بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تفضل على عباده بالإيجاد والإنعام وجعلنا من أمة سيدنا محمد خير الأنام.اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا وعلى ال سيدنا محمد صاحب الشرائع الأحمدية والشريعة المحمدية.العقل الاول الذي ارتقت فيه الأسرار والعلوم والقلم النوراني الذي سطر به كل قدر ومقدور،وعلى سيدتنا فاطمة الزهراء البتول وصحبه وسلم.
قال البسطامي رحمه الله : (خضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله)وقال الجيلاني قدس الله سره : ( معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا ما لم تؤتوه ).
وردت كلمة “خلافة”نكرة في القرءان الكريم “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة”(البقرة)وفي سورة ص “يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض”غير معرفة وفي النكرة إطلاق للخصوص والعموم ،فكانت الخلافة كلية وجزئية خاصة وعامة:
الخلافة الكلية هي التي اعطيت لنبينا محمد صلى الله عليه وعلى ءاله :خلافة كلية أزلية أبدية. قال تعالى”يا أيها الرسول انا ارسلناك شاهد” والشاهد من المفروض أن يكون حاضرا، شهادته على أهل الكون كلهم :(وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا)( النحل)،وشهادته على أمته : (وجئنا بك شهيداعلى هؤلاء)(النساء).ولابد لهذا الخليفة الكلي والبرزخ الجمعي ان يظهر بصورة من استخلفه فيما استخلفه،فظهر متحليا بجميع الاسماء والصفات الالهية التي يطلبها العالم الذي ولاَّه الحق سبحانه عليه (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله) ومن هنا كانت له وجهة حقية صلى الله عليه وسلم.اما وجهته الخلقية فهي ظهوره بشرا من جنس من أستخلف عليهم، لكي لايعبد من دون الله (قل إنما أنا بشر مثلكم).
وهذه الخلافة على الكون الإلهي إقتضت أن يكون له نواب قبل ظهور الجسم الشريف وهؤلاء النواب هم الرسل والانبياء,فلهذا كان صلى الله عليه وسلم إماما لهم في الاسراء بهيكله الشريف المولود من أم وأب وهم أرواح لطيفة.فكان الإمداد يأتيهم في زمن خلافتهم من تلك الروح الكلية ،فظهروا بشرائع،وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن وصل زمان ظهورالجسم المحمدي الشريف الطاهر،فاندرج كل نورفي نوره،وغاب كل حكم في حكمه ، وظهرت سيادته التي كانت باطنة فله الأولية والآخرية والبطون والظهور،وعلٍم بعلم الله كل شئ قال” أوتيت جوامع الكلم وبينما أنا نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي” (رواه مسلم)وقال عن ربه:ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين والآخرين(رواه الترمذي).
قلت وفي النكرة إطلاق للخصوص والعموم ومن هنا ورث الأقطاب هذا المقام،وقيل في الغوث أنه محل نظر الله من العالم إشارة إلى هذه الخلافة،وهي خلافة جزئية خاصة بعد إنقطاع النبوة التشريعية حازعليها الأولياء الذين وصلوا مقام القطبانية والغوثية والختمية (ولكل زمان ختم). قال تعالى”خلائف الأرض”(الانعام) الارض هنا اشارة الى النبوة ،وفي سورة يونس قال تعالى “خلائف فــــي الارض”هذه تشير الى الخلافة العامة لسائر البشر.
وكل الرسل كان في زمنهم أنبياء نصروا بهم إلامولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن معه أنبياء،لأنه الخليفة الكلي ،حاظر بجسمه الشريف ولايحتاج الى من ينوب عنه إنما نُصر بأصحابه الذين إنتشلهم من ظلمات الجهل وظلام الجاهلية، ورباهم أحسن تربية ووصلوا مقامات قعساء حتى قال فيهم صلى الله عليه وسلم فيما رواه احمد”إن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال من تبعني فهو مني ومن عصاني فانك غفوررحيم،ومثلك يا عمر كمثل نوح …ومثلك يا عثمان كمثل موسى ومثلك يا علي كمثل عيسى ….. “الحديث. قال رسول الله “لوكان بعدي نبي لكان عمر”( الترمذي والحاكم والطبري) وقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه:أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي (البخاري) فأعطاه المقام دون اللقب.وقوله صلى الله عليه وسلم “لقد كان فيمن قبلكم محدثون فإن يكن في امتي فعمر(مسلم والترمذي).
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري” إنما أنا قاسم وخازن والله المعطي” وقال له الحق سبحانه “هذا عطاؤنا فامنن أوأمسك بغير حساب”(انتبه الى انقلاب الضمير) فالخزائن,بيده فأعطى الأولين الإسم والمقام ،وورث أفراد أمته المقام” العلماء ورثة الانبياء” “علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل “وعمم صلى الله عليه وسلم نصيب الميرات لأمته فقال : من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لايوحى إليه(صحيح الإسناد) أي من قرأ القرءان إلتحق بدرجة النبوة وقال بين جنبيه ولم يقل فيه لأنه ليس بنبي،فالنبوة ختمت بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”َالرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ “( البخاري).
وكل الأنبياء جاءوا ب “لاإله إلا الله”ليس معها ابراهيم رسول الله أو موسى رسول الله…. لأن رسالات السابقين فرع عن رسالة سيدنا محمد قال تعالي : إن هذا( أي القران )ذكر من معي وذكرمن قبلي) فكانت” لا إله إلا الله” شريعة ومحمد رسول الله حقيقة.والشرائع السابقة جاءت بالشريعة دون الحقيقة بدليل قصة موسى عليه السلام والخضر،أما سيدنا محمد فجاء بالشريعة مصحوبة بالحقيقة .”ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ،أما أحدهما فبثتته ،وأما الآخر فلو بثتته قُطِعَ هذا البلعوم.. رسالته صلى الله عليه وسلم كانت صفة له ذاتية له،ورسالتهم كانت بالجعل ،أمانة أدوها وإنتهت بإنتقالهم..جاء صلى الله عليه بالشهادة مقرونة بالرسالة وبهذا ضوعف الأجر الحسنة بعشر أمثالها ولم يكن هذا في الأمم السابقة وكانت ليلة القدر تأتي لهم كل 33 سنة (يسمى هذا الإزدلاف ) . قال تعالى “قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا من إتبعني “حَظِيَّ بهذا الاتباع الاولياء الذين وصلوا مقام القطبانية .قال تعالى “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا “شرعة للأنبياء ومنهاجا للأولياء ولله ذر القائل :
كل النبيين والرسل الكرام أتوا ***نيابة عنه في تبليغ دعواه
فهو الرسول الى كل الخلائق في ***كل العصور ونابت عنه أفواه
قال صلى الله عليه وسلم:إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي،خلفه نبي، وأنه لانبي بعدي إنه سيكون خلفاء(رواه أحمد).خلفاءالخليفة الكلي كما كان ءادم خليفة وكما كان داوود خليفة,خلفاء جاءوا بعد ظهور الهيكل المحمدي مدحهم بقوله “مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌأَمْ آخِرُهُ “(الترمذي وأحمد).
أما ماجاء في القرءان الكريم يصب في المعنى الذي نقتفي أثره وننقب عنه قوله تعالى “ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده”(النحل)و”من” تطلق على العاقل بل وردت في حق الله “أفمن يخلق كمن لا يخلق “وعمم تعالى عطاءه”على من يشاء من عباده”
قال تعالى”ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أومن وراي حجاب “(الشورى). قال”ما كان لبشر”ولم يقل” ماكان لنبي أورسول”فعمم .كلم الله الأنبياء والمرسلين بالوحي وكلم الأولياء بالفتوحات وإنتبه الى كلمة “وراى” كيف رسمت بالياء ولم تكتب بالهمزة كمافي الآية 53من سورة الأحزاب “فاسألوهن من وراء حجاب”الحجاب في سورة الأحزاب مادي وفي الشورى معنوي وهو حقيقته عليه الصلاة والسلام .
فالأيات الواردة لم تحجرعطاء الله في الانبياء فقط، ولايكون الوحي بأمرأونهي أوتشريع لا،لا ،بل يمكن أن يكون مبشرة أو بصحة حديث قال الناس أنه ضعيف أوموضوع ،أوعلوم لدنية ،ومعارف وأسرار.
أما الاحاديث المؤيدة لهذا المعنى: قال صلى الله عليه {البخاري}”إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابرفي الأفق من المشرق أوالمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يارسول الله تلك منازل الأنبياء لايبلغها غيرهم،قال بلى والذي نفسي بيده رجال ءامنوا بالله وصدقوا المرسلين”ولم يقل تلك منازل الرسل لأن المقام بين النبوة التشريعية والصديقية. ولا مقارنة بين الانبياء والأولياء.
وفي سنن ابي داوود قال صلى الله عليه وسلم :إن من عباد الله لأناسا ماهم بأنبياء ولاشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله..هذا الحديث رواه احمد بصيغة “على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والصديقون “
يقول إبن عربي في فتوحاته “إن هناك مقاما روحانيا أعلى من الصديقية يقع بين الصديقية والنبوة وهو مقام القربة الذي يمثل الدرجة القصوى في درجات الأولياء وسماه أيضا مقام النبوة اللاتشريعية “انتهى.
ويقول في الجزء 2 الصفحة 252:
بين الولاية والرسالة برزخ ***فيه النبوة حكمها لا يجهل
لكنها قسمان إن حققتها ***قسم بتشريع وذاك الأول
عند الجميع وثم قسم آخر***مافيه تشريع وذاك الأنزل
يقول العارف محمد بن عبد الكبير الكتاني في كتابه البحر المسجور:”الخصائص الإلهية لا تنفعل بالخاصية بل عطاؤها مطلق غيرمشوب بتقييد أوتحجير،وهذا يا ولي من العدل الإلهي فإنه أبرز أناسا وجعلهم أنبياء ورسلا ومكلفين ثم قرض عصرهم بخاتم النبيئين فانقرضت نبوة التشريع،وعلم الحق أنا نصل للحضرات فنجد هذا،فربما تنفطر قلوبنا حسرة على ما فاتنا من عليِّ الرتب والمناصب فجبركسرنا،وألتم زجاجتنا،ببديع قسطاسه ،فخضنا بالسقي من الإسم الجامع” انتهى.. فأولئك أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه وأوجب لهم الرضى عنهم فقال” رضي الله عنهم”ووصفهم بأنهم أهل الرضى عنه “ورضوا عنه” ثم وصفهم بأنهم حزبه فقال “أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون “وجعلهم شهداء على الناس وكذلك الأنبياءشهداء على قومهم.
وأعطي هذه الأمة الإجتهاد وهو تشريع ……..فلحقوا بمنازل الانبياء” قالوا يارسول الله تلك منازل الأنبياء لايبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال ءامنوا بالله وصدقوا المرسلين”.
فدائرة النبوة والولاية من مظاهر خلافته الكبرى وظل نبوته الذاتية المطلقة وصورمن حقيقته الأزلية فهو الأوّل والآخر والظاهروالباطن وجميع الدعوات دعوات إليها فالأنبياء والأولياء صورمحمديه وتجل من تجليات الحقيقة المحمدية في الكون الإلهي سميت بالبسطامي والجيلاني والمشيشي… ،وشيخي رضي الله عنه وأطال عمره ونفعنا به(كتب هذا الموضوع في حياة الشيخ رحمه الله تعالى)فهم موجة في بحره وشعرة في جسده الشريف أعطى كل واحد منهم نصيبه من الولاية ونصيبه من العلم اللدني،حسب التجليات الالهية التي تخص زمانه و حسب ما يريد الحق سبحانه وتعالى اظهاره في كونه .
قال الشبلي لأحد مريده أتشهد إني رسول الله فقال له: نعم
وقد سمعت شيخي رضي الله عنه مرارا يقول “لو أزلتم جلبابي لوجدتم محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال “من يعانقني فكأنما يعانق محمدا رسول الله “
وقال رضي الله عنه في بعض تغزلاته :
يا هو يامن ليس للخلق غيره***لبست لباس العز فسترت به عن هو
أراه في نفسي وهيكلي وقالبي ***متمثلا فكدت أقول أنا هو
فهذا هو البحر الذي أشار إليه البسطامي بقوله “خضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله”
والبسطامي كما يقول الحافظ أبو نعيم رحمه الله : ومنهم التائه الوحيد ، الهائم الفريد البسطامي أبو يزيد.تاه فغاب،وهام فآب،غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات ، فارق الخلق ووافق الحق . فأيد بأخلاء الخير،وأمد باستيلاء البر، إشارته هانئة ،وعبارته كامنة ، لعارفيها ضامنة ،ولمنكريها فاتنة اهـــ.
ساحله الشريعة أي كلمة لا اله الا الله .ومحمد رسول الله بحره أي حقيقته صلى الله عليه وسلم والتي هي حقيقة الوجود وتمام المائة للتسعة والتسعين.
بحرلا نهاية لطوله ولا لعرضه ولا لعمقه،فالرسالة والنبوة والأمية لا يقيدهم شيء. بحرماؤه عذب فرات سائغ شرابه” عينا يشرب بها المقربون “بها ولم يقل منها. بحرعجزت والملائكة عن معرفته قال تعالى في سورة الصافات “وما منا إلا له مقام معلوم وأنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ” فأقروا بأن ليس لهم ذكرا من الأولين أي النبوة القديمة “فأنا أول العابدين “كما عجز الأنبياء والرسل،والأولياء عن معرفته”والعجزعن الادراك ادراك” .قال أبو يزيد البسطامي: غصت لجة المعارف طالبا للوقوف على الحقيقة المحمدية فإذا بيني وبينها سبعين ألف حجاب من نور،لو دنوت من أدناها،لاحترقت كما تحترق الشعرة بالنار . بحر أمواجه العلوم اللدنية أطلع الله تعالى بعض الورثة المحمديين على شئ منها بطريق التبعية والإقتداء به صلى الله عليه وسلم حتى خاضوا فيها وسبحوا ونالوا منها النصيب الأوفروالحظ الأكبر وإستخرجوا منه لؤلؤا المعرفة ومرجان الحقائق،وأُوُقفت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بساحله لأنهم ليسوا من امته واقتبسوا من الاسم “الباطن”فعرفوه من حيث هذا الاسم قبل الاولياء،وقبل ان يرى البسطامي النور.قال تعالى”واذ اخذ الله ميثاق النبيئين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه” فأقروا بذلك.قال تعالى “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “وقال تعالى “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”وقال تعالى”وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم “وعرف سيدنا سليمان سر البسملة “إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ” (وانتبه الى تكرار”إنه”)فلم يخوضوا البحر،لأن الاسم الباطن يقتضي البطون ،والخوض في حقيقته صلى الله عليه وسلم يقتضي ظهورالمقتضيات الكونية ،وكل شئ في الكون لايظهر الا بترتيب زماني “كل شئ خلقناه بقدر”والقرءان لم ينزل عليهم بل نزل علينا ،ونحن المأمورون بالصلاة عليه والتسليم فصلوات العارفين هي بطاقة تعريف للحقيقة المحمدية ،وتُظهر المقتضيات القرءانية، فهم لم يقفوا بل أُوقفوا.أوقفتهم التجليات الالهية،ونحن خضنا ولكن منا من خاض مع الخائضين.
وهذا البحرلاتركب أمواجه إلابه(صلى الله عليه وسلم)وبراحلة ذات ألواح ودسر أي الشيخ العارف الرفيع القدرالكبريت الأحمر،وإن شئت فالألواح معرفة القرءان بمحمد، والدسر معرفة محمد بالقرءان.
أما قول الجيلاني فهو يصب في نفس المعنى”معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب وأوتينا ما لم تؤتوا”
أوتوا لقب النبوة المؤذن بالرفعة والجاه والمقام العظيم الذي لم يؤته أحدغيركم وأحطنا بما لم تحيطوا به خُبرا،لأنكم لم تدركوا زمانه ،ولم تكونوا من أمته كما أن المقتضيات القرءانية،وما سطرفي بساط الرحمانية إقتضواعدم ظهور هذه الأسرار في زمانكم فهو كقول الخضر لموسى عليهما السلام”يَامُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ “رواه البخاري.عرفنا حقيقة نبينا وحبيبنا و انه اول نور وأول العابدين،عرفنا ذوقيا سريان حقيقته في الكون اللإهي في كل جزئيات الوجود” فأينما تولوا فثم وجه الله” ورحمتي وسعت كل شئ “إذ لولا هذا السريان لإضمحلت المخلوقات،عرفنا انه هو الذي عرف الخلائق بالخالق فأصبح الكون كله ساجد ولله عابد”ولله يسجد من في السموات والارض””وإن من شئ إلا يسبح بحمده”.
جاء في كتاب”الإبريز”من كلام سيدي الدباغ عبد العزيزرضي الله عنه:وسألته رضي الله عنه قول أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه: خضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله. فقال رضي الله عنه:النبوة خطرها جسيم وقدرها عظيم،وصاحبها كريم ذومقام رفيع وجناب منيع،لايبلغ أحد مقداره ولايشق سائرغباره،فهيهات أن يصل الولي إلى رجالها،وشتان مابينه وبين رجالها،ولكنه قدعلم أن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم هوسيد الأنبياء وإمام المرسلين وخيرة خلق الله أجمعين،وقد يعيرصلى الله عليه وسلم بعض أثوابه لبعض الكاملين من أمته الشريفة، فإذا لبسه حصل له ما قاله أبويزيد البسطامي،وذلك في الحقيقة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الخائض لتلك البحور والمقدم على سائرالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. انتهى قال حسان بن ثابت رضي الله عنه
لمانظرت إلى أنواره سطعت=وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته=فلست أنظره إلاعلى قدري
الأنوار من نوره في نوره غرفت =وطاعته ابهى من الشمس والقمر
روح من النور في جسم من القمر= كحُلة نسجت في الأنجم الزهر
فينبغي للسالك ان يضع كفه على كشفه،وإلهامه وظنونه، وأن يقف بالأدب عند العجزعن ادراك حقيقته صلى الله عليه وسلم. قال تعالى “إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا “كلمةالامانة “هي الوحيدة الثابتة في القرءان الكريم.فالانسان اما ظالما لهذه الامانة بعدم معرفتها ومعرفة حقوقها وحقيقتها (ومن معاني الظلم :النقص( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ)،وأما جاهلا قدرها
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي جَعَلَ اللهُ أَسْرَارَ نُبُوَّتِهِ تُوَرَّثُ ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّاوَحيًا أَومِن وَرَايِٕ حِجَابٍ﴾فَأَطْلَقَ وَعَمَّمَ.فَأَنْوَارُ النُّبُوَّةِ بَاطِنَةٌ حَتَّى قِيَامِ السَّاعَةِ. مُسْتَمِرَّةٌ فِي الدَّاعِينَ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.فَكُلُّ وَلِيٍّ عَلَى قَدَمِ نَبِيٍّ﴿مَثَلُهُم فِي ٱلتَّورَىٰةِ وَمَثَلُهُم فِي ٱلإِنجِيلِ﴾ *مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ… *أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى*. *العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ*وَرِثُوا المَنْزِلَةَ دُونَ اللَّقَبِ.*يا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ… بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رَجَالٌ ءَامَنُواْ بِاللهِ وَصَدَّقُوا الرُّسُلَ *.*عَلَى مَنَابِرِ مِنْ نُورٍ يَغْبِطَهُمْ الأَنْبِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ*﴿وَمَاكَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا﴾خَاضُوا بَحْرَ الحَقِيقَةِ وَقَفَ غَيْرُهُمْ بِسَاحِلِه﴿أَلَم أَقُل إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبرا﴾ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ..
محمد بن المبارك.هذا الموضوع عثرت عليه صدفة في ارشيفي الالكتروني كتب سنة 2009