__ (الإجتماع) عند القوم هو أعظم الأركان وأهمّها،حتى قال بعضهم: [ التصوف مبني على ثلاثة أركان: (الإجتماع)،و(الإستماع)،و(الإتباع) ]. فكل من إنفرد عن الإخوان وإشتغل بنفسه لا يجيء منه شيء..
و(المُذاكرة) هي أعظم الذكر،لأن فيها (علماً وذكراً) لله..
و(مجالس الذكر) تصدق بمجلس (العلم،والذكر،والمذاكرة)..
وما زال الأشياخ يوصون أصحابهم بالإجتماع ويحُضّون عليه…
__ والأمور الدّاعية للإجتماع: منها (معرفة حال الإنسان في العلم والحال والمقام)،فإن النفس قد تغلط في نفسها فتظن أنها أدركت مقام الأكابر،وهي مُقيمة مع الأصاغر. فإذا إجتمع مع من هو أنْهَض منه حالاً وأكثر منه علماً،علم حاله وعرف مقامه،فيجدّ في سيره ويتحقّق بقدره..
ومنها: (حصول النشاط والقوة)،فإن دوام الوحدة تُبرد صاحبها،وتقوّي عليه الحسّ والكسل إن كان في محلّ البدايات..قال بعض المتقدمين: (كنا إذا فَترنا نظرنا إلى محمد بن واسع،فعملنا عليه أسبوعاً)،فمشاهدة الأخيار ترفع الهمّة وتقوّي العزيمة..
ومنها: (إستفادة العلم والمعرفة)،وأما العلم فمن (المذاكرة)،وأما المعرفة فمن (المشاهدة).
ونستدلّ على (فضل الإجتماع) من الحديث الذي يقول: (المؤمن إلف مألوف،ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)..
وينبغي التفصيل في أحوال الناس: أما (العارفون الراسخون) فلا يَليق بهم إلا التآلف بالناس والتصبّر لهم،لأنهم يأخذون نصيبهم من كل شيء،وقد وجّههم الله تعالى لنفع عباده،فينبغي لهم أن يألفوا الناس ويألفهم الناس. وكذلك (الصالحون) المتوجّهون لإصلاح الناس بالتبرّك والدعاء،و(العلماء) المتوجهون لتعليم العباد،فلا بد من صبرهم على جفوة المتعلمين والسائلين،ومن تعلّق بهم من المسلمين..
وأما (المريدون السائرون) فلا ينبغي لهم أن يألفوا الناس كلهم،فإن ذلك يقطعهم عن ربهم. وكل فقير مال للرياسة والسياسة،وتوجّه للناس قبل كماله،فلا يجيء منه شيء. وإنما يألف الفقير من يُنهضه حاله ويدُلّ على الله مقاله..
قال سهل بن عبد الله: (إحذر صحبة ثلاثة من أصناف الناس: الجبابرة الغافلين،والقرّاء المُداهنين،والمتصوفة الجاهلين)..
قال إبن عباد: [ والحاصل أن صحبة الصوفية هي التي يحصل بها كمال الإنتفاع للصاحب دون من عداهم من المنسوبين للدين والعلم،لأنهم خصّوا من حقائق التوحيد والمعرفة بخصائص لم يساهمهم فيها أحد،وسريان ذلك إلى الصاحب من المصحوب هو غاية الأمل والمطلوب،فقد قيل: (من تحقّق بحالة لم يخلُ حاضروه منها)،فمن جلس على دكان العطار لم يفقد الرائحة الطيبة،هذا في الحضور والمجالسة،فما بالك بالصّحبة والمؤانسة. وبصحبة الصوفية يحصل للمريدين من المزيد ما لا يحصل لهم بغيرها من فنون المجاهدات وأنواع المكابدات،حتى يبلغوا بذلك إلى أمر لا يسعه عقل عاقل،ولا يحيط به علم ناقل.. ]..
وقال الشيخ علي الجمل: (الجلوس مع العارفين أفضل من العزلة،والعزلة أفضل من الجلوس مع العوام،ولا شيء أضرّ على المريد من الجلوس مع المتفقّرة الجاهلين.)..
وقال الشيخ زروق: [ الجليس السوء هو الذي جمع ثلاث خصال: الأولى (الرضى عن نفسه)،بحيث يرى له حقاً على الناس،ويرى الناس كلهم دونه،وهذه صفة الجبابرة الغافلين. الثانية (الإسترسال في الغيبة تزكية النفس)،وتعظيم ذنب الغير،وإحتقار ذنب نفسه.فلا يُقيل عثرة ولا يغفر زلّة،وهذه صفة القراء المداهنين. الثالثة (وجود الدّعاوى والطمع وحب الرياسة والبدع)،وهذه صفة المتصوفة الجاهلين.. ..
ذ رشيد موعشي