شرح صلاة شجرة الاكوان المحمدية
للشيخ محمد المدني المديوني
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَاٱلضَّآلِّينَ،آمِينْ.اشهد ان لا إله الاالله وحده لاشريك له في ألوهيته،ولامثل له في وحدانيته،ولاند له في ربوبيته. العالم بخفيات الضمائر، الخبير بمكنونات السرائر.الظاهر بتجلياته،الباطن بأحدية ذاته،إتّصف بالإرادة والإختيار،وتنزه عن الحركة والإنتقال. المذكور بكل لسان،المعبود بكل زمان. وأشهد ان سيدنا محمدا عبده الخالص،كعبة الارواح ،وقبلة الأشباح ،حقيقة الحقائق، والنورالأسبق للخلائق.عبد نوراني حقاني،وسيط برزخي بين حضرتين،صاحب الشرائع الأحمدية والشريعة المحمدية،عرشه الاحمدي،وكرسيه المحمدي،النبي الأحدي الأمجد،الذي بكل زمان لايغيب ولايُفقد. العقل الأول الذي ارتقت فيه الأسرار والعلوم،والقلم النوراني الذي سطر به كل قدر ومقدور،وعلى سيدتنا فاطمة الزهراء البتول وعلى اله وصحبه وسلم.
صلاة شجرة الأكوان للشيخ سيدي محمد المدني التونسي.
اللهم صلّ وسلّم على أصل شجرة الأكوان المتفرّع من نوره ما يكون وما كان، بحر نورك المنزّه عن التّحديد المبرّأ عن ربقة الإطلاق والتقييد،عين كلّ الأعيان، المتدفّق من أصل النقطة الأزلية، المتجلّي بما هو ظاهر لسائر البرية، الذي برزت للعيان حقائقه المحمّدية، الفرع الزّاهر الزّاهي بل الأصل الباهر الإلاهي، فيض الأماكن والأزمان، وينبوع المعاني والعرفان، فهو جنان والأنام أثماره، أو روض وبروق الخلق أنواره، بل هو سماء الوجود أضاءت في ليل الأكوان بدوره وأقماره.
صلّى الله عليه وسلم ما انتشر على لوح الوجود سرّ الألوان وانفلق من عالم الجبروت لطائف الملكوت وكثائف الأعيان، نسألك ببطون ذاتك عن الشهود وظهور آياتك للوجود أن تجعل في الصلاة قرّة عيني كي يتحقّق جمعي ويزول بيني، وتثبت في شهود العين بدلا عن غيني، ونسألك بوحدانيتك أن تصلّي على التّنزّل الأول والظهور الثاني، قبضة نورك الأزلي وسرّ سائر الأوان.
اللهم صلّ وسلّم على مرآة الحقائق مصباح نورك الممتدّ ضياؤه إلى أجزاء الخلائق، من تجلّيت عليه بلا فاصل ولا فارق حتى قلت: “إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله” فاسبل اللهم عليّ حلّة سناه وحلية بهاه كي يسقى “عدمي بماء وجوده وتنتعش روحي بعذب موروده فينطوي في حضوري غيبي فأقول كقوله: “لي وقت لا يسعني فيه إلاّ ربّي.
وصلّ وسلّم عليه عدد فيضك الرحماني المتدفّق من عالم الجبروت على هذا العالم الفاني، فقلت: “الرحمان على العرش استوى” فاختفى عدم الخلق في وجودك وانطوى، فقلنا: لا موجود غيرك وما في الشهود إلاّ برّك وخيرك، فأحجب اللهم بصائرنا عن العدم وكحّل أبصارنا بنور القدم وأوقد لنا نور التّوحيد من شجرة “فأينما تولّوا فثمّ وجه الله” حتى لا نرضى بصحبة غيرك ولا نراه.
الصلاة والسلام عليك يا نور الوجود وعين الوجود ومفتاح الشهود، أيها المظهر الأتمّ والنور الأكمل الأعمّ، يا من أسري بك إلى سدرة المنتهى حتى كنت قاب قوسين أو أدنى، فانطوى ليل البشرية في نهار تلك الذّات العلية، فأوحى إليك ما أوحى وانبعثت إلينا أشعّة ذلك النّهار وأشرقت على عدمنا الشموس منك والأقمار، فوجودنا وجودك وشهودنا شهودك، ونحمد الله حمدا يليق بجماله ونشكره شكرا يناسب إنعامه وإفضاله، ونصلّي ونسلّم على الخلفاء في الشريعة والأحكام المطهّرة المنيعة،وعلى جميع الآل والأصحاب الأولى غرفوا من بحر حقائقه الواسعة الرفيعة وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى أزواجه أمّهات المؤمنين وذرّيته وأتباعه إلى يوم الدين والحمد لله ربّ العالمين.
اللّهُمَّ صلِّ وسلّم. قال تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواصَلُّواعَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾وردت(يصلون)بالمضارع الذي يفيد التجدد والإستمرارية.أي التغيير الذي تنتجه التجليات الإلهية،فكل ما يظهر في الكون،هومن مقتضيات تجليات الأسماءالإلهية،وهومنوط بصلوات الله على النبوة.فماظهرت الإبتكارات العلمية، والتطورات التكنولوجية إلا بعدما ظهرت صلوات تعنون عن الصفة الأحدية،التي برزت منها النبوة المحمدية،وصلاة الله،هي تلك الشعلة الأزلية الأبدية،التي تربط الألوهية بالمألوهين،والرب بالمربوبين،لإستمرارية الحياة، حسب ما قُدرفي البسائط الأولية،إذ الكل بالنبوة منوط،ولولا،وساطتها لذهب الموسوط (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون). فالكون مفتقرإلى الصلاة على مولانا رسول الله،إذ لولاها لإضمحل من هيبة الله. لهذا شغل الله تعالى العوالم كلها بالصلاة عليه،لأنه لا نسبة بين الخالق والخلائق، نسبتهم مع نورالنبوة “أول ما خلق الله نورنبيك يا جابر”. ﴿اللهم﴾أي يا ألله،حذفت ياء التذلل والإنكسار،وعوضتها الميم في اخراسم الجلالة، والميم في كلام العرب ،تشيرالى التفخيم، والتعظيم، فنقول: سيادتكم،وحضرتكم، وجلالتكم.وهي كذلك من علامات الجمع،فنقول(أنت) للواحد،و(أنتم) للجمع. أما من الناحية الذوقية الإشارتية فهي الميم الجمعية المحمدية المدغمة ،من اسم (محمـمـد)والتي تشير الى الحقيقة المحمدية،المصطحبة مع الأسماء والصفات الإلهية،ومع الفيضة القرءانية،فتوِّجت بالخلافة الكلية. وبصلاة الله وملائكته ،والمومنين عليها باستمرارية. وصلاة الله تعالى عليه،هي الثناءعليه،ومدحه،ورفع الحرج عنه،والتنويه به، بالنعوت المذكورة في القرءان،وتنزيهه حتى لايعبد من دون الله،والرفع من قدره ومقداره،وتبيان عظمته عند الله، واظهارخلافته ونيابته.فما ذكرالله تعالى نعتا من نعوته إلا ونسبه الى حبيبه .فظهر بصورة من استخلفه فيما استخلفه، ظهرمتحليا بجميع الأسماء والصفات الإلهية،التي يطلبها العالم الذي ولاَّه الحق عليه.وما دام يمدح ،الا والمقتضيات القرءانية تظهر،والرحمة تتنزل،وتشمل جميع المخلوقات،ولا يتعطل سير الكائنات .لذا قال :البخيل من ذكرت عنده ولم يصلي علي. وقولنا “اللهم”هو طلب من الحق تعالى،أن يصلي على هذا النبي الكريم،هيولى الإجمال والتفصيل،أما نحن فعاجزون على هذا البساط،وجاهلون به،وما أوتينا من العلم به إلا قليلا.”ماعرفني حقيقة غير ربي”. أما السلام على النبوة هوطلب الرحمة واللطف والسلامة،في هذه التجليات،لأن الأسماء الإلهية منها ماهو جمالي،ومنها ماهو جلالي،لا يلائم طباعنا. قال تعالى(يا أيها الذين ءامنواصلوا عليه وسلمواتسليما)السلام والتسليم،بأنه نور إلاهي خليفة الله في أرضه،وأن الحق تعالى وملائكته لايصلون على غائب،بل على حقيقة موجودة،ومشهودة،حقيقة حاضرة وللكون ناظرة.فالنبوة أرسلت رحمة للعالمين،والرحمة صفة،لها مقتضى في الكون الإلهي،فلابد أن يكون الموصوف بها موجودا مشهودا،لاغائبا مفقودا. فالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه،من أعظم الطاعات،وأفضل القربات. وبصلاتناعليه نبايعه،ونكون من المقربين من نبوته،من الموقنين بحقيقته،ومن المصدقين بكل ما جاء به.قال “من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا”.قال ابن شافع:انبسط جاهه حتى بلغ المصلي عليه لهذا الأمرالعظيم، وإلا فمتى يحصل لك أن يصلي الله تعالى عليك.
عَلى أصْلِ شَجَرَةِ الأَكوَانِ المُتَفَرّعِ منْ نُورهِ مايكُونُ ومَا كانَ. سميت الشجرة شجرة،لتشاجرأغصانها،وعند أهل الله هي إشارة الى تشاجر الأسماء الإلهية،وتضارب مقتضياتها، فالضار يتشاجر مع النافع،ومقتضى العاطي يتخالف مع المانع…وهكذا. ورد في الحديث الغير ثابت نقلا عن رسول الله المحقق عند الصوفية كشفا: كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني”والكنزهو حضرة الاسماء الإلهية قبل الظهور،أي البطون المتقدم لها،في البسائط الأولية.الله أكبر. أكبر من كل شيء،فالحق تعالى من حيث ذاته غني أن يكون كنزا أومكنوزا، وغني عن حتى عن أسمائه وصفاته،وغني عن معرفة من يعرفه… فالكنز يحتاج الى من يكنزه،وعن من هو مكنوز.و”كان الله ولاشئ معه” فافهم. فهو المكنوز في خزائن الأسماء،والأسماء مكنوزة في حقيقته،بقوة الاصطحاب. فإن قلت الكنزالمخفي هوية الحق من حيث اسمائه وصفاته الدالة عليه،أصبت، وإن قلت هو حقيقة سيدنا محمد،أصبت.وهما الاثنين اذ حيثما كانت حضرة اسمائية،وجدت معها حضرة محمدية،فهو الذي اخرج الاسماء الالهية من البطون الى حلبة التشاجر.ولاسبيل لظهور الكنزية إلا بأكل آدم من الشجرة،فأكل وأعطى الإنطلاقة الى الظهور،اذ معصيته وتوبته أظهرت تجلي التواب والعفو، وابليس(ابى واستكبر) فلازمه تجلي المنتقم والمضل،وغيرهما من الأسماء الجلالية. قال تعالى(فَلَاوَرَبِّكَ لَايُومِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَبَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا) فكل ما شجربينهم هوتابع لشجرة الأسماء الالهية، وبيد سيدنا محمد القضاء(مما قضيت)اذ بيده مفاتح الأسماء الالهية. فيظهرلك يا ولي،ان ظهورَما يكُونُ ومَا كانَ،به كان،وهذا من باب تحصيل الحاصل. قال ابن العريف واصفا النبوة المحمدية بوصف دقيق،فسماها”الحق المخلوق به”. هناك عدة شيوخ،تطرقوا في صلواتهم لهذه الشجرة الأسمائية المحمدية،منهم الشيخ البدوي،والشيخ البكري،والشيخ عبد المقصود محمد سالم…رضي الله عنهم .وتحضرني رؤيا لشيخي رحمه الله تعالى،وقدس الله سره،قال أنه رآى شجرة عظيمة، اغصانها في السماء،وجدورها في الماء تخاطبه: أنا محمد بن عبد الله ، أنا رسول الله.هي الشجرة التي(أصلها ثابت وفرعها في السماء)وهي الشجرة المباركة المذكورة في اية النور.أما(الشجرة الملعونة في القرءان)فهي ابليس اللعين يتشاجر مع الاسماء الالهية،يعاكس حُسنها بخبثة،فيكثرالخبيث وكفى.
بَحْرِ نُوركَ المُنزّهِ عَنِ التّحْديدِ،المبَرّإعنْ ربْقَةِ الإطْلاَقِ والتّقييدِ. المنزه عن التحديد أي لايحده محقق بكشفه، ولايحيط به عارف بذوقه.قال “ماعرفني حقيقة غير ربي”.أما الرِبقة،فهي العقال في عنق البعيريتحكم في سيره ووقوفه وبروكه.قال تعالى(إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ ٱلحُجُرَٰتِ أَكثَرُهُم لَايَعقِلُونَ) ووردت كلمة(ٱلحُجُرَٰتِ) محذوفة الألف، والحذف يَرِد في الرسم القرءاني،اما اشارة الى قراءة اخرى(مثال:ان الله يُدافع عن الذين ءامنوا–ان الله يَدفع عن الذين ءمنوا.لذا وردت يدافع محذوفة)أواشارة الى معان كثيرة يجب التنقيب عنها.فكما هي حجرات حسية للسكن، هي كذلك حجرات معنوية ،تشيرالى الظنون والاوهام، وكشف النظار،الذي يحوم حول حقيقته.فهو غائب عن الأبصار،ومسدول دون حقيقته حجب الأستار،فلا أحد وصل الى مَحْتِدها،ولا الى معرفة كل صفاتها،ولا الى إحصاء مراتبها،وعَدِّ كل حضراتها،والتي لانهاية لها..هيهات هيهات(أكثرهم لا يعقلون) كل عارف طلب الوصول ،ووصل،وما وصل،وعلى كنهها ما حصَّل، حتى الملائكة كانوا من أول العاجزين(لوأن عندنا ذكرا من الآولين لكنا عباد الله المخلصين) والأولون هم مراتب النبوة المحمدية.قال تعالى(لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)فهو نورإلاهي. والنورمبرأ عن الاطلاق والتقييد،لأن حقيقته هي الروح الكلية،عرش استواء الرحمانية،واسطة في كل التجليات الالهية(قل الروح من أمر ربي)هي من أمر الله ،ويُظهرالله من اسرارها لكل زمان حسب إرادة الله (ولوأنهم صبروا حتى تخرج اليهم)فتسترها نعمة ورحمة للعباد،وظهورها خير ورحمة “حياتي خيرلكم ووفاتي خير لكم”[الحديث].فتبرزُ للْعيان حَقائقُه المُحمّديَّةُ تدريجيا.قال ابن الفارض:
ومابرحتْ تبدو وتَخُفي لعلة●على حسب الأوقات في كل حِقْبة
فسيدنا محمد مقيد شريعةً لأنه من حيث وجهته الخلقية بشرمثلنا ،تحت مقتضيات الأسماء الالهية”إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد”(رضي الله عنها)وبما أنه زيد نبيا كانت الغلبة للصفة النبوية. قال ابن الفارض إشارة الى هيمنة الصفة النبوية:
ولطف الأواني في الحقيقة تابع● للطف المعاني،والمعاني بها تسمو.
فالمراد بالأواني،الهيكل الشريف الناسوتي،الذي من مقتضى الأسـماء،وهو تابع في حقيقة الأمر للطافة الباطن،المسمى بالمعاني أي باطنه اللاهوتي. ارتسم نورالنبوة الباطن،في الظاهرمن يوم ولادته لأنه زيد نبيا،وسمى ذلك بالمتابعة. فالظاهركذلك لاهوتي،وإلى هذا أشارمركز دائرة الأنوار بقوله “إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين[الحديث].تنام عيناي ولا ينام قلبي”.لم يكن له ظل،يرى من خلف كما يرى من أمام:”إني أراكم من وراء ظهري”،ويرى بالضوء كما بالظلام ،يترك أثرا على الصخر ولا يتركه على الرمل..كلكم من ءادم وءادم من تراب”[ولم يقل كلنا من ءادم] ليس له كثافة بشرية لأنه نور محض.ولكي لايعبد من دون الله،كان يتظاهربمقتضيات البشرية﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾”لا أدري حتى أسأل جبريل”. والألوهية كذلك مطلقة، فيما أطلقت فيه نفسها(لاتدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار) ومقيدة حينما قيدت نفسها بالهرولة،والضحك، والتبشبش،والاستهزاء، والمكر،والكيد،والسخرية….آخ.. صفات بشرية.ونَسب إليه تعالى اليد،والقدم والوجه، والعين،والسمع،والبصر.وما ظهر من رسول الله للصحابة من تقييد،فإنما كان قياما منه بحقوق العبودية،ولكي لايعبد من دون الله،خصوصا وهم قوم حديثو عهد بعبادة الأوثان. فالحق تعالى لايقيده حكم،ولا يحصره حد ولا رسم. فيظهر كيف شاء[من حيث أسمائه وصفاته]بلا كيفية،ويحتجب كيف يشاء، بلا كيفية.فله التنزيه،وله التشبيه،وله البطون،وله الظهور،فيما يشاء كما يشاء.فقد تجلى الحق تعالى فى النارلموسى عليه السلام،وسيكون التجلي يوم القيامة فى صورة المعتقدات.
عيْنِ كُلِّ الأعْيَانِ المُتَدفّقِ مِنْ أصْلِ النُقْطةِ الأزليَّةِ المُتَجلِّي ِبمَاهُوَ ظَاهرٌ لسَائِرِالبَريَّة الّذي بَرَزَت للْعيان حَقائقُهُ المُحمّديَّةُ. هوعين كل الاعيان لأن الاشياء تخرج من وجود علمي الى وجود عيني،بقول الحق تعالى كن فيكون (إنما قولنا لشيء اذا أردناه ان نقول له كن فيكون) حضور الإسم الإلهي وحضرة محمدية فيخرج من العدم.”لولاك لولاك ما خلقت الافلاك” [الحديث].والنقطة الأزلية مَحْتِدها الصفة الأحدية،والتجلي لازم،ويُعنون عن الغنى المطلق لله تعالى، أما بروز الحقائق المحمدية للعيان في التجليات فهو خاص بأصحاب وحدة الشهود. عندما حقق ابن عربي هذا المقام نطق حاله مغردا:
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُورةٍ●فمرعىً لغزلانٍ ودَيرٌ لرُهبانِ
ومن سمع هذا الكلام يظن أن الشيخ الأكبر،يقول بوحدة الأديان،وليس الأمر كذلك ،إنما هي وحدة التجليات(فأينما تولوا فثم وجه الله)أي أن التجليات راجعة إلى عين واحدة اسم الجلالة “الله”فحيثما دارت دارمعها.قال”لقد صار قلبي قابلا كل صورة “ولم يقل: لقد صار قلبي قابلا كل حقيقة. ويقول في أبيات آخرى توضح لنا أن المسألة بالنسبة له وحدة شهود: شهود التجليات الإلهية:
عقد الخلائق في الإله عقائدا●وأنا شاهدت كل ما اعتقدوه . شاهد بعين بصيرته كيف تتصرف التجليات في الخلائق﴿مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّاهُوَآخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾سلطان التجلي،فافهم.والتجلي عام على سائر البرية ،اذ هو الخيط الرابط بين الربوبية والمربوبين،لوانقطع عليهم التجلي للحقوا بالفناء.
الفَرْعُ الزّاهرُ الزّاهي،بَل الأصْلُ البَاهرُ الإلَهي.
النبوة المحمدية أصل،فهي ادم لادم ،وروح العالم ،ولا شئ الا وهو بها منوط ،ظاهراوباطنا،حقيقة وشريعة،ملكا وملكوتا،كما أنها فرع عن ادم ،من حيث بشريته أي من حيث وجهته الخلقية(قل انما انا بشر مثلكم)(يأكل الطعام ويمشي في الاسواق)،وهي فرع كذلك من حيث العلم،ومن حيث المعلوم،اذ كل الحقائق مرتوقة في حقيقتها،والفتق يظهر تدريجيا،وهذه المسائل غائصة في المعرفة الصوفية،وهي سبب الخلاف بين العملاقين ابن عربي والجيلي..ودخل معهما النقاش الشيخ محمد الكتاني.انظر باب العلم في الفتوحات وباب العلم في كتاب الإنسان الكامل ،وكتاب الطلاسم عند الكتاني.
فيضُ الأمَاكنِ والأزْمَان،ويُنْبوعُ المَعَاني والعرْفان،فَهُوَ جنَانٌ والأَنَامُ أَثْمَارُهُ،أَوْروْضٌ وَبُرُوقُ الخَلْق أَنْوَارُهُ،بَلْ هُوَ سمَاءُ الوُجُودِ أَضاءَتْ في لَيْل الأَكْوَان بُدُورُهُ وأَقْمَارُهُ.
هو البركة بعينها فكل العطاءات الإلهية،هو قاسمها ويد مناولتها.حسب مراد الله،وحسب الأزمنة والأمكنة.قال البوصيري رحمه الله:
تتباهى بك العصوروتسمو● بك علياء بعدها علياء
ففي كل زمان،تظهر اسرار محمدية، لم تكن في الزمان الذي قبله،لأن الفتق تدريجي، فلا شيء إلا وهو به منوط.ملكي وملكوتي ،معاني وأواني،معرفة وعرفان،علوم لدنية، وفتوحات ربانية،وعلوما دنيوية،وتقدم تكنولوجي(كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وماكان عطاء ربك محظورا)لأنه استوى بقَدم الأحدية على عرش الأسماء والصفات،واصطحب مع ميازب الذات،وسرى سره في الكون بالرحمات،يمد كل الحضرات،وواسطة في كل العطاءات.فلو بسطت وكسرت اسم محمد،أي عدده بحساب الجمل”جُــرْنَـعِــدٍ” لوجدت العدد الخارج هو 354 أي عدد أيام السنة القمرية فهو خليفة الله تعالى،ظاهرا وباطنا،مُلكا وملكوتا. وهوالمتجلي بمراتب نبوته في الدوائرالكونية، والمراقب لسيرها وفق الإرادة الإلهية.فالعلوم قطرة من بحره، والأسرارحفنة من يمِّه،والحكمة ضغمة في إبطه، والازمنة ساعة من دهره…فاعرف نبيك ولا تكن تيميا مذهبا،ومن ضِئِضئ ذي الخويصرة مشربا.
ينبوع المعاني والعرفان. ينبوع المعاني والعرفان لأهل الخصوصية﴿عَينا يَشرَبُ بِهَا ٱلمُقَرَّبُونَ﴾وَزَادُ باقي المخلوقات البَشَرِية﴿عَيْنًا يَشرَبُ بِهَاعِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيرا﴾هي الكأس والماء، هي المعاني والأواني،هي شمس الوجود وقمره، قضاء الحق وقدره،هيولى الظهور ومصدره،بصيرة الكون وبصره،هي نهاية سيرنا وغاية معرفتنا.هِي برزخ له صفات لا متناهية، ومراتب لا محدودة ومن هنا ظهر اختلاف الواصفين وخيف العارفين.
صلّى اللهُ عَلَيْه وسَلّمَ مَا انْتَشَرَعَلَى لَوْح الْوُجُود سرُّالأَلْوَان وانْفَلَقَ منْ عَالَمِ الْجَبَرُوتِ لَطَائفُ الْمَلَكُوتِ وَكَثَائفُ الأَعْيَانِ.
لا ينتشرعلى لوح الوجود ويشمل ظاهره وباطنه،إلا التجليات الإلهية،يُسميها الصوفية كذلك الأعراس الإلهية،وعالم الجبروت هوعالم الاسماء الإلهية،وكثائف الأعيان هوعالم الملك.فالإنتشار والإنفلاق دائمين لا توقف لهما،وهذا ماعبرعنه ابن مشيش رحمه الله بقوله “فَرِياض المَلَكُوت بِزَهْرِ جَمَالِهِ مُونقةٌ،وحِياض الجبروت بِفَيْضِ أَنْوارِهِ مُتَدَفِّقة”…فهذا العارف يطلب من الله تعالى أن يصلي على نبيه بصلوات تابعة للتجليات الإلهية ،صلوات مطلقة،اطلاقية التجليات،لا محصورة ولامعدودة .أما” سر الالوان”فالمقصود به الأسماء الالهية،سرها يُظهر المقتضيات الكونية،التي تشكل معاني وصورالوجود،والتي تَدْخل تحت حكمها، وتَظهربلونيتها،جمال وجلال،أومزج بينهما الى ما لانهاية. ولاتكرار في الوجود وإن ظهر في الشهود(كل يوم هو في شان)(بل هم في لَبْس من خلق جديد)وعبر بالألوان أي الحسن الذي ظهرت به،فما من شيء في الوجود إلا وله مرتبة ترجع به إلى مقتضى اسم من الأسماء الإلهية،منها مدده.وجمال كل شيء بمرتبته لا بصورته.فما في عالمي الملك والملكوت إلاالجمال،لأن مولانا رسول الله هو عين حياة ذلك الحُسن ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً﴾ ﴿صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً﴾.يقول الجيلي:
تجلى حبيبي في مرائي جماله●ففي كل مرئى للحبيب طلائع فلما تجلى حسنه متنوعا●تسمى بأسماء فهن مطالع فكل قبيح إن نظرت لحسنه ●أتتك معاني الحسن فيه تسارع
وعمر ابن الفارض اشار كذلك الى هذا الجمال المطلق:
وصرح بإطلاق الجمال ولاتقل●بتقييده بزُخرف زينة فكل مليح حسنه من جماله●مُعارله بل حسن كل مليحة
ومن هذه الباب قال الغزالي”ليس بالإمكان أبدع مما كان”.فالتجليات الالهية التي تعم جميع الكائنات حتى الجمادات منها،وما سمي الجماد جمادا،إلا لجموده على تجل واحد،والكون يظهر بلونيتها،فجميع ما في الكون إنما هو آثارالأسـماء الإلهية، ظهرت في صورالمخلوقات على وفق مراد الحق سبحانه وتعالى،ونحن نسميها حوادث، ووقائع، وأفراح،وأتراح.تتنوع لكثرة مظاهرها،واختلاف مقاصد مظاهرها (إن هي إلا فتنتك)والألوان كذلك ترتبط في ثقافة البشربحالاتهم،وكلّ لون يرمز إلى الحزن أوالفرح أوتفاؤل أوراحة أوهمّ،أوسيادة…قال تعالى(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ).
نَسْأَلُكَ ببُطُونِ ذَاتكَ عَن الشُّهُود وظُهُورِآيَاتكَ للْوُجُودِ أَنْ تَجْعَلَ في الصَّلاَةِ قُرَّةَ عَيْني،كَيْ يَتَحَقَّقَ جَمْعي وَيَزُولَ بَيْني وتَثْبُتَ في شُهُوديَ الْعَيْنُ بَدَلاًعَنْ غَيْنِي ونَسْأَلُكَ بوحْدَانيتكَ أَنْ تُصَلّيَ عَلَى التَّنَزُّل الأَوَّلِ والظُّهُورِالثَّانِي،قَبْضَةِ نُوركَ الأَزَلِي وسرِّ سَائرِ الأَوَانٍي.
بعض العارفين يرد في دعائهم: اسألك ببطون ذاتك.أسألك بأحدية ذاتك ،اسالك بجلال ذاتك. اسالك بقدسية ذاتك…. والحد المحدود لمعرفة العارفين هو مرتبة الاحدية.ويُنعت كل من طرق بابها أنه من الآحاديين،والأحدية لاتجل بها قط،هي حضرة سحق ومحق،ولاوجود للاسماء الالهية في بساطها. يقول ابن عربي الاحدية لاتعرفك.فكيف اذا كانت الاحدية وهي صفة إلاهية لاتَعَلُّق لها بالمخلوقات، ولا ظهورلها،فكيف بالذات الإلهية ؟ تعالت وتنزهت عن ذلك علوا كبيرا،ونبينا نهانا عن التفكرفي ذات الله .
يقول الجيلي: المتكلم في ذات الله صامت،والمتحرك ساكن،والناظر باهت،لأن الشيء إنما يفهم بما يناسبه فيطابقه،أوبما ينافيه فيضاده،وليس لذاته في الوجود مناسب،ولامطابق ولامناف ولامضاد…وقد منع أهل الله التجلي بالأحدية ،فضلا عن الذات..انتهى.
فالعارف عندما يسأل الحق بذاته،فهولا ينتظرإجابة بل هوتعظيم،وتكريم وتنزيه، وإجلال،واعتراف بعدم ادراك كنه الذات الإلهية،وتنويه بعظمة هذه الذات الموصوفة بالألوهية،والتي لاتدركها الأبصار،ولاتحيط بها الأفكار،ولانسبة بينها وبين الأغيار،وإقراربجهله، وقد قيل ،الجهل بها معرفة،ومعرفتها جهل…
وإذا كان التوجه الى الذات الالهية مباشرة،فأين الوساطة المحمدية.لأن كل من توجه بالسؤال إليها،تعلق بها وقيدها، وهذا محال،هي مطلقة،ومطلقة حتى عن إطلاقنا.الانبياء لمعرفتهم بجلال الالوهية لم يتوسلوا الى الله بها،بل إلتجأوا الى الربوبية،التي تطلب المربوبين،فلاتجد في القرءان قول نبي من الأنبياء”يا الله”بل “رب”وسيدنا عيسى عليه السلام عندما تضرع بالألوهية في طلبه “اللهم”[أي”يا الله]استعملها لنفي الألوهية عن نفسه،لأن بني اسرائيل ألَّهُوهُ،فتوسُّلُه بالألوهية ،جاء ليبين لهم انه بريئ من إدعائهم،وأنه عبد فقيرمحتاج الى خالقه”اللهم” واضاف اليها الربوبية زيادة في اظهارعبوديته(اللهم ربناانزل علينا مائدة). الله +م = اللهم.اضيفت لها الميم المحمدية،للتخفيف من حرارة الاسم،ولإدخال الوساطة المحمدية الرحموتية،ولضمان الاستجابة،فتأمل معرفة هذا النبي الرسول العزمي ،ختم اولياء الامة المحمدية.وكذلك الملائكة قالوا(ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)وما قالوا،ونحن نقدس ذاتك.وابليس اللعين قال(فبعزتك لأغوينهم اجمعين) ولم يقل بحق ذاتك.
فعارفنا يعرف ان الذات الالهية،متصفة بالبطون،فلا يصلها شئ،فأضاف الى توسله الايات الظاهرة في الوجود،وفي مقدمتها هذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم وأسرارالايات القرءانية،وأسراربرازيخ الوحي الأولية.وسأل الله أن يصلي على نبيه بصفات الوحدانية الموافقة لطباعنا،والجمالية منها التي ليس في مقتضاها هلاكنا،وطلب أن تكون الصلاة على النبوة قرة عينه،مادام في هذه الدنيا الفانية، وأن يجمع بينه وبينه في الدنيا قبل الاخرة،وأن يزيل عن بصيرته كل الحجب التي تحول بينه،وبين رؤية البرزخ المحمدي النوراني،والعبد الحقاني. فسيدنا محمد هو العارف والمعرِّف والمعرَّف والمعروف،الذي كل مومن بحبه مشغوف،وبعنايته محفوف ،فطلب الجمع مع [أول التعينات المفاضة من العماء الرباني وآخر التنزلات المفاضة إلى النوع الانساني المهاجرمن مكة كان الله ولم يكن معه شئ ثان] كما تقول عبارة ابن عربي،قَبْضَة نُوركَ الأَزَلِي وسرِّسَائرِ الأَوَانٍي والمعاني. قال الشبلي لأحد مريده، أتشهد إني رسول الله،وكان هذا المريد من المكاشفين، فقال له: نعم. وقد سمعت شيخي رضي الله عنه مرارا يقول: لوأزلتم جلبابي لوجدتم محمدا رسول الله… وقال:من عانقني فكأنما يعانق رسول الله . وقال رضي الله عنه في بعض تغزلاته :
ياهويامن ليس للخلق غيره ●لبست لباس العزفسترت به عن هو
أراه في نفسي وهيكلي وقالبي●متمثلا فكدت أقول أنا هو
اللَّهُمَّ صلِّ وَسَلّمْ علَى مرْآةِ الْحَقائقِ مصْبَاحِ نُوركَ الْمُمْتَدِّ ضيَاؤُهُ إلى أَجْزَاءِ الخَلاَئقِ مَنْ تَجَلَّيْتَ عَلَيْهِ بلاَفَاصلٍ وَلافَارقٍ حتَّى قُلْتَ “إنَّ الذينَ يُبَايُعُونَكَ إنَّمَا يُبَايعُونَ اللهَ“.
هوالباب الأعظم،والبرزخ المطلسَم،الذي لادخول إلامن بابه،ولا فيض إلا من بحارأعتابه.ولاشهود إلا فيه،ولاتجلٍّ إلا منه،هوعبد لله كساه الله حلل أسمائه وصفاته،فمن رآه فكأنما راى الله،ومن أطاعه فقد أطاع الله،ومن عرفه كان قريبا من الله، ومن إتبعه أحبه الله،ومن جهله جَهِل الله،كل الاسراروالحقائق في نبوته مرتوقة،والفتق تدريجي قال تعالى(فلعلك تارك بعض مايوحى اليك وضائق به صدرك)تاركه الى حين ياتي إبان التجليات الخاصة به،وصَدْر كل شئ مقدمته، ومقدمة الوجود نبوة مولانا رسول الله .تستمد من الله وتُمد الخلائق،وتفتح باب الأسرار والحقائق، أوجده الله من نورالأحدية،فظهر بصفات حقية،فأقامه مقامه(ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله)وتلى كلامه (فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ)وبلغ أحكامه﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِن وَلَامُؤمِنَةٍ إِذَاقَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًاأَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم)وناب منابه(ومارميت اذرميت ولكن الله رمى)وليست إلا يدك يارسول الله، لها الفوقية وهي الرامية،فأنت الظاهر لأصحاب الكشف والمشاهدة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لاَتَدْعُونَ أَصَمّاً وَلاَغَائِباً إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْنَاقِ رِكَابِكُمْ”. فالتجلي له،كي تظهر كل المقتضيات القرءانية،وفق الحكم المسطر في دائرة الرحمانية،ولاتقوم الساعة حتى تظهر كل المقتضيات.
والتجلي به،اذ هو طرف في التجليات ففي كل تجل،اسم إلاهي وحضرة محمدية،فهو مَجْلَى الأَسْمَاءِ.ورِداء الكبرِياء. وسِراجِ الأَرضِ وَالسماء.السِّرِّ الظاهر، والنُّورِ الباهرِ.المشهود لِأصحاب وحدة الشهود ﴿فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِ﴾”وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى ربهم ،إلاَّرِدَاءَ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ. والمَسْتُورِ خَلْفَ حجاب﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ﴾. ومن اسماء الحقيقة المحمدية،َمِرْآة الْكَوْنِ.وَالسِّرَاجِ الَّذِي إِتَّقَدَتْ مِنهُ جَمِيعُ السُّرُج.
فاسْبلِ اللَّهُمَّ علَيَّ حُلَّةَ سَنَاهُ وَحلْيَةَ بَهَاهُ كَيْ يُسْقَى عَدَمِي بمَاءِ وُجُودهِ وَتَنْتَعشَ رُوحي بعَذْبِ مَوْرُوده فَيَنْطَويَ في حُضُـوريَ غَيْبي.
يطلب الشيخ المدني،أن يتحلى بحُلل أنوارالنبوة،وأن يتزين بحِلِّي جمالها وبهائها فالنبوة هي الموجود الحق،إذ استمراريتها في الكون من مدد خالقها ،وقوتها تستمدها من اصطحابها بالأسماء الالهية،ومن بينهم الإسم “الحي”. قال ابن الفارض على لسانها:
فلا حي إلا مَن حياتي حياته●وطوع مرادي كل نفس مريدة
فهو سابق في الأزل ومازال وما يزال.
ويُقِرُّ الشيخ رضي الله عنه بعدمه الظاهر. ورد عن ابن عربي في[كتاب مشاهد الأنوارالقدسية ومطالع الأسرارالالهية] قوله،قيل لي :من أنت؟ قلت:أنا العدم الظاهر،قيل لي: والعدم كيف يصيروجودا، لولم تكن موجودا لما صح وجودك؟ قلت:ولذلك قلت أنا العدم الظاهر،أما العدم الباطن فلا يصح وجوده.
أما الجيلي،فتطرق في ثنايا كتبه إلى هذا العدم،وسماه ،العارية الوجودية في المخلوقات،يقول إنها نسبة الوجود الخلقي إليها ،مع كون الوجود الحقي أصل لها في الحقيقة،فقد أعطى الحق تعالى للأشياء وجودا من ذاته، لتظهربذلك أسرار الألوهية في الكون.فالوجود الحقيقي لاينسب إلا لله تعالى وحده.أما ما عداه فموجود بهذه الصفة الإضافية،وظاهر بتلك العارية الوجودية انتهى.
فقيام الموجودات إنما هوبنوع من الإضافة إلى موجدها، وأن صفة الوجود لا تضاف الى المخلوقات إلاعلى سبيل النسبة والإضافة،الى وجود المولى عزوجل. فالشيخ المدني يطلب مقام :كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره الذي يبصربه [الحديث]أي استقرارالصفة النبوية في وجدانه، فيصبح ناطقا بها،سامعا بها،حيا بها.كما قال المشيشي” وَاجْعَلِ الحِجَابَ الأَعْظَمَ حَيَاةَ رُوحِي،وَرُوحَهُ سِرَّ حَقِيقَتِي، وَحَقِيقَتَهُ جَامِعَ عَوَالِمِي”والعارف اذا عرف المعنى غاب عن الرسوم.قال ابن العريف الصنهاجي:وإنما يتبين الحق عند اضمحلال الرسم واندراس الوسم.
فَأَقُولُ كَقَوْلهِ لي وَقْتٌ لاَ يَسَعُني فيه إلاَّ ربّي. الشيخ رضي الله عنه يطلب فناء بشريته،واضمحلال أنانيته فَإنْ لَمْ تَكُنْ تـراه* يطلب الفناء،والإستغراق والاستهلاك،حتى يخرج بذلك عن دائرة حسه،ورؤية نفسه،ويخرج عن جميع مداركه ووجوده،ويسقى عدمه بماء وجود النبوة المحمدية،ويكون حيا بحياة النبوة،وهذا الطَلَبُ ،عرفانيا مقبول،وذوقيا جائز،إلا أن على القارئ أن يميز بين الربوبية الواردة في قول الحبيب ،والتي هي راجعة على دائرة الألوهية،والتي تخصه،ولا مطمع حتى للأنبياء فيها،والتي أقسم الحق بها (فلاوربك لايومنون حتى يحكموك فيما شجربينهم)وبين الربوبية التي وردت على لسان الشيخ،فهي تابعة لمقامه السلوكي، وقامته العرفانية،فربما تعودعلى دائرة خاصة من دوائرالربوبية،وربما لاتتعدى دائرة الرحمانية،وإن كان جُلُّ أوقاته مشتغلا بقراءة القرءان،فتعودعلى الفيضة القرءانية،وربما على اسم مفرد من الاسماء الحسنى(اذا كان متعلقا بالذكر ب الله الله الله)وغالب الظن عند الكثير من العارفين أن الربوبية،عائدة على النبوة المحمدية،وهذا فخرللعارف،فهو مربينا ومعرفنا بخالقنا وشفيعنا..رباهم، وعرفهم بخالقهم،وعلمهم عبادة ربهم، وترقيهم في المقامات الكبرى،يكون على يديه هوقائد الكون والشاهد عليه. يقول ابن عربي:فإذا كوشف السالك على الإنسان الكامل،ورأى الحق في الصورة التي كساها الإنسان الكامل،يبقى في حيرة بين الصورتين لايدري لأيتهما يسجد، فيُخَيَّرفي ذلك المقام بأن يتلى عليه(فأينماتولوا فثم وجه الله)ففي الإنسان وجه الله من حيث صورته،وفي جانب الحق وجه الله،من حيث عينه،فلأي شيءيسجد اهـ. وهذا سر سجود الملائكة لآدم. قال سيدنا أبو بكررضي الله عنه :يا رسول الله، كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم[الحديث].قال تعالى(قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْعَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ)(الزمر)وفي سورة الاسراء(وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّامُّبِينًا)….قل ياعبادي.. قل لعبادي…
وَصَلّ وَسَلّم عَلَيْه عَدَدَ فَيْضكَ الرَّحْمَانِي الْمُتَدَفِّقِ مِنْ عَالَمِ الْجَبَرُوتِ عَلَى هَذا الْعَالِمِ الْفَاني فَقُلْتَ الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فَاخْتَفَى عَدَمُ الْخَلْقِ فِي وُجُودِكَ وانْطَوَى،فَقُلْنَا لاَ مَوْجُودَ غَيْرُكَ وَمَا فِي الشُّهُودِ إلاَّ بِرُّكَ وخَيْرُكَ.
الفيض الرحماني لانهاية له،إذ الخلائق كلهم من هذا البساط العام(سيدنا محمد بدايته من دائرة الألوهية)وكل فيوضات هذا البساط هي نتيجة تجليات الأسماء الإلهية ،المسيرة للكون بأياد خفية”وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَمْ تُذْنِبُوالَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلجَاءَ بِقَوْمٍ غَيْرِكُمْ يُذْنِبُونَ،فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ،فَيَغْفِرُ لَهُمْ”. قال تعالى (يَاأَيُّهَاالنَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُإِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَالْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)فكل ما يُفتقر إليه، يصب في مقتضى إسم إلَهي، ولاوجود لشئ لايفتقرإليه.فالأسماء فاعل والكون منفعل (فأينما تولوا فثم وجه الله)هوالظاهرفي المظاهر (بأسمائه وصفاته لا بذاته) إِذْ الظهورهو المَقصود،وَعلَيهِ مَبْنَى الوجود،فلاموجودغيره،ولامشهود سواه. بلاحلول ولاوحدة ولا إتحاد.الخلق موجودون بإيجاد الله،معدومون إذا انقطع التجلي عليهم.
فَاحْجُبِ اللَّهُمَّ بَصَائِرَنَاعَنِ الْعَدَمِ وَكَحِّلْ أَبْصَارَنَابنُورِالْقِدَمِ وأَوْقِدْ لَنَا نُورَالتَّوْحِيدِ مِنْ شَجَرَةٍ”فأَيْنَمَاتُوَلّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ”حَتَّى لاَنَرْضَى بِصُحْبَةِ غَيْرِكَ وَلاَ نَرَاهُ.
حيثما كانت التجليات الالهية انتفى العدم،فالأشياء في عدم قبل صدور الأمر الإلهي”كن(إنما قولنا لشئ اذا أردناه أن نقول له كن فيكون)خروج من وجود علمي الى وجود عيني.فهذا العارف يريد أن يرى ببصيرته التجليات الإلهية، فينتفي في حقه العدم،ويصبح من أصحاب وحدة الشهود، لذا ختم كلامه بالاية القرءانية (فأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). فتأمل كيف طلسم كلامه. ونورالقدم،هونورالنبوة “أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر”.
وأَوْقِدْ لَنَانُورَالتَّوْحِيدِ مِنْ شَجَرَةٍ”فأَيْنَمَا تُوَلّوافَثَمَّ وَجْهُ اللهِ”. وهذا الكلام يعنون عن مقام هذا الشيخ،فهويطلب ان يكون على قدم المقربين في التوحيد،وهذا لايعني انه لم يصل الى هذا المقام،[مقام القُربة أول من تكلم عليه الحكيم الترمذي]إنما هي تغزلات في النبوة، وطلبات اتباعا للشريعة،وإظهارا للعبودية والافتقار،ورغبة في المزيد من الأسرار،وترك هذا الطلب المطلسم لأصحابه ينتفعون به. وتوحيد المقربين هو”أحمد محمد”هم لايرون في الكون إلا الصفة الخالدة بين الناس.قال ابن مشيش للشاذلي:حدد بصرالإيمان ترى الله قبل كل شئ وبعد كل شئ،وفوق كل شئ،وعند كل شئ…اخ… حَتَّى لاَنَرْضَى بِصُحْبَةِ غَيْرِكَ وَلاَ نَرَاهُ: أينما تولى لا يرى إلا وجه الله،ومن هذا الباب قال المرسي رحمه الله “لوغاب عني رسول الله طرفة عين،ماعددت نفسي من المسلمين”.
يفنى ثم يفنى،ثم يفنى●فكان فناؤه،عين بقائه.
الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نُورَالْوُجُودِ وَعَيْنَ الْوُجُودِ وَمِفْتَاحَ الشُّهُودِ أَيُّهَا الْمَظْهَرُ الأَتَمُّ وَالنُّورُ الأَكْمَلُ الأَعَمُّ, يَا مَنْ أُسْرِيَ بِكَ إِلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَتَّى كُنْتَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىَ. فَانْطَوى لَيْلُ الْبَشَرِيَّةِ فِي نَهَارِ تِلْكَ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ،فَأَوْحَى إِلَيْكَ مَا أَوْحَى وانْبَعَثَتْ إلَيْنَاَ أَشِعَّةُ ذَلِكَ النَّهَارِ،وَأَشْرَقَتْ عَلَى عَدَمِنَا الشُّمُوسُ مِنْكَ والأَقْمَارُ،فَوُجُودُنَا وُجُودُكَ وَشُهُودُنَا شُهُودُكَ ونَحْمَدُ اللهَ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَمَالِهِ وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا يُنَاسِبُ إِنْعامَهُ وَإِفْضَالَهُ.
فهو نورالوجود،ونفس الوجود،وروح الوجود،الذي لولاه لانْهَدَّ الوجود(فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون).قال العارف بالله البوصيري [والكثير عندما يذكر البوصيري ينسى أن يضيف لإسمه ،العارف بالله]:”لولاه لم تخرج الدنيا من عدم”لأن الحق تعالى لانسبة له والمخلوقات ،فخلق النسبة ‘سيدنا محمد’ وخلقهم بها،فكان برزخا بين حقائق الربوبية والمربوبين، لأن حقيقة العبودية ،تقتضي طاعة المعبود ومحبته،والخلق لايصلون الى كمال محبته وطاعته،لضعفهم الذاتي،فجاءت الرسالة بشرا مثلهم،واسطة بين حضرتين يتعذرتواصلهما لانعدام المجانسة والمناسبة،طرف حقي وطرف خلقي.. فبلع الطرف الخلقي انباء،وحِكم، وأحكام،الطرف الحقي، فافهم هذه الوساطة بكل بساطة،وكن مستمدا من برزخين،شاربا بكأسين،ناظرا بعينين،عين تنظر الى الحقيقة وترى أن الله غني عن العالمين،وكل الأمور بيده(إليه يرجع الأمر كله) وعين الشريعة تقر،أن لابد للخلائق من وساطة بينهم وبين خالقهم،إذ لا قوة لهم على مكافحة الذات الإلهية،والتلقي بدون وساطة . أسري به الى سدرة المنتهى،وعرج به صلى الله عليه به،الى حيث لا أين ولا آن ولامكان ولازمان الى(قاب قوسين أوادنى)بدون اتصال ولا انفصال.ليبقى الرب رب الى ما لا نهاية،والعبدعبد الى ما لانهاية(ماكذب الفؤاد ما رآى)..(لقد رآى من أيات ربه الكبرى).. فافهم الخطاب تكن من أولي الالباب ،وإلا فسلم تسلم،وإلزم الصمت تغنم،وعلل الأفهام أشد من علل الأجسام.
وَنُسَلِّمُ عَلَى الْخُلَفَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالأَحْكَامِ الْمُطَهَّرَةِ الْمَنِيعَةِ وَعلَى جَمِيعِ الآلِ وَالأَصْحَابِ الأُولىَ غَرَفُوا مِنْ بَحْرِحَقَائِقِهِ الْواسِعَةِ الرَّفِيعَةِ،وَعَلىَ جَمِيعِ الأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى أَزْواجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَاتِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(قُضي الامر الذي فيه تستفتيان)
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين,اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدناومولانا محمد صاحب الشرائع الأحمدية والشريعة المحمدية.العقل الأول الذي ارتقت فيه الأسرار والعلوم،والقلم النوراني الذي سُطّربه كل قدر ومقدور،وعلى سيدتنا فاطمة الزهراء البتول،وآله وصحبه. محمد بن المبارك لحميتي.شعبان 1443هــ الموافق .مارس2022. ملحوظة:الشيخ سيدي محمد المدني المديوني رحمه الله تعالى،ولد سنة 1888م بولاية المنستير بتونس،وتوفي سنة 1959..شيخه هو سيدي أحمد بن مصطفى العلاوي.وهذه الصلاة المباركة المليئة بالأسرار،والنعوت الأحمدية.لامعرفة لي بها،ولابشيخها.أحد أصحابنا،تونسي المسقط والمسكن،اقترح علي شرحها فلبيت طلبه،فاستعنت بالله وبسيدنا محمد لحل أقفالها،وفك طلاسمها،وكأني بها كانت تنتظرمن يستخرج خبايها، ويظهرللوجود خفاياها.وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه.
من اراده على شكل ب د ف فليراسل بريد المدونة