لقد ترجم له غير واحد ممن عاصره أوتأخر عنه من الكبار،
كالشيخ الإمام العارف باللّه صفي الدين حسين بن علي بن أبي المنصور الأزدي الأنصاري في رسالته الفريدة المحتوية على من رأى من سادات مشايخ عصره،قال فيها:“رأيت في دمشق الشيخ الإمام الوحيد العالم العامل محيي الدين بن عربي وكان من أكبر علماء الطريق،جمع بين سائر العلوم الكسبية وما وقر له من العلوم الوهبية،ومنزلته شهيرة،وتصانيفه كثيرة ،وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وحالا ،لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا،وله أتباع علماء أرباب توحيد ،وتصانيف،وكان بينه وبين سيدي أبي العباس الحذاء إخاء ورفقة في السياحات “ .
والشيخ الحافظ محب الدين ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد،وقال فيه :“ كانت رحلته إلى المشرق،وألف في التصوف وفي التفسير وغير ذلك تواليف لا يأخذها الحصر ،وله سعة وتصرف في الفنون من العلم وتقدم في الكلام والتصوف “ .
وقال أيضا:“صحب الصوفية وأرباب القلوب ،وسلك طريق القوم ،وحج وجاور،وصنف وكتب في علم القوم وفي أخبارهم،وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادهم ،وله أشعار حسنة وكلام مليح ،اجتمعت به في دمشق في رحلتي إليها ،وكتبت عنه شيئا من شعره،ونعم الشيخ “ .
والشيخ صلاح الدين الصفدي في كتابه الجليل الذي وضعه في تاريخ علماء العالم ، وهو في مجلدات كثيرة ،وقال الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر:ممن أثنى عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في تاريخ علماء العصر وقال:من أراد أن ينظر إلى كلام أهل العلوم اللدنية فلينظر في كتب الشيخ محيي الدين،انتهى .
والشيخ الإمام شمس الدين محمد بن مسدي في معجمه البديع المحتوي على ثلاث مجلدات،فإنه ترجمه فيه ترجمة عظيمة مطولة،ومن جملتها قوله:وكان يلقب القشيري لقب غلب عليه،لما كان يشتهر به من التصوف،وكان جميل الجملة والتفصيل محصلا لفنون العلم أتم تحصيل،وله في الأدب الشأن الذي لا يلحق،والتقدم الذي لا يسبق.وقوله أيضا:وكان ظاهري المذهب في العبادات ،باطني النظر في الاعتقادات ، خاض بحار تلك العبارات،وتحقق بمحيا تلك الإشارات،وتصانيفه تشهد له عند أولي النظربالتقدم والإقدام ، ومواقف النهايات في مزالق الأقدام ،ولهذا ما ارتبت في أمره ،واللّه تعالى أعلم بسره،انتهى .
والشيخ العلامة فريد زمانه ونادرة أوانه أبي العباس أحمد المقري وذلك في كتابه الذي سماه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب فإنه ترجمه فيه ترجمة حسنة طويلة ، ونقل فيها كلام غير واحد ممن ترجمه،قال : “ وقد زرت قبره وتبركت به مرارا ، ورأيت لوائح الأنوار عليه ظاهرة،ولا يحيد منصف محيد الإنكار ما يشاهد عند قبره من الأحوال الباهرة “ .
وغيرهم ممن يكثر جدا من أهل المشرق والمغرب،ووصفه الكثير منهم بالولاية الكبرى والصلاح والعرفان والعلم والأدب وعزة الشأن .
وفي لسان الميزان للحافظ قال:قد اعتد بالمحتج ابن عربي أهل عصره،فذكره ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد ،وابن نقطة في تكملة الإكمال ،وابن العديم في تاريخ حلب والزكي المنذري في الوفيات ،راجع كلامه
وقد ذكر بعضهم أن شيخه الشيخ سيدي أبا مدين رضي الله عنه كان يلقبه بسلطان العارفين ،ويسميه بالشيخ الأكبر .
وسئل عنه الإمام القطب سعد الدين الحموي حين رجع من الشام إلى بلده : كيف وجدت ابن عربي ؟ فقال : وجدته في العلم والزهد والمعارف بحرا زاخرا لا ساحل له .
وحكى اليافعي في كتاب الإرشاد أن الشيخ رضي الله عنه اجتمع مع الشهاب السهروردي فأطرق كل منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام ، فقيل للشيخ : ما تقول في السهروردي ؟ فقال : مملوء سنة من قرنه إلى قدمه .
وقيل للسهروردي : ما تقول في الشيخ محيي الدين ؟ فقال : بحر الحقائق .
وكان الشيخ كمال الدين الزملكاني من أجل مشايخ الشام يقول : هو البحر الزاخر في المعارف الإلهية ،ويقول : ما أجهل هؤلاء ينكرون على الشيخ محيي الدين بن عربي من أجل كلمات وألفاظ وقعت في كتبه ، قد قصرت أفهامهم عن درك معانيها فليأتوني لأحل لهم مشكلاتها،وأبين لهم مقاصدها بحيث يظهر لهم الحق ، ويزول عنهم الوهم .
وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء يحط عليه كثيرا ، ويقول : إنه زنديق ، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي ،وعرف أحوال القوم وطريقهم صار يترجمه بالولاية والعرفان والقطبية ،حتى أنه سئل مرة عن القطب الفرد الغوث في زمانه ؟ فتبسم وقال :الشيخ محيي الدين بن عربي قدس اللّه سره .
ورفع سؤال في شأنه وفي شأن الكتب المنسوبة إليه كالفتوحات والفصوص هل تحل قراءتها وإقراؤها ومطالعتها إلى الإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الصديقي قدس اللّه سره صاحب القاموس في اللغة فقال في جوابه وأنصف:الحمد للّه،اللهم أنطقنا بما فيه رضاك ،الذي أعتقده في حال المسؤول عنه وأدين للّه به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما،وإمام الحقيقة حقيقة ورسما،ومحيي رسوم المعارف فعلا واسما :
إذا تغلغل فكر المرء في طرف *من علمه غرقت فيه خواطره عباب لا تكدره الدلاء ، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء ، كانت دعوته تخترق السبع الطباق ، وتفرق بركاته فتملأ الآفاق ، وإني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته ، وناطق بما كتبته ، وغالب ظني أني ما أنصفته :
وما عاش إذا ما قلت معتقدي * دع الجهول يظن الحق عدوانا
واللّه واللّه واللّه العظيم ومن * أفاقه حجة الدين برهانا
إن الذي قلت بعض من مناقبه * ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
قال : وأما كتبه ومصنفاته فالبحار الزواخر التي جواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخر ، ما وضع الواضعون مثله ، وإنما خص اللّه بمعرفة قدرها أهلها .
ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها،والتأمل لمبانيها انشرح صدره لحل المشكلات وفك المعضلات .
قال : وهذا الشأن لايكون إلا لأنفاس من خصّه اللّه بالعلوم اللدنية الربانية.راجع كلامه ، وراجع أيضا رسالته التي خاطب بها سلطان زمانه ،وهي التي سماها بالاغتباط بمعالجة ابن الخياط ،وهو رجل من أهل اليمن اسمه :رضا الدين أبو بكر الخياط ،عرضت عليه فتوى مجد الدين المذكور ،فعارضها وخالفها ،وكتب مسائل في درج مشتملة على عقائد زائغة ومسائل خارقة للإجماع ،ونسبها للشيخ رضي الله عنه وأرسل إلى العلماء ببلاد الإسلام يسألهم عنها ، وكتب ذلك في كتاب ، فانتدب المجد لرد كلامه في هذا الكتاب ، وأطال في ذكر مناقب الشيخ رضي الله عنه وللمحقق المدقق العالم العامل شيخ الإسلام أحمد بن سليمان بن كمال باشا مفتي الدولة العثمانية فتوى أبدع فيها في مدحه ووصفه ، ثم قال بعد ذلك : وله مصنفات كثيرة منها فصوص حكمية وفتوحات مكية ، بعض مسائلها مفهوم النص والمعنى وموافق للأمر الإلهي والشرع النبوي وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن ، ومن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام لقوله تعالى : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [ الإسراء : 36 ] .
وكان قاضي القضاة الشافعية في عصره الشيخ شمس الدين الخزرجي يخدمه خدمة العبيد .
وقاضي القضاة المالكية زوجه بابنته ، وترك القضاء وتبع طريقته بنظرة وقعت عليه منه .
وكان الشيخ مؤيد الدين يقول : ما سمعنا بأحد من أهل الطريق اطلع على ما اطلع عليه الشيخ محيي الدين .
وكذلك كان يقول الشيخ العارف صاحب عوارف المعارف المجمع على إمامته في العلوم الظاهرة والباطنة شهاب الدين السهروردي ، وكذا الشيخ كمال الدين الكاشي وقال فيه : إنه الكامل المحقق صاحب الكمالات والكرامات .
وكان الشيخ محمد المغربي الشاذلي شيخ السيوطي يترجمه بأنه مربي العارفين ، كما أن الجنيد مربي المريدين ويثني عليه بغير هذا من الكلام .
وممن أثنى عليه الشيخ الإمام العلامة الزاهد الورع الصوفي العارف باللّه تعالى عفيف الدين أبو محمد عبد اللّه بن أسعد اليمني اليافعي نزيل الحرمين ، وأحد الأئمة الشافعية والأولياء الكبار ، وصاحب المصنفات العديدة التي منها روض الرياحين وذلك في كتابه الإرشاد والتطريز في ذكر اللّه وتلاوة كتابه العزيز قال :وقد مدحه وعظمه طائفة كالنجم الأصبهاني والتاج ابن عطاء اللّه وغيرهما،وتوقف فيه طائفة ،وطعن فيه آخرون،وليس الطاعن بأعلم من الخضر عليه السلام إذ هو أحد شيوخه،وله معه اجتماع كثير،ثم قال : وما ينسب إلى المشايخ له محامل ثم ذكرها .
وكذا ذكره وأثنى عليه في كتابه غاية المعتقد ونهاية المنتقد ،والشيخ الإمام العارف الهمام تاج الدين أبو العباس أحمد بن عطاء اللّه السكندري قدس اللّه سره في كتابه لطائف المنن .
قال السيوطي في تأييد الحقيقة وتشييد الطريقة الشاذلية : وهما – يعني اليافعي وابن عطاء اللّه – شاهدا عدل مقبولان في تزكية مثل هذا ، فإنهما فقيهان صوفيان
رح مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية انتهى .
وأثنى عليه أيضا الشيخ عبد الرؤوف المناوي شارح الجامع الصغير ،والشعراني في ترجمته من طبقات الصوفية لهما،وتكلم الثاني على علومه وأحواله في كتابه تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء ، وكذا في كثير من كتبه ككتاب اليواقيت والجواهر فإنه ذكر فيه نبذة من أحواله ، وجماعة ممن مدحه وأثنى عليه من العلماء ،واعترف له بالفضل ، فليرجع إلى ذلك من أراده .
وممن أثنى عليه أيضا العارف باللّه سيدي مصطفى البكري قدس اللّه سره في كتابه السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد ، ونقل الثناء عليه من سيدي أبي مدين وغيره من العلماء والأولياء ،وذكر عباراتهم،ثم نقل كلام صفي الدين أحمد القشاشي في آخر رسالته وحدة الوجود فيه وقوله : فلو استقصى إنسان وتتبع مناقبه التي تذكر بالسياق والتقريب في مصنفاته وفتوحاته لكان مجلدات،وذكر من جملتها قوله في باب الحب بعد ما ذكر من ذاب منه وصار ماء بين يدي شيخه وإن حبه كان طبيعيا ولم يكن إلهيا ، وإلا لثبت ولم يذب ما نصه : واللّه ثم واللّه لقد أعطاني اللّه من هذه المحبة ما لو وضع جزء يسير منه على السماوات والأرض لذابتا ، ولكن اللّه تعالى قوّاني عليها .
ثم ذكر سيدي مصطفى أبياتا وقصائد مدحه بها ، فانظره .
وممن أثنى عليه الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي في غير ما كتاب من كتبه المشهورة ، وقد قال في شرحه لهمزية الإمام البوصيري لدي قولها :
والكرامات منهم معجزات . . . البيت،بعد ما ذكر أن من الكفر الصراح قول بعض الكرامية : إن الولي قد يبلغ درجة النبي،وبعض جهلة المتصوفة : إن الولاية فوق رتبة النبوة ، وإن الولي قد يبلغ حالة يسقط عنه فيها التكليف .
ونقل عن الغزالي أن قتل الواحد من هؤلاء خير من قتل مائة كافر ، لأن ضررهم في الدين أشد ما نصه : وليس من أولئك العارفان العالمان المحققان الوليان الكبيران المحيوي ابن العربي قدس اللّه سره والسراج بن الفارض قدس اللّه سره وأتباعهما بحق خلافا لمن زل منهم قدمه وطغى قلمه ، إلا أن يكون أراد بما قاله الذب عن اعتقاد ظواهر عباراتهم المتبادرة عند من لا يحيط باصطلاحهم انتهى .
وكتب القطب الحفني على قوله : وليس من أولئك . . . ما نصه : أشار بذلك للرد على ابن تيمية حيث جعلهما منهم ، حاشاهما وبئس من نسبهما إلى أدنى ضلالة رضي اللّه
وقد ألف السيوطي كتابا آخر سماه : قمع المعارض في نصرة ابن الفارض .
وللشيخ الإمام العارف سيدي عبد الغني النابلسي كتاب الرد المتين على منتقد العارف محيي الدين نقد فيها رسالة لبعض علماء الرسوم في الطعن على هذا القطب المكتوم ، وكشف فيها عن معاني العبارات المشكلة في كلامه ، وأفصح عن رفيع مقامه،وناقش عبارات المعترضين فيها بصريح كلامه،ثم ختمها بذكر من أثنى عليه من العلماء الأعلام ،وذكر من سئل عنه فأفتي فيه بالخير من أئمة الإسلام .
وللكازروني شارح الفصوص كتاب بالفارسية سماه : الجانب الغربي رد به عن الشيخ مما اعترض به على كلامه ، كقوله : بإيمان فرعون ، وقد نقله إلى العربية عالم المدينة السيد محمد بن رسول البرزنجي وسماه الجاذب الغيبي .
وقد ذكروا أن الشيخ رضي الله عنه نهي أن يجمع بين كتابه هذا – أعني الفصوص – وبين غيره من الكتب في جلد واحد ،وإن كان من مؤلفاته،لأنه من الإرث المحمدي وقد شرحه من لايحصى من العلماء،كالشيخ مؤيد الدين الجندي والكازروني والكاشي والقيصري والقاشاني وكمال الدين الزملكاني وسعد الدين الفرغاني وعفيف الدين التلمساني والشيخ عبد الرحمن الجامي وعلي المهايمي والجلال محمد الدواني وعبد اللّه الرومي والشيخ بدر الدين ابن جماعة ، وعبد الغني النابلسي وغيرهم ممن يكثر .
ومنها كتاب الفتوحات المكية وقد قال عنه في الباب 363 منه : واللّه ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني انتهى .
بتربة القاضي ابن الزكي وقبره هناك مشهور تستجاب عنده الدعوات،وتكشف الخطوب والأزمات،وقد دفن عنده ولداه الإمامان محمد سعد الدين المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة،ومحمد عماد الدين المتوفى سنة سبع وستين وستمائة ، وقد اعتنى بتربته بصالحية دمشق سلاطين بني عثمان،وبنى عليه السلطان المرحوم سليم خان قبة وضريحا،وهو الذي أظهره ولم يكن ظاهرا،وبنى أيضا بجواره تكية وجامعا للخطبة ، ورتب له الأوقاف فجزاه اللّه على ذلك خيرا،ومن قصيدة لسيدي عبد الغني النابلسي رضي الله وفي الرحلة العياشية نقلا عن كثير من المشايخ من جملتهم شيخ الإسلام وإمام الأئمة الأعلام أبي محمد سيدي عبد القادر بن علي الفاسي: إنهم كانوا يقولون محكم كلامه يقضي على متشابه،ومطلقه يرد إلى مقيده،ومجمله إلى مبينه،ومبهمه إلى صريحه، كما هو شأن كل كلام ظهرت عدالة صاحبه . منقول عن السيد أحمد فريد المزيدي .