لقد عمّت البلوى جُلّ الطرق الصوفية،وأصبحت كل طريقة تنسب القطبية والختمية والولاية الكبرى لشيخها،وأن الأهلية في المشيخة الكبرى والتربية المُثلى تنحصر في شيخها دون غيره. كل هذا عندما نُخضعه لميزان الشريعة،والحقيقة نجده مجرّد ادّعاء وتعصّب وجهل.وهذه البلوى ليست حديثة العهد، بقدر ما هي مرتبطة بالبشرية،وغلوّها فيمن تتبع وتخضع له،مع أن الأصل الذي بُني عليه التصوف هو تهذيب النفس والحدّ من غلوّها ونعرتها الجاهلية،وهذا ما يؤكّد قول الإمام الرازي السابق بأن غالب المريدين صار طلبهم للطريق مخلوطاً بالحظوظ النفسانية ،والأهواء المُضلة عن سواء السبيل،كما أن غالبية المشايخ الذين رضوا بما يُنسب إليهم ، وليس فيهم بأنهم مجرد مُدّعين أو شيوخ تبرّك في أغلب الأحوال وأحسنها.
وقد قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني،وهو من أهل القرن العاشر الهجري: [كثرت دعوى القطبية في هذا الزمان،وصار كل من سوّلت له نفسه شيئاً يعتقد صحته،لقلة ظهور الأشياخ في العصر،فكل جماعة شيخ يدّعون أن شيخهم هو القطب،وربما سمعهم وسَكَت على ذلك،ومعلوم أن القطب لا يكون إلا واحداً في كل زمان،ولا يصح أن يكون في الزمان قطبان أبداً،إلا أن يريد القائل أنه قطب أصحابه فقط،فلا منع، فنحن نسلم لكل من ادّعى لعلمنا أن من شأن القطب الخفاء دون الظهور،ونرد علم حقائق الأمور إلى الله تبارك وتعالى ]،ومقصود الشيخ الشعراني من القطبية المُدّعاة هو الختمية.
وكما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: [ الكلام لا يدُلّ على وجود المقام،لكن لكل شيء علامة ودليل]. والمُدّعي عند أهل الله يُسمّى سارقاً لأنه يسرق كلام القوم وينسبه لنفسه أو يدّعيه حالاً ومقاماً،وليس له في ذلك إلا التطفّل عليهم دون ذوق ولا وجدان. فإذا أراد الله به خيراً ألقى في قلبه الصدق والتصديق، وذلّ وانكسر لأهل التحقيق،فوقف ببابهم منكسراً،وإلى ما عندهم من المعارف والأنوار مفتقراً،لأنهم باب الله الأعظم.. ]. فشروط المقامات العالية عزيزة الوجود،ولا يُدركها إلا الكمّل من الوارثين المحمديين،
وقد أجملها أستاذنا محمد بن المبارك حفظه الله بقوله: [من شروط المشيخة والمقامات العالية (القطبانية والغوثية والختمية): المعرفة بالنبوة المحمدية والتحدّث بها..وأن تكون عنده صلاة نعتية راقية تتغزّل في الحقيقة المحمدية بالأحمدية.وأن تكون سلسلته الصوفية معروفة عند الجميع. وكذلك التحقّق بالاتزامه بالكتاب والسنة،ظاهراً وباطناً.وأن يكون عارفاً بعلَل النفوس وأمراضها،وله أدويته وترياقاته الخاصة،وأن يكون مأذوناً له من طرف مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم..].
وأين هؤلاء المشايخ المزعومين من هذه الشروط الجليلة،وقد تعرّفت على الكثير منهم فوجدتهم لم يُدركوا حتى مقام الإسلام، بشروطه المعروفة عند العارفين وهي: التقوى والاستقامة على التمام،فكيف بهم مع مقام الإيمان وشرطه: الطمأنينة والإيقان، فبالأحرى مقام الإحسان،وهو دائرة التصوف،وشرطه: الشهود والعيان.. فلا وصول لمن ليس معه محصول..وإذا كان الشيخ فاقداً للمعارف والأنوار والتزكية، فكيف سيُربّي المريد ويُمدّه ويوصله إلى حضرة القدّوس.. ففاقد الشيء لا يُعطيه.
ذ رشيد موعشي.
حصل المقال على : 167 مشاهدة