ملخص شَرْحِ الصّلاةِ المَغْناطيسِيّة

المُزْنُ القُدُسِيّةِ في شَرْحِ الصّلاةِ المَغْناطيسِيّة
مِنْ أَرْقى ما اشتُهِرَعند السّادات العارفين مِن الصلوات، صلاةٌ الشيخِ العارف المُحَدِّث الشريفِ سيدي مُحَمَّدعبد الحيّ بن عبد الكبير الكتّاني روّحَ الله روحه و نفَع به: (اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد مِغْنَاطِسِ الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ.بَازِّ المَمْلَكَةِ الحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ.المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ.فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْرَادِ.وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَجَلْبِبِينَ بِجِلْبَابِ الجَمَالِ.إِذَا بَدَتْ صُورَةُ الجَلاَلِ. وَمِنَ القَائِمِينَ قُبَالَةَ النَّقَائِصِ النَّفْسِيَّةِ. بِأَرْدِيَةِ الكَمَالاَتِ الحَقِّيَةِ.وَاحْمِنَا بِحِمَايَةِ كَمَالِهِ.عَنْ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نَخْشَى أَحَداً فِي دِينِكَ. أَوْ تَزِلَّ قَدَمُنَا فِي مَعْرِفَتِكَ وَيَقِينِكَ. وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّهُ. يَا اَللَّهُ. يَا اَللَّهُ بِهِ مِنَ النَّكَبَاتِ وَالأَوْحَالِ.وَجَنِّبْنَا جَنَايَا خَبَايَا الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ. وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ) وقد أخْبرني شيخي مولاي محمد بن المبارك لحميتي نفَع الله به أنّها صلاةٌ لَمْ تَحْظَ بسابق شرْحٍ أو تصنيف، فأشارعليّ بتبيان معارفها إذناً بالتكليف، وهي وتنقسمُ إلى قسمَيْن إثنين، أولاهُما مُخَصَّصٌ للمدح والثناء على سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌ ﷺ وعلَى آلِه وثانيهما مُخَصَّصٌ للطلب و الدعاء :
القسم الأول من الصلاة المُخَصَّصٌ لِذِكْر النعوت الأحمدية : اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدوَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد مِغْنَاطِسِ الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ.بَازِّ المَمْلَكَةِالحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ. المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ.فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْرَادِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد مِغْنَاطِسِ الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ.
استعارَ الشيخُ خاصية المغناطيس في جذب معدن الحديد ، ليصف بها ميزةً عظيمة مِن مزايا الحقيقة المحمدية باعتبارها النورالإلهي الجاذب الذي يضمُّ إليه كل الخلائق،فالنبوة مغناطيس كُلّ الأرواح والأشباح،وتمييزُ «الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ» بالإسم عن غيرها في هذا الموضع،هو مِن قبيل دلالة الجزء على الكل،فكلها منوطةٌ مرهونة به ﷺ وعلى آله،لأن العالمين كلهم،مجذوبون مضمُومون إلى سيدنا و مولانا مُحَمَّدﷺ وعلى آله، والجذب يستلزم طرفين إثنين :
1-جاذِبٌ فاعل =مغناطيس 2- مُنْجدبٌ، مجذوبٌ منفعل=الحديد الجاذب الفاعل هو سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه،صاحبُ الفعل و مصدره ،فحركات الخلائق وسكناتهم هي من قسمته وعطائه،وقد قُلنا نظْمًا في هذا المعنى:
هَيُولى لِذِي الأكْوانِ بالضّمِّ جاذبُ ••ومُعْــطٍ لهُم قَـَــسْمًا،لكَوْنٍ مُراقِبُ الإنفعال الحاصل بين الحديد المجذوب والمغناطيس الجاذِب يُشير إلى إشتراكهما وتجانسهما في خاصية مادية،هاته المجانسة قائمةٌ بين الوِجْهة الخلقية للنبوة المحمدية من جهة وبين المخلوق المعبَّرعنه بالعالمين في الآية(وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ) من جهة أخرى وبسبب هذا التجانس الخَلقي حصلتِ الألفةُ والمُؤانَسة وسَهُلَ على الناس رؤيةُ السّعي المحمدي في الأرض فحصل لهم به ﷺوعلى آله الإتّساءُ والسيرعلى النهج القويم (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرا)،و لو بقي سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺ وعلى آله على خصّيصته الحَقّيّة النورانية الإلهية الصِرْفة لما تم ذلك التجانس و لما تحققت المقاصد من الإيجاد، بَلْهَ الإمداد. ثم قال العارف في نعت أحمديّ جليلٍ ثانٍ : بَــازِّ المَمْلَكَةِ الحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ
يَظُنُّ الكثيرمن القُرّاء أنّ الشيخَ العارف في هذا الجزء مِن صلاته يُشبِّهُ النبوة بالطائرالجارح المعروف ب«الباز»، لكن دلالات كلمة إسم الفاعل «بَازِّ» بتشديد الزاي وكسرها،هي حمّالة للعديد من المعانيَ العرفانية والتي سنستعرِضُها كما يلي : 1-المعنى الأول – البازُّ = صاحب البِزِّ و التربية و الإمداد: في اللغة العربية “بِزٌّ”جمعه أبزاز والمعنى: حلَمَةُ الثّدي،يقال “نام الرّضيع ملتقِمًا بِزَّ أمّه”وهو حلمة الضّرع عند ذوات الأربع،و المُراد أنّ لهُ ﷺ ومنه فالإمداد بدءً ومنتهًى،لأنّ الدوائر الكونية جميعاً عالةٌ على سيّدنا وموْلانا مُحَمَّدٌ ﷺوعَلى آلِه، باعتباره،صاحب البِزِّ أي البازَّ المُعيلُ المُمِدُّ المُربِّي وربُّ العائلة الكونية و سيِّدُها ،واحسب الكلمة القرآنية (رَبُّنَا) بحساب أهل الأسرار بَسْطًا تعطيك الإسم الأعظم الشريف مُحَمَّدٌ ﷺعَليْه وَآلِه مُكرَّرًا مرتين 354×2 ،(فلا تعطيل لدائرة من الدوائر الكونية،إذِ الكُلُّ من مقتضى الأسماء الإلهية،الماسكة للوجود بأيادٍ خفية التجليات الإلهية هي غذاء الكون ومدده ترتوي منها سائر الدوائر الكونية ،كي لا يتعطّلُ سيرها ). فهو ﷺ وعَلى آلِه يَدُ الله في الكون حلاًّ وعقدًا وحُكْمًا (فَٱحۡكُم بَیۡنَهُمۡ)،ومَنْ تحته هم مُتصرِّفون بإذنه باعتبارهم أيادي تصريف الأمر في الكون، واحسب ياولي الله هذا الوقف (یَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ) يعطيك العدد 266 وهو خاص ضرب العدد 19 في العدد 14 ..19 هو طلسم النبوة المحمدية المكنون في سر البسملة بعدد حروفها،و 14 هو جُمّل إسمه «وهّاب»، ثم تأمَّل قوله ﷺ وعَلى آلِه في الحديث(والله المُعطي و أنا القاسم)، ومن قسّم لك فقد أعطاك كما يقول شيخنا نفع الله به، ففضله وإمداده وعطاؤه ﷺ وعَلى آلِه لا حدّ له وليس بالمُستطاع إحصاؤُه ولا الإعرابُ عنه، في ذلك قال البوصيري رحمه الله :
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ••حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ
2-المعنى الثاني – البازُّ = صاحب البَزّ،ذو الغلَبة،المتفوق والقاهر: يقال في اللغة بَزَّ بَزَزْتُ، يَبُزّ، ابْزُزْ/ بُزَّ، بَزًّا، والمفعول مَبْزوز، بزَّ الشَّخصُ أقرانَه:غلَبهم، فَاقَهم فهو بازّ،والمُرادُ أنّ سيدنا و مولانا مُحَمَّد ﷺوعلى آله هو البازّ أي صاحب البَزّ،أي الغالب،المتفوق والقاهر،وهو الذي يبزّ الخلائق عن الوقوع في المهالك،ويحبسهم عنها و يقيهم حرّ صدمات التجليات،فهو بازٌّ لهُم عن كل المهالك،جاء في الحديث الشريف( إنّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نارًا،فَلَمَّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الفَراشُ وهذِه الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها،فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها، فأنا آخُذُ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ،وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فيها) أما صفة«القهرية» التي تشمل معاني التفوق والغلبة،فهي كلها معدودة في نعوت سيدنا ومولانا مُحَمَّدﷺ وعَلى آلِه،باعتباره الخليفة الظاهر بأوصاف من استخلفه سبحانه والقائم بأسماء من استنابه ،فظهرﷺوعَلى آلِه بجميع الأسماءوالصفات الإلهية والقهّارُ من جملة الأسماء ،وإن شئت فاقرأ الاية(وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِ) واحسب جُمّل(وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ)يعطيك العدد 354 وهو مطابق لإسمه الشريف مُحَمَّدٌﷺوعلى آله بحساب أهل الأسرار بَسْطا،و كفى بها إشارة،وقد غلَبَ كُنْهُهُ ﷺوعَلى آلِه الخلائقَ وبَزَّ إدراكهم،فحقيقته ﷺ وعَلى آلِه وسرُّه ومعناهُ وكُنْهُهُ بازٌّ لكل مخلوق،او في ذلك قال البوصيري رحمه الله :
أعْيا الورى فَهْمُ معناهُ فليس يُرى••في القُرْبِ والبعدِ فيهِ غير منفحِمِ
3-المعنى الثالث-البازُّ=صاحبُ البِزّة أي ذو الهيئة واللباس الحسن
عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله ﷺ وعَلى آلِه يقول:(في الإبل صدقتها،وفي الغنم صدقتها،وفي البقر صدقتها،وفي البزّ صدقته)،والبزُّ هنا الثياب،فالحاصِلُ أنّ البِزّة هي الثياب والأردية والهيئة الحسنة التي لبسها و ارتداها سيدنا و مولانا محمد ﷺوعلى آله، هي كُلُّ الأسماء الحسنى والصفات الإلهية باعتبارها مجْلى المملكة الحقية،فهي جميعُها بِزّتُهُ و حُلَلُهُ،جميعُها لهُ، وهُوَ لها، بل هوهي ،وهي هُو، فهوﷺوعلى آله البازُّ المترّدي بالأردية الأسمائية ، اللابس للحُلل الصفاتية تصرفا مطلقا كما أراد الله وهو معنى «الإصطحاب» في مشربنا وشاهِدهُ (هُنَّ لباسٌ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لباسٌ لَّهُنَّۗ)البقرة-187.
4-المعنى الرابع -البازّ=صاحب البزَّة و السلاح،المنافح الحامي :
البزّة تُطلَقُ على السلاح وعلى الهيئة التي يكون عليها المُتّشِحُ بهذا السلاح،وكذلك سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه هو صاحب البزّة والسلاح ،فهو المُنافِحُ الحامي للكون وأهله، لأنَّ مِن مقتضياتِ عظيمِ رحمةِ النبوة بالعالمين أنَّهُﷺ وعَلى آلِه أنه قائمٌ بين الحق والخلق، مِن حيثُ كونه برزخًا يوصل العطايا والقسائم الإلهية للعالمين،ومن حيثُ كونه حجابًا حاجزا يَقي الخلائق مِن أهوال التجليات (فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ)،فهي شفاعةٌ محمديةٌ مُعَجَّلةٌ للمخلوقات في الحياة الدنيا،تحميهم من إنصباب صدمات تجليات الأسماء الإلهية عليهم لأن “الذهاب به” يفتح الباب المجال أمام الجلال المحض ،وهي أيضا شفاعة محمدية مؤجلة لتلك المخلوقات يوم القيامة،حيث يتجلّى غضبُ الجبار سبحانه،فيخاف المقربون من الرسل والانبياء والملائكة الذين لايعصون الله قط ،فضلا عمن سواهم ،فلا يبق للخلائق إلاركن النبوة المحمدية الشديد يأوُون إليه (ءَاوِیۤ إِلَىٰ رُكۡن شَدِید)،وانتبه يا ولي الله:(رُكۡن شَدِید) يعطيك حساب جُمله :(92×14)= أي (محمد×وهاب)، فهو ﷺ وعَلى آلِه السلاح المتين والملجأ الحصين والمأوى في الدنيا ويوم الدين، وقد كان الصحابة رضي الله عنه يحتمون به في الحروب لِقُوّته وشجاعته كما سنرى.
5- المعنى الخامس-البازّ =صاحبُ الإصلاح و الإجادة و الإحسان
جاء في لسان العرب(والْبَزْبَزَةُ:مُعَالَجَةُ الشَّيْءِ وَإِصْلَاحُهُ ،يُقَالُ لِلشَّيْءِ الَّذِي أُجِيدَ صَنْعَتُهُ: قَدْ بَزْبَزْتُهُ) ، ويكون إسم الفاعل «البازُّ» يشير إلى مَنْ أجادَ الصنعة وكان إصلاحُه في غاية الإتقان وتمامه فهو المُصلح المُجيد الواصل في إجادته أقصا مراتب الإحسان و هذه كلها من نعوت سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه،فهو صاحب الإحسان في الفعل و القول و الحال .
6-المعنى السادس- البازّ= صاحب الاختصاص :
فيُقال ابتزّ الرجل بالشيء:اختَصّ به ،وكذلك سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌ ﷺوعلى آله، اختصّ اللهُ ﷻ به، وهوﷺ اختصّ بالله ،وهو جوهر معنى الإصطحاب في مشربنا الفاطمي ،فلئن قال مَلِك مصر في وقته عن سيدنا يوسف عليه السلام أنَّهُ استخلصَهُ لنفسه(وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۤ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِی)،فإنّ الله تعالى وهو مَلِكُ الملوك اختصَّ سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه له سبحانه،فهوﷺ وعَلى آلِه (العبد الحقّاني المنفرد بليس كمثله شيء)كما قال الشيخ أبو الفيض الكتاني قدس الله سره في فتوحه،فما مِن إسم و صِفة إلهية إلا وقد لبسها سيدنا و مولانا محمدﷺ وعَلى آلِه،فهو مخصوص بها و هي مخصوصة له (الذي جعلتَ إسمه مُتّحداً باسمك و نعتك) كما قال الشيخ ابو الفيض في الأنموذجية، فلا شريك لسيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه في هاته البزّة الإلهية ، فقد ابتزّ بها اختصاصا . ثم قال رحمه الله في نعت أحمدي مدحي ثالث : المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ. فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفـَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْـــــرَادِ. إنّ سيدنا ومولانا مُحَمَّدﷺوعلى آله من حيثُ كونِهِ جامعًا بين وِجْهته الحقية المُجانِسة للحق تعالى ووجْهَتِه الخلقية المُجانِسة للخلق،قامَ مقامَ النسبة بين الله تعالى والعالمين،فالله تعالى لم يُوجِدِ الوجودَ لحاجة له به ، إنما لإظهار أسمائه وصفاته، فأوجدَ النسبة أولا ثم أوجدهم ليعرفوه بها فهي نائبة عن الحق تعالى في الظهور هي وجه الله المشهود في ذرات الوجود (فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ )كما قال شيخنا نفع الله به نسبةٌ كان مِنْ مَجَاليها أنه ﷺوعَلى آلِه هو الرحمة للعالمين والقاسم لأُعْطيات العالمين (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ) وكان مِنْ لوازم سريان رحمته ﷺوعَلى آلِه أنّ (بها رَحِمَ اللهُ تعالى حقائق الأشياء كلها، فظهر كل شئ فى مرتبته من الوجود،وبها استعدَّتْ قوابل الموجودات لقبول الفيض والجود كما قال العارف الجيلي في حديثه عن الكمالات الإلهية في الصفات المُحَمَّدية وهذا مِنْ مصاديق الآية (وَرَحْمَتِي وَسِعَت كُل شَيْءٍ). وفي قول العارف:(المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ. فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْرَادِ)، نُميِّزُ بين أمرين جامِعيْن للنعوت عَلِيَّة القدر : 1- أنه ﷺ وعَلى آلِه “المُفَاضُ عَلَيْهِ”..أي أنه صاحب الاستمداد من الحق : فهوﷺ وعَلى آلِه يأخذُ من الحق ﷻ لما لهُ مِن مُجانسة حقية معه ، فيعطي للخلق لما له من مجانسة خلقية معهم( والله المعطي و أنا القاسم)، (وهو السراج الذي اتَّقَدَتْ منه جميع السُّرُج)لأنه ﷺ وعَلى آلِه هو الروح الكلية و(النورالبرزخي الجمعي الذي أفاض الله عليه من كمالاته، وحلاه بأسمائه وصفاته..)وما كان للمُقتضيات أنْ تظهر دونه ، بل هي منوطة بفيضته القرآنية، قال العارف البوصيري :
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما••تَصدُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ
كلُّ فضــل في العالَمين فمن••فَضلِ النبيِّ استعارَهُ الفُضَلاءُ
ولله درُّ العارف سيدي أبي الفيض الكتاني قدس الله سره حين يقول في فتوحه(وأشهدني يا أللهُ عظيمَ وُسْع عطائك المُفاضِ على اليمين المحمدية حتى أشهد ما أودَعْتَهُ فيها من حظوظ الكائنات أجمَعِها من لدن فتق رتق عالم التصوير الشهادي الى منتهاه ، فإنّ جميع حظوظ الموجودات المتأخرة كلها أودَعْتَها في اليمين المحمدي ).
2- أنه ﷺ وعَلى آلِه “يُفِيضُ على غيره”.. أي أنه صاحب الإمداد للخلق: إنّ سيدناومولانا مُحَمَّدﷺوعلى آله هو مجلى غِنى الحق عن الخلق (إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) (فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنكُمۡۖ)(فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) و مِن مستلزمات ذلك الغنى قيامه ﷺوعلى آله برزخا وواسطةً بين الحق و الخلق ، أعَدَّهُ الله ﷻ للنُّزول الإجمالي والتفصيلي لتستمدّ كل العوالم منه فلا ينزل أمرٌ إلا عليه و لايصعد إلا منه وإلى هذا المعنى أشارالشيخ العارف الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سره بقوله( برزخ البرازخ كلها وجمعها هو الحقيقة المُحَمَّدية ). والفيض الواصل منهﷺ وعلى آله للعالمين هو وهبٌ وعطاءٌ إلهي كلمة “عطاءٌ” و مشتقاتها وردَتْ في القرآن الكريم 14 مرة بعدد جُمّل إسمه «وهّاب»لذلك اقترنَ العطاء في القرآن بالربوبية (كُلّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا) (جَزَاۤء مِّن رَّبِّكَ عَطَاۤءً حِسَابا)النبأ-36(إِلَّا مَا شَاۤءَ رَبُّكَۖ عَطَاۤءً غَیۡرَ مَجۡذُوذ). ومن شواهد وُسْع الفيض المحمدي للكون، قوله ﷺ وعلى آله (والله المُعطي و أنا القاسم)،وإن حسبتَ جُمّل هذا الشق من الحديث فسيعطيك العدد 762 ،فإذا أضفتَ إليه العدد 12 (الذي يُشير لدورة الزمان أي الساعات والأشهروالبروج الإثنيْ عشر)فإنك تحصلُ على العدد 774 فاقسمه على الرقم 6(الجهات الستّ التي تحيط بالكون) يظهر لك العدد 129 وهو جُمّل الإسم اللطيف، فهو ﷺ على آله هو الرحمة المهداة التي مَزَجتْ باللطف كل التجليات،واحسُب جُمّل الإسمين المُصْطَحَبَيْن في الحديث أعلاه (المعطي القاسم)يعطيك العدد 632 إذا أضفتَ عليه العدد 12 فإنك تحصلُ على العدد 644 فاقسمه على العدد 7 المُشير إلى الكون و خلائقه(ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ)،يظْهَرُ لك العدد 92 وهوجُمّل الإسم الشريف مُحَمَّدﷺوعلى آله ،فهو بازّ المملكة كلها فيضا وعطاءً وإمدادًا كما رأيتَ آنفا.
لقد أعطاه الحق المفاتح والمقاليد﴿هَـٰذَا عَطَاۤؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَاب﴾،لو حسبت جُمّل هذا الوقف القرآني(فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَاب) لأعطاكَ العددَ2012 ثم أضفْ عليه العدد12 المشير لزمن الكون فيعطيك العدد 2024،وهوحاصلُ جُمّل عدد الإسم الشريف مُحَمَّد92 ﷺوعلى آله مضروبا في العدد 11(ضميرالغائب المُستتر”هُوَ”) مضروبا في 2 (ظاهر و باطن)،فاعلم حينئذ أنّ قسمة العطاء الكوني هي بيد سيدنا ومولانا محمد ﷺوعلى آله في الظاهروالباطن لا ينقطع زمنها وهي مستترة،و استتارُ عطائها عن رؤية السوى (إلامن شاء الله)هو رحمةٌ بهم تَنْضافُ إلى رحمة العطاء والقسمة الواصل إليهم منه ﷺوعلى آله، قال شيخنا المحقق مولاي مُحَمَّد بن المبارك نفع الله به في “ضمير الهوية “(ولما تَحقّق ﷺوعلى آله بالهوية صارمجهولاً عند كل العوالم: “ما عرفني حقيقة غير ربي”،قال العارف الكبير إبن مشيش: “لم يُدْركه منّا سابق ولا لاَحق”. فكما أن كَنْزية الأسماء الإلهية تَقدّم لها البُطون فكذلك حقيقته ﷺ وعَلى آلِه تقدم لها البُطون،وكما أن الحق تعالي غَيْب فحقيقة سيدنا مُحَمَّد ﷺ وعَلى آلِه غيب: “ولون الماء لون إنائه”) ، فتأمّل هاته الفذلكات أيها الفَطِنُ الأريب والذكي اللبيب.
القسم الثاني – مُخَصَّصٌ لتقديمٌ الطلب و الدّعاء : (وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَجَلْبِبِينَ بِجِلْبَابِ الجَمَالِ. إِذَا بَدَتْ صُورَةُ الجَلاَلِ. وَمِنَ القَائِمِينَ قُبَالَةَ النَّقَائِصِ النَّفْسِيَّةِ. بِأَرْدِيَةِ الكَمَالاَتِ الحَقِّيَةِ. وَاحْمِنَا بِحِمَايَةِ كَمَالِهِ. عَنْ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نَخْشَى أَحَداً فِي دِينِكَ. أَوْ تَزِلَّ قَدَمُنَا فِي مَعْرِفَتِكَ وَيَقِينِكَ. وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ مِنَ النَّكَــــبَاتِ وَالأَوْحَالِ. وَجَنِّبْنَا جَنَــايَا خَبَايَا الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ. وَصَحْبِهِ وَسَـــلِّمْ).
هذا الجُزْءُ مِن الصلاة جامعٌ في نفس الوقتَ بين أمّهات الثناء على سيّدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه،وأمّهات الطّلبات من الله توسُّلا به ﷺ وعلى آله ،إذْ ضمّن فيها معاني الجمال والجلال والكمال المُحَمَّدي كما يلي:
الطّلبُ الأوّلُ- التّحليّ بالجمال درءًا لمُقتضيات الجلال: قال العارف الشيخ الكتاني رحمه الله (وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَجَلْبِبِينَ بِجِلْبَابِ الجَمَالِ. إِذَا بَدَتْ صُورَةُ الجَلاَلِ) وهذا من وافر أدبه مع سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه وعظيم رجائه لهُ،لسان حاله قولُ البوصيري :
هُوَ الحَبـيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ••لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
ما سامني الدهرُ ضيماً واستجرتُ بهِ••إلاَّ استلمتُ الندى من خيرِ مُستلمِ
يا أكرَمَ الخلق مالي مَنْ أَلُوذُ به••سِوَاكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
طلبُ النوال مِن سيدنا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه هو إتيانٌ للأمر من بابه، فهو باب الله ﷻ،و قاسم عطاياه،وقد طلبَ الشيخُ ببركة صلاته هاته أنْ يخلعَ عليه سيدُنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه جلبابَ الجمال إذا بدت صورة الجلال والمقصود به يوم القيامة حين يغضب الجبار سبحانه و يرتعد كل الملائكة و الأنبياء والرسل ولا كاشف للجلال الا عين الجمال و الكمال حين يقول ﷺ (فَآتي تَحْتَ العَرْشِ، فأقَعُ ساجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ ويُلْهِمُنِي مِن مَحامِدِهِ، وحُسْنِ الثَّناءِ عليه شيئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفَعُ رَأْسِي، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي، فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ، أدْخِلِ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عليه مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِن أبْوابِ الجَنَّةِ)
الطلب الثاني-التّحلّي بالكمال درْءًا لنقائص الخِلال : ثم قال روّح الله روحه (وَمِنَ القَائِمِينَ قُبَالَةَ النَّقَائِصِ النَّفْسِيَّةِ. بِأَرْدِيَةِ الكَمَالاَتِ الحَقِّيَةِ)،أردية الكمالات الحقية المطلوبة هاهنا هي الإستمداد من كمالاته ﷺ وعَلى آلِه، و هذا مِن معانى التّأسّي الوارد في الآية (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرا)الأحزاب-21،فرجاءُ العارفين مِن كرم النبوة لا حد له ،لذلك انتقل الشيخ الكتاني مِنْ طلبِ «جلباب» الجمال بالمفرد إلى طلب «أردية» الكمال بالجمع،وهذا يشي بِسَعَة رجائه وجميل تَذَلُّلــِه بين يدي النبوة وإقراره بوجود نقائصه النفسية وذنوبه ،فهو طلب مِن قبيل تغطية وصف الطالب الضعيف الناقص بوصفٍ من أوصاف النبوة الكاملة ،وسعيٌ إلى التشوف لاستقرار الصفة الكاملة بين جنبي الطالب المحب العاشق للجناب الشريف الواردة في الحديث القدسي(إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ،فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به،ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ،ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ،وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ )،حيثُ يصيرُ المحبوب سمعًا وبصرا ويدا ورجلا للحبيب ولا تُردُّ له دعوة ،يُغطّى وصفُ النقص المعزُوِّ للطالب،بوصف الكمال المطلق القائم بالمطلوب المحمدي ﷺوعَلى آلِه، قال العارف بن عطاء الله السكندري رحمه الله في حِكَمه(لوأنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً.ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه).
الطلبُ الثالث – الحماية بالكمال درءًا للضّلال: ثم قال رحمه الله ( وَاحْمِنَا بِحِمَايَةِ كَمَالِهِ. عَنْ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نَخْشَى أَحَداً فِي دِينِكَ. أَوْ تَزِلَّ قَدَمُنَا فِي مَعْرِفَتِكَ وَيَقِينِكَ)فعظَمةُ رحمة سيدنا ومولانا مُحَمَّد ﷺ وعَلى آلِه بالعالمين ليس فقط مِن حيثُ كونه برزخا موصلا للعطايا والقسائم الإلهية للعالمين،بل أيضا باعتباره حجابا حاجزا يَقي الخلائق مِن أهوال التجليات و صدماتها في الدنيا و الآخرة،لولا حجابيته لهلك السوى عن بكرة أبيهم (فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ). لذلك طلب الشيخ سيدي عبد الحي الكتاني الحمايةً من كمال النبوة درءًا لأي ضلال في الدين أو زيغ في المعرفة أو ضعف في اليقين، ولا يوجد ركنٌ أحمى من جناب المُحَمَّدية يُأْوَى إليه لا في الدنيا و لا في الآخرة ، فهو ﷺ وعَلى آلِه هوالركن الأحْمى والملجأ الشفيع الأسْنى.
الطلب الرّابع – الستر من النكبات و الأوحال: قال العارف خاتما صلاته ( وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ مِنَ النَّكَبَاتِ وَالأَوْحَالِ. وَجَنِّبْنَا جَنَايَا خَبَايَا الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ.وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ)، إشارة إلى ما ابتليَ به رحمه الله رُفقة ذويه مِن أعيان آل البيت الكتاني الشريف وكان فيهم أكابرُالأولياء وجِلّة العلماء من صنوف النكبات و التضييق والإعتقال أفضت إلى استشهاد الشيخ أبي الفيض الكتاني في السجن رضي الله عنه، ومِن كمال أدب صاحب الصلاة رحمه الله، أنّ حضور واسطة النبوة لم يُفارقه في دُعائِهُ (وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ) فالضميرُ (به) يعود على سيدناومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه، فهو يطلبُ الستر بواسطته ﷺ وعَلى آلِه مرفوقا باسم الجلالة ثلاث مرات،إشارة للدنيا والبرزخ والآخرة، ومن عجيبُ أسرارهذا الطلب (وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ) أنّ حاصل حسابه يعطي العدد1196 وهومجموع ضرب الإسم الشريف مُحَمَّدٌ ﷺ وعَلى آلِه 92 في العدد13 أي (أحَد)، فكأنَّه رحمه الله يستعطفُ جده الرؤوف الرحيم ويتوسل إليه بطريق الباطن في نوال مطلبه بالرّحِمِ الذي بينه ﷺ وعَلى آلِه و بين محتده الأحدي،فإنّ بساط الأحدية صفة برقت منها النبوة المحمدية ،وهذا التوسلُ يقومُ مقام القائل “دخيلك” بلهجة أهل المشرق أو “المْزَاوْگة” أو “التعَوْريط”بلهجة أهل المغرب، كل ذلك من باب التذلل والإستعطاف وطلب الغوث والصفح والمساعدة والدخول في الحِمى والأمان من لدن سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه ،والحمد لله على سيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ كما هو أهله حمدا يرزقنا منه جمعا بلا فراق ،فنحظى منه بالرضا و التقبيل و العناق ولايَـبْقَ منا فينا إلا هو ﷺ(النبيُّ أوْلى بالمومنين من أنفسهم) هنا وهناك يوم التلاق. الاستاذ ابن الفاطمي

حصل المقال على : 227 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد