شرح الصلاة 37 من خبيئة الأسرار

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدنا ومولانا محمد، الذي منه وبه انشقّتْ أسرار بساط الرحمانية، وانفلقتْ أنوار الأسماء الإلهية.وظهر مكنونُ الكنزيّة،وما هو مخبوءٌ في لوح المعاني،و رقائق السبع المثاني.مِن مشكاته تُمْنَحُ الإمدادات،وعلى يده تُقسم العطاءات.مدينةُ العلم التي تَهَبُ التّرقيات،وترفعُ المقامات.برزخُ البحرين،سدرة منتهى الثقلين،اتّصف بِصفتيْن،وبُويِع بيعتيْن.وجمَع بين الضّدَّيْن وصحبه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى أمِّ المومنين ،وعلى آله وصحبه اجمعين.
قال العارف (الذي منه وبه انشقت أسرار بساط الرحمانية )
«الرحمانية» نسبةً لإسمه الرحمٰن ، وهو أوسعُ الأسماء الإلهية حيطةً بعد إسم الجلالة الجامع الله، لذلك يقول مشايخنا رضي الله عنهم ” الرحمنُ نقيبُ الأسماء” مصداقا للآية (قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُوا۟ ٱلرَّحۡمَـٰنَۖ) الإسراء 110، و مِن ثَمَّ جاء التعبير العرفاني في قول العارف “بساط الرحمانية” تعبيرا دقيقا موافقا لمعانى الإمتداد و العموم و الحيطة و الإطلاق.
منه و به انشقت الأسرار
منه ، لأنه صلى الله عليه و سلم هو الهيولى و الأصل و الأمّ و قال (به) أي بواسطته و ببرزخيته و على يده .
والمعنى المُراد مِن هذا الجزء النعتي الراقي منَ الصلاة ، هو أنّ الرحمانية باعتبارها بساطا شاملا لظهور كل خلائق العالمين ، كان انشقاق أسرارها منه صلى الله عليه و سلم باعتباره الأصل ، و على يده أيضا حصل ذاك الإنشقاق باعتباره الوسيط و البرزخ الكلي ،إذْ أنَّ كل متعلقات تلك الأسرار، صورةً و سورةً، هي منوطةٌ بالمولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدءً و عودةً.
إذا تبيّنَ ذلك ، فاعلم يا وليَّ الله أنَّ النبوة المطلقة القديمة، هي تحقيقا ماء الوجود الذي جعل الله منه كلَّ موجود و التي جاء ذكرُها في الآية (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)الانبياء 30، ومفاد هذه الآية أنّ الماء هيولى الأشياء، إذ منه جَعل الله كل شيء موجودا (للتوسع الرجوع لشرح صلاة الهيولى للاستاذ المرشد نفع الله به ) ، و اقْرَأْ يا عاشق النّبي مولانا محمد صلى الله عليه وسلم إشارةَ ذلك في الوقف (بَرَزُوا۟ مِنۡ عِندِكَ) سورة النساء 81.وفي الوقف (خَرَجُوا۟ مِنۡ عِندِكَ )سورة محمد 16…فالجميع عنه صدر، و من عنده خرج .صلى الله عليه كما هو أهله.
وانفلقت أنوار الأسماء الإلهية
أي منه صلى الله عليه و سلم إنفلقت أيضا تلك الأنوار ، فحقيقته صلى الله عليه وهي عظيمة الشأن ، كان لا بد أن تتستَّر خلفَ حجب الأسماء الإلهية و أنوارها ، جاء في الصلاة 28 من الخبيئة ما يماثل ذلك (فَانْفَلَقَتْ كُلُّ الأَنْوَارِ مِنْ نُورِهِ،وَ كُلُّ الأَسْرَارِ مِنْ سِرٍّهِ) و من عجبٍ أنّ الظهورَ تستُّر كما قال العارف قدّس الله سره .
فانفلاق أنوار الأسماء الإلهية هو منْ معاني التجلّي الإلهي أي ظهور مُقتضى الآية القرآنية أو الصفة و الإسم الإلهي في الوجود ، هاته التجليات الإلهية التي تُسيّر الكون الإلهي وتَضمن إستمراريته ، لا تخرج و تتصرّفُ إلا بحضور مرتبة من مراتب الحقيقة المحمدية، مرورا عبر وساطة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنْ شئتَ يا ولي الله فَقلْ أنَّ المظاهر الكونية عنْ بكرة أبيها ،لا تخرُج من الوجود العلمي إلى الوجود العيني إلاَّ على يده صلى الله عليه وسلم ، فهو عين الرحمة الإلهية لتلطيف جلال الأسماء الإلهية ، و لولا تدخل يد النبوة لانهدّ الكون و فَسُد و انقلب بشاهد ( فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ) الزخرف 41، النبوة باقية و رحمتها سارية قبلا و بعدا بشاهد (وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين).
وظهور مكنون الكنزية
المقصود به هنا كنزية الأسماء الإلهية ،فالإسم الإلهي لا يَظهر مقتضاه إلا بعد التّجلّي و التجلي يتطلب حضور النبوة المحمدية اصطحابًا ،فالكنزية عائدةٌ استلزاما على الحقيقة المحمدية في مراتبها و حضراتها التي لا يحيط بعلمها إلا الله تعالى بشاهد الحديث ( ما عرفني حقيقة غير ربي) ،لذلك كان الكنزُ سِرَّ غيبٍ أي مرتبةً عزيزةً في درجات الأسرار المحمدية المكنونة، وقول العارف «الكنزية» اقتباس من الحديث الصحيح كشفا أهل الله (كنت كنزاً مَخْفيّاً فأحببت أن أعرف،فخلقت الخلق فبي عرفوني) ، وانتبهْ للأداة «فبي» حساب جُمّلها يعطي = 92 =(محمد)،أيْ بالنّبوة المُحمدية عَرفوني، الكنزُ لابُدّ من مَكنوزٍ فيه، وهو الحقيقة المحمدية ،(كنتُ كنزاً) كُنتُ لها الفعل الإستمراري غير المنقطع، ، أيْ كنتُ ومازِلْت ولم أزَل كنزاً مخفياً (ما عرفني حقيقة غير ربّي) .
(فأحببتُ أنْ أُعرَف): أحبَّ الرزاقُ أنْ يُعْرَف فطلَب المرزوقين والغفار طلب المذنبين.والهادي طلب الضالين ، وقِس على هذا باقي الأسماء الحسنى، كما يقول شيخنا نفع الله به ، فالحق تعالى خلق الوجود لإظهار أسمائه وصفاته وهو تعالى من حيث ذاته غني عن الخلق، وعن التجلي وعن الظهور، لكنه تعالى وكّل عين رحمته صلى الله عليه و سلم لتتمّ به تلك المعرفة و تعطى على يده القسائم.
وما هو مخبوء في لوح المعاني ورقائق السبع المثاني
لوح المعاني و رقائق السبع المثاني كلها مرادفاتٌ للكتاب ، و الكتاب هو لوح الصفة الأحمدية المُصْطحِب مع الموصوف بها المحمدي، قال الختم الأكبر أبي الفيض الكتاني روّح الله روحه ( فالوحي من لوح أحمديته يُقرأ،وعلى محمديته يُتلى) ، الأحمدية قرآنه و المحمدية نبوته، القرآن هو الصفة المعبر عنها بالأحمدية أي الرسالة ( وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٍ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِی ٱسۡمُهُۥۤ أَحۡمَدُۖ ) صلى الله عليه و سلم ، الصفة/أحمد لا تنفك عن الموصوف بها / محمد النبي صلى الله عليه وسلم ،الصفة /الرسالة هي عين الموصوف بها/ النبوة ، احمد محمد هو محمد أحمد ، وجهان العملة واحدة (قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُور وَكِتَـٰب مُّبِین) المائدة 5، ( نُّورٌ عَلَىٰ نُور ) النور 35، نور النبوة المحمدية على نور الرسالة الأحمدية.
فالمخبوء في لوح المعاني من الرقائق قرآنية هي نعوته صلى الله عليه و سلم العظيمة ،تظْهَر على يد فحول أولياء الأمة في كل عصر على شكل تغزلات و ثناءات و صلوات بديعة راقيات في علو شأن سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه وسلم سيد السادات ، بواسطته صلى الله عليه و سلم تظهر تلك التماديح و النعوت العاليات ، فتحا يوصله إلى مَنْ يستحق من اولئك الفحول.حشَرنا الله في كريم زمرتهم بجاهه و حقه و عظيم شأنه صلى الله عليه و بحرمة بَضعته الطاهرة الزهراء عليها السلام.
مِن مشكاته تُمْنَحُ الإمدادات
قال صلى الله عليه و سلم مفصِحا ( إنما الله المُعطي و أنا القاسم ) و من قسّم لك فقد أعطاك كما يقول أستاذنا المرشد نفع الله به ، لذلك فما مِن حركة أو سكون في الكون إلاّ و تَخْرُجُ من خزينته ، النبوة المحمدية نُصِبَ لها الإستخلاف المطلق ،فظهرتْ بأسماء الحق وصفاته في الوجود، فلا تتم وظائف الخليفة المنوطة بسيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم ، إلا بإفراغ جميع حلل الأسماء والصفات الإلهية عليه (من رآني فقد رآى الحق) ، هاته الأسماء هي غذاء العالمين الواصل إليهم من يد النبوة إمدادا و إعالة، فالعالمين هُمْ عِيال سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، لهُم أُرسل، و به رُحِموا، و قد قال نفسي له الفداء (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يَقُوت) النبوة حاضرة و للكون ناظره ، تقسم العطايا و الأقوات الحسية و المعنوية ، ألم يقل الحق تعالى (قُلۡ أُذُنُ خَیۡر لَّكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَیُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ) ؟ التوبة 61 بلى ، وقد تخلّق صلى الله عليه وسلم باسمه تعالى المؤمن – و بكل الأسماء و الصفات- فهو يستمد منه ويمد ،يزوّدنا بالأنوار، ويمدنا بالإيمان ، كما قال شيخنا نفع الله به في التنبيه الخامس عشر على علو النبوة المحمدية و لنختم بهذا الوقف من الاية ( مَدَدا قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠) الكهف 109/110، إن تمعَّنْتَهُ تجده شاهدا في الاستدلال على أنَّ النبوة إنما هي مدَدٌ للكون و أهله .و الحمد لله .
وعلى يده تُقسم العطاءات
القاسمُ صفةٌ عظيمة ثبَتَتْ لسيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم في حديثه الشريف، فيده هي القاسمة للعطية الألهية الواصلة للكون و كائناته، بلسان عرفاني خُصّت اليدُ بالمفرد لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )الفتح 10، فجاءت (يَدُ) بين إسميْ جلالة : اللَّهَ ( يَدُ) اللَّهِ، (يَدُ) هي أداة العطاء و رمز الوهب وجُمَّلُها يعطي العدد = 14 = أي جُمَّلُ الإسم (وهاب)، يده صلى الله عليه و سلم مبسوطة بالرحمة و العطاء (بَلۡ یَدَٰهُ مَبۡسُوطَتَٰنِ) المائدة 64 و انتبه لحذف الألفات في الكلمتين معا: فهي في الحقيقة يد واحدة ، لكن مرآها من ذا الوجه محمديٌّ و مرآها الآخر من ذا الوجه أحمديٌّ ، و إنْ شئتَ فقل أنّ النبوة هي يد الله التي فوق أيدي الاسماء الحسنى تردّيا و اصطحابا كي تعطي و تمنح ، و قِفْ هنا (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ) تَجِدْ حساب جُمَّلها 19 مضروبا في 14.. 19 هو طلسم النبوة و 14 يشير للوهاب، فكل العطاءات،ظاهرة أو باطنة،حسيّة أو معنوية،تَمُرّ عبر وَساطة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
مدينة العلم التي تهب الترقيات،وترفع المقامات:
مِنْ كمال الخلافة المطلقة النّبوة في الكون ، أنه صلى الله عليه و سلم وهّابٌ و رافع، لأنَّ المستخلَف صلى الله عليه و سلم لا بُدَّ أنْ يظهَر بصفة مَن استخلفه سبحانه فيحكم بإسمه، و إلا لما صحَّتْ له الخلافة ، و في حُكم الناس العارض الدنيوي ،تجد القاضي في المحكمة يحكُم باسم ملك البلاد أو رئيسها و يصدر حكمه النافذ بقوة ذلك الإسم و صفته و توكيله، و للنبوة المثل الأعلى، فهي صاحب القضاء الإلهي المطلق (فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیما) النساء 65، دقق النظر يا ولي الله في الآية: (فَلَا وَرَبِّكَ) هو قَسم ، كاف الخطاب (رَبِّكَ)، أفعال المضارع (لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ) (وَیُسَلِّمُوا۟)، المفعول المطلق (تَسۡلِیما)، فعل الماضي( قَضَیۡتَ) بصيغة الخطاب..فهل يخاطب الحق تعالى : غائبا؟ هل ينادي ميتا؟ حاشا المُخاطِبَ تعالى و المُخَاطَب صلى الله عليه و سلم ، دقِّق في ذلك كله بعين البصر ، تنفذ إلى بصيرتك عظمةُ شأن النبوة و مطلق حُكمها في الكون على نحوٍ أعظَم مما كنتَ تظُنُّ من قبل.
وهاك من الطيب نفحة : فبقوة الإصطحاب مع الإسم الإلهي ،اتَّصَفتِ النبوة بالغنى ،والاستجابة،والرضا،والإنعام ،وقَرَن الله تعالى براءته ومحاربته بمحاربة وببراءة نبيه ،ومعصية الله هي معصية النبي ،ومعصية النبي هي معصية الله. وموالات النبي،هي موالات الله .وسلَّمه مفاتيح الاسماء الالهية وبالتالي مفاتح القضاء (مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیما) (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِن وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلا مُّبِینا) الأحزاب36، فنَسبَ له القضاء،ومن بيده القضاء فهو يقرر و يحكم بإرادة الله..جفت الاقلام و طويت الصحف.
برزخ البحرين
البرزخية هي الوساطة بين طرفين لا تجانس و لا رابط بينهما ، وهما الحق و الخلق ، برزخية تَحْفَظ لهذين الطّرفين تمايُزَهُما عن بعضهما .
في قول الحق تعالى (محمد رسول الله) الفتح 29، يكمن سر عظيم يُشير لهاته البرزخية ، فوجود الرسولٍ يقتضي وجود المُرسِل من جهة و المُرْسل إليه من جهة ، الرسول هو القائم واسطةً بين الله الحق و العالمين الخلق ،لا بد للرسول الواسطة أنْ يكونَ جامعا بين وِجْهتيْن إثنتين : أولاهما مجانِسة للحق(من حيث اسمائه وصفاته) و الثانية مجانِسة للخلق(من حيث بشريته)، و إلاَّ تعذَّر عليه القيام على الوجه الأكمل بمهمته كرسول بين الطرفين حاشا سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم ،قال احد اخواننا(الدكتور سعد) في اجتماع تبادل الافكار، وتناقح الاذواق : فهو رسول اي موصِلٌ لرسالة الاسم الله ورسالة الاسم الله هي مجموع التجليات الكونية لهذا الاسم. الرسول وساطة بين مرسِل ومرسَل اليه ،فمن نفى وساطة النبي صلى الله عليه و سلم فقد اوغل في الجهل اذ لم يفهم حتى العربية ومن شروط قبول اسلامك انْ تشهد بهذه الوساطة…انتهى كلامه.
والبرزخية تقتضي ألاّ يصل مقتضى الإسم الإلهي مباشرةً إلى الكون و أهله، بل لا بد من إصطحاب كل الأسماء الحسنى مع النبوة المحمدية لكي يكون اللطف في التجليات الإلهية ، جاء في الموقف الثامن عشر من المواقف الأحمدية (لهذا أوْجَد الله تعالى،من نوره،هذا البرزخ العظيم الجامع ،وأفاض عليه جميع كمالاته،وحَلاّه بأسمائه وصفاته،فكان حاجزاً بين المخلوقات وصَدَمات التجليات الإلهية.فلولاه لما استطاع الوجود الصّمود،ولإضْمَحلّ من حينه،لإنعدام المجانسة والمناسبة مع الله تعالى.فهو الرحمة المُهداة (وَمَا أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ) الأنبياء 107.
سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم برزخٌ عظيم بين المخلوقات وربّها،لا ينزل شيء إلا عليه،ولا يَصْعد إلا إليه،فمعاملة الخلق كلها معه (وَلَوْأَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْأَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَلَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ)، لَوَجَدُواْ اللّهَ.لولاه لما تمّ ذلك ، فبرزخية النبوة المحمدية قائمة ملكا وملكوتا ،ظاهرا وباطنا .. دنيا وآخرة.. حجابا قائما بين الحق والخلق لغنى الله تعالى عن العٰلمين قال تعالى( إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) العنكبوت6، (فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنكُمۡۖ) الزمر 7،(فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)آل عمران 97.
سدرة منتهى الثقلين
منتهى آمال الكون هو المولى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ،فلا مرمى دون مرماه،لأنه ولي النعمة الذي أرسله الله لهم سريانا بالرحمة فيهم و قسمة للعطاء لهم ، جاء تعبير العارف بالثقلين من باب التذكير أنّ خلق الجن و الإنس معلول بتحقيق العبادة لله، ولا يُتوصّل لذلك التحقيق إلا بالسير اقتداءً بنهج العابد المطلق لله في الكون وهو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فهو الإمام الكامل و جميع المكلفين من إنس و جن وراءه مأمومون مأمونون، بالأئتمام به و اللجأ إليه يتحقق لهم الأمن و الإيمان. و الكون مأمومٌ، سدرةُ منتهاهُ النبي الإمام المصطفى الهُمام صلى الله عليه به .
اتَّصفَ بصفتين
يقصد العارف نفع الله به بالصفتين، النبوة المحمدية و الرسالة الأحمدية ، صفتين عظيمتين سماهما مشايخ مشربنا ب«أمهات الصفات» و قد خاطب بهما الحق سبحانه و تعالى حبيبه سيدنا و مولانا محمد بالقول ( یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ) (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ) ، علاوة على صفة الأمية ( ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِیَّ ٱلۡأُمِّیَّ ٱلَّذِی یَجِدُونَهُ)..الأعراف 157.
الحقيقة المحمدية مطلقة ، لها ما لا عدّ له و لا حصر من الصفات و النعوت و الأسماء و المراتب ، فإذا كان صلى الله عليه و سلم لهُ وِجهة إلى الحق ، فهذا يستلزم أوصافا تخصه من تلك الحيثية ، و إذا كان له وجهة مُجانسة للخلق فهذا أيضا يستلزم أوصافا تخصه في هاته الحيثية ، ساداتنا الصحابة رووا عن المظهر النبوي العظيم أوصافا خَلقية و خُلُقية كثيرة جدا ، ثم فَصَّلَها من بعدُ ساداتنا الأولياء و أهل السيرة و الشمائل.
تلك الأوصاف العظيمة الكثيرة مرجعُها إلى الصفة الأحمدية و هو القرآن و إلى الموصوف بها وهي المحمدية ، صفةٌ هي عين الموصوف بها صلى الله عليه وسلم و على آله ، محمد أحمد صلى الله عليه و سلم هو مطلقٌ غير مقيد بزمن و لا مكان ، ، فالقول القرآني سارٍ غير منقطع ،لأنه من مستلزمات الصفة، و الموصوف بهاته الصفة مُطلقٌ، مراقب للكون ،منفِّذ للقول و لما سيُظهِرُه مِن مقتضيات ،الصفة هي أحمد و الموصوف بها هي محمد ، ،فهو القائل وهو السامع ( أمنك إليك).
لذلك كانت أقصا درجات المعرفة في مشربنا الفاطمي المحمدي المُنيف : معرفة الصفة بالموصوف و معرفة الموصوف بصفته، أي معرفة النبوة بالقرآن و معرفة القرآن بالنبوة.و الحمد لله على ذلك.
وبويع بيعتين
البيعتان هنا لها مقاصد عدة : بيعة بطون و ظهور …
قال تعالى(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَٰقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّه قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّٰهِدِينَ) آل عمران 81 ، قال استاذنا نفع الله به ( سَمّاه تعالى رسولاً ،في تلك الأزمنة الغابرة،وأخذ له الميثاق من الأنبياء.لو لم يكن موجوداً بحقيقته،لما كان هناك فائدة في أخذ الميثاق له…فأخذ الله له الميثاق في عالم الشأنية( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ …) فبدأ به) .لانه صاحب البيعة ، سيد الأنبياء و سلطان الوجود.صلى الله عليه و سلم
ثم بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة الحبيب مولانا محمدا صلى الله عليه و سلم ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ﴾، و تدخل في هاته البيعة المأخوذة له في عالم الظهور ، بيعةٌ مفتوحةُ الزمن الى قيام الساعة شاهدها وجود فعل (يُبايعونك) بزمنه المضارع الذي يفيد التجدد و الإستمرارية ، قال الاستاذ المرشد نفع الله به (فكل صلاة نَعْتية راقية، تُثْني على الحقيقة المحمدية، إلا وهي مبايَعةٌ له صلى الله عليه وسلم. إذ صلاة الله عليه هي ذِكرُهُ ومدحُه والثناءُ عليه بنعُوته القديمة المذكورة في القرءان، وما دام يُمْدَح إلاَّ والرحمة تَتنزلُ على الكون الإلهي.وما ذَكَر اللهُ تعالى نَعْتاً مِن نُعوته إلاّ وأضافهُ إلى حبيبه ) الموقف الخامس من المواقف الأحمدية .
وجمع بين الضدين
سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه وسلم هو حق و خلق : هو حَقٌّ (مُحَمَّدٌ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ) محمد آية 2، جاءت صفة الحق هنا بأل التعريف..فافهم . وهو أيضا خلقٌ ( وَقَالُوا۟ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ) الفرقان 7 ..لكنه حتى في ظهوره الخلقي ، كان ظهورا استثنائيا : فلا يظهر له ظل و يرى في الظلام و يفوق من يمشي معه طولا و يترك أثرا في الصخر و ووجهه الشريف ينير في ظلمة الليل، فظهرالخليفةُ على صورة الخليقة لكي لايُعْبَد من دون الله: “ليس له ظل”،”يرى من خَلْف كما من أمام”،”إذا مَشى مع القوم كان أطولهم”..،أما من حيث وجهته الحقية، فهو نورٌ بَرَق مِن الصفة الأحدية ﴿قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ﴾ المائدة 15، ولَبس حُلل الأسماء الإلهية (من رآني فقد رأى الحق فهونور مُطلق(إني لست كهيئتكم )فلا هيئة له تُقَيّده، و من حيث وجهته الخَلقية فهو من مقتضى الأسماء التشاجُرية:( قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثۡلُكُمۡ) الكهف 110 .
قال شيخُ شيوخنا سيدي محمد ابي الفيض الكتاني قدس الله سرهم أجمعين في كتاب الديوانة (والإصطحاب الواقع جعل سلطنته الروحية تستولي على الجسمية، فعمتها بحللها جملة وتفصيلا،ولذلك كان لا يرى له ظل،لأن الروحية لا ظل لها،وكان يرى من خلف كما من أمام، إنما كان يتظاهر بالبشرية، كي لا يعبد من دون الله.يقول سيدنا “إني لست كَهَيْئتِكُم”)
سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه و سلم هو ربٌّ و عبدٌ ، رب بمعنى تحققه الذاتي المطلق بالسيادة و الإعالة و الرحمة لجميع خلائق العالمين ، و هو عبد (سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ) الإسراء 1، العبدية لله من أعظم صفاته صلى الله عليه به ، و في ترديه بأسماء و صفات الألوهية كان جامعا بين جلالها و جمالها، فيراه الرائي جامعا بين تضادّ تلك الأسماء في تشاجر دوائرها إيصالا للقسائم إلى عياله في الكون الذين استخلفه الله فيهم وهبًا و عطاءً ، قال العارف المحقق في شرحه لصلاة المتردي ( هو كرسي الخلافة الذي نُصب له ،فظهر بأسماء وصفات الحق في الوجود، إذ لا يتم له اسم الخليفة، إلا بإفراغ جميع حلل الأسماء والصفات الإلهية،التي يطلبها العالم وتطلبه “من رآني فقد رآى الحق”(الحديث)) ..كل ذلك وجهٌ مِن أوجُه جمعه صلى الله عليه و سلم بين الأضداد.
وصلى الله على سيدنا و مولانا محمد نبي الله وعلى الزهراء بَضعة رسول الله وعلى آله وصحبه.
الفقير الى عفو ربه إبن الفاطمي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات،و المومنين والمومنات.
قلت انا العبد الضعيف(محمد بن المبارك) المفتقر الى رحمة ربه والى رعاية نبيه صلى الله عليه وسلم،.ان شارح هذه الصلاة العرفانية النعتية الرقيقة يصاحبني منذ ستة سنوات ،وأنا فخور الى ما وصل اليه ذوقه واسلوبه الصوفي،والى ما بلغ اليه ادراكه للمعاني الباطنة.وأحمد الله وأشكره.فالسير بالمريد في زمننا هذا ليس بالسهل..والعبرة بالنتائج

من اراد اي موضوع على شكل ب د ف فليتصل بمجموعة التصوف السني العرفاني على تلغرام او بالرقم

091 092 57 6 212

90 31 99 69 6 212

حصل المقال على : 338 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد