بين “نعم “و”لا” تطير الأعناق من أجسادها.

أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ولد في قرطبة،طبيب،وفقيه، وفلكي، وفيزيائي مسلم. فيلسوف يعتمد على النظر الفكري وعلى المنطق الفلسفي. كان قاضيا لإشبيلية بين سنة 565 و567 ثم انتقل الى قرطبة .

يُعَد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. يسمِّيه الإفرنج (Averroès) هو صاحب كتاب تهافت التهافت. الذي رد فيه على كتاب الغزالي المسمى تهافت الفلاسفة وهو صاحب كتاب “بداية المجتهد ونهاية المقتصد ،كتاب فقهي يعتبرمن أفضل الكتب التي اشتملت على بيان أسباب الاختلاف بين العلماء في كل مسألة.

أما ابن العربي،فهو صوفي يعتمد على كثرة الذكر والمجاهدات والخلوة،والسهر والكشف والده كان صوفيا وأمه صوفية ،و أخواله كذلك،نشأ في بيئة صوفية وتنفس هواء صوفيا،ما جعله يدخل التجربة الصوفية مبكرا وهو صبيٌّ،في العقد الثاني من عمره،وبدأت أقواله وأحواله ينتشر صداها بين الصوفية والفلاسفة،مما دعا قاضي القضاة في قرطبة،الفيلسوف ابن رشد،أن يرتّب مع الد محي الدين،لمقابلة هذا الصبي الصوفي، الموهوب .

يروي ابن العربي هذه القصة في الفتوحات المكية،يقول:ولقد دخلت يوما بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد،وكان يرغب في لقائي لِمَا سَمِع،وبلغه ما فتح الله به علي في خلوتي،فكان يُظهر التعجب مما يسمع، فبعثني والدي إليه في حاجة،قصدا منه حتى يجتمع بي، فإنه كان من أصدقائه، وأنا صبي ما بَقَلَ وجهي،ولا طَرَّ شاربي. فعندما دخلت عليه قام من مكانه إلي محبة وإعظاما،فعانقني،وقال لي: نعم. قلت له : نعم. فزاد فرحه بي،لفهمي عنه. ثم إني استشعرت بما أفرحه من ذلك، فقلت: لا.فانقبض وتغير لونه،وشك فيما عنده،وقال : كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي؟هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ قلت له : نعم لا،وبين «نعم » و «لا» تطير الأرواح من موادِّها،والأعناق من أجسادها.فاصفر وجهه وأخذه الأفكل، وقعد يُحَوقل،وعرف ما أشرت به إليه … وطلب بعد ذلك الاجتماع بنا ليعرض ما عنده علينا هل هو يوافق أو يخالف، فإنه كان من أرباب الفكر والنظر العقلي …ولكن هذا الاجتماع الثاني لم يتم .لرؤيا راها ابن عربي،فهم منها أن لا إذن له في لقائه مرة ثانية..

 ولا توجد حقيقة يكون الجواب عنها بالتناقض *نعم*..*لا*.

لفهم حقيقة هذا الجواب ،يجب أن نعرف من هو شيخ ابن رشد: هو ابوبكر بن طفيل الاندلسي فلسوف وعالم وطبيب عربي مسلم (ت 581 هـ )وهو صاحب رواية “حي بن يقظان”رواية فلسفية يحكي فيهاعن شخص اسمه حي، وكنيته ابن يقظان،ويقظان يعني به العقل، ترعرع في ربوع جزيرةٍ وحيداً،بعيداً عن أي عنصر بشري،بعد ان تخلت عنه والدته خوفاً من شقيقها الملك،ووضعته في تابوت وتركته يصارع أمواج البحر ،حتى وصل آمناً مستقراً إلى شواطئ جزيرة الواق واق، لتتبناه ظَبية بعد أن سمعت صوت بكائه.هذا الشخص حسب القصة عندما بلغ سن 35 سنة حصل على معرفة الله ،معرفة أساسها ومصدرها التفكر والنظر في أدلة الوجود،وصل الى المعرفة من غير المرور بالشريعة واقتفاء اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفلسفة ابن طفيل الواردة في هذه الرواية تبناها تلميذه ابن رشد وهو محور سؤاله ،وجواب ابن عربي ب” نعم” لا” ..

ويذكر ابن عربي في فتوحاته انه ذهب الى مراكش سنة 595 هــ للتعرف على ابي العباس السبتي، الذي داع صيته فوجد أهل ابن رشد ينقلون جثمانه من مراكش إلى قرطبة، فَجُعل نعش ابن رشد على دابة وكتبه جعلت تعادله من الجانب الاخر للدابة ،فعادل جثمانه مؤلفاته:. فقال بيتا شعريا في ذلك :
هذا الإمام وهـذه أعماله = يا ليث شعري هـل أتت آماله؟            

              
وواضح في هذا البيت السخرية بالتفكير الفلسفي،و إشارة الى ضياع عمر ابن رشد وجهده في محاولته التوفيق بين الدين والعقل

وان ماكتب يوزن به  

ابن رشد كان يهدف من سؤاله: … هل وجدتم الأمر في الكشف والفيض هوما أعطاه النظر؟يريد اعترافًا من صوفي كبير وصاحب كشف،بأن الغاية التي تصل إليها الفليسوف،هي بعينها القمة التي ينشدها الصوفي صاحب المجاهدات والخلوة ،أي التوفيق بين الدين والفلسفة،وأن العقل يلتقي بالروح في خاتمة المطاف.

قال ابن عربي: نعم،ففرح ابن رشد،ثم استدرك محيي الدين،فقال:لا،فحزن ابن رشد، نعم؛ لأن العقل قد يهدي إلى الله، ويدرك ويلمس أسرار الكون،قال تعالى(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) ولكن العقل من العقال،فكما يمنع صاحبه من المهالك، يمنعه كذلك من الخير، فيمكن أن ينزلق ويضل في المتاهات ،ولا يأمن من مكايد الشيطان ..

ولذلك قال ابن عربي: وبين نعم ولا،تطير الأرواح. .

يقول ابن عربي في الفتوحات الجزء1 (جوابا على لا)…. : وكم من عاقل ممن يدّعي العقل الرصين من العلماء النظّار يقول أنه حَصل على معرفة الذات من حيث النّظر الفكري وهو غالط في ذلك، وذلك لأنه مُتردّد بفكره بين السّلب والإثبات.[اي بين نعم ،ولا ] فالإثبات راجع إليه،فإنه ما أثبت للحق الناظر إلا ما هو الناظر عليه من كونه عالماً قادراً مُريداً إلى جميع الأسماء.والسّلب راجع إلى العدم والنّفي،والنّفي لا يكون صفة ذاتية،لأن الصفات الذاتية للموجودات إنما هي ثُبوتية.فما حَصل لهذا المفكّر المُتردّد بين الإثبات والسّلب من العلم بالله شيء.. انتهى..].

يقول الشيخ احمد سُكيرج في معرض شرحه لاسئلة الحكيم الترمذي ان احد الصالحين راى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فساله عن ابن رشد ،فقال صلى الله عليه وسلم:  ذالك رجل أراد أن يصل الى الله بغير وساطتنا فقَطَعْناه.

فالسلوك الى معرفة الله ومعرفة اسمائه وصفاته ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم دون الواسطة المحمدية لاتوصل الا الى متاهات ونتائج لا طائل منها،ولا يعول عليها.

‘..فكل وليّ إنما يستمطر سحابها ويسهل عُبابها،وكل من ظنّ أنه يُعرج بغير وساطته فإنما صعوده هبوط في سجنه وحثالته،(الجيلي .كتاب”قاب قوسين)”

و ذكر ابن العربي قصّة اجتماعه بابن رشد في معرض كلامه على إدريس عليه السلام الذي رفعه الله مكاناً عليّاً الى السماء الرابعة حيث فلك الشمس،وحاكم ملائكة هذه السماء هو إسرافيل،وسماه مُداوي الكَلوم لأن الكلوم هي الجراحات،

ويقول عنه أنه هو الذي علم الطب،والفلك، والحروف،والكيمياء،وهو أول من خط بالقلم .وسيدنا ادريس يقول عنه الحق تعالى (انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا)فمر من مقام الصديقية، ككبار الصوفية,وهو صاحب حساب الجمل ،يسمى علم الرمل،وعلم الخط،وأول من عمل به سيدنا ادريس على نبينا وعليه الصلاة والسلام(كان يخط في الرمل).

       قال طائفة من الصوفية أنه المُشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل الرسول محمد عن الخط بالرمل فقال: «قد كان نبيٌّ مِن الأنبياءِ يخُطُّ فمَن وافَق خطَّه فذاك”.

حصل المقال على : 216 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد