شرح صلاة الشيخ عبد الكريم الجيلي

اللهم صل على سيدنا محمد قطب رحى الكمالات ومنصة حقائق الأسماء والصفات الغوث الفرد الجامع لما قَصُرت عنه سائر الموجودات فهو مفتاح خزائن الجود والفضل في الوجود وختم سائر المقامات ,المبعوث رحمة للبريات ما تواترت الأيات وتعاقبت الأوقات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وشرف وعظم ومجد وكرم

بسم الله الرحمن الرحيم ،بسم الله الحق المعبود،الواجب الوجود، الباطن بأحديته الظاهربأسمائه وصفاته، المنزل من الكنزية الازلية،المتجلي في الحقيقة المحمدية ،فظهرت مراتب الوجود الأولية،على وفق الارادة الالهية في بساط الرحمانية .

وأصلى وأسلم على النور الأولي، سر الكون ،ومبدأه ،ودليله، وقائده، وشهيده، وشفيعه ،والشاهد عليه ،وقالب وجوده وسر بقائه واستمراريته ،وعلى اله وصحبه

اللهم  صل على سيدنا محمد قطب رحى الكمالات ومنصة حقائق الأسماء والصفات الغوث الفرد الجامع لما قصرت عنه سائر الموجودات 

قُطْبُ الرَّحَى هو الْعَصَا الْغَلِيظَةُ أَوِ الْحَدِيدَةُ الْمُلَصَّقَةُ بِالطَّبَقِ الأَسْفَلِ مِنَ الرَّحَى وبمركزها يَدُورُ عَلَيْهِ الطَّبَقُ الأَعْلَى. و إن أزلتها من الرحى فسد دورانها ،و انفك اعلاها عن اسفلها و لم تصلح لمزاولة مهمة الطحن .

وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو قطب الكمالات وكل كمال الا ويستمد من كماله وهذه اشارة الى اهمية النبوة المحمدية في الوجود  ، وما في الوجود الا الكمال ،لأنه صدر عن الكامل ،فالنبوة لبست حلل الاسماء الالهية الحسنى ، وظهرت بلونيتها والكون كله من مقتضياتها وما يصدر عن الحسنى الا الحُسن,

و في ثنايا كتبه واذواقه يفرق الشيخ الجيلي  بين الجمال والحسن على اعتباران الجمال هوصفة الله تعالى والحسن هو صورة هذا الجمال المتجلى في الكون ولما كان الكون هو مجلى من مجالى الجمال الالهي ،فالكون عند الجيلي لايوصف الا بالحسن فهو في جملته حسن مطلق،وما القبح في الاشياء الاباعتبار ونسب، فالقبيح يوصف بذلك لعدم ملائمته للجمال المطلق ولايوجد عند الجيلي قبح مطلق بل هناك (فعل قبيح) باعتبار النهي عنه (وشئ قبيح) باعتبار جمال في غيرموضعه (وكلمة قبيحة) باعتبار المقام التي قيلت فيه…وهكذا يرتفع حكم القبح المطلق من الوجود ويبقى الحسن المطلق وذلك من حيث ان الوجود هو فيض الهي .يقول الجيلي:

فكل قبيح إن نسبت لحسنه = أتتك معاني الحسن فيه تسارع

لأن ما في الكون الا اسماء الله وصفاته فما في الكون الا الجمال

والشيخ الاكبر ابن عربي يشير الى هذا  في الباب الثاني والأربعون ومائتان “في الجمال” :اعلم أن الجمال الإلهي الذي تسمى الله به جميلاً ووصف نفسه سبحانه بلسان رسوله أنه يحب الجمال في جميع الأشياء وما ثم إلا الجمال فإن الله ما خلق العالم إلا على صورته (أي صورة الأسماء الالهية) وهو جميل فالعالم كله جميل.

 وبلبل الحضرة الشيخ ابن الفارض(ت632 هــ) يشير كذلك الى هذا الجمال الكوني الذي تشاهده بصيرة العارفين :

وصرح بإطلاق  الجمال ولاتقل  = بتقييده بزخرف زينة

فكل مليح حسنه من جماله = معار له بل حسن كل مليحة

و اضافة الى تحلي النبوة بالاسماء الالهية فقد لبست كذلك حلل القرءان قالت الصديقة رضي الله عنها كان خلقه القرءان”  وكذلك حلة الخلافة الكونية الكلية “ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله” فمن بايعه فكأنما بايع الله.

ومنصة حقائق الأسماء والصفات : نعم لأن  كل تجليات الاسماء تمر عبر برزخية مراتب النبوة المحمدية كي يكون اللطف في الكون الالهي ،هي طرف فاعل في ظهور المقتضيات ،وتوزيع العطاءات حسية او معنوية وتقسيم النفحات الربانية ” الله المعطي وانما انا قاسم”

وهو الرحمة للعالمين ملائكة وانس وجن اجمعين ، يروي القاضي عياض رحمه الله تعالى في كتابه الشفا” ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل هل وصلك شئ من رحمتي ،فقال جبريل :نعم .عندما وقع ما وقع لإبليس كنت خائفا على نفسي ،ولم اطمئن حتى نزل قوله تعالى “نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين” وسماني لامين فآمنت على نفسي و اطمأننت.

ولله در الامام اليافعي رضي الله عنه حيث يقول

يا واحد الدهر ياعين الوجود ويا = غوث الانام وهادي كل حيران

الفرد الجامع لما قصرت عنه سائر الموجودات : هو فرد  ، لا نظير له في الوجود  ومن مظاهر فردانيته ،ان نور النبوة من الصفة الاحدية ، وكذلك صلاة الله عليه ،وصلاة كل العوالم العلوية والسفلية عليه ، ومن مظاهر فردانيته صلى الله عليه،أن الحق تعالى لم يناديه باسمه إنما نداه بصفاته ليبين لنا أن المرسل للعالمين هي النبوة المطلقة ،الغير مقيدة بالزمان ولا بالمكان، المتصفة بالفردانية والجمعية لأنه  تخلق بالاسم الجامع وانفرد عن سائر الموجودات بالمحبة والقرب وبمقام “قاب قوسين او ادنى” فصفة النبوة ذتية لها، لأنه كان نبيا قبل القبل وغيره من الانبياء بالجعل “وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب”  انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين”  وجعلني نبيا””ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني اسرائيل

فهو مفتاح خزائن الجود والفضل في الوجود : بل هو الخزائن نفسها قال تعالى ” و ان من شئ الاعندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم” فخزائن الله هي خزائن الاسماء الالهية ،والتي تفتح ب”كن فيكون”وكل العطاءات تمر عبر ديوان الحضرة الالهية أي يساط الاصطحاب ،بساط اسم الجلالة “الله” والمصطحب معه “محمد رسول الله” صلى الله عليه وسلم.

يقول الجيلي رضي الله عنه: أن مولانا رسول الله نسبة بين الله تعالى وبين الكون بأكمله ولو لم يكن موجودا ما كان شئ من الموجودات يعرف ربه بل لم يكن العالم موجودا لأن الله تعالى ما أوجد العالم إلا لمعرفته فأوجد النسبة أولا ثم أوجدهم من تلك النسبة ليعرفوه بها. انتهى

وختم سائر المقامات: في رحلة المعراج تجاوز صلى الله عليه وسلم سائر مقامات الانبياء بداية من سيدنا ادم ،ومرورا بعيسى روح الله، وموسى كليم الله، و اخيرا ابراهيم خليل الله،عليهم الصلاة والسلام. وبعد سدرة المنتهى وقف جبريل الامين ” ومامنا الاوله مقام معلوم” فظهرت مكانة سينا محمد صلى الله عليه وسلم بالسورة الباطنة “ ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله“”انا سيد ولد ادم ولا فخر”وبالصورة الظاهرة :الكل تحث نعله الشريف وسلطانه المنيف.

الله اكبر.

المبعوث رحمة للبريات ما تواترت الأيات وتعاقبت الأوقات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وشرف وعظم ومجد وكرم “وما ارسلناك الا رحمة للعالمين” .

ونختم كلامه بابيات من نونيته:

                 يامركزالبيكار يا سرالهدى =  يا محور الايجاب والإمكان

        ياعين دائرة الوجود جميعه = يانقطة القرءان والفرقان

        ياسيدالرسل كلهم ومن له= فوق المكان مكانة الإمكان

ومن له فوق المكان مكانة الامكان

الله الله الله

اعرف  نبيك يامسلم

ولا تكن تيمي المشرب، وهابي المذهب .لا ترى الا فقير قريش ويتيمها.

قال صلى الله عليه وسلم “من رآني فقد رآى الحق” فافتح بصيرتك على “فقد رآى الحق” واجعل نصب عينيك هذه الوجهة الحقية.

اذا ازددت معرفة به ،ازددت حبا فيه ،وتعلقا بأعتابه. .

” لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”

وهذه المدونة ، مدونة المعهد الفاطمي المحمدي هي للتعريف بحقائق النبوة المحمدية (نعرف بها على قدر معرفتنا ” ما عرفني حقيقة غير ربي”) ولخدمة الجناب الشريف النوراني الحقاني المحمدي. لا نتطاول على احد،والحقائق لا تستقرالا في قلب سليم.استغنينا بالله وبنبيه رسول الله عن غيره. رؤية الغير تنقص( بالتشديد) من توحيدنا وتوكلنا، وتجعلنا نلتفت الى انفسنا فالفقير الحقيقي يكون غائبا عن الاغيار مرتديا الذل والانكسار

قال تعالى “النبي اولى بالمومنين من انفسهم” ومن كان اولى لك من نفسك ،يجب ان  لا يغيب عليك ،و أن تعرفه اكثر من نفسك وان تحبه اكثرنفسك

وان تقدمه على نفسك.

والظهور يقسم الظهور.

 فعلى قدر معرفتك بالله وبنبيه في الدنيا، تبعث يوم القيامة ، فانتبه.

وقد أخبر الله تعالى نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم(الحديث رواه البخاري)  أنه يتجلى يوم القيامة للناس على اختلاف عقائدهم فيه سبحانه وتعالى،من غير الصورة التي عرفوه بها فينكرونه،فيتحول في الصورة التي عرفته بها  كل طائفة منهم، فيقرون به وهوعين ما أنكروه. فالتجلي الإلهي يوم القيامة يكون في المقتضى أي في صور المعتقدات( ولم يشر لهذا من بين العارفين إلا ابن عربي وشيخي رحمه الله تعالى )،وتكون الامور جد صعبة .. قال تعالى “ فأبصر فسوف يبصرون “ يبصرون  ظهور الربوبية في المقتضيات ويصعب التمييز،  لذا اتبع الحق تعالى هذا الظهور، بالتنزيه “وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” .

اللهم ارحمنا يا ارحم الراحمين برحمتك الواسعة ،وألطف بنا دنيا واخرة ،فنحن عبيدك ،ضعفاء بشهادتك ” وخلق الانسان ضعيفا

قالوا أتنسى الذي تهوى فقلت لهم**يا قوم من هو روحي كيف أنساه

وكيف أنساه والأشيا به حسنت**من العجائب ينسى العبد مولاه

فلا تنساه ،وسلم عليه يوميا ،بصفاته المذكورة في القرءان قبل كل صلاة او دبرها ،وصباحا ومساء:

السلام عليك يانور الله .السلام عليك يانبي الله . السلام عليك يارسول الله .السلام عليك يا محمد السلام عليك يا احمد السلام عليك يا امي السلام عليك يامزمل ،السلام عليك يامدثر .السلام عليك يا عبد الله.

ويرد عليك السلام وتصبح من اهل الخصوصية : فلان يسلم عليك

الفقير الى عفو ربه محمد بن المبارك: شرحت هذه الصلاة المباركة لهذا القطب الكبير حفيد الشيخ عبد القادر الجيلاني يوم 18 رمضان 1441 الموافق 12 بريل 2020 م ونحن تحث الحضر الصحي بسبب جائحة كورونا نسأل الله تعالى أن يرفع عنا هذا الوباء عاجلا بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انه سميع مجيب..

ترجمة الشيخ الجيلي

ولد الشيخ عبد الكريم الجيلي سنة 767 هــ  وتوفي في مدينة زبيد اليمنية سنة 832. قمة من قمم التصوف الا انه لم يجد العناية الكافية والاهتمام اللائق فظل ثراته في سراديب النسيان(او تقريبا) على غرارمؤلفات الحاتمي التي ترجمت الى عدة لغات .فلم نجد من يكتب لنا “تنبيه الغبي الى تكفيرالجيلي”مع انه لم يسلم من حملة فقهاءعصره .فالفقيه ان لم يوفق في احدى فتاواه يقال عنه أخطأ اما الصوفي ان زاغ في احدي عباراته يقال تزندق وكفر.   يقول

وكم كان صدري للنبال عريضة * وعرضي لسهم الطاعنين مواقع   

فهو شاعرصوفي لايقل مكانة عن ابن الفارض أو ابن عربي.

يقول:    

  ومُذ ْكنت طفلا فالمعالي تطلبني*وتأنف نفسي كل ما هوواضع

     ولي همة كانت وهي لم تزل*على أن لها فوق الطباق مواضع

و قصيدته النادرات العينية(قافيتها حرف العين) في البادرات الغيبية تتكون من540بيتا ولا اعرف قصيدة تتعادها الا تائية ابن الفارض المسماة(نظم السلوك) التي تتألف من 667 بيتا ،ونظم الجيلي عدة قصائد شعرية في شيخه الجبرتي منها التي نظمها على طريق الغزل الرمزي. 

ويتحدث الجيلي في شعره عن تفرده بين اهل زمانه وغربته بينهم :

فمالي في الاحياء ان عشت صاحب * ومالي حقا ان اموت مشايع

وهذا الاحساس بالتوحد لم يكن عند الجيلي فحسب بل نجده عند عامة اقطاب التصوف من امثال السهروردي و ابن عربي .

لكل صوفي طريق يسلكه، وفتوحات تخصه، فهو يتزود من عالم الكشف والإلهام.لقد استخدم الجيلي بعض المصطلحات الخاصة في مؤلفاته يقول: “… الشيء يقتضي الجمع، والأنموذج يقتضي العزة،والرقيم يقتضي الذلة،وكل من هؤلاء مستقل في عالمه سابح في فلكه. ونعني بالرقيم هنا العبد، وبالأنموذج قطب العجائب…. إلخ.ويصل الغموض والإستغلاق بالجيلي أحيانا إلى درجة يستحيل معها فهمه يقول:إن المعجب الحقيق،والطائر الحمليق الذي له ستمائة جناح وألف شوالة صحاح،الحرام لديه مباح،واسمه السفاح بن السفاح،مكتوب على أجنحته أسماء مستحسنة صورة الباء في رأسه،والألف على أجنحته،والجيم في جبينه والحاء في نحره، وباقي الحروف بين عينيه صفوف …”انتهى.

فالجيلي بلغة مبهمة مطلسمة يتكلم عن الأسماء الإلهية ومقتضياتها،والباء إشارة إلى الحقيقة المحمدية،والألف يرمزبه للأحدية، فالجيلي يفضل الإشارة على العبارة،والتلويح على التصريح،وهومولع بضرب الأمثال،فنجد مثال الثلج والماء في معرض كلامه على الوجهة الحقية،والوجهة الخلقية لرسول الله  .وخشي الجيلي ألا يفهم كلامه فيظنوا به الظنون يقول الجيلي في مقدمة الانسان الكامل : اشهد ان لااله الا الله المتعالي عن العبارات المتقدس عن ان تعلم ذاته بالتصريح والاشارات كل اشارة دلت عليه فقد اضربت عن حقيقته صفحا وكل عبارة اهدت الله فقد ضلت عنه جمحا.ويضيف: إني ما وضعت شيئا في هذا الكتاب الا وهو مؤيد بكتاب الله وسنة نبية صلى الله عليه وسلم وأنه اذا لاح له شئ في كلامي بخلاف الكتاب والسنة فليعلم أن ذلك من حيث مفهومه لامن حيث مرادىالذي وضعت الكتاب من اجله فليتوقف عن العمل به مع التسليم الى ان يفتح الله تعالى عليه بمعرفته (الانسان الكامل).انتهى

محمد بن المبارك.

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد