قال تعالى “والَّذِين يصِلُون ماأَمراللَّه بِهِ أَن يوصلَ ويخْشون ربهم ويخَافُون سوء الحساب”. الخشية خوف يشوبه تعظيم،وأكثرما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه،وحقيقتها طمأنينة في القلب تبعث على التوقِّي، أما الخوف فهو توقُّع مكروه أوفوت محبوب،وهو ظن لا يقين معه،وضده الأمن وتفترق الخشية عن الخوف،بأنها تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه ،كما يفترق الخشوع بأننا لا نخشع إلاَّعن انفعالٍ صادقٍ بجلالِ من نخشع له ،أما الخوف فيجوز أن يحدثَ عن تسلُّط بالقهر والإرهاب،كما أن الخضوع قد يكون تكلُّفاً عن نفاقٍ وخوف تقيةٍ ومداراة .والخشية خلاصة الإيمان والعلم ،ولا تكون إلاَّ لمؤمن مصدق ؛لأنها يقين راسخ ؛ لذا غلبت على الخوف الذي يكون من العبد تجاه خالقه ،قال تعالى” إِنمَّا يخْشى اللَّه مِن عِبادِهِ العْلَماء“والخشية محمودة في كلِّ مواضعها،أما الخوف فمذموم لما يلحقه من أمارة الظن وعدم الأمن،والخشية تكون من عظم المخشِي منه، وإن كان الخاشي قوياً،والخوف يكون من ضعفِ الخائف وإن كان المخوف أمرًا يسيرًا لذا كانت الخشية في الرسل زينة لهم ، فامتدحها الخالق سبحانه بقولِهِ :” الذَّين يبلِّغُون رِسالاتِ اللَّهِ و يخْشونهَ ولايخْشون أَحداً إِلاَّاللَّه “. أما الخوف فلا يليق بالرسل ؛ لأنه ضعف،قال تعالى” يا موسى لاتَخَف إِنيِّ لايخَاف لَدي المْرسلُون “وقد جمع القرآن الكريم بينهما في سياق واحد،فقال تعالى “والَّذِين يصِلُون ماأَمر اللَّه بِهِ أَن يوصلَ و يخْشون ربهم ويخَافُون سوء الحْساب” وكذا نسقت الخشية على الخوف في قوله تعالى ” ولقَدأَوحينا إِلىَ موسى أَن أَسرِبِعِبادِي فَاضْرِب لَهم طَرِيقا فِي البْحرِيبساً لاتَخَاف دركاً ولاتَخْشى” ومعنى الآية : أنك لا تخاف لحاقاً من فرعون وجنوده،ولا تخشى غرقاً في البحر؛وإنما فرق بينهما لمقتضى الحال ؛إذ موقف موسى وأتباعه من الغرق أعظم من ادراك فرعون لهم ،قال الآلوسي والخشية أعظم الخوف،وكأنه إنما اختيرت هنا ؛ لأن الغرق أعظم من ادراك فرعون وجنوده ؛ لما أن ذاك مظنة السلامة ،ولا ينافي ذلك أنهم إنما ذكروا أولاً ما يدل على خوفهم منه حيث قالوا : إنا مدركون ؛ ولذا سورع في إزاحته بتقديم نفيه كما يظهر منقول.
===
الخوف الخشية الوجل
قال ابن القيم في المدارج (362ص )
الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره .
الخشية أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله قال الله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) .فهي خوف مقرون بمعرفة وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية )
فالخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون ، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان
إحداهما : حركة للهرب منه وهي حالة الخوف .
والثانية : سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه وهي الخشية ومنه : انخشى الشيء، والمضاعف والمعتل أخوان كتقضي البازي وتقضض .
وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه ، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه
وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع.
وأما الوجل : فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته ، أو لرؤيته .
وأما الهيبة : فخوف مقارن للتعظيم والإجلال وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة .
والإجلال : تعظيم مقرون بالحب.
فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية كما قال النبي : ( إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية) وفى رواية (خوفا) وقال( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى).
فصاحب الخوف : يلتجىء إلى الهرب والإمساك وصاحب الخشية : يلتجىء إلى الاعتصام بالعلم ومثلهما مثل من لا علم له بالطب ومثل الطبيب الحاذق فالأول يلتجىء إلى الحمية والهرب والطبيب يلتجىء إلى معرفته بالأدوية والأدواء.