فتق الرقائق على منصات الحقائق

فتق الرقائق على منصات الحقائق
لما شاء الحق سبحانه،من حيث أسمائه،أن يرى مرتبة الألوهية،في كون جامع ويظهر به سرّه: أبرز برزخاً نورانياً عظيماً،ألْبَسه حُلَل أسمائه وصفاته،فكان هو الفيض وواسطة للفيض بين الله وعالم الإمكان،قال الله تعالى(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)فالوجود بنورالنبوة ظهر وإلى رحمتها افتقر،وهو بساط رتق الحقائق،فالابتداء منه والانتهاء إليه.

ولاسبيل لظهورالكنزيّة إلا بأكل آدم من الشجرة،فأكل منها لتظهر المُقتضيات (وعلّم آدم الأسماء كلها) أي: مقتضيات الأسماء الإلهية.فكل ما يظهر في الكون تابع للأسماء الإلهية، ومقتضياتها لا حصر لها،وهي التي تشكل الأكوان.وسيدنا محمد نور الأكوان،أي أن بَرمجتها وظهور تَكوّنها،شيئاً بعد شيء،يمُرّعبر برزخية حقيقته لأنه طرف في تفاعل التجليات الإلهية.

فكل شيء في الوجود يَعرف خالقه ويُسبّحه بمقتضى سريان الحقيقة المحمدية فيه،إذ لولا هذا السريان لصار محض عدم.فسيدنا محمد أصل جميع المخلوقات من حيث حقيقته،لا من حيث صورته البشرية.

قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الله المُعطي، وإنما أنا قاسم”،فلا تمُرّ طاعات ولا تُمنح عطاءات ولا تَصل نفحات،إلاعبر جسر برزخيته وقهرمانية وَساطته: “تُعرض عليّ أعمالكم”.

فالنبوة واسطة في كل العطاءات. جاء في الحديث القدسي: “كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف،فخلقت الخلق،فبي عرفوني” فبي =92  أي: بمحمد عُرفت مَيازب الذات العليّة، ووَسعت الرحمة الإلهية في كل الخفايا والخبايا المُلكية والملكوتية: (ورحمتي وسعت كل شيء)،”رحمتي سبقت غضبي”.

وبالنبوة المحمدية رُتّبت الدوائر الكونية على وِفْق الأسماء الإلهية،فلا يظهر في الكون إلا سرّ مقتضياتها بعد تَجلّي الحق فيها واصطحابها مع حقيقته صلى الله عليه وسلم.

فسيدنا محمد هو الروح الكلية التي نفخت في الادميين،قال الله تعالى(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي)فهو صلى الله عليه وسلم ،السر الساري في جميع الأسماء والصفات، وهو الهيولى الذي عرّف الكون بخالقه،وانشقت منه الأسرار الباطنة المرتوقة في حقيقته، انشقت منه وبه.فالوجود كان مرتوقاً بنبوته،لأن الحقيقة المحمدية هي الوحدة،وفي عين هذه الوحدة بورك وتكثّر.واصطحاب نبوته بالرسالة فتق الوجود وميّزالعابد من المعبود، وظهر تفصيل ما كان مندرجاً في حقيقته،تفصيلاً تدريجياً واستمرارياً على مرور الأزمنة حتى قيام الساعة.وهذا ما عبّر عنه مولاي عبد السلام قدس الله سرّه بقوله:[ فكان تجلّي الأحمدية في الأشياء قبل وجود الأشياء،فما ظهرت أعيان الوجود إلا بها،وبعد ذلك خالطتها المحمدية في خصائصها..] .

الوجهة الحقية أظهرت الحقيقة المحمدية بصورة لاهوتية،فهي نائبة عن الحق في الكون، وهي الظاهرة في المظاهر.فمع كل تجلّ إلهي توجد مرتبة محمدية باطنة. والتجلي هو ظهور مقتضى الاسم الإلهي،وما في الكون إلا أسماء الله وصفاته،والتجليات راجعة إلى عين واحدة هي اسم الجلالة(الله) وهو بساط الاصطحاب،والعالم راجع في ظهوره إلى الأسماء الإلهية،هي المدبّرة لشؤونه والساهرة على استمراريته . ولا بد لهذا التجلي من حضور الحقيقة المحمدية لإضفاء الرحمة وتلطيف حرارة التجليات،ولولا هذا الحضور لما كان هناك وجود.

فكل العطاءات تمُرّ عبر وساطة نبوة سيدنا محمد.فالمظاهر الكونية لا تخرُج من الوجود العلمي إلى الوجود العيني إلا بوساطته”لولاك لولا ك ما خلقت الافلاك” .

فسيدنا محمد هو وجه الله في كل شيء. فما أدرك العارفون من حقيقته إلا على قدر تجليات عصرهم.وهذا ما أشار إليه العارفون عندما وصفوا مولانا رسول الله بكونه مظهر الحق، أي أنه لا يُرى إلا فيه،وذلك لأن العالم العُلوي مظهر باطنه الأقدس والعالم السفلي مظهر ظاهره الأنْفَس،فالحق لا يُرى إلا في مظاهره،قال تعالى: (وفيكم رسوله).

لكل مرتبة وجودية اسم إلهي مدبّر وحضرة محمدية تُراقب سيرها،وفق مُراد الله،وتُضفي الرحمة على تجلياتها.فسيدنا محمد هو المُمدّ لكل الحضرات،والكل به مَنوط،فكل ما يظهر في الكون ميراث محمدي.فهومجموع العالم،من حيث أن النور المحمدي هوالهيولى والمادة التي خلق الله منها العالم بأسره.

ومن أسماء مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم المُبدئ،يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي: [ المُبدئ: فإنه صلى الله عليه وسلم كان متحقّقاً به،والدليل على ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أبدى غرائب مكنونات الغيب،وأخبرنا عنها ماضياً ومستقبلاً وحالاً،وأظهرها بعد أن كانت مستورة باطنة مجهولة غير معروفة]..

لا يظنّ أحد أن الحق تعالى بعد خَلْق النبوة أخذ منها وخَلق كل مخلوق،وهذا الفهم يُفيد أن الخلائق فيهم طرف من النبوة،والنبوة من نور الله..فالمخلوقات وصفها الحق تعالى بقوله: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)،فسماها شيئاً قبل ظهورها،والنبوة شأن وليست شيئاً.

فقولنا: خُلق من النبوة كل شيء، معناه: حُضور النبوة في التجليات الإلهية ووَساطتها. فمشربنا العرفاني المبارك ،وضح الكثير من الامور حول الحقيقة المحمدية ،وحول التجليات الإلهية وحول اتهام العارفين بالقول بوحدة الوجود، وعرَّف بحقيقة النبوة المحمدية ودورها في الكون الإلهي ،وأظهر صورة وحقيقة التصوف العرفاني الحقيقي.

ذ رشيد موعشي

حصل المقال على : 24 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد