بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء ،سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى أُمِّ المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين. السلام عليكم ورحمة الله .
موضوعنا حول سبعة رجال اقطاب مراكش المشهورين، وهذا الموضوع أَسْهَبَ فيه الكثير من الباحثين ،وكلامنا هو من زاوية صوفية . وسأبدا بالامام السهيلي والقاضي عياض وابو العباس السبتي ،للقَاسِم المشترك بينهم ،هو أنهم لم يتبعوا أي شيخ صوفي، ولم ينتموا الى سلسة صوفية ،معروفة يتصل سندها بمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،مرورا بالحسن البصري، وسيدنا علي كرم الله وجهه .
الامام السهيلي
هوأبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب السهيلي. والسهيلي نسبة إلى قرية بالقرب من مَالَقَه بإسبانيا اسمها سَهيل، سميت باسم الكوكب ،لأنه لا يرى فى جميع الأندلس،إلا من جبل مُطلٍّ عليها. وهذاالنجم هو ثاني ،ألمع نجم في السماء ليلا ،بعد الشِّعْرَى اليمانية،هذه القرية مازال اسمها باسبانيا سهيل SAHIL
وردت ترجمتُه فى عدة كتب: فتُرجم له ابن خَلِكَان فى “وَفَيَات الأعيان”، وابن دَحِية فى “المُطرب”، والسُّيوطى فى “البُغْيَة”، ” وابن عَمَّاد الحَنبلى فى “شذرات الذهب”،وغيرهم.
وهو الوحيد من بين السبعة رجال، المُنْتَسِب للأندلس والقادم منها إلى مراكش ولد السهيلي سنة 508 هـــ وقرأ القراءات واجتهد،حتى بَرَع وساد أهَلَ زمانه، بقوة القريحة،وجَوْدة الذِّهن ،وقوة الذاكرة، وكان ضريراً كُفَّ بصره،وهو ابن سبع عشرة سنة. ومن شيوخه القاضي ،أبو بكر بن العربي المعافري، أخذ عنه الحديث والأصول والتفسير،وتتلمذ أيضا على يد منصور بن الخير المغراوي المالقي المعروف بالأحْدَب ، وأخذ لسان العرب في اشبيلية عن سليمان بن محمد السَبَّايْ.
له عدة كتب منها “الرَّوض الأ ُنُفْ” وهو في شرح السيرة النبوية لابن هشام ،يذكر فيه نُكتاً حسنة على السيرة لم يَسْبِقه غيره إلى أكثرها. وله كتاب “الإعلام فيما أُبْهِم في القران من الأسماء الأعلام”، وكتاب “نتائج الفكر”، ومسألة في الفرائض بديعة، ومسألة في سر،كون الدجال أعور، وأشياء فريدة كثيرة بديعة مفيدة، وله أشعار حسنة وكان عفيفاً فقيراً، وجُلُّ المترجمين له اتفقوا ،على انه لم يمكت بمراكش الا ثلاثة سنوات ومات، مات سنة (-581هـ)، .وضريحه بمقبرة باب الشّْرِيعَه أو باب الرُّب .
وأود أن أختم هذا المقال بأبيات في التوسل للإمام السهيلي من قصيدته العينية الشهيرة، قال رحمه الله :
يا من يرى ما في الضمير ويسمع=أنت المُعَدّ لكل ما يُتوقع
يا من يُرجَّى للشدائد كلها=يا من إليه المشتكى والمَفْـــزَع
يا من خزائن رزقه في قول كن=أُمْنُن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلةٌ= فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلةٌ = فلئن رُددت فأي باب أقرع؟
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه=إن كان فضلك عن فقيرك يُمنع؟
حاشا لمجدك أن تُــقَنّط عاصياً=الفضل أجزل والمواهب أوسع
سيدي القاضي عياض
هو ابو الفضل عياض بن موسى السبتي اليَحْصُبي المزداد بسبته سنة 476هــ تحول جدهم من الاندلس الى فاس ،ثم الى سبتة, اخذ العلوم النقلية عن ابن عَتًّاب وابن الحاج وغيرهما .
رحل إلى الأندلس،وتولى بها قضاء غرناطة.لمدة قصيرة .ثم رجع الى سبتة ،حيث تقلد القضاء لمدة ستة عشرة سنة .
وألف القاضي عياض ثلاثة كتب في شرح الحديث “مشارق الانوار على صحاح الاثار”..إكمال المعلم” والثالث ” بُغية الرائد لما في حديث أُمِّ زَرْعٍ من الفوائد”كما الف كتابا في ميدان التاريخ من باب الفقه والحديث اسمه “ترتيب المدارك ،وتقريب المسالك لمعرفة مذهب الامام مالك”به ترجمة لرجال المذهب المالكي وترجم للشيوخ الذين أَخَذَ عنهم في كتابه “الغُنيَّة”..وألف عدة كتب اخرى. يقول فيها ابن خَلِكَان في “وَفًيَات الأَعيان” كل تَوَاليفه بديعة..واعظم كتاب له واشهرهم ،كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ،وله عدة قصائد شعرية ،ويُنْسب له بيت شعري مشهور يقول فيه: ومما زادني شرفا وتَـــيْــهًا=وكِدت بأخْمُصى أطأ الثريا دخولي تحت قولك ياعبادي= و أَنْ صَيَّرت احمدًا لي نبيا
اشتهر القاضي عياض في المغرب والمشرق بكتابه “الشفا بتعريف حقوق المصطفى”، وحمله الناس عنه وطارت نسخه شرقا وغربا، كما يقول الدَّاوِدي في طبقات المفسرين، ولقد قيل “لولا عياض لما ذكر المغرب”. ويقول حاجي خَلِيفَه في “كشف الظنون”.ما أُلِّفَ في بابه من كتب السيرة مثله . ..ويحضرني تعليق ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ (أي 184 سنة بعد وفاة القاضي عياض) بعدما قرأ كتاب “الشفا” قال “لقد غلا هذا المُغَيْرِبي” وجاءت كلمة الغلو على لسانه، مقرونة بالتصغير، لتكشف عن تعصبه وبعده عن الجناب المحمدي.
توفي القاضي عياض بمراكش عام 544هــ ،ودفن بداخل باب أيلان.، وقبره مزارة كبرى.وللاشارة فإن القاضي عياض لم يتبع أي طريقة صوفية، ولا اخذ التصوف عن شيخ ،بل كُلُّ ما نَاله من مقامات كانت بحبه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. مع انه عاصر الصوفي الكبيرابن بَرَّجان الذي توفي بمراكش سنة 536هـــ وعاصر كذلك ابن العريف الذي توفي بمراكش سنة 536هــ . وليس من الغريب أن ابن الزَّيَّات صاحب كتاب “التشوف الى رجال التصوف” لم يترجم له ولم يعتبره من رجال التصوف.
ابو العباس السبتي
هو احمد بن جعفر الخزرجي. المشهور ب : سيدي بلعباس : مولده بسبتة عام 524هــ, نزل مراكش ،و بها دفن عام 601هــ بباب تاغزوت. وشيخه في القرءان هو ابو عبد الله الفخار،وهذا الاخير صاحب القاضي عياض السبتي. هو اشهر رجالات مراكش السبعة . ترجمته توجد في الكثير من الكتب، ذكره النبهاني في كتابه “جامع كرامات الاولياء”، وكان ابو العباس عطوفا على الفقراء والمساكين المحتاجين و الارامل، يَحُثُّ دائما على الصدقة ،وعلى المتاجرة مع الله تعالى ،وينفق كل ما لديه، وحاله مبني، كما قال ابن رشد على ” ان الوجود ينفعل بالجود”.ويقول “اصل الخير في الدنيا والاخرة الاحسان ،وأصل الشر البخل” يقول ابن الزيات حضرت مجلسه مرات، فرأيت مذهبه يدور على الصدقة”، وما زال ضريحه الى الان مُقترنا بالصدقة و أعمال البر والاحسان، وبه اكبر جمعية للمعاقين حتى اليوم. وقد ظهر بين المراكشيين مصطلح ” العباسية ” نسبة الى ابي العباس ،وهو أن يهب البائع اول ما يصنع من حلوى او كَعْكْ او اشفنج الى الفقراء، دون مقابل . كان ابو العباس فقيها مالكيا ،متصفا بالزهذ والورع والتقوى ،حتى وصفه ابن المُؤقت المراكشي في كتابه”السعادة الابدية”بحجة المغاربة على اهل الاقاليم” يقول التَّــــاليدي في كتابه “المُطرب في مشاهيرأولياء المغرب”ان ابا العباس كان في اوائل امره يسكن الفنذق ويعلم الطلبة النحو والحساب، وما يأخذه من اجرة ينفقه على الطلبة الغرباء. وأبو العباس كالقاضي عياض والسهيلي، لم ينتم قط الى طريقة صوفية، ولا كان له شيخ في التصوف ،ولا اوراد، فلم يكن صوفيا بالمعنى الظاهر للكلمة ،و هذا هو الذي جعل ابن الزيات يتناول ترجمته في كتابه”التشوف”بشكل مختلف عن باقي الصوفية ،ويخصص له في خاتمة الكتاب فصلا سماه “اخبار ابي العباس السبتي” خارجَ المَتْنِ الرئيسي للكتاب،
فابن الزيات عاصره ،وكان مقتنعا ان ابا العباس ليس صوفيا ،فلم يروي عنه أقوالا في التصوف ولا قال عنه كان من اكابر الصوفية ، كما قالها عن باقي من ترجم لهم.كل ما في الامر انه يَعُدُّه من الأولياء,والحزب الذي ترك ابو العباس هو في التوحيد، وليس به أذواق عرفانية. ويدل على عدم تصوفه. وله ارجوزة في مثلت الغزالي تبرهن أنه كان مُهتما بعلم الحروف والاوفاق، أي كان من علماء خواص الاسماء الذين يشتركون مع الصوفية في الخلوة ،وقلة الاكل، وكثرة الذكر.
ويروي بعض المؤرخين ان ابا العباس دفن بالقبرالذي كان به ابن رشد ،قبل ان يُنقل جُثمانه من طرف اهله الى الاندلس ،وكان كل ما مر بقبر ابن رشد ،يقول له قم من مكاني ،ودُفن بجواره ابنه عبد الله، وحفيده يحيى .وفي وقت نَقْـــل جثمان ابن رشد، كان ابن عربي حاضرا ،اذ جاء للتعرف على ابي العباس السبتي سنة 595 هــ، الذي وصلت شهرته الاندلس، وذكره في الفتوحات، وقال بيته الشعري الشهيرفي حق ابن رشد : هذا الإمام وهذه أعماله = يا ليث شعري هـل أتت آماله؟
فهؤلاء الثلاثة لم يتبعوا أي طريقة صوفية، ولهذا لم يذكرهم ابن الزيات في كتاب التشوف الى رجال التصوف ،فهم ليسوا من رجال التصوف ،وكل من ترجم له ابن الزيات معناه أنه محسوب في أهل التصوف
فلا اذواق لهم ،ولا اشارات في كلام القوم ،لا في كتبهم ولا في شعرهم ،ولا يوجد من بين شيوخهم شيخ عُرِف بالتصوف، ولا من بين تلامذتهم من تصوف ،وان كان ابن العربي الحاتمي يُسمي السهيلي في “مُسامراته” بشيخنا الضرير أبي زيد السُهيلي المالكي .إنما ادبا معه إذ لم يذكره في كتابه “روح القدس في مُناصحة النفس”.الذي ترجم فيه لخمسة وخمسين شيخا، و عاصروا كبار الصوفية كابن العريف ،و الذي يقول في حقه صاحب “الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام” أنه:”إمام في الزهد،عارف محقق”. هم عُبَّاد زُهاد اتقياء انقياء نالوا مقاما كبيرا في الولاية “وما كان عطاء ربك محظورا” .واذا لم ننسبهم للتصوف فليس تصغيرا من شأنهم ..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد نبي الله وعلى الزهراء بَضعة رسول الله.