد الله تكميله،حتى أنهم إذا حضروا في بعض الحضرات الإلهية التي يمكنهم ألا ينظروا فيها إلى سيدنا محمد،أسرعوا إلى توجيه المشاهدة إلى الأنوار الإلهية نحو الجناب المحمدي،وصرفوا إليه كلمة الحضرة الإلهية،وذهلوا عن كل ما تقتضيه حقائقهم من الكمالات الإلهية تأدّباً معه صلى الله عليه وسلم،فيحصُل لهم ببركة هذه الحالة من الزيادة ما لا يمكن شرحه،وذلك أنهم يسمعوم ويشهدون حينئذ بالسمع والبصر المحمدي ما هو مناسب للقابلية المحمدية التي ليس في ذات أحد قوّتها،فيخلع عليهم إذ ذاك من الخلع المحمدية ما لا يمكن حصولها إلا بهذه الطريقة.
ولهذا من تحقّق بالسنّة المحمدية،ظاهراً وباطناً،خاض بحر الحقيقة المحمدية التي خاضها هو وأمثاله بكمال الإتّباع المحمدي صورة ومعنى.انتهى
من أحب شيئا أكثر من ذكره ،فأكثروا من الصلاة على شفيعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون،اتبعوا سنته،وامتثلوا شريعته ظاهرا وباطنا،وجالسوا كل من عرف ولو القليل عن حقيقته،وكشف له عن أسرار برزخيته، ووساطته،تشبتوا بكل من رأيت فيه ولو القليل من المعرفة بالنور المحمدي الأحمدي الأزلي الأبدي .
النور الإلهي ذو الوجهة الحقية’من رآني فقد راى الحق” والوجهة الخلقية“أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد“. فعلى قدر معرفتك به في الدنيا تبعث في الاخرة فلا تكن في هذه اعمى وفي الاخرة اعمى.
قال تعالى “فذكر فإن الذكرى تنفع المومنين”…فأن كنت حقا من المومنين فسنتفع بهذه الذكرى.
اجتهد لتكون من زُمْرة المُصلّين على نبي الله،من الذين أحَبّوا الحبيب المختار، وتبعوا شريعته،وتعلّقوا بالصلاة عليه آناء الليل وأطراف النهار،ولازَموا بابه،وحَطّوا جباههم بأعتابه،وألحقوا قَطْرتهم ببَحر نبوته،.
فعليكم بسيدنا محمد،عليكم بسيدنا محمد،عليكم به.ألزموا غرزه،فكل من وقف ببابه،ووضع خده بأعتابه، فقد أصاب الدّليل وسَعِد،وكل من هامَ في حُبّه،انْكَشفت له غَوامض آيات التنزيل،والإمداد على قدر الإستعداد.
ألزم غرزه ينكشف لك الوعاء الذي لم يَبُحْ به أبوهريرة.
فعليكم بنور الأنوار،وحامل الأسرار،السابق الذي لا يلحق وسدرة المنتهى الذي لايسبق.
ومن طلب الله من غير سيدنا محمد،فقد أتى البيوت من غيرالأبواب،ويجب رَدّه إلى إسْطَبل الدّواب،
كونوا ممن اتبعوا شريعته،وتيقنوا بحقيقته،وتعلقوا بالصلاة عليه آناء الليل وأطراف النهار،ولزموا جنابه،ولازموا بابه،وحطوا جباههم بأعتابه،ولحقوا قطرتهم ببحر حقيقته المحمدية،ففنوا في أسرارها،وبهتوا بسحر أنوارها، فهم تائهون حيارى سكارى في فيافي خبايها وخفايها،هي قبلة أرواحهم،وكعبة أشباحهم ، ولله در القائل:
قوم بأحمد في الكرام تمسكوا* وبحبه في العالمين تهتكوا
وبجاهه فتعلقوا وتشبكوا* فوداده حج لهم وتنسك
الحب أبكاهم وأنحل جسمهم *ومحا وأفنى في الحقيقة رسمهم
متحققين بنوره في قدسهم* أحياء قد عاشوا به في رمسهم
قد أدغموا في نعت أحمد إسمهم*متحققين بنوره في قدسهم
متطلعين لحسنه في أنسهم* متشرعين بفعله في حسهم
هذا أول موضوع لسنة 2025 فأسأل الله تعالى أن نلزم غرزه إلى الممات. فألزموا غرزه،ما بقي لكم من الحياة قبل الفوات جزاكم الله خير