بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد،وعلى سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى خديجة الكبرى أم المؤمنين،وعلى آله وصحبه أجمعين. ،نواصل شرحنا للقواعد المباركة من خريطة السلوك العرفاني لأستاذنا سيدي محمد بن المبارك حفظه الله،ومع القاعدة الواحدة والثلاثين التي تقول: [لا نعرف عن الذات الإلهية من حيث هي شيئاً،ولا نستطيع أن نصفها بشيء سوى الوجود،لأنها من حيث الأحدية مطلقة مجردة عن كل إسم ووَصْف وإضافة]. فنقول وبالله التوفيق : اعلم أن الكون لاتعلّق له بعلم الذات أصلاً،وإنمامُتعلّقه العلم بالمرتبة،وهو مُسمّى الله.فالعلم بالمرتبة هو الدليل المحفوظ الأركان،السادنّ على معرفة الإله،وما يَجب أن يكون عليه تعالى من أسماء الأفعال ونُعوت الجلال،وبأيّة حقيقة يَصدُر من هذه الذات المَنعوتة بهذه المرتبة،المجهولة العَيْن والكَيْف؟.
وعند العارفين المحققين لاخلاف في أن الذات لا تُعلَم،بل يُطلق عليها نُعوت تَنزيه عن صفات الحَدَث،وأن القِدَم لها. والأزل الذي يُطلق لوجودها إنما هي أسماء تدُلّ على سُلوب،من نَفي الأوليّة وما يَليق بالحُدوث.
يقول الشيخ الأكبر: [والمَقول عليه في الحديث الشريف: “كان الله ولا شيء معه” إنما هو الألوهَة لا الذات.وكل حُكم يثبُت،في باب العلم الإلهي،للذات إنما هو للألوهة.والألوهة نِسَب وإضافات وسُلوب،فالكثرة في النّسب (أي أحكام الألوهية) لا في العين (أي الذات).وهنا زَلّت أقدام مَن شَرّك بين مَن يَقبل التّشبيه (وهي الألوهية) وبين من لا يَقبلُه (وهي الذات)،عند كلامهم في الصفات.. ]. ي
قول الشيخ الأكبرعند تفسيره لقوله تعالى: (ولايشرك بعبادة ربه أحداً): [.. الحق تعالى لايُعبد من حيث أحديّته،لأن الأحدية تُنافي وجود العابد. فكأنه يقول: لايُعبد إلا الربّ من حيث ربوبيته،فإن الربّ أوجدك، فتعلّق به وتذلّل له. ولاتُشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة،فتتذلّل لها كما تتذلّل للربوبية،فإن الأحدية لا تعرفك ولاتَقبلك،فتكون تعبُد في غير معبد وتَطمع في غير مطمَع وتعمل في غير معمل،وهي عبادة الجاهل. فنفى عبادة العابدين من التعلّق بالأحدية،فإن الأحدية لا تَثبُت إلا لله مطلقاً،وأما ما سوى الله فلا أحدية له مطلقاً. فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا،من حيث طريقتنا في تفسير القرآن.]
لما لم تكن هناك مناسبة بين الحق والخلق،فاستحالت المعرفة،أوجد لنا برزخاً نورانياً هو الوجهة الحقية لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،يستمدّ من الحق ويُمدّ الخلق.. فسيدنا محمد هو واسطة بين الالوهية والمألوهين .
ورد في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم: “من رآني فقد رأى الحق” يعني رؤية حقيقية،فلا مُغايرة إلا بالاعتبارات العَدميّة،كالإطلاق والتّقييد. ومن هنا قال بعض الأكابر: [الوجود الحق تعالى ظَهَر في الحقيقة المحمدية بذاته،وظهر في سائر المخلوقات بصفاته]،يُريد أن الحقيقة المحمدية ظهرت بالتجلّي الذاتي،موصوفة بجميع صفات الحق تعالى ونِسَبه الإلهية والكونية،وفَوّض إليها تدبير كل شيء يوجد بعدها.فهي المُتَصرّفة في معلوماته تعالى حسب إرادته ومَشيئته تعالى، فتَستمدّ من العلم وتُمدّ الخَلق.فما صَدَر عن الله تعالى بغير واسطة،إلا هذه الحقيقة. وإن كان الحق تعالى له الخَلق والأمر،فهي الظاهرة في الأشياء وهي السارية في الوجود. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد نبي الله،وعلى الزهراء بضعة رسول الله.