سيدي أبو عبد الله محمد القجيري القصري الولي والفقيه من أولياء وصلحاء مدينة القصر الكبير، ولد بهذه المدينة، ولا يعرف شئ عن تاريخ ولادته وحياته ونشأته وتعليمه، ولا السنة التي هاجر فيها إلى مدينتي سلا والرباط ، ولا السنة التي رجع فيها إلى مدينة القصر الكبير، سوى ما ذكر من معلومات في بعض كتب التاريخ والتراجم التي تأتى لي الاطلاع عليها والتي تناولت حياته، وهي معلومات قليلة ومحدودة ومتكررة، أنه عاش في أواخر القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر الهجري، خلال حكم الدولة السعدية ( 915- 1069 هـ/ 1510- 1658 م)، التي انتشرت في عهدها عدة زوايا التي تتخذ للذكر والعبادة وكذلك الدراسة والعلم. ومن هذه الزوايا الزاوية الفاسية والزاوية الناصرية والزاوية المصلوحية والزاوية الجزولية.
والولي القجيري كان فقيها وعالما، تتلمذ على يد بعض العلماء والشيوخ الذين كان لهم الفضل في تكوينه الفكري والديني والفقهي ، أمثال العلماء والأولياء سيدي عبد الله بن محمد الهبطي ( توفي سنة 963هـ/ 1556م)، وسيدي عبد الله الغزواني ( توفي سنة 935هـ/1528م)، والشيخ عبد العزيز التباع ( توفي سنة 914 هـ/ 1508م)، وسيدي محمد الجزولي ( توفي سنة 869 هـ/ 1464م)، وسيدي عبد الله بن حسون دفين مدينة سلا (توفي سنة 1013ه-/ 1604م).
كانت للشريف محمد القجيري صحبة علمية كبيرة مع الولي سيدي عبد الله بن حسون الذي يعتبر من كبار الصوفية وذوي العلوم الدينية، حيث تتلمذ عليه وأخذ عنه هو ومجموعة من العلماء والفقهاء. يقول محمد بن علي الدكالي (1868- 1945م) في كتابه ( الإتحاف الوجيز تاريخ العدوتين. الطبعة الثانية 1996م ) الصفحة 118: (وكانت له تلامذة عظام مثل سيدي محمد بن سعيد العتابي ضجيعه في قبره وخليفته من بعده، وسيدي محمد العياشي المجاهد العارف الكبير، وسيدي محمد القجيري القصري وأضرابهم ) .
للولي القجيري زاوية بمدينة الرباط كان يجتمع فيها مع الأولياء والصلحاء، وهي لا زالت قائمة إلى اليوم حيث تقام بها الصلوات الخمس، توجد بشارع السويقة في اتجاه الجامع الأعظم بدرب يحمل إسم الزاوية القجيرية، وبه لوحة رخامية مكتوب عليها : (الزاوية القجيرية نسبة لسيدي محمد القجيري دفين القصر الكبير وهو تلميذ سيدي عبد الله بن حسون). يقول أبو عبد الله محمد بوجندار( 1886- 1926م ) في كتابه ( الاغتباط بتراجم أعلام الرباط . طبعة سنة 2008م. الصفحة 87 ) :… والقجيرية ( نسبة إلى سيدي محمد القجيري ( بضم القاف وفتح الجيم ) البركة الولي الصالح الشهير تلميذ سيدي عبد الله بن حسون بسلا ، كان بنى هذه الزاوية بالرباط في حياته وحفر فبها بئرا لا زال يتبرك به ، وحبس عليها عدة حوانيت ، ولما أتم بناءها سافر إلى بلده القصر الكبير وبه توفي سنة خمس أو ست وأربعين ). وقد ترتبت على هذه العلاقة العلمية الدينية مبنية على الاحترام والتقدير المتبادل.
يقول عنه الأستاذ الحاج عبد السلام القيسي في مخطوطه الذي يحمل عنوان : تراجم أشهر أولياء وصلحاء مدينة القصر الكبير. (وأهل سلا يعظمونه ويقدرونه، كما أن له مكانة واعتبارا هو وذريته لدى سكان مدينة القصر الكبير، عاصر أواخر ملوك السعديين ).
وقد توفي الولي الصالح محمد القجيري – صاحب الزاوية القجيرية بمدينة الرباط – سنة 1044هـ/1635م. بمدينة القصر الكبير ودفن فيها، ويوجد ضريحه بدرب يحمل إسمه يربط ما بين حومة الهري وحومة لالة عائشة القجيرية بعدوة الشريعة. ولا زال بعض أحفاد الشريف القجيري يعيشون بهذه المدينة.