علاقة الخلائق مع حقيقة الحقائق
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين وعلى مولاتنا الزهراء سيدة نساء العالمين وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين وعلى اله وصحبه اجمعين
قال تعالى ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ ﴾﴿ يَا ابْرَاهِيمُ اعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾﴿يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾… كل الرسل خوطبوا بياء النداء ،”يا” المحذوفة الألف لأن الـمُنادِي:هو الله تعالى ليس من جنسنا وكلامه ليس ككلامنا،والمُنادَون :الرسل(نوح ،ابراهيم …) مختلفون،في رسالتهم مختلفون في مقاماتهم ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾منهم الكليم،ومنهم الخليل،وكذلك المومنون، مختلفون في مقاماتهم،والكافرون مختلفون في دركاتهم ،فلامناسبة ،ولامجانسة ،بين العبد والرب…. ولهذا وردت”يا” النداء محذوفة ،لتتميزمقامات المخاطبين ولنفي المناسبة بينهم وبين خالقهم .
يقول ابن عربي :”يا” نداء على رأس البعد .بُعد عن الوصول إلى معرفة الذات انتهى قال تعالى﴿وَهُوَمَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ معنا بمشيئته، بعلمه، وقيومته،وحفظه…ونحن لسنا معه،لأن هناك بعد بين الرب والمربوب،وجهل ذاتي للعبد بمعرفة كيف تسيره بأياد خفية، الأسماء الإلهية ،فكيف له أن يعرف حقيقة الخالق؟؟ .
قال تعالى﴿وَلَايُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ومن لا يحاط بعلمه كيف يحاط بذاته ؟هيهات هيهات ؟. فإذا كان نبيناسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو من جنسنا،لايُعْرف فكيف بخالقه سبحانه وتعالى. قال صلى الله عليه وسلم “ماعرفني حقيقة غير ربي”(البخاري).له وجهة حقية فهو نور الله ،ووجهة خلقية بشر مثلنا تحت مقتضيات الاسماء الالهية،فظاهره مخالف لباطنه أي لحقيقته ،لو كان ظاهره كباطنه،ما قال صلى الله عليه وسلم “ماعرفني حقيقة غيرربي”فالصورة البشرية المحمدية الشريفة رآها الصحابة ،واختلفوا في وصفها.لأن النبوة تُرى على حسبها لا على حسب الرائي ،ولكل حق حقيقة ،فهو صلى الله عليه وسلم حق وحقيقة.
والحق تعالى غني عن معرفة من يعرفه،ولولا هذا ماتم له الإتصاف بالغنى، لأن من تمام غناه ،غناه عن معرفة من يعرفه.
فلا مناسبة بين العبد والرب،.ولا علاقة للذات الإلهية بالوجود ولم يرد بالقرءان الكريم النداء ب” يامحمد”.لأنه حاضرا في الكون الإلهي وقريب من رب العالمين ،وهناك مناسبة بين هذا العبد النوراني الذي ألبسه الله تعالى حلل الأسماء الإلهية ونسبه إليه قبل القبل ﴿رَسُولٌ مِنَ اللهِ﴾وعند نزول الوحي﴿رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ فهو صلى الله عليه وسلم نورمن الله﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴾” أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر”هو وسيط برزخي جمعي، لاعلاقة له بمقامات الأنبياء،هو سيدهم ورئيسهم،وهوسدرة منتهى الخلائق أجمعين.في المعراج تجاوز كل المقامات حتى كان ﴿قَابَ قَوْسَينِ أَوْأَدْنَى﴾. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ بِأُمَمِهَا وَأَتْبَاعِهَا مِنْ أُمَمِهَا،فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أُمَّتِهِ،وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الْعِصَابَةُ مِنْ أُمَّتِهِ،وَالنَّبِيُّ يَمُرُّمَعَهُ النَّفَرُمِنْ أُمَّتِهِ،وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِهِ،وَالنَّبِيُّ مَا مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ حَتَّى مَرَّعَلَيَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي (الحديث).عرض علي الأنبياء،وكأنهاعساكر عرضت على اللواء،ومرت أمامه.
قال تعالى في سورة الزمر﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِحِسَابٍ ﴾
وفي نفس السورة في الاية 53 ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
إنتبه إلى قوله تعالى”قل”﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾قل أنت يا محمد(يا عبادي).عبادة إمتنان فهو صلى الله عليه وسلم مربينا،ومعرفنا بخالقنا،ومعلمنا عبادة ربنا. وانتبه إلى إنقلاب الضمير﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾لم يقل:لا تقنطوا من رحمتي إني أغفرالذنوب جميعا… ولم يكتف تعالى بقوله ﴿يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾بل زاد و أكدها بقوله ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ولم يقل إني أنا الغفور الرحيم بل النائب عن الحضرة الالهية والذي خاطبنا ب”ياعبادي” هو الذي يخبرنا بأن الله يغفر الذنوب جميعا وأنه هو الغفور الرحيم.وقال ” وأرض الله واسعة” في حين في سورة العنكبوت قال تعالى “ياعبادي الذين ءامنوا ان ارضي واسعة فإياي فاعبدون “ليس معها ” قل” فنسب تعالى الارض اليه وجاء معها إن التوكيدية.والعبادة لله اصلا “فإياي فاعبدون” اما في اية الومر 10 “اتقوا ربكم”
فإنتبه إلى هذه النيابة المحمدية ولا تكن من الغافلين.
ووردت “قل لعبادي” في سورة ابراهيم ﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوامِمَّارَزَقْنَاهُمْ سِرًّاوَعَلَانِيَةً﴾وفي سورة الإسراء﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وفي الزخرف،قال تعالى﴿يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ بدون “قل”.
“قل ياعبادي” جمع و”قل لعبادي” فرق ،والنياية المحمدية جاءت رحمة للكون وأهله.ففي الحقيقة علاقة الخلائق ليست الا مع حقيقة الحقائق صلى الله عليه وسلم فاعرف قدرنبيك،ولاتكن من الغافلين،وإلا فسلم تسلم،ولاتنكر تغنم﴿وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَفِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾
لأن يوم القيامة التجلي الإلهي يكون في المقتضى،ويكون الأمر أكثر صعوبة،لذا قال﴿أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾فكن على معرفة بالأمور في الدنيا قبل الاخرة ،فعلى قدر معرفتك في الدنيا تبعث يوم القيامة.نسأل الله السلا مة.فعليكم بسيدنا محمد،عليكم بسيدنا محمد، عليكم به .إلزموا غرزه فكل من تعلق بأعتابه، ووقف ببابه،فقد أصاب الدليل وسعد ،وكل من هام في حبه إنكشفت له غوامض أيات التنزيل ،وكل من إتبعه وصل ،وبدائرة الولاية اتصل،وعلى المعرفة حصَّل﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾والإمداد على قدر الإستعداد .إلزم غرزه ينكشف لك الوعاء الذي لم يبح به أبوهريرة (الحديثْ).ومن طلب الله من غير سيدنا محمد فقد أتى البيوت من غير الأبواب،و يجب رده إلى إسطبل الدواب.
وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله وعلى اله وصحبه