شرح الصلاة السادسة من الخبيئة

بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة السادسة من الدليل المبارك المسمى : خبيئة الاسرار الاحمدية
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد،حقيقة الحقائق الكلية.التي من الأحدية برقت،وبحجب الهوية تلثمت، وبأردية الإصطحاب إلتحفت،فصالت وجالت.وعن حقائق الألوهية نابت. وفي بساط الواحدية تكثرت،فظهرت وبطنت.جمعت بين الأضداد وخالفت هيئة العباد.الجهل بها معرفة،ومعرفتها جهل﴿وترىٰهم ينظرون إليك وهم لايبصرون﴾حقيقتك.فللحضرة المحمدية من الكمالات ما للحضرة الإلهية من التجليات،لأنه الواسطة العظمى لتأثير الأسماء والصفات،فتنوعت تجلياتها،واستحالت الحيطة بشؤونها.”ولون الماء لون إنائه”،وصحبه وسلم.
حقيقة الحقائق الكلية : قال تعالى “وءامنوا بما نزل على محمد وهو الحق”فهو صلى الله عليه وسلم “حق”ولكل حق حقيقة،وحقيقته هي اول مخلوق خلقه الله تعالى “قل ان كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين”هو اصل لكل الحقائق، منه انشقت الاسرار وانفلقت الانوار،وإلى حقيقته ترجع جميع الحقائق،رجوع الفرع الى أصله والجزء الى كله.اذ كل الحقائق مرتوقة في نبوته. وبعد الرتق جاء الفتق،فإذا كان ءادم عُلّم الاسماء،فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،أوتي جوامع الكلم،وعنده علم بالاسماء وبالمسميات،قال البصيري رحمه الله: لك ذاتُ العلومِ مِن عالِم الغيـبِ=ومنها لآدمَ الاسماء

قال العارف بالله الأميرعبد القادر:….ولهذه الحقيقة المحمدية أسماء كثيرة، منها مجمع البحرين،لأنه مجمع بحري الوجوب والإمكان ،أو باعتبار إجتماع الأسماء الإلهية،والحقائق الكونية فيه.ومنها تسميته بالوجود الساري… انتهى. لذلك كانت النبوة هيولى الحقائق الوجودية حسية او معنوية،ظاهرة او باطنة. فكان تلازم بين حقائق الألوهية،وحقيقة الحقائق الكلية ،بقوة الإصطحاب.فهو صلى الله عليه وسلم مجمع الحقائق الإلهية،وعرش التجليات الأسمائية والصفاتية،هوأصل كل الحقائق الوجودية،الكلية والجزئية،الحقية والخلقية.وهوالفاتح لمراتب الوجود والمراقب لها،والحاضر في التجليات والمضفي الرحمة عليها،والمُظهر لمقتضياتها. فالحق تعالى ما أوجد حقيقة من الحقائق إلافي المرتبة المناسبة لها،فلا أكمل من هذا الوجود”وليس بالامكان ابدع مما كان” كما تقول عبارة الغزالي.فالنبوة المحمدية هي مَحْتِدُ كل الحقائق مُلكية أوملكوتية،حسية أو معنوية،ظاهرة أوباطنة،فلولاه صلى الله عليه و سلم لماعُرفت ،فيه ارتَقَتِ الحقائق،فهي منه وبه .

التي من الأحدية برقت: الأحدية صفة،وهي محتد الحقيقة المحمدية ،منها برقت للوجود،والبروق دال على الصفة النورانية للنبوة المحمدية (لقد جاءكم من الله نور) فكان خروج النقطة النورانية من الاحدية قبل الفيضة القرءانية لأن المقصود من الوجود هو الرحمة “رحمتي سبقت غضبي”.

وبحجب الهوية تلثمت: الهوية حجاب للذات الإلهية،فكما ورد بالقرءان”هو الله”ورد كذلك “الله هو” فتقدمت الهوية وتأخرت على اسم الجلالة،فهي حجاب،وتعني ان الذات الالهية في كنه لايدرك بمفهوم عبارة ولابمرموز اشارة. قال تعلى (ان الله هو السميع العليم)فالهوية هنا تشير الى انه تعالى سميع لا كسمعنا عليم لا كعلمنا..وبصير لا كبصرنا،والهوية مشتركة بين الرب والمربوب،وما من شئ الا له هوية تخصه ،وما من شئ الا وحضرة نبوية حاضرة في التجلي المتعلق به،فعلى عدد التجليات الالهية توجد حضرات نبوية،فكان هذا كاللثام للنبوة يحجبها عن معرفة غيرها لها،فتاه العارفون بين حقيقتها وصور تجلياتها.وهوماعبر عنه شيخنا سيدي محمد الكتاني قدس الله سره في صلاة المتردي بقوله : الملثم بمعاني سردقات غيب الهوية.فأطلق الهوية الى ما لا نهاية بقوله سرادقات.

وبأردية الإصطحاب إلتحفت: والأردية جمع رداء أي لباس، والإصطحاب وقع في بساط الالوهية،وأردية هذا البساط هي الأسماء والصفات الإلهية، فسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم لبس جميع الاسماء والصفات وتحلى بها فكانت هي هو وهي هو”هُنَّ لِبَاس لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاس لَّهُنّ”. برقت..تلثمت..إلتحفت.. التلثم والالتحاف،والتردي، والتحلي، والتخلق بالأسماء والصفات ، كلها تمظهرات للحقيقة المحمدية،ففي كل مرتبة هي حاضرة،وللكون ناظرة،وهي صفات تشيرالى كمال النبوة المحمدية،والى علو كعبها وأنها نائبة عن الحق في الظهور،وأنها باطنة ومجهولة “ماعرفني حقيقة غير ربي”.. وما ادرك العارفون من حقيقة امره الا على قدر تجليات زمانهم،وماعرفوا فهو فضل من الله وهبة،وماغاب عنهم فهو رحمة بهم ،وبهذه الخلافة تصول وتجول.

فصالت وجالت…النبوة هي الخليفة الكلي على الكون وأهله ،لها الصولة أي الحكم والقضاء والظهور والبطون.منها الامداد والاستمداد ويعول على شفاعتها يوم الميعاد،وهي طرف فعال في كل التجليات الالهية ،لا يَمرُّ،تجل سواء كان جماليا اوجلاليا الاعبر برزخيتها فهي راعية للكون ملكه وملكوته. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَن رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،-قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما.قف يا ولي عند قول المولى رسول الله صلى الله عليه و سلم (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول): توجيه الخطاب للجميع ،الجميع مسؤول،وما قال (كلناراع وكلنا مسؤول) لم يدخل نفسه الشريفة لأن السلطان لايدخل مع الرعية في ما يجوزعليهم من حكم،فهو صاحب الأمر والنهي، والنقد والابرام،وإليه ترجع المراقبة الكونية قال تعالى “فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين”ولا يقال للغائب ارتقب، كذا اعمال المكلفين من امته تعرض عليه(حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحدثُونَ وَيُحدثُ لَكُمْ،وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ ؛ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ،فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ،وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ).

وعن حقائق الألوهية نابت… النيابة عن الله تعالى هو من اعظم وظائف المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والشواهد القرآنية والحديثية قائمة شاهدة،فلله سبحانه الغنى المطلق عن العٰلمين (فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)ال عمران 97(إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)العنكبوت 6…ومن تمام الغنى ان يكون الواسطة حاضرا ليكون برزخا بين الحق والخلق بما يضمن السير الملكي والملكوتي قال تعالى”ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله”وقال صلى الله عليه وسلم “من رآني فقد رآى الحق” فأقامه مقامه.ولا يقوم مقام الحق الا الحق،وأنابه منابه في الايمان “ءامنوا بالله ورسوله” اطيعوا الله واطيعوا الرسول “استجيبوا لله ولرسوله””فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مماقضيت ويسلموا تسليما”.وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى”.

وفي بساط الواحدية تكثرت،فظهرت وبطنت. الواحدية هي مركز الإضافات وبداية الاعدادات.الواحد من الاعداد.في الواحدية : كل إسم هوعين الاسم الآخر من حيث المقتضى: الهادي هو المضل.. المحيي هو المميت.ففي بساط الواحدية كل المظاهر الكونية كانت متأحدة في عين الكثرة ،ثم تبعها التكثر في عين الوحدة ،لهذا سمى العارفون الحقيقة المحمدية : الوحدة .فظهرت وبطنت قال تعالى”هو الاول والاخر والظاهر والباطن” ولون الماء لون انائه فظهرت في عين بطونها ،وبطنت في عين ظهوره.و لتبسيط الفهم حول الواحدية نقول أمثلة: -واحدية البشر: اشتراكهم جميعا في البشرية . – وحدانية البشر: الصفة التي تميز كل بشرا عن آخر : هذا وسيم و هذا ذميم..طويل ..قصير..ذكر ..انثى..لكن القالب البشري يجمعهم وهذا الوصف هو واحديتهم.وكذا بصمة الاصبع، او بصمة العين، او بصمة النبرة الصوتية.،كلها نعوت الوحدانية. -الواحدية: وصف مشترك عام الوحدانية وصف خاص . أما الفردانية فوصف لا يشترك فيه اثنان..خاص الخاص اذا شئت ،وما اتصف بالفردانية الا الأنبياء،وبالوراثة والتبعية الأولياء الله الذين بلغوا هذا المقام : مقام الافراد.

جمعت بين الأضداد وخالفت هيئة العباد….النبوة جمعت بين الأضداد: هذا على معنيين: -الاول-النبوة جمعت بين تشاجر الأسماء والصفات الإلهية ،فتجد الضار والنافع،القابض والباسط،المحيي والمميت،هذه اسماء الهية متشاجرة أي متضادة ،فالنبوة لبست و تحلّت بهاته الأسماء المتضادة وغيرها،لذلك جمع صلى الله عليه و سلم بين الاضداد.. -الثاني-النبوة جامعة بين الوجهة الحقية وبين الوجهة الخلقية،وهذا جمع بين الاضداد،خاص به صلى الله عليه وسلم لا يشترك معه أحد البتة فيه .فليس له ضل،يرى من خلف كما من أمام، يرى بالضوء كما بالظلام، تنام عينه ولا ينام قلبه،كلها اوصاف تضاد البشرية ،التي يُرى صلى الله عليه وسلم على هيئتهم” قل انما انا بشر” قال له تعالى “قل” فقال.

الجهل بها معرفة،ومعرفتها جهل﴿وترىٰهم ينظرون إليك وهم لايبصرون﴾ لا يبصرون حقيقتك…. الحقيقة المحمدية أصلها من الصفة الأحدية:وهو المعنى الذي يستحيل على العقل تعقله واستيعاب فهمه،فكيف بمعرفة هذه الحقيقة في مراتبها، ووظائفها على سبيل الإحاطة؟.. لذلك كان التسليم لهاته الحقيقة تسليم إذعان واستسلام من جواهر التسليم المأمور به في متن الآية(إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَاٱلَّذِینَءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا)قف ياولي الله عند(وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا)ما قال تعالى سلموا سلاما.. بل تسليما..من معانيها الاستسلام لعلو شأنها والتسليم لعظمتها أنْ يقرب فهم حقيقتها مخلوق ..جفت الاقلام و رفعت الصحف (وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُوا۟ عَلَیۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ).

فللحضرة المحمدية من الكمالات ما للحضرة الإلهية من التجليات..هذا تحقيق رقيق : اذ مع كل تجل الهي مرتبة محمدية،فالخليفة لابد أن يظهر بصورة وبسلطة وبعظمة الذي استخلفه،واقامه مقام التصرف المطلق . في عالم الدنيا:تجد الملك اوالسلطان يولي رئيس الوزراء او الصدر الأعظم بمرسوم سلطاني ويثبت له جميع الصلاحيات السلطوية التي تمكّنه من الحُكم والتصرف باسم السلطان،فأمره من أمر السلطان ..هذا في الدنيا الزائلة ..فافهم..لذلك تجد الكثير من النعوت وصفات التعظيم لجناب النبوة المحمدية،المثبتة في كلام الله تعالى، إعلاءً بشأن عبده و حبيبه سيدنا مولانا محمد صلى الله عليه و سلم ..

لأنه الواسطة العظمى لتأثير الأسماء والصفات،فتنوعت تجلياتها،واستحالت الحيطة بشؤونها.”ولون الماء لون إنائه” : هو صلى الله عليه وسلم الوساطة العظمى لكونه البرزخ القائم بين الحق والخلق،ولكونه المصطحب بالاسماء والصفات الإلهية كي لا تفني حرارتها المخلوقات،فلابد ان يكون للنبوة تجليات على عدد الأسماء والصفات تحققا بسريان الرحمة واللطف في العٰلمين (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّارَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ)وهذه الوساطة البرزخية كانت قبل القبل فليس في مستطاع مخلوق أنْ يُحيط بمعرفتها،لأن التجليات لامتناهية ،للوسع الالهي،ومراتب وحضرات النبوة المحمدية غير معروفة”ماعرفني حقيقة غير ربي” فالاصطحاب خاص به صلى الله عليه وسلم ،وبساط الالوهية لم يطأه غيره وبداية باقي الانبياء والخلائق من بساط الرحمانية. والنبوة واسطة عظمى في تأثير الأسماء والصفات،لأنها طرف فاعل في التجليات لولاها لَلحِق الهلاك والفناء بأهل الكون. قال تعالى(فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ) (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ)..وَأَنتَ فِیهِمۡۚ…سريان حقيقته صلى الله عليه و سلم في كل شيء ودخول كل شيء تحت حيطة رحمته (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ).
وخلاصة القول هذه الصلاة المباركة تكلمت عن مراتب الوجود الاولية : الأحدية ،حجب الهوية ،الإصطحاب، الواحدية، وأشارت الى نيابة الحقيقة المحمدية عن حقائق الالوهية ،فهى الظاهرة في المظاهر فكان لها ظهور وبطون،وحدة وكثرة،على عدد التجليات الالهية،فجمعت بين الاضداد، واستحالت الحيطة بكل مراتبها وحضراتها “ولون الماء لون إنائه”،وصلى الله على سيدنا و مولانا محمد ،والزهراء البتول بنت الرسول و صحبه وسلم.

الفقير الى عفو ربه أبو ملك

من اراد الحصول على دليل خبيئة الاسرارالاحمدية : الاتصال على وتساب المدونة00212605302519

.

حصل المقال على : 1٬221 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد