سيدي أبو الحسن الشادلي

سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وهذا تعريفه:
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين
نسبه
هو القطب الكبير والغوث الشهير المربي المرشد الكامل شيخ الطريقة الشاذلية وإمامها سيدي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي يصل نسبه إلى سيدنا عبد الله بن الحسن المثنى بن سيدنا الحسن رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم بن سيدنا علي رضي الله عنه وسيدتنا فاطمة البتول رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الإمام البوصيري رضي الله عنه صاحب البردة في مدح سيدي أبي الحسن رضي الله عنه
أما الإمام الشاذلي طريقه في الفضل واضحة لعين المهتدي
قطب الزمان وغوثه وإمامه عين الوجود لسان سرّ الموجدي
ساد الرجال فقصّرت عن شأوه همم المآرب للعلى والسؤدد
فتلقّ ما يلقي أليك فنطقه نطق بروح القــدس أي مؤيد
ولادته ومنشؤه وطلبه للعلم
ولد رضي الله عنه سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بقبيلة الأخماس الغمارية وببلدته نشأ وحفظ القرآن وطلب العلم ورحل لفاس فقرأ على كبار علماء وقته حتى أصبح من كبار العلماء بحيث كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة ، ثم تاقت نفسه لعبادة الله عز و جل فتزهد وتنسك وجاهد نفسه وراضها صياماً وقياماً وتلاوة وذكراً وساح وجال ولزم الخلوة والانقطاع عن الناس , أخذ أولاً الطريقة على وجه التبرك بفاس عن الشيخ ولي الله سيدي محمد بن حرا زم بن سيدي علي بن حرازم
بحثه عن المرشد الكامل
ثم جعل يطلب القطب فبلغ به المطاف إلى العراق فاجتمع بالعارف بالله أبي الفتح الواسطي فقال له تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك فرجع إلى المغرب فوصف له وليّ هناك وكان برأس الجبل فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلاً وكان الشيخ سيدي عبد السلام بن مشيش فأفاض الشيخ عليه من العلوم مما لا يحصيه مخلوق وأخبره بما سيحدث له وأنه سوف يؤذى في الله وسيتكلم عليه الناس فتركه وتوجه إلى الديار الشرقية فمر في طريقه على تونس وأقام بها مدة في شاذلة حيث نسب إليها
معاناته والفتنة التي حدثت له
ولما شاع أمره وذاع سيطه في بلاد المغرب وأصبح عارفاً بالله وتصدّر للإرشاد تكالب عليه الأعداء والحسدة من كل جانب ورموه بالعظائم وبلغوا في أذيته حتى منعوا الناس من مجالسته وقالوا إنه زنديق ولما أراد السفر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات : إنه سيقدم عليكم من مصر مغربي من الزنادقة أخرجناه من بلادنا حين أتلف عقائد المسلمين وإياكم أن يخدعكم بحلاوة منطقه فإنه من كبار الملحدين ومعه استخدامات من الجن فما وصل الشيخ إلى مدينة الإسكندرية حتى وجد الخبر بذلك سابقاً على مقدمه فقال حسبنا الله ونعم الوكيل فبالغ أهل الإسكندرية في إيذائه ثم رفعوا أمره إلى سلطان مصر وأخرجوا له مراسيم فيها ما يباح به دم الشيخ فمد يده إلى سلطان المغرب وأتى منه بمراسيم تناقض ذلك فيها من التعظيم والتبجيل ما لا يوصف فتحير السلطان وقال العمل بهذا أولى وأكرمه ورده إلى الإسكندرية مكرماً
معاصروه وتلامذته
لقد عاصر سيدي أبا الحسن عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين كانوا تلاميذ له أيضاً يحضرون درسه ويمشون بين يديه من هؤلاء
1 – ابن الحاجب فقيه مالكي واسمه عثمان بن عمر نشأ بالقاهرة وسكن دمشق وتوفي بالإسكندرية عام 646 ه
2 – العز ابن عبد السلام سلطان العلماء الفقيه الشافعي الذي بلغ رتبة الاجتهاد نشأ في دمشق ونقم على حاكمها فخرج منها قاصداً مصر لتجمعه الأقدار مع قطب الزمان سيدي أبي الحسن رضي الله عنه الذي لما سمع كلامه خرج من مجلسه قائلاً اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد بالله توفي رحمه الله بالقاهرة
3 – ابن دقيق العيد الذي انتهت إليه رئاسة الفتوى في المذهب الشافعي توفي بالقاهرة وقبره هناك
4 – عبد العظيم المنذري الحافظ الكبير الذي تولى مشيخة دار الحديث في القاهرة صاحب كتاب الترغيب والترهيب توفي بالقاهرة عام 656
5 – ابن الصلاح عثمان ابن عبد الرحمن أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه صاحب كتاب أنواع علم الحديث الذي عرف بمقدمة ابن الصلاح
وأما تلاميذه الذين سلكوا على يديه فأكثر من أن يحصوا فلقد هوت أفئدة أهل مصر إليه وكان له عدة تلاميذ حملوا عنه الدعوة إلى الدين من هؤلاء :
سيدي أبو العباس المرسي صاحب سره رضي الله عنه دفين الإسكندرية ذو الحال العجيب والوجه الصبوح الذي باهى به شيخه سيدي أبو الحسن الشاذلي عليكم بأبي العباس يأتي إليه الأعرابي يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله توفي سنة 686 ولو لم يوجد غيره لكفى
أقواله
عليك بالاستغفار ولو لم يكن هنالك ذنب فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله وهو المعصوم عن الخطأ فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب والذنب
إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف فإن الله عز وجل قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في الكشف ولا ينبغي العمل بالكشف إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة
إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فاثبت
إذا كثرت عليك الوساوس فقل سبحان الملك الخلاق{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } .
لا تجد الروح والمدد ولا يصح لك مقام الرجال حتى لا يبقى في قلبك تعلق بعلمك ولا جدك ولا اجتهادك وتيأّس من الكل دون الله عز وجل .
لا تشم رائحة الولاية وأنت غير زاهد في الدنيا وأهلها
أسباب القبض ثلاثة ذنب أحدثته أو دنيا ذهبت عنك أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك
من دلك على المعبود فقد أراحك ومن دلك على العبادة فقد أتعبك والشيخ من دلك على الراحة لا من دلك على التعب
من أراد عز الدارين فليدخل في مذهبنا يومين فقال له قائل كيف لي بذلك قال فرّق الأصنام من قلبك وأرح من الدنيا بدنك ثم كن كيف شئت فإن الله لا يعذب العبد على مد رجليه مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب إنما يعذبه على تعب يصحبه التكبر
من لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً إلى الله وتواضعاً لخلقه فهو هالك
إن كنت مؤمناً موقناً فاتخذ الكل عدواً كما قال إبراهيم عليه السلام { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }.
الصادق الموقن لو كذبه أهل الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكيناً
لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس وانشر علمك ليصدقك الله تعالى
العلوم على القلوب كالدراهم والدنانير في الأيدي إن شاء الله تعالى نفعك بها وإن شاء ضرك

مريد واحد يصلح أن يكون محلاً لوضع أسرارك خير من ألف مريد لا يكونون محلاً لوضع أسرارك
من ادعى فتح عين قلبه وهو يتصنّع بطاعة الله تعالى أو يطمع فيما أيدي خلق الله فهو كاذب
التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية
أبى المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود القيومية وإحاطة الديمومية
لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيآته
إن من أشقى الناس من يحب أن يعامله بكل ما يريد وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد وطالب نفسك بإكرامك لهم ولا تطالبهم بإكرامهم لك { لا تكلف إلا نفسك }
إن أردت أن تكون مرتبطاً بالحق فتبرأ من نفسك واخرج عن حولك وقوتك
أربع لا ينفع معهم علم حب الدنيا ونسيان الآخرة وخوف الفقر و وخوف الناس
لا تسرف بترك الدنيا فيغشاك ظلمتها وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة
خصلتان إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره الإعراض عن الدنيا واحتمال الأذى من أهلها
خصلة واحدة تحبط الأعمال لا ينتبه لها كثير من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }
كل حسنة لا تثمر نوراً أو علماً في الوقت فلا تعدلها أجر وكل سيئة أثمرت خوفاً من الله تعالى ورجوعاً إليه فلا تعد لها وزراً
حسنتان لا يضر معهما كثرة الذنوب الرضا بقضاء الله والصفح عن عباد الله
من اعترض على أحوال الرجال فلا بد أن يموت قبل أجله ثلاث ميتات أخر موت بالذل وموت بالفقر وموت بالحاجة إلى الناس ثم لا يجد من يرحمه منهم
سألت الله أن يجعل القطب من طريقتي فإذا النداء : يا علي قد استجبنا لك
كان رضي الله عنه يقول:إذا عرضت لك حاجة فأقسم على الله بي
لا يكمل عالم في مقام العلم حتى يبتلى بأربع : شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهال وحسد العلماء , فإن صبر جعله الله إماماً يقتدى به
* كلامه رضي الله عنه كثير وعال وكبير تركناه مخافة التطويل والله الموفق.
كتبه
ليس لسيدي أبي الحسن الشاذلي أية كتب لكن لديه مقولة مشهورة عندما سأله أحد الناس هل لديك كتب فقال سيدي أبي الحسن رضي الله عنه { كتبي أصحابي }
أقوال العلماء فيه
أخبر مكين الدين الأسمر سيدنا ابن عطاء الله السكندري ما ذكره في كتابه ( لطائف المنن ) الذي دونه في سيرة سيدي أبي الحسن وتلميذه سيدي أبي العباس المرسي قال : حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ محي الدين بن سراقة والشيخ محمي الدين الأخيمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم .
فقال الأسمر يا سيدي نريد أن نسمع منك فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا لا بد أن نسمع منك قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين بن عبد السلام وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
وقال مكين الدين الأسمر أيضاً الناس يدعون إلى باب الله عز وجل وأبو الحسن رضي الله عنه يدخلهم على الله
قال وارث سره سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه لقد صحبت رأساً من رؤوس الصديقين وأخذت عنه سراً لا ينال إلا لواحد بعد واحد وإليه أنتسب وبه أفتخر إنه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال تقي الدين بن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال الشيخ أبو عبد الله الشاطبي كنت أترضى على الشيخ في كل ليلة كذا وكذا مرة وأسأل الله به في جميع حوائجي فأجد القبول في ذلك معجلاً فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله إني أترضى على الشيخ أبي الحسن في كل ليلة وأسأل الله به في حوائجي أفترى عليّ في ذلك شيئاً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الحسن ولدي حس ومعنى والولد جزء من الوالد فمن تمسك بالجزء فقد تمسك بالكل وإذا سألت الله بأبي الحسن فقد سألته بي

ولسره العجيب وحاله المهيب كان يحضر مجلسه أكابر العلماء في عصره كابن الحاجب المالكي وابن عبد السلام عز الدين سلطان العلماء وابن دقيق العيد الفقيه الشافعي وعبد العظيم المنذري صاحب كتاب الترغيب والترهيب وابن الصلاح المحدث المعروف وابن عصفور حامل لواء العربية في الأندلس فكانوا يحضرون درسه في المدرسة الكاملية في القاهرة ويمشون بين يديه إذا خرج
حجه ووفاته
توفي سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بصحراء عيذاب بمصر في طريقه للحج سنة ست وخمسين وستمائة ولا يزال ضريحه موجوداً إلى الآن وقد جدد بناؤه مع غرف للزوار في هذا العصر على يد بعض المصريين تغمده الله بواسع مغفرته وأدخله فسيح جناته وجعلنا من السائرين على نهجه والملتزمين بطريقته و الحمد لله رب العالمين

حصل المقال على : 1٬474 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد