سوق المعرفة(12)

بسم الله الرحمن الرحيم

سوق يتطرق لقول القائل” قلب العارف أوسع من رحمة الله” : هو قول من ظن أن هذه الرحمة المهداة راجعة إلى اسمه تعالى الرحمن(بساط يجمع الصالح والطالح، والمؤمن والكافر) والأمر ليس كذلك فالعبد النوراني عندما بزغ من الاحدية ،برز كرحمة للوجود “رحمتي سبقت غضبي”  هي  صفة، ،والوسع الوارد في الآية شامل للعالمي الحس والمعنى،وللعالمي الملك والملكوت ،وهي أول مخلوق وأول العابدين،فالفرد المحمدي يرث حظه من الرحمة الخاصة والعامة على قدر قامته ومقامه،ويكون من أسباب رحمة الله،وقلبه من خزائن رحمة الله ولا يكون أوسع منها. يقول ابن عربي إشارة إلى وحدة التجليات وأنها راجعة على ذات واحدة اسم الجلالة الله .

         لقدصارقلبي قابلا كل صورة●●فمرعى لغزلان،ودير لرهبان

             وبيت لأوثان،وكعبة طائف●●وألواح توراة،ومصحف قـرآن

        أدين بدين الحب أنّى توجّهت●●ركائبه فالد ين ديني وإيماني

ومن سمع هذا الكلام  يظن أن الشيخ الأكبر يقول بوحدة الأديان،وليس الأمر كذلك إنما هي وحدة التجليات،أي أن التجليات راجعة إلى عين واحدة فحيثما دارت دار معها قال لقد صار قلبي قابلا كل صورة وليس قابلا كل حقيقة. ويقول في ابيات آخرى توضح لنا أن المسألة بالنسبة له وحدة شهود: شهود التجليات الإلهية:

        عقد الخلائق في الإله عقائدا●●وأنا شاهدت كل ما اعتقدوه .  شاهد بعين بصيرته كيف تنفعل التجليات في الخلائق﴿مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّاهُوَآخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

فالنبوة والقرءان محتدهما واحد هو الصفة الاحدية ،واصطحبا في بساط الالوهية. أما الحق سبحانه وتعالى فغني عن أسمائه وصفاته ،والتجليات الإلهية تعنون عن هذا الغنى المطلق لله ،وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو أول العابدين ،وهو الشاهد والشهيد ،وهوالمقصود ب ﴿نَبِّئْهُمْ﴾و﴿قِيلَ﴾و﴿لَعُمْرُكَ﴾ وليس هناك خطاب بينه وبين الله تعالى في القرءان لأنه حاضر أما في حق غيره،قال تعالى﴿هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾ أي  قد آتى على الإنسان حين،أي تجل من تجليات الحق(والدهرهو الله )لم يكن فيه مذكورا. وقد أخبر الله تعالى نبيه سيدنا محمد أنه يتجلى يوم القيامة للناس على اختلاف عقائدهم فيه سبحانه وتعالى من غير الصورة التي عرفوه بها فينكرونه فيتحول في الصورة التي عرفوه بها بالعلامة التي بينه وبين كل طائفة منهم،وهي ما تقررفي عقدهم فيقرون به وهوعين ما أنكروه .

وحدة الشهود هي وحدة التجليات الإلهية العائدة على ذات واحدة :اسم الجلالة الله (أي على المرتبة) لاعلى الذات الإلهية،تعالت عن ذلك علوا كبيرا فجميع ما في الكون إنما هو آثار الأسـماء الإلهية ،ظهرت في صور المخلوقات على وفق مراد الحق سبحانه وتعالى،ونحن نسميها أحداث،ووقائع ،وأفراح،وأتراح.تتنوع لكثرة مظاهرها،واختلاف مقاصد مظاهرها﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهـَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء﴾﴿قُـلْ كُلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ فالأسماء الإلهية 98 ظهرت بنا، وأظهرناها، فالرب لابدله من المربوب والرزاق لابد له من المرزوق، والغفار لابد له من المذنب،فافهم.أما مرتبة الأحدية، فهي “فوق” الألوهية ولاحظَّ للمخلوق فيها ولا تجل بها قط بإجماع جميع العارفين،فهي حضرة سحق ومحق. فالعدد واحد متجل في جميع الأعداد فمثلا العدد 23 الواحد لايظهر في صورته،ولكن يظهر بمعناه فالعدد 23 هو واحد تكرر ثلاثة وعشرون مرة،وكذلك بالنسبة للألف فهو موجود في باطنية كل الحروف،وكذلك التجلي هو ظهور المقتضى،وآثار الإسم أو الآية القرءانية وليس ظهور الألوهية في صورة ما.فلله الغني المطلق والتجلي يدل على ذلك.إذا كان التجلي على شخص بالضلال﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾لا يصدر منه إلا الذنوب ،إذا تغيرعليه التجلي وأصبح بالإسم الهادي، يتوب من يومه وتبدل سيئاته حسنات : تغير التجلي وتغير الحكم والشخص هو هو،وبدلت سيئاته حسنات لأنها راجعة لعين واحدة. كما أن هناك أسماء مشتركة بين الرحمانية والرحيمية،يتخبط فيها المسلم، فتارة تجذبه الرحمانية،وتارة تجره الرحيمية﴿ فَإِذَارَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ (العنكبوت 65 ) كما أن هناك أسماء إلاهية جلالية وجمالية في نفس الوقت،كاسمه تعالى الجواد فإذا جاد بما يلائم الطباع كالعلم،والمال كان جماليا، وإذا جاد بما لايلائم الطباع كالفقروالمرض كان جلاليا.تشاجربين الأسماء الإلهية كل يجر الى دائرته ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (فاطر 15)فكل ما يفتقر إليه يصب في مقتضى اسم من الأسماء الإلهية فقر اضطراري ،لا اختيار للعبد فيه﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾  :                           

           كنار موسى رآها عين حاجته●●وهو الرب ولكن ليس يدريه

يقول الجيلي :

               تجلى حبيبي في مرائي جماله●●ففي كل مرئى للحبيب طلائع

                 فلما تجلى حسنه متنوعا ●●تسمى بأسماء فهن مطالع

قال ابن مشيش للشادلي حدد نظر الإيمان ترى الله قبل كل شئ وبعد كل شئ ، ومع كل شئ.فالعارفون المشاهدون للتجليات الإلهية،يرون أنفسهم بين تجل وتجل.هم بربهم ومع ربهم،لا يرون فاعلا غيره يحركهم كيف يشاء، يقولون ماذا سيفعل بنا غدا،وغيرهم يقول ماذا سأفعل غدا.وهذا هو توحيد المقربين الذين لا يرون في الكون الا الصفة (أحد أحمد)وهو المقام الذي سماه الترمذي مقام القرب، أشارإليه الشيخ  ابن عربي، و ذاقه كذلك الإمام الجيلي رحم الله الجميع. يقول عنه الحاتمي أنه مقام فوق مقام الصديقية،وقد أنكر الغزالي وجود هذا المقام وقال :أن رقاب الصديقين لا تتخطى  .

اخيرا :لولا نبوة مولانا رسول الله،التي جعلها الله رحمة في كونه،لما صمد الكون أمام جلال التجليات الإلهية،حتى الجمالية منها.إذ لا نسبة لنا مع الله البتة،إنما نسبتنا مع نبيه المخلوق من نور أحديته، وعندما نقول اللهم الطف بنا فإننا نطلب اللطف في التجليات.بنا = 53 = احمد. كما أن (فبى) تساوي 92 = محمد( فبي عرفوني)،وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد .

 فالحق تعالى ليس بحجر،ولا شجر ،ولاشمس،ولا قمر ولا بشر،فلا وجود لوحدة الوجود ،عند أهل المعرفة والعرفان،إنما هي وحدة الشهود، شهود سريان الحقيقة المحمدية في كل جزئيات الوجود، لهذا يكون التجلي الإلهي يوم القيامة في صور المعتقدات وتكون وحدة التجليات الإلهية مشهودة لأهل الشهود .

وبنو اسرائل لما رأوا آثار الربوبية في عيسى بإحيائه الموتى ظنوا أنه الله، فتوجهوا بالعبادة إلى الله في صورة عيسى﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ﴾ولهذا كان اعتذارعيسى لقومه﴿إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾وما نفى عنهم  كونهم عباد الله ،وما قال إنك شديد  العقاب . ظهر عيسى ببعض أسرارالربوبية فتاه قومه،ولو كان في الإنجيل اية مثل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾ما تاه قوم عيسى.والحمد لله فلم يذهل أحد من العارفين ،إنما نسبهم الجُهَّال إلى وحدة الوجود،والكفار أنفسهم  لم يقولوا بها،لم يقولوا أن أصنامهم هي عين الله،بل قالوا﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ﴾ فكيف يظن بأولياء الله الوقوع في هذا الكفر الظاهر

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه. 

حصل المقال على : 897 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد