شرح ومزج صلاة ابن عربي

أذواق  وإشارات

و اسـتـخراج اللؤلؤ والمرجان

من أصـداف الـعبـارات

اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد النور الأعظم، وفاتحة الكنز المطلسم،

والغيب المطمطم، والكمال المكتم، لاهوت الجمال،وناسوت الوصال،

وطلعة الحق، هويّة إنسان  الأزل،في نشر من لم يزل،من أقمت به نواسيت الفرق

إلى طريق الحق، فصلّ اللهمّ به منه فيه عليه، وسلّم تسليماً.

)ابن عربي(

أقول مستمدا من مدد مولانا رسول الله  .

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ

قال تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾وردت يصلون بالـمضارع الذي يفيد التجدد والاستمرار. أي التغيير الذي تنتجه التجليات الإلهية ،فكل ما يُظْهِره الله في الكون،هو تابع لتجلي الأسماء والصفات الإلهية، وللمقتضيات القرءانية .والتجليات الإلهية تتطلب وساطة حقيقته الـمحمدية، للإنفعال في الكون الإلهي، وبالتالي فكل ما يظهر في الكون هو منوط بصلوات الله على النبوة .فما ظهرت الإبتكارات العلمية والتطورات التكنلوجية، إلا بعدما ظهرت صلوات تعنون عن الصفة الأحدية، التي برزت من مقتضاها الحقيقة الـمحمدية.وصلاة الله عليه هي تلك الشعلة التي تربط الألوهية بالـمألوهين،والرب بالمربوبين ، والكون بخالقه ،لإستمرارية الحياة حسب ما قدر في بساط الرحمانية. لهذا ورد اسم  مـحمد متحدا باسم الله ونعته ، وكذا في كلمة الشهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. ولو لم يكن هذا الإتحاد ،لكانت هناك واو عطفية [لاإله إلا الله ومحمد رسول الله]ولكانت هناك غيرية،وما صح التوحيد. وبصلاة الله عليه تعم الرحمات ،وتظهر الـمقتضيات،ويشمل  اللطف كل الكائنات،ويصبح الوجود صالحا للوجود، إذ لولا وساطته  لذهب كما قيل الـموسوط .فهو  نفس الوجود، وروح الوجود، وسر الوجود الذي لولاه لانهد الوجود وما استطاع الصمود أمام تدفقات التجليات الإلهية ،خصوصا إن هي ظهرت على وفق الـمقتضى﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾.قال تعالى﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ وقال رسول الله  “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بـها “فبالصلاة عليه ينال الـمصلي حظه من هذه  الخلافة  العامة، خصوصا إن كانت الصلاة نعتية راقية تحرك القدر، ويكون التشوف القَدَري لهذا الـمصلي، (الغوث محل نظر الله من العالم كما قيل( وراثة مـحمدية،ويكون نائبا عن الحضرة الـمحمدية،وخليفة لها﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ﴾ ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾والأرض هنا إشارة إلى سيدنا مـحمد.أما﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَ ئِفَ فِي الأَرْضِ﴾ تعني الأرض التي نعيش عليها.فأدخل  أمته في دائرة الخلافة، وجلب النفع لعباد الله “خيركم أنفعكم للناس.” الحديث. فالْمنفعة الحقيقية ،تـمر عبر الصلاة عليه، لذا قال  ” البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ ” وهذا أكبر بخل، وليس بعده إلا البخل بكلمة الشهادة. فخيرنا من يصلي على نبينا، بصلاة موافقة للقدر وتابعة للتجليات الإلهية)صلاة تليق بك منك إليك كما قال الـمشيشي رحمه الله( لإستجلاب الرحمات، لهذا شغل الله العوالم كلها بالصلاة عليه ،لأنه لا نسبة بين الخالق والخلائق ،نسبتهم مع نور النبوة، أي مع حقيقة سيدنا محمد لهذا كانت اول مخلوق واول العابدين “أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر(.وهذا هو سر إتصال الميم )المدغمة الباطنة في اسم  محمد. “مـحـمـمـد”) مع اسم الجلالة الله “اللهم “: الميم عبارة عن الحقيقة الـمحمدية، وإتصالها بالجناب الأقدس إتصالاً فرقيًا، لكي يبقى الرب رب والعبد عبد، يقتضي أن القرءان نزل دفعة واحدة،منه إليه بدون وساطة. وقولنا “اللهم” طلب منا الله تعالى أن يصلي على هيولى الإجمال والتفصيل، أما نحن فعاجزون على هذا البساط، وجاهلون به، وما أوتينا من العلم به إلا القليل.”ما عرفني حقيقة غير ربي”. والصلاة على النبي هي لإطفاء عدل ما تقتضيه ميازب الذات العلية ،ولكي لا يتعطل سير الكائنات. فالكون مفتقر إلى الصلاة على مولانا رسول الله إذ لولاها لإضمحل من حينه من هيبة الله. قال تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُو نَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾ بصيغة المضارع .فكل صلاة نعتية راقية تتغزل في الحقيقة الـمحمدية ،إلا وهي مبايعة له  ،إذ صلاة الله عليه هي ذكره ومدحه، والثناء عليه بنعوته الـمذكورة في القرءان، وما دام يـمدح إلا والرحمة تتنـزل على الكون الإلهي وأهله، وما ذكر الله تعالى نعتا من نعوته إلا ونعت به حبيبه  قال تعالى ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَا تِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ …إلى غير ذلك من الآيات وقد ملأ الحق سبحانه وتعالى العوالم كلها بذكره والصلاة عليه، وماشغل الله تعالى هذه العوالم إلا بأعظم الطاعات,وأفضل القربات. فبصلاتنا عليه ندخل في دائرة الـمفلحين﴿ قَـدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ونبايعه ،ونكون من الـمقربين من نبوته،من الـموقنين بـحقيقته، ومن الـمصدقين بكل ما جاء به. قال ابن شافع :انبسط جاهه   حتى بلغ الـمصلي عليه لهذا الأمر العظيم، وإلا فمتى يحصل لك أن يصلي الله تعالى عليك.

النور الأعظم.

﴿قَدْ جَا ءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَا بٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ ﴾النور هو سيدنا محمد والكتاب المبين القرءان .ولم يقل تعالى يهدي بـهما ،فسماه تعالى نورا ،قبل القبل نور الرسالة ،ونور النبوة﴿ نُّورٌ عَلَى نُورٍ ﴾.أورد ابن سعد في طبقاته :قال رسول الله  : “كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث”. وأورد العجلوني في كشف الخفاء “أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر” .أبرز الله من نوره برزخا عظيما جامعا ،وأفاض عليه جميع كمالاته،وحلاه بأسـمائه وصفاته، فكان حجابا بين الـمخلوقات وربـها،وحاجزا مُلَطِّفـًا لحرارة التجليات الإلهية. فمعاملات الخلق كلها في حقيقة الأمر مع هذا الوسيط البرزخي .ومن خاصية البرزخ أن لا ينزل شيء إلا عليه،ولا يصعد شيء إلا بواسطته. بل له  على كل ذرة من ذرات الوجود نعمة الإستمداد من برزخيته ،فليس في الوجود من له خاصية الحل والربط والنقض والإبرام إلا مولانا رسول الله   ﴿فَلاَوَ رَبِّكَ لاَ يُــؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُو كَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَــجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ فافهم قدر نبيك، واحمد الله على أنك من أمته، وعلى ملته ، صدق بـحقيقته .    فالكل ارتشف من نور النبوة، والتي هي بداية للظهور الكوني، فصارت الكائنات عارفة بربـها عابدة له  ,ومسبحة﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَا وَا تِ وَمَا فِي الأَرْضِ ، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ا لْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْـجِبَـالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَا بُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّا سِ﴾ فما في الوجود إلاساجد لله.﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾فبوجوده وتقلب حقيقته  في كل ذرة من ذرات الوجود ،نسب لهم السجود في الظاهر ،وفي حقيقة الأمر هو المتقلب بـهم فيهم، والساجد فيهم بـهم ،والـمعرفهم بربـهم، فكان نورا صرفا حقانيا، تعمم بالعبدية، وتلثم بالبشرية.ملأ الوجود ظاهرا بشريعته،وباطنا بحقيقته،وملكا وملكوتا بأسرار خلافته.لهذا سماه”النور الأعظم”.

فاتحة الكنـز المطلسم :

الطَلسم هو السر الفعال ,المؤثر بالخاصية عند الحكماء، إذا كان على وفق الشروط الـمعلومة عندهم. وعند الإلهيين تأثيره بالإذن الإلهي بالتسلط، لأنه وجه من وجوه القدرة الإلهية.وعند العامة يطلق الطلسم على كل أمر معجم وسر مبهم. وعند العارفين هو الإنسان الكامل،المتحقق بالأسماء الإلهية، وهو بطبيعة الحال: محمد رسول الله، ليس إلا.ورد في الحديث الصحيح كشفا ،الغير الثابت نقلا عن رسول الله عن ربه عز وجل أنه قال “كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني” فبي تساوي. 92  أي عدد  جمل اسم مـحمد، فـنور  النبوة هو بداية الخلق وفاتحته﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا كُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ﴾ ” خلقناكم”  راجعة على النبوة والتصوير لآدم.ولا سبيل لظهور الكنـزية إلا بأكل آدم من الشجرة،فأكل منها لتظهر الـمقتضيات قال تعالى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ﴾أي مقتضيات الأسماء الإلهية .

والكنز المطلسم: هو الحضرة الإلهية في “بساط” الكنزية ،أي البطون الـمتقدم للأسماء الإلهية في بساط الأحدية، والتي هي حضرة سحق ومحق، ولا يثبت معها غيرها.بل هو   الكنز بعينه ، فما الكنز والمكنوز سواه. لأن الحق سبحانه وتعالى غني عن معرفة من يعرفه، لتمام غناه، فهو غني عن العالـمين ،وغني حتى عن اسـمـائه وصفاته. فإن قلت الكنز الـمخفي هوية الحق صدقت، و إن قلت هو حقيقة مـحمد  صدقت. قال الشيخ محمد الكتاني: فحين انطباعك فيك يكون هو هو، لا أنت أنت، وحين انبساطك عليه تكون أنت أنت لا هو هو. “خيركم من إذا رؤي ذكر الله”. وانتقلت من حالة البطون )أي الأسـماء الإلهية( إلى حالة  الظهور، فبرزت الـمقتضيات وظهر الوجود للوجود .فكان كنزا مطلسما، طلسم في القرءان عموما، وفي البسملة خصوصا، ففصلت بها السور بعضها عن بعض ،بعدما كانت آيات، وسترها الحق تعالى بِلُطْفه حتى غابت عن أهل دوائرِ الولاية،ولم يعثر عليها إِلاَّ من اصطفاه الله ورشحته العناية المحمدية.

الغيب  المطمطم    

المطمطم تعني الممتلئ أنواراً ،أي الرحمة التي ملأت الوجود ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا كَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ “رحمتي سبقت غضبي”)البخاري(. تحقق  وتخلق بالأسماء الإلهية، ومن جملة الأسماء الهوية فصار مـجهولا عند كل العوالم ﴿ وَيَسْأَ لُونَكَ عَنِ الـرُّوحِ قُــلِ الــرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ أي الروح الكلية. قال تعالى ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَــرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾، فالخلائق عاجزون عن معرفته  والإحاطة بكنهه “ما عرفني حقيقة غير ربي”.هيهات هيهات لـما يطلبون فهو  من مقتضيين،من مقتضى الصفة الأحدية،ومن مقتضى الأسماء الإلهية 99 ، وباقي الخلائق من الأسماء  فقط. فكان  كلي وما عداه جزئي، وشتان ما بين ذا وذاك، شتان ما بين من قيل له﴿وَلَـسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّـكَ فَتَـرْضَى﴾ ومن قال﴿وَعَـجِلْتُ إِلَـيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ ومن قال ﴿َرَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ومن قيل له﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَـكَ صَدْرَكَ﴾ومن قال﴿وَا جْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِـرِيـنَ ﴾ومن قيل له﴿وَرَفَعْنَا لَـكَ ذِكْرَكَ﴾أين بين من قيل له﴿ لِيَغْفِرَ لَـكَ اللَّهُ مَاتَقَدَّمَ مِن ذَنــبِـكَ وَمَا تَـأَخَّرَ﴾ومن قال﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَـغْـفـِرَ لِي خَطِيـئَتـِي يَـوْمَ الدِّيـنِ﴾.أين بين من قيل له﴿مَا كَـذَبَ الْـفـُؤَادُ مَا رَأَى﴾.ومن ﴿فَنَظَـرَ نَظْـرَةً فِي النُّجُـومِ فَقَا لَ إِنِّي سَـقِـيمٌ﴾أين بين من﴿رَأَى مِنْ آيَـا تِ رَبِّهِ الْكُبْـرَى﴾.وبين من﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِـي أَنظُـرْ إِلَـيْـكَ﴾.شتان بين من وطئ سدرة المنتهى، وهو بنعله الشريف ومن قيل له ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّـكَ فَاخْلَعْ نَعْلَـيْـكَ إِنَّـكَ بِالْـوَادِ الْمُقَدَّسِ طُــوًى ﴾في الأرض.فهو   سيد الأنبياء والمرسلين ،وله على كل ذرة من ذرات الوجود ،نعمة الإستمداد من رب العالمين،وسَارٍ بحقيقته في الكائنات أجمعين.وهذه الخاصيات لا مطمع للعقل في دركها، فهي غيب مطمطم، فما أدركتها الملائكة المقربون ﴿لَــوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِــيــنَ لَــكُــنّــَا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَـصِـينَ﴾ ولا الأنبياء ،لوفقد سريانه  في ذات من ذوات الأكوان لصارت محض عدم، ولله ذر القائل على لسان الحقيقة المحمدية :

فلا حي إلا عن حياتي حياته     *   وطوع مرادي كل نفس مريدة

                      وإني وإن كنت ابن آدم صورة   *  فلي فيه معنى شاهـد بأبـوتي

قال بعض العارفين يصف الحيرة في الجناب الـمحمدي وجمعها بين الأضداد :

  هي الشمس نورا هي الليل ظلمة   *   هي الحيرة العظمى التي تثلعتم

مُبرقعة من دونـها كل حائل        *     ومُسفرة كالبدر لا تتكـلم

فنور ولا عين وعين ولا ضيا         *     وحسن ولا وجه ووجه ملثم

نسيم ولا عطر وعطر ولاشذا         *      وخـمر ولاكأس وكأس مختم

فهو غيب مطمطم، وكنز مطلسم، وبحر زاخر غطمطم ،وهو القهرمان الأفخم.ولا تبديل ولا تحول للكنزية أبدا عن كنزيتها.”كنت” لها الاستمرارية والدوام،ماضيا وحاضرا. فهو الباطن في نفس ظهوره، والظاهر في نفس بطونه. والغيب الـمطمطم هو الوجهة الحقية لـمولانا رسول الله  .

الكمال المكتّم     

المكتم: كتم أي ستر وأخفى. فسيدنا  مكتوم، ومستور بالنبوة التي هي صفته، لهذالم يخاطبه الله تعالى

في القرءان المجيد بالإسم )يامـحمد( كما خاطب الانبياء، إنما خاطبه بالصفة﴿يَا أَيُّهَا النَبِيء﴿يَا أَيُّهَا الــرَّسُــولُ﴿يَا أَيُّهَا الْـمُــزَمِّلُ﴿يَا أَيُّهَا الْـمُـدَثِّـرُ﴾ونـهانا أن نناديه باسمه تعظيما له وتكريـما ﴿لَا تَــجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُــولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً﴾.﴿وَتُـــوَقِّرُوهُ ووصفه بالكمال الـمكتم، لأن الحق سبحانه وتعالى ستره حتى لا يعبد من دون الله.وقد جمع   بين الجلال والجمال, فحاز على الكمال.قال الحق تعالى﴿وَإِنَّـــكَ لَعَلى خُــلُــقٍ عَظِيمٍ ﴾ فما بالك بـمن عظمه الله تعالى،هل لعظمته منتهى ؟وما بالك بـمن تخلق بالقرءان ،وبالأسماء الإلهية. هل يُقَيَّد ؟ و”لون الماء لون إنائه”.فكماله  لا مثيل له، فهو الدرة البيضاء اليتيمة ،والياقوتة الحمراء الفريدة. فهو أجمل من يـــوسف،وأزهد من عيسى ،وفاق صبر أيوب.    نهاية غيره من الأنبياء لم تشارك بدايته.اجتمع فيه ما تفرق في غيره ،وزاد عليهم.فكان حدا محدودا لأهل الفضل أجمعين اختلفت الصحابة في وصفه، بل جاء في بعض وَصْفِهم تناقض.فلو ظهر تـمام حسنه. وكمال صفاته وجماله، لوقعوا في أبعد من صويحبات يوسف﴿ مَا هَذَا بَـشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَـلَـكٌ كَـرِيمٌ﴾ وربما أَلَّـهُوه، أو على الأقل انشغلوا به ،وتركوا تبليغ القرءان وجمع الأحاديث﴿وَتَـرَاهُمْ يَـنـظُـرُونَ إِلَـيْـكَ وَهُمْ لاَ يُـبْصِرُونَ ﴾لا يبصرون حقيقتك. فلولا أن الله ستر بـهاء طلعته، وجمال صورته بالهيبة والوقار، لما استطاع أحد النظر إليه.قال الراوي “من رآه بديهة هابه”، أي أجله وعظمه وخافه، لِمَا ألبسه الحق سبحانه من جلال هيبته، وتوجه بتيجان خلافته.لم يكن له  ظل ،لأن الظلال تابعة للأنواروهو نور،فلم يكن له ظل حتى لا يكون تابعا لشمس،أو قمر،فهو متبوع لا تابع، وهو نور الأنوار وأصل الأنوار. ولم يكن له ظل حتى لا تطأه الأقدام، وحتى لا يرتسم على الأماكن الممكن أن تكون بـها نجاسة. ولم يكن له ظل لأنه هو ظل الله في الأرض ،والكون ظله  .فالذات الـمحمدية مـحيطة بكل كمال حقي وخلقي،مستوعبة لكل فضيلة في الوجود صورة ومعنى ،حُكما وعينا ،غيبا وشهادة، ظاهرا وباطنا.فالحمد  لله الذي جعلنا من أمته، و من الـمحبين فيه .ومن الـمصلين عليه،ومن الـمقتدين به،ومن الـمهتدين بـهديه،ومن الـمتشرعين بشريعته، ومن الـمصدقين بكل ما جاء به. ومن الـموقنين بحقيقته صلى الله عليه وعلى آله.        

لاهوت الجمال، وناسوت الوصال   

 لاهوت الجمال تشير إلى الوجهة الحقية. ناسوت الوصال تشير وجهته الخلقية.

عالم اللاهوت مبني على العبادة لله، والتصديق والإيقان،بخلاف عالم الناسوت الذي استقر فيه الأمر والنهي.فهو  برزخ للاهوت وكهف للناسوت ،والكل مستظل تحت لوائه ،دنيا وآخرة  “آدم ومن دونه تحت لوائي”. “لوكان موسى حياـ ما وسعه إلا أن يتبعني”. وجعله بشرا لتتحقق فيه وبه الخلافة الكلية والجزئية.

لاهوت الجمال:ولم يقل جمال اللاهوت، بل لاهوت الجمال.فالجمال المقصود هو الحسن متعلق بالأسماء الحسنى ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾فهو  لاهوت الجمال بتحليه بهذه الأسماء﴿وَإِنَّــكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾أي الحسن الذي ظهرت به الأسماء الإلهية ، الظاهرة بمعاني وصور الوجود. وما من شيء في الوجود إلا وله مرتبة ترجع به إلى مقتضى اسم من الأسماء الإلهية منها مدده. وجمال كل شيء بـمرتبته لا بصورته .فما في العالم الـملكي و الـملكوتي إلا الجمال، لأن مولانا رسول الله هو عين حياة ذلك الحسن ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّـقَــوْاْ مَاذَا أَنــزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً﴿ صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيــزُ الْــحَكِيمُ﴾.قال الصديق رضي الله عنه :ما رأيت  شيئا إلا رأيت الله فيه. قال ابن مشيش للشاذلي: حدد نظر الإيمان ترى الله قبل كل شيء، وبعد كل شيء ،ومع كل شيء، وفي كل شيء.

 قال الشيخ الجيلي :    فكل قبيح إن نظرت لحسنه   ****   أتتك معاني الحسن فيه تسارع

قال تعالى ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ أعطى كل شئ خلقه أي كماله الذي يستحق ،فما في العالم نقص أصلا .فلا يصدر على الكامل إلا الكمال، إذ لونقص منه شيء لكان بخلا ،تعالى الله عن ذلك علوا كبير .فما في الكون إلا الجمال “وليس بالإمكان أبدع مما كان” كما قال الغزالي .والوجود كله عطاء ،واعوجاج القوس هو عين إستقامته، لما أريد له.لأن ما في الوجود إلا الأسـماء الإلهية ومقتضياتـها،وما ثم أشرف من الأسـماء الإلهية، عرف ذلك من عرفه ،وذهل عنه من ذهل ،وظن من ظن أن الغزالي رحمه الله، يقول بعجز القدرة ،وإنما الـمراد الحكمة.مرت بالنبي  جنازة فقام لها، فقيل له إنـها جنازة يهودي فقال ” أليست نفسا “.فمن ينكر وصفا ظهر في الوجود ،فإنـما ينكر على الإسم الـمظهر له ﴿ذَلِــكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنــزَلَ اللَّهُ فَأَحْــبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾.فليس في الكون إلا التجليات الإلهية، والعارفون يرون أنفسهم بين تجل وتجل. هم بربـهم ومع ربـهم ،لايرون فاعلا غيره، يحركهم كيف يشاء .يقولون ماذا سيفعل بنا غدا، وغيرهم يقول ،ماذا سأفعل غدا. والحاتـمي  هو القائل في بعض أشعاره  :

            لقد صار قلبي قابلا كل صورة    ****     فمرعى لغزلان ودير لرهبان

              وبيت لأوثان وكعبة طائف     ****      وألواح توراة ومصحف قرءان

          أدينُ بدينِ الـحبِ أنـّى توجّهتْ    ****      ركائبهُ ، فالحبُّ ديـنِـي وإيـمَاني

من سمع  هذا الكلام يظن أن الشيخ الأكبر، يقول بوحدة الأديان، وليس الأمر كذلك، إنما هي إشارة إلى وحدة التجليات الإلهية ،أي أن التجليات راجعة إلى عين واحدة، إلى اسم الجلالة ” الله” الذي هو رئيس الأسـماء الإلهية، وهو بساط الاصطحاب .فحيثما دارت (التجليات) دار معها لكمال معرفته، لذا عبر بالقلب الذي له التقلب. قال تعالى﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ فالقلب لا يبقى على حالة واحدة و،كذلك التجليات الإلهية .فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها بعقله ،فالعقل يقيده .فهي وحدة شهود. يقول في موضع آخر :)تنزل الأملاك في حركات الأفلاك(“…وإنما قصدت ستر هذه  المعاني الإلهية في هذه الألغاز الخطابية ,، من علماء الرسوم، وعقوبة لهم من أجل انكارهم،كما ختم الله على قلوبـهم ، وعلى سـمعهم، وجعل غشاوة على أبصارهم ،فلم يدركوا من روائح  الحقائق شـمة، ولم  يـميزوا في قلوبـهم بين اللمة واللمة…انتهى)يقصد لـمة الـملك ولـمة الشيطان (ويقول في أبيات أخرى توضح لنا أن المسألة بالنسبة له وحدة شهود،) ف ح3ص 132(:

                  عقد الخلائق في الإله عقائدا    *     وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه

شاهد جميع ما اعتقدوه  :

                فالعين واحدة والحكم مختلف    *     وذاك سر لأهل الله ينكشف

 )ف ح 3ج 43 (العين واحدة، أي لا ترى إلا التجليات الإلهية، التي يصدر عنه اختلاف في الاحكام     تابع لإختلاف مقتضيات الأسماء الإلهية المتضادة ، والعين واحدة أي الكل راجع إلى اسم الجلالة “الله” .وهذا هو توحيد المقربين الذين لا يرون في الكون إلا الصفة (أحد أحمد)، وهذا الـمقام أول من تكلم عنه الحكيم الترمذي،وسماه العارفون مقام القربة.

ناسوت الوصال:

الناسوت نسبة إلى الأشباح : أي ان هذا العبد المولود من ام واب ،باب الله الأعظم ،الذي من لم يأت منه لا يدخل. وأنه الواسطة بين الرب والـمربوب. وصلة الوصل بين العبد وربه، وبين عالم الـملك وعالم الـملكوت، صلة الوصل حتى تتدفق الأسرار والنفحات إلى أصحابـها من العارفين. صلة الوصل حتى تصل الرحمات إلى الكائنات. وأمان للكفار من العذاب في الدنيا. صلة الوصل حتى يكون اللطف في التجليات الإلهية. فالكل به منوط إذ لولاه  لاضمحل الكون،ومااستطاع الصمود أمام جلال الله وهيبته. فلو كان تجلي الاسم “الرزاق” على وفق الـمقتضى لطغى العباد ولسعوا في الأرض بالفساد﴿وَلَــوْ بَسَطَ اللَّهُ الــرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَــوْا فِي الْأَرْضِ ﴾.

 قال بعضهم:

                    ولطف الأواني في الـحقيقة تابع     *    للطف الـمعاني والـمعاني بها تسمو.

المراد بالأواني: ظاهره الناسوتي، الذي من مقتضى الأسـماء، وهو تابع في حقيقة الأمر للطافة الباطن، المسمى بالـمعاني أي باطنه اللاهوتي. ارتسم نور النبوة الباطن، في الظاهر ،من يوم ولادته أي زيد نبيا، وسـمى ذلك بالـمتابعة.فالظاهر كذلك لاهوتي. وإلى ذلك أشار مركز دائرة الأنوار بقوله”إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين” الحديث “تنام عيناي ولا ينام قلبي”.لم يكن له ظل، يرى من خلف كما يرى من أمام: “إني أراكم من وراء ظهري” )رواه ابن عبد البر في الاستذكار(، ليس له كثافة بشرية، لأنه نور محض ولكي لا يعبد من دون الله، كان يتظاهر بـمقتضيات البشرية .فهو ناسوت الوصال وحد الوصال،وليس لأحد عن وساطته انفصال. العبد الـمتعمم بالحقانية، والحر الـملتحف بلباس العبدية،والسر الـمؤتزر بالرحـموتية.فافهم إن كنت مـمن يفهم ،وإلا فسلم تسلم، وعلل الأفهام ،أشد من علل الأجسام.    

طلعة الحق   

قال بعضهم    :    سكرت ولكن من محيا جمالها      *    فطلعتها سكري ككاسات خمرة

قال آخر      :     لو رأى الشيطان طلعة نوره        *     في وجه ءادم كان أول من سجد

                     أو لو رأى النمرود باهر حسنه     *       عَبَد الجليل مع الخليل وما عَـنَــدَ

ورد في لسان العرب من معاني طلع : طلَعت على القوم تطلع طلوعاً،إذا غبتَ عنهم حتى لا يروك، وطلَعت عليهم إذا أقبلتَ عليهم حتى يَرَوْك‏.‏ فتعني الظهور، والبطون ،والإقبال ،والبلوغ، والقصد، والعلو، فهو من الأضداد.وطلعة الحق هو نور النبوة.الباب الأعظم،والكنز الـمطلسم، الذي أظهر الأسماء والصفات الإلهية، والـمقتضيات القرءانية .فلا شهود إلا فيه، ولا تجل إلى منه. فهو مظهر للحق، وطلعة الحق من يوم(لا يوم) “كنت نبيا وءادم بين الروح والجسد”،الذي لا يقصد الحق إلا من بابه،ولا بلوغ إلا من أعتابه، ولا ترقي إلا بإذنه”من رآني فقد رأى الحق”)البخاري (“خِــيَــارُ كُمْ الَّذِينَ إِذَا رُءُ وا ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ”)ابن ماجه وأحمد ( . فظاهره وباطنه طلعة الحق: في كلامه:﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ﴿إِنَّهُ لَــقَوْلُ رَسُــولٍ كَرِيمٍ﴾أي القرءان قول رسول كريـم. فلولم يكن طلعة الحق ما أخبرعنه أنه قوله.وأفعاله:﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾،﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُــولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾وصفاته:﴿إنَّ الَّذِيــنَ يُبَايِعُونَــكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾،وقوله تعالى﴿ الَّذِيــنَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُــولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ .وهديه:﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُــولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ،﴿وَإِنَّــكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَا طٍ مُّسْتَقِيمٍ.وقال له:﴿قُلْ يَاعِبَادِي﴾ عبادة امتنان,وكيف لا وهو  صلى الله عليه مربينا ومعرفنا بخالقنا.فكل صورة في الوجود لها وجه يرجع بها إلى إسم من الأسماء الإلـهية ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْــهُ اللَّهِ،وبالتالي إلى الحقيقة الـمحمدية, سواء في عالم الـملك أو عالم الـملكوت  ﴿ يَا أَيُّهَا النَّا سُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُــوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾.فكل ما يفتقر إليه يصب ،في مقتضى اسم من الأسـماء الإلهية، فقر اضطراري لا اختيار للعبد فيه، وما في الوجود شئ لا يفتقر إليه ،لأنه ليس في الوجود العبث. فما في الوجود إلا الله. فما في الوجود إلا الجمال ،وهي طلعة الحق التي ظهر بـها رسول الله، وهو متحل بجميع الاسماء والصفات الإلهية، ولا يرى هذا الجمال إلا من كُشف له عن باطن الأواني، واطلع على الأسرار والمعاني. ولا يزال السالك يترقى في الشهود حتى لا يرى إلا وجهه المشهود، وهو الذي عبروا عنه بجمع الجمع، وظن من ظن أنها وحدة الوجود الفلسفية، أي أن الله عين الأشياء ،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فعبدة الأوثان لم يجرؤا أن يجعلوا آلهتهم عين الحق تعالى بل قالوا﴿ما مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْـفـَى، فكيف يظن بأولياء الله تعالى أن يدَّعوا إتحادا ,أو حلولا للحق سبحانه وتعالى، هذا مُحال في حقهم رضوان الله عليهم، )كما تقول عبارة الشعراني رحمه الله( ,ولكن اختلفت مشاربهم. فكما اتصف الحق بالظهور والبطون،وكذلك الخليفة الكلي و”لون الماء لون إنائه” ومع شدة ظهوره ،وسريانه في جميع جزئيات العالم ،فهو باطن لا يدرك.

                 وما  احتجبت إلا برفع حجابـها    ومن عجب أن الظهور تستر.

فجميع ما في الكون إنما هو آثار الأسـماء الإلهية، ظهرت في صور المخلوقات على وفق مراد الحق سبحانه وتعالى، ونحن نسميها حوادث، ووقائع ،وأفراح، وأتراح. تتنوع لكثرة مظاهرها واختلاف مقاصد مظاهرها

﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُـضِـلُّ بِهـَا مَنْ تَشَاء وَتَـهْدِي مَنْ تَـشـَاء، ﴿قُـلْ كُلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ.واعلم أن طلعة الحق لما خرج من بطنان الأزل، إلى عالم الحكم ، زيد مرتديا نبوته ، منتظرا الرسالة التي جاءت عند تـمام الأربعين ﴿أَلَمْ يَــجِدْكَ يَتِيمًا﴾ أي لا مثل لك، فآواك إلى رسالتك، فاصطحبت أحـمديتك ومـحمديتك. والنبوة جمال محض، أما الرسالة فجمال وجلال.

هويّة إنسان الأزل في نشر من لم يزل

رسول الله هو عروس الـمملكة، وأول بارز من بطنان الأزل، وهوية إنسان الأزل، أي حقيقتة .وإنسان العين هي الحدقة ،أو الفتحة الـمركزيه في القزحية، وهي التي تسمح للضوء بالـمرور لداخل العين. ويطلق عليها سواد العين. وإنسان العين هو الـمقصود من العين، لأن النظر يكون به. فابن عربي رحمه الله،يرمز بـهذا إلى برزخية مولانا رسول الله ،وإلى قربه، وإلى أنه هو الـمقصود من الوجود، والتشوف القدري إليه .فهو إنسان عين الوجود الذي أخرج الوجود،من عالم الطي إلى النشر. فهو الدال على الله بالله. والدال على الله بنفسه. يقول ابن عربي في كتابه نقش الفصوص: “..وجعله الله العين الـمقصودة من العالم، كالنفس من الشخص الإنساني ولهذا تخرب الدنيا بزواله ،وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله، فهو الأول بالقصد ،والآخر بالإيجاد ،والظاهر بالصورة، والباطن بالسورة (أي المنزلة )، فهو عبد الله ،ورب بالنسبة للعالم”. انتهى. ويقول : (كتاب التدبيرات الإلهية )”…﴿ وَأَشْـرَقَـتِ الْأَرْضُ بِـنُـورِ رَبِّـهَا﴾ اعتبار الربوبية هنا، سيادة المعلم الأول وتربيته وتأثيـر سببيته وهو الـمرجوع إليه،في قوله تعالى على طريق التنبيه ﴿يَا أَيَّـتُهَا الــنَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ا رْجِعِي إِلَى رَبِّــكِ﴾ انتهى .

من أقمت به نواسيت الفرق إلى طريق الحق   

نواسيت الفرق هم الخلق، أي أقمته في دعوة الخلق إلى الحق.

الفرق :شهود الأثرات مجردة عن معناها ،وهذا مقام من يستدل بالأكوان على الـمكون.

أما الجمع : فهو شهود الحق بلا خلق، وهو بساط من يستدل بالـمكون على الأكوان، فيرى الحق قبل الأشياء، فيقول إن للحق أسماء وصفاتا، يطلب ظهور مقتضياتـها ظهور هذه الـمظاهر، أي أن الـمظاهر هي مقتضيات وأثار السماء الإلهية.

أما جمع الجمع : فهو شهود الحق بالحق.فهو توحيد المقربين، لا يرى في الكون إلا “أحد أحمد” ,وأصحاب هذا مقام ،اكتفوا بالصفة ،حيث أنـها هي الخالدة بين الناس، والْمُمَثَّل فيها الأمر والنهي ،إجمالا وتفصيلا.

والفرق الثاني الرجوع من الحق إلى الخلق. فالفرق أدب الشريعة، والجمع أدب الحقيقة. فالقالب فرق ،والجمع

للروح ﴿ وَنَـفَـخْـتُ فـِيـهِ مِن رُّوحِـي، ونحن خُلقنا على قالبه  “خلق الله آدم على صورة الرحمن” .

وهذامعنى قوله: من أقمت به نواسيت الفرق، لتثبت برزخيته العظيمة، ولكونه حجابا بين الحق والخلق.

فصلِّ اللهمَّ به منه فيه عليه

به منه : أي من أحـمديته على مـحمديته، وإن شئت قل بالنعوت التي نعته الله بـها في القرءان الكريم.    

فيه: قبل ظهور الهيكل الـمحمدي.

عليه: بعد ظهور الهيكل الـمحمدي ، المولود من أم وأب أي وساطة جبريل .     

أي صل يا رب بأحمديته على مـحمديته، أولا وآخرا.

وابن عربي سـمى الحقيقة الأحـمدية في فتوحاته “حقيقة الحقائق الكلية”.

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على الـمرسلين والحمد لله رب العالـمين.

 محمد بن الـمبارك فبراير 2010 الموافق لصفر 1431.

مـــزج   يــــحــل

الــــرمــوز

ويـسـتـخـرج   الــكــنـوز

اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى ال سيدنا ومولانا محمد، النور الأعظم جود الاحدية﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ ومِنَّةِ العندية ﴿رَسُولٌ مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ المخاطب بقوله ﴿وَتَقَلُّبَكَ   فِي السَّاجِدِينَ﴾ فما في الكون إلا ساجد ﴿لِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فسرى نوره في الوجود ،وعرَّف الكون بالخالق المعبود﴿أَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ﴾ نبراس العارفين )فبي عرفوني(.فهو الشاهد ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً﴾ والمشهود ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾لإنه فاتحة الوجود،الكنز المطلسم المفقود،والغيب المطمطم الموجود، والكمال المكتم المقصود. أكنـزته الأحدية لغيرتها ولرفضها السوى ،وهي حضرة سحقية محقية.وغيبته في سرادقاتها الهوية لطلبها السِّوَى ،ولجمعها بين الربوبية والمربوبية ،وأَلْبَسَتْهُ حلل الكمال الألوهية ،لأنها حضرة  الأسماء الإلهية﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾.فهو الباب الأعظم، والبرزخ المطلسَم ،الذي لادخول إلا من بابه ولاشهود إلا فيه،ولا تجلٍّ إلا منه،و﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾” من رأنى فقد رأى الحق”.ولون الماء لون إناءه. ولايقوم مقام الحق إلا الحق، فلا تقع الرؤيا إلا على مراتب حقيقتة ،وما شاهد العارفون إلا تجليات أحمديته، كل على قدر قامته. فتاهوا بين ناسوتيته ولاهوتيته ،وهم معذورون هيهات هيهات لما يطلبون.فوجهته الحقية من مقتضى الأحدية ،ووجهته الخلقية من مقتضى الأسماء التشاجرية .فجمع بين الاضداد . أحمد، محمد .ظهر، وبطن .تقدم، وتأخر.“ما عرفني حقيقة غير ربي “والعجز عن الادراك ادراك”قال تعالى﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ أي تَلَثَّم  ببشريتك. ” يا أبا بكر ما أخرجك, قال  الجوع فقال  رسول  الله  وأنا أخرجني الجوع ” )الموطأ(. )وكيف يجوع من يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه(.وتَعَمَّم ْ بـمكانتك بين خُلاَّفِك ﴿ يُوحَى إِلَيَّ﴾، بوساطة الملك كما أوحي إليهم، فلست بِدْعًا منهم .واستتر بالمرتبة التي تخصك ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ولم يقل إلـهنا إله واحد﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ بدون وساطة، في بساط البسط ،حيث لازمان ولامكان .فلم يتخلق بـميازب الذات غيره ،ولم يتحقق بالاصطحاب سواه. فهو لاهوت الجمال﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ﴾ وسر الأسماء، ونور الأرض والسماء. لذا كان المعراج في النجم ، والإسراء في الإسراء .فظهر الخليفة بصورة من استخلفه فيما استخلفه.ظهر بصورة حقية في قوالب خلقية ،فكان طلعة الحق ،قبل القبل وبعد البعد “…فإذا كوشف الإنسان على الإنسان الكامل ورأى الحق في الصورة التي كساها الإنسان الكامل يبقى في حيرة بين الصورتين لا يدري لأيتهما يسجد فيخير في ذلك المقام بأن يتلى عليه فأينما تولوا فثم وجه الله ففي الإنسان وجه الله من حيث صورته وفي جانب الحق وجه الله من حيث عينه فلأي شيء يسجد …. انتهى )الباب 340 من الفتوحات(.                     

      رقت الزجاج وراقت الخمر  ===     وتشابـها وتشاكل الأمر

    فكأنــما خـمر ولا قدح   ===      وكأنـما قدح ولا خـمر

 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد أول بارز من بطنان الأزل آخر من عليه  جبريل بما تلقاه منه إليه به نزل. أول بارز من بطنان الأزل،وهويّة إنسان الأزل  المقصود من الوجود “لولاك لولاك ما خلقت الافلاك “فهو برزخ عظيم بين الله وخلقه، دال على الله بالله، ودال على الله بنفسه. فنشر من لم يزل مند أن أخد الله له الميثاق في الأزل﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ وسماه رسولا في تلك ” الأزمنة الغابرة ” والمقامات الأحمدية الباطنة ،ولا شك أن مجيئه إليهم تحقق، وكل واحد منهم نصره وآمن به وصدق، بتبليغ ما شرعَ   لهم ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ فأقروا بحقيقته﴿قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ ولعظمة المسالة ،فالحق سبحانه معهم من الشاهدين .فهو الإنسان الكامل الذي أقامه الحق برزخاً بين الحق ،والعالم، فيظهر بالأسماء فيكون حقاً ﴿مَا هَـذَا بَشَراً﴾ ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً ﴿إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلِكٌ كَرِيمٌ﴾)هناك قراءة ب مَلِكٌ( )هذا حال صويحبات يوسف الذي أوتي شطر الحسن(. ظهور الخليفة بصورة الخيلقة،فأقام به الحق نواسيت الفرق، ليبلغ الأمانة ويؤدي الرسالة ،ويكون ناسوت الوصال، إلى طريق الحق ،بدون اتصال ولا انفصال .فهو السيد الأكبر المشهود له بالكمال، أعظم خليفة وأكبر إمام ، ومن سواه سوقة. ولما أعطي هذه المنزلة “وآدم بين الماء والطين “علمنا أنه الممد لكل الخلائق . فشملت نَاسُوتِـــيةَ وِصَالِه الأنبياء﴿هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾” لوكان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني “والأولياء ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾, وَفُضِّلت هذه الأمة على الأمم، وأعطيت الاجتهاد في نصب الأحكام ،وأمرهم أن يحكموا بما هداهم إليه اجتهادهم،فأعطاهم التشريع فلحقوا بمقامات الأنبياء عليهم السلام”علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل” وكافة الخلائق ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.فافهم﴿وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾. فصلِّ اللهمَّ به منه فيه عليه لأنه كَانَ نَبِيًّا فِي الأَزَلِ.وَزِيدَ نَبِيًّا وَمَازَالَ,وَلَمْ يَزَلْ.قَهْرَمَانُ العَطَاءَاتِ فِي مَا عَلاَ وَنَزَلَ.الَّذِي بِمَا تَلاَقَّاهُ مِنْهُ جِبْرِيلُ إِلَيْهِ بِهِ نَزَلْ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.

يا رب أنا يتيم ومحبة محمد جداري ,فاحفظ لي يارب جداري, وأَقِمْهُ لي يوم الدين لأستخرج كنز محبتي  محمد ابن المبارك .يونيو 2012الموافق لرجب1433هـــ.

حصل المقال على : 2٬384 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد