شرح القاعدة السابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه. نستأنف شرح القواعد المباركة من خريطة السلوك العرفاني لأستاذنا سيدي محمد بن المبارك حفظه الله،وقاعدتنا تقول:[ (النبوة المحمدية) أقامَها الحق تعالى مَقامه،وأنابَها مَنابه (إن الذين يُبايعونك إنما يبايعون الله) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (آمنوا بالله ورسوله)،فلا تَجهل وَساطتها ].  

       يقول الحق تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين): النور في الآية هو (نور النبوة)،والكتاب المبين هو (القرآن).. (النبوة المحمدية) هي أول مخلوق برز من الصفة الأحدية..يقول الله تعالى(ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا) فخلقناكم راجعة على النبوة المحمدية، وصورناكم راجعة على آدم عليه السلام..وهو ما يؤكّده قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين).. وللنبوة المحمدية حقوق ربانية لم ينلها أحد،ولا يستطيع أن يدّعيها أحد..فقد نسب لها الحق تعالى (الغنى والإستجابة والإنعام والقضاء والرضى والشفاعة)..   لما كان للحق تعالى (الغنى المطلق عن العالمين)،أبرز من الصفة الأحدية (نور النبوة المحمدية)،وألبسها حلل أسمائه وصفاته،وإصطحبت مع الفيضة القرآنية،فأقامها مقامه وأنابها عنه في خلقه منابه..  قال الله تعالى (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) فخصّ سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم بالنيابة الكاملة والخلافة العظمى عن الله تعالى..فكان صلى الله عليه وسلم واسطة بين الحق والخلق،وبرزخ بين الالوهية والمخلوقات..يستمدّ من الحق ويُمدّ الخلق،فكل العطاءات تمُرّ عبر وساطته صلى الله عليه وسلم..

إصطحاب النبوة المحمدية بالإسم الجامع (الله)،ألبس مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حُلَل الأسماء الإلهية التي تطلُب الخلق،والمخلوقات لا تخرُج عن حيطة الأسماء الإلهية،فكان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،بحكم الإصطحاب،الإحاطة والعطاء والنيابة في مُلك الله تعالى.. وقد عبّر الشيخ الأكبر إبن عربي عن هذه البرزخية والوساطة للنبوة المحمدية،في كتابه (عنقاء مُغرب)،بقوله: [ولما تعلّقت إرادة الحق سبحانه بإيجاد خلقه وتقدير رزقه،برزت الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحدية..فوُجدت الحقيقة المحمدية على صورة حكمه، فسلخها من ليل ذاته فكانت نهاراً،وفجّرها عيوناً وأنهاراً..ثم إن الحق صيّره حجاباً لا يُرفع وباباً لا يُقرع،ومن خلف ذلك الحجاب يكون التجلّي،ومن وراء ذلك الباب يكون التدلّي،كما إليه ينتهي التداني والتولّي،وعلى باطن ذلك الحجاب يكون التجلّي في الدنيا للعارفين ولو بلغوا أعلى مقامات التمكين،وليس بين الدنيا والآخرة فروق العارفين في التجلّي عن غيرالإحاطة بالحجاب الكلّي،وهو في حقّنا حجاب العزّة،وإن شئت رداء الكبرياء،كما أن ذلك الحجاب يكون تجلي الحق له خلف حجاب الهباء،وإن شئت قلت رداء الثناء.وما ذكرناه زبدة الحق اليقين وتحفة الواصلين..اه ]. قال الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)،(استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم): قال الشيخ إبن عربي عن هذه الآية: [اعلم إنه ما في القرآن دليل أدلّ على أن الإنسان الكامل (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل بالأصالة،وغيره ممن أدرك هذه المرتبة بالتبعيّة والنيابة) مخلوق على الصورة من هذا الذكر،لدخول (اللاّم) في قوله (وللرسول)..فإن الله ورسوله ما يدعونا إلا لما يُحيينا به،فلتكن منا الإجابة. فإنه ما نكون في حال إلا منه،فلا بد أن نُجيبه إذا دعانا،فإنه الذي يُقيمنا في أحوالنا..]..

فوَساطة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا ترتفع أبداً،دنياوآخرة،فقد أقامه الحق عز وجل حجاباً بينه وبين خلقه،يستمدّ من الحق ويُمدّ الخلق..فلا قدرة للمخلوقات على الإستمداد من الحق تعالى لعدم المجانسة والمناسبة،فأوكل أمرهم لمخلوق مثلهم للمناسبة الحاصلة،فإطمأنّ الخلق للبرزخ الأعظم والوساطة العظمة والرحمة العالمية الكبرى . وقد عبّر عن هذا المعنى الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه (الإنسان الكامل) بقوله: [..وقد جَرت سُنّته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصوّر في كل زمان بصورة أكملهم ليُعلي شأنهم ويُقيم مَيلانهم..وإعلم أن الإنسان الكامل مُقابل لجميع الحقائق الوجودية بنفسه: فيُقابل الحقائق العُلوية بلَطافته،ويُقابل الحقائق السفلية بكثافته..]..  فرفع الوساطة المحمدية هو البدعة في حقيقة الأمر،لا كما يُلبّس من لا خَلاق له ولا علم ولا أدب،على عادة الصفة الإبليسية التي تقلب الحقائق وتُحرّف المعاني..فمن أقرّ وإعترف بوساطة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا وَجبت له في الآخرة،ومن نفاها في الدنيا رُفعت عنه في الآخرة،وكيفما تكونوا يُولّى عليكم.. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.  الفقير الى عفو ربه رشيد موعشي.

حصل المقال على : 1٬001 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد