سيدي احمد العروسي دفين الساقية الحمراء
هوالشيخ أبو العباس أحمد العروسي بن مولاي عمر، المتوفى 1002 هـ/ حوالي 1593م، دفين صحراء الساقية الحمراء (على بعد 30 كلم من مدينة السمارة) جنوب المغرب. ولد حوالي 886هـ في صحراء تونس، توفي والده وهو صغير فتكفل به جده حيث درسه علوم الظاهر في زاويته بتونس.
وقد ورد في كتاب الفقيه
محمد الغيث النعمة تحت عنوان “الفواكه في كل حين في بعض ألفاظ شيخنا الشيخ ماء العينين” ان الولي الصالح الشيخ سيدي احمد لعروسي في صغره كان يحفظ القران الكريم بمسقط راسه تونس الخضراء حيث ابتدأ بسورة البقرة الى ان وصل اواخر القران الكريم وبالضبط سورة الزلزلة. فاخذ الولي الصالح يقرا الى ان وصل الى الاية الكريمة “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” فالتفت الى معلمه وقال له “اهكذا تحسب” قال المعلم “اي نعم”فأجابه الولي الصالح “ففيم القراءة”. ومن ذلك الحديث الذي جرى بينه وبين معلمه ترك الشيخ سيدي احمد لعروسي القراءة وإلتفت الى العبادة الربانية
بالباطن لا بالظاهر وهو ماسهل له الولوج الى التصوف.وقد هاجر بعدها
الشيخ سيدي أحمد العروسي من تونس الخضراء بسبب الغزو المسيحي في سن مبكرة حوالى 18 سنة، فأتجه في البداية صوب مدينة “مليانة” بالمغرب الاوسط فبقي سنوات ذات العدد مع الفقيه العالم “الشيخ أحمد بن يوسف الملياني الراشدي” الذي يعتبر أشهر متصوف في عصره وتبرز أهميته من خلال مذابيحه السبعة وعلى رأسهم سيدي أحمد العروسي، أخذ أثناءها الشيخ سيدي أحمد العروسي الطريقة
الراشدية التي أبدعها سيدي أحمد بن يوسف الملياني. وبما أن الملياني من أصحاب “أحمد زروق البرنسي” وهذا الأخير شاذلي السند فمن تحصيل الحاصل أن يكون الملياني ومذابيحه زروقي السند شاذلين راشديي الطريقة .
غادربعد ذلك متجها الى المغرب الاقصى، فدخله من شماله،وإلتقى في البداية بشيوخ الزاوية الريسونية بتطوان إتجه بعدها الى مدينة مكناس ثم فاس،فمراكش،إلتقى أثناء رحلته هذه بجهابذة علماء عصره منهم “عبد الرحمن بن عابد الصنهاجي” المعروف بالمجذوب الذي توفي 976هـ ، والذي يقال أنه كان صاحبا لسيدي أحمد العروسي ، لينتقل بعد ذلك للأخذ باقي العلوم على يد الشيخ “سيدي رحال الكوش”،المعروف بالبودالي، وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللأخير جزولي الطريقة الأمر الذي جعل الشيخ سيدي أحمد العروسي يأخذها عنه. وفي ذلك قال
محمد المامون بن محمد فاضل بن محمد الشنقيطي في قصيدته “شجرة اللالي في نسب العروسيين و النواجي”:
كان أحمد العروسي المنتسب *مع سيدي رحال الكوش آصطحب
في تــاسع المئيـن عهد السـعـــدِ*مـمـتحـن الـزواوي فـي ذا العـهـد
وهكذا،وبجمعه لكل هذه الطرق والاسانيد، فقد أصبح الشيخ سيدي أحمد العروسي من أنصار الإبداع والانفتاح في تاريخ الفكر الصوفي، الأمر الذي جعل السلطة الحاكمة آنذاك تتخوف منه وتحاول تقليص شهرته أو الحد منها.
وفي سنة 958هـ أمر السلطان أبي عبد الله محمد الشيخ السعدي بامتحان أرباب الزوايا خوفا على ملكه منهم، لما كان للعامة فيهم من الاعتقاد والمحبة والوقوف عند إشارتهم، فامتحن جماعة منهم كالشيخ أبي محمد الكوش فأخلى زاويته بمراكش وأمر برحيله إلى فاس ،ومن الفقهاء الذين لم يسلموا من ظلم الشيخ السعدي نجدالفقيهين أبو محمد الرقاق وأبو علي حرزوز،حيث كان السلطان المذكور يطالب
أرباب الزوايا بودائع امراء بني مرين ويتهم بها .كل هذا يدل على البطش الذي ألحقه السلطان أبي عبد الله محمد الشيخ السعدي بالزوايا والأولياء وخاصة من كان منهم بمراكش، على اعتبار أنها عاصمة حكمه قبل فتح فاس، وإذا سلمنا بكل هذا نتأكد أن الشيخ سيدي أحمد العروسي، والذي كان من مشاهيرالشيوخ في ذلك الوقت،غادر مراكش لهذه الاسباب، امتحان الزوايا من طرف الشيخ السعدي وظلمه للأولياء حتى قيل عنه أنه كان حازما غير متوقف عن سفك الدماء.
أسس زاوية بالساقية الحمراء ذاع صيتها، و شُدًت إليها
الرِحَال. ويعتبر الفقيه “محمد بن امحمد بن عبد الله الكرزاز” أبرز مذابحه.و قد خلف الشيخ سيدي أحمد العروسي ثلاثة أبناء بعد استقراره بالساقية الحمراء و هم: سيدي إبراهيم الخليفة، سيدي بومهدي،و سيدي بومدين. و إليهم تنتسب الفخذات الرئيسة الثلاث لقبيلة الاشراف العروسيين بالصحراء.
قال عنه صاحب “ممتع الأسماع في أخبار الجزولي و التباع و مالهما من الأتباع” :
الفقيه محمد المهدي الفاسي كتب:و كان صاحب حال و شهرة في الناس، وله كلام على وزن كلام سيدي رحال المجدوب، يخبر فيه بالمغيبات و يحفظ الناس منه.
ويمكن اعتبارأقدم مصدر تاريخي موثق تناول الشيخ سيدي احمد العروسي دفين الصحراء
هو كتاب “ملتقط الرحلة من المغرب الى حضر موت” لصاحبه الفقيه الشريف “يوسف بن عابد الإدريسي الحسني الفاسي” الأخير كان عقد العزم على زيارة الأولياء وربطهم و زواياهم،
يوسف ابن عابد الادريسي الحسني الفاسي كتب:وجدت
جماعة فيهم فقراء … ومعهم فقير من فقراء الشيخ أحمد بن عمر العروسي الذي كتب إليه الشيخ بن علي بن ريسون وقال لي لا بد لك أن تلقاه وتصافحه،واستبعدت كلامه لبعد الجهة التى هو فيها وعدم الحاضر مني الى تلك الجهة وهي مفاوز ماتقطع الا على مطايا مستعدة لتلك المفاوز، فقال ذلك الفقير أنت شريف مبارك تتعبد في أماكن الأولياء ولم تعرض نفسك على صاحب الوقت قلت ومن صاحب الوقت قال الشيخ أحمد بن عمر العروسي … فجاء خطار من الرمال التي
مثل المفاوز يريدون البدو الذين أنا أريدهم لزيارة الشيخ احمد بن عمر
المذكور … فسار بي واحد من الحي المذكور حتى دخلت على الشيخ احمد المذكور آخر النهار و فرح بوصولي اليه كثيرا، و اردت أقبل قدمه فأبى و قال لوتركنا قدمنا يقبلها مثلك ما جاءت الينا الأقدام، يشير بذلك الى التواضع مع الله تعالى،و ينزل الناس منازلهم،و لكل مقابلة مع المشايخ الوافدين عليه على قدرأحوالهم و ما تقتضيه المراتب، لقوله عليه السلام أنزلوا الناس منازلهم، فأقمت عنده نحو خمسة عشر يوما في أطيب حال و أنعم بال … و كانت بيني و بينه منازلات و مطارحات ومكاشفات … وفي صفحته الاحدى والعشرين من كتابه “كرامات أولياء تشمش”، تحدث المورخ الموريتاني “والد ولد خالنا الديماني” (توفي 1212م) عن صيت “الشيخ سيدي أحمد العروسي” بشئ من الايجاز. فحين ما كان _والد ولد خالنا_ مسافرا هووابن خالته “أحمد ولد أندك سعد التاشدبيتي” ونفر معهم وبعد حديث مطول عن
كرامات أبي زيد قال:والد ولد خالنا الديماني كتب:…
وفي سفرهم ذلك كانت القصة بينهم وبين سيدي أحمد العروسي حين كان يحاجي الطلبة ويلاغزهم، ويعاجزهم بحيله وأحواله، حتى أقبلت عليه أفاويج الحواضروالبوادي، وشاع أمره في جميع النوادي، وسار به الركبان والغوادي،وكان يبلغ خبره برك الغماد،وأوشك أن يحتوي على ملك بغداد ويكون أنفذ حكما من ابن خويز منداد،وأبسط يدا من شدادا بن عاد،وأعز من إبن طرفة،وأرضه أوسع من تنوفة…
كما أورد الفقيه محمد بن امحمد بن عبد الله الكرزازي في كتابه “المناقب
المعزية في ماثر الاشياخ الكرزية” في ترجمته لجده مولى كرزاز الشيخ احمد بنموسى الكرزازي. مفاده أن مولى كرزاز المتوفى عام 1016هـ/1608م، أخذ علوم
الظاهر بفاس أما علوم الباطن فإنه:الفقيه محمد بن امحمد بن عبد الله الكرزاز كتب:لمايتحادث معه في أمور الوصول والمشاهدة والزلفى بأجمل تركيب وأحسن ترتيب،وأبدع خطاب، فتم له الوصول والحمد لله على يد سيدي موسى والمسعود. فصار هوشيخه في الوصول، وسيدي أحمد العروسي شيخه في التربية، وسيدي محمد بن عبدالرحمن (شيخه) في التلقين، وهذه الاشياخ الثلاثة كلهم مذابح الشي سيدي أحمد
ين يوسف الملياني ..
وقدورد في بعض المصادرالرحالية أخص بالذكر كتاب “منهج الإرتحال إلى معرفة الشيخ سيدي رحال”،لصاحبه العلامة “سيدي محمد العربي المشاوري الرحالي” وردبه بعض المطارحات بين الشيخيين الجليلين، كما أورد قصيدة للشيخ سيدي أحمدالعروسي في مدح خيرالمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .