بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين،وعلى اله وصحبه اجمعين.
قال تعالى “قَدْ جَا ءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَا بٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ” النورهوسيدنا محمد والكتاب المبين هو القرءان ،لأن الواو ،واو العطف،والعطف يقتضي المغايرة والشئ لا يعطف على نفسه،فالنور المذكور ليس هو القرءان . فوصف الحق تعالى النبوة،بالنور قبل القبل،وبما أنها أول المخلوقين وأول العابدين فلا يمكن أن يكون نورها من غير عند الله ،ففي (تلك الازمنة العابرة) “كان الله ولا شئ معه” .فالنبوة مخلوقة من نور الصفة الإلهية الأحدية،. أورد ابن سعد في طبقاته :قال رسول الله”كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث”. وأورد العجلوني في كشف الخفاء “أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر” .أبرز الله من نوره برزخا عظيما جامعا،وأفاض عليه جميع كمالاته، وحلاه بأسـمائه وصفاته، فكان حجابا بين الـمخلوقات وربـها،وحاجزا مُلَطِّـفًا للتجليات الإلهية الجمالية والجلالية (وما في الكون إلا جلال الجمال). فمعاملات الخلق كلها في حقيقة الأمر مع هذا الوسيط البرزخي ،ومن خاصية البرزخ أن لا ينزل شيء إلا عليه،ولا يصعد شيء إلا بواسطته. لذا قال تعالى في الاية السابقة الذكر”يهدي بـه”ولم يقل بهما ،فله صلىالله عليه على كل ذرة من ذرات الوجود نعمة الإستمداد من وساطته.
قال تعالى “فَلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ “يُحكِّمُوكَ” بالمضارع الذي يفيد التجدد والاستمرار، فليس في الوجود من له خاصية الحل والربط والنقض والإبرام إلا مولانا رسول الله. فالكل ارتشفت من نور النبوة، والتي هي بداية للظهور الكوني،فصارت الكائنات عارفة بربها عابدة له﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ﴾﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَا وَا تِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾،﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْـجِبَـالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَا بُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّا سِ﴾ فما في الوجود إلا ساجد لله. وقال تعالى ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾،فبوجوده وتقلب تجليات حقيقته صلى الله عليه وسلم في كل ذرة من ذرات الوجود نسب لهم السجود في الظاهر،وفي حقيقة الأمر هو والساجد فيهم بهم،والمعرفهم بربهم.
ويقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطاررحمه الله : ظهرت بالاسم الوهاب الحقيقة المحمدية من أنوار الصمدية ،مرتدية برداء الأحدية ،متزرة بإزار الهوية ،متحلية بتاج الملكية،مستوية على عرش الرحمانية ،قائمة بمراتب الإلهية ،ممدة للحقائق الوجودية بالقوة القيومية لظهور المظاهر الشهادية من الشؤون الذاتية الغيبية . فكانت حقيقته صلى الله عليه وسلم نفس الأنفاس الروحية كلية الأجسام الصورية انتهى
وقال الشيخ احمد التجاني قدس الله سره :… وحقيقة سريان قيوميته في الوجود،لا مطمع للعقل في دركها ،ولا أن يحوم حول حماها،فما وصل إليها أحد من الخلق،ولاعرف لها كيفية ولا صورة،وكل الوجود في حجاب عن هذا الإدراك، حتى أكابر الأنبياء والمرسلين عليه السلام، كلهم لم يشموا لها رائحة ، ومن دونهم أحرى وأولى انتهى
فافهم قدر نبيك, واحمد الله على أنك من أمته،وعلى ملته،و كن مصدقا بحقيقته فهو نور صرف حقاني،تعمم بالعبدية،وتلثم بالبشرية .ملأ الوجود ظاهرا بشريعته، وباطنا بحقيقته ،وملكا وملكوتا بأسرار خلافته. وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه.