بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العٰلمين والصلاة والسلام على سيدنا و مولانا محمد سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العٰلمين،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين ،وعلى آله وصحبه اجمعين.
الموضوع الذي بين يدينا،هو في الأصل محور سؤال بين ثُلّةٍ من إخواننا في المعهد الفاطمي المحمدي على الواتساب وهو :مادليل استمرار برزخية النبوة المحمدية ووساطتها دنيا و آخرة ؟
نقول وبالله التوفيق:استنباط اسرارالوساطة المحمدية من القرآن ومن الاحاديث الشريفة عند أهل الله المحققين،يعتبر مِنْ أغلى وأعلى وأرقى الحقائق الاحمدية والتحقيقات المحمدية التي تضاف الى النفحات العرفانية الرقيقة،والغائصة،والتي تتعلق بمعرفة الحقيقة المحمدية من حيث : -أقدميتها أزلا
-سرمديتها أبدا
-اصطحابها بالأحمدية في بساط الألوهية وتحلِّــيها بكل الأسماء والصفات الإلهية.
-كونها خليفة الله تعالى،ظاهرا وباطنا،مُلكا وملكوتا.وبالتالي مراقبتها لسير الدوائر الكونية وفق الارادة الالهية.
سنعرض للموضوع عبر وَصْليْن إثنَيْن:
وَصْلٌ أول = برزخية النبوة ووساطتها في الدنيا
وَصْلٌ ثانٍ = برزخية النبوة ووساطتها في الآخرة
قبل الشروع في ذلك ،لا بد من التوطئة بشرح معنى البرزخ
البرزخ كلمة اصلها فارسي ويعرف في لغة العرب بأنه الحاجز والحائل بين كلّ شيئين،وتسمّى قطعة الأرض المحصورة بين بحرين موصلة بين ارضين برزخا كبرزخ قناة السويس،ويدخل في هذا المعنى قوله سبحانه:(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ) أما المعنى الشرعي للبرزخ فهو المرحلة الفاصلة بين دار الدنيا ودار الآخرة، وتحدّد بأنّها ما بين أن يموت الإنسان إلى أن يُبعث يوم القيامة. فالروح بعد مغادرتها الجسم تنتقل إلى عالم البرزخ. أما البرزخ في الاصطلاح الصوفي فهو النبوة المحمدية الفاصلة بيم حقائق الالوهية وحقائق المربوبين .يقول ابن عربي قدس الله سره في الفتوحات / ج 2 ص 391 :(إن الحضرة الإلهية على ثلاث مراتب : باطن ؛وظاهر؛ووسط ،وهو ما يتميز به الظاهرعن الباطن وينفصل عنه،وهو البرزخ ،فله وجه إلى الباطن ووجه إلى الظاهر،بل هو الوجه عينه فإنه لا ينقسم ،وهو الإنسان الكامل أقامه الحق برزخاً بين الحق والعالم ،فيظهربالأسماء الإلهية فيكون حقاً ،ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً).انتهى.
فالنبوة المحمدية واسطة بين الحق والخلق،لها وِجهة الى الحق هي الوجهة الحقية،ووجهة الى الخلق هي الوجهة الخلقية .هذا البرزخ أعده الله للنزول الإجمالي والتفصيلي لتستمد كل العوالم منه.والى هذا المعنى أشارالشيخ الرفاعي قدس الله سره في” البرهان المؤيد”– ص67 بقوله( البرزخ الوسط : هونبيكم صلى الله عليه وسلم الآخذ عن الله )و عبرعن ذلك الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سره بقوله :(برزخ البرازخ كلها وجمعها هو الحقيقة المحمدية )(كتاب المواقف في التصوف والإرشاد)…
فبرزخية النبوة المحمدية ملكا وملكوتا ،ظاهرا وباطنا .. دنيا وآخرة.. حجابا قائما بين الحق والخلق لغنى الله تعالى عن العٰلمين قال تعالى( إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) (فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنكُمۡۖ)(فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ). والنبوة المحمدية التي اسندت لها مهام الوساطة البرزخية هي رحمة للعالمين، جمعت بين الأضداد ،فمن حيث وجهتها الحقية هي نور إلهي برق من الصفة الأحدية،وتحلت بجميع الأسماء والصفات الإلهية، فاصطحبت مع نور الفيضة القرآنية،فأقامها الحق سبحانه مقامه، وأنابها عنه في ملكه، تصرفا وعطاء وقسمة،فهي مظهرُ البيعة الإلهية.بشاهد قول الحق سبحانه(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله).. ،تستمدّ من الحق وتُمدّ الخلق،فكل العطاءات تمُرّ عبروساطته صلى الله عليه وسلم..
أما من حيث وجهته الخلقية :. فهو صلى الله عليه وسلم من جنس من إستخلف عليهم،بشرا مثلهم ولد من أم و أب عليهما السلام (یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ).. (قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرمِّثلُكُم) ،تَظَاهَرَ بالعبدية كي لا يُعبد مِن دون الله ،وَتَستَّر بالبشرية،وَتَلَثَّمَ بالفقر (يا أَبا بَكْرٍما أَخرجكَ،قَالَ الجوع. فَقَالَ”وَأَنَا أَخْرَجَنِي الجُوعُ)…
وصْلٌ أوَّل = برزخية النبوة و وساطتها في الدنيا :
سيدنا ومولانا محمد هو البَرْزَخُ الفَاصِلُ بَيْنَ الحقية والخلقية ،برزخ عظيم بين المخلوقات وربها، فمعاملة الخلق كلها معه﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَّبِّهِ أَحَدًا)،ولم يقل تعالى ولا يشرك بربه احدا ،فلا تلقّي للخلائق من الجناب الأقدس إلا بواسطة حقيقة الحقائق.
دلائلُ هذه البرزخية مِنَ القرآن كثيرة :
الآية الأولى :-﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما﴾: اسْتُهِلّت هذه الآية الكريمة بالقسم (فلا وَرَبِّكَ)فالواو للقسم وربك مقسوم به وأداة (فلا) للمزيد من التوكيد للقسم.. وجاءت(لا) لتأكيد جواب القسم في قوله تعالى: ﴿لايُؤْمِنُونَ﴾ كما قال علماء اللغة والتفسير.. لا نافية،ويؤمنون فعل مضارع ..أَقْسمَ الحق سبحانه بالربوبية : بل ربط الربوبيةَ المقسومُ بها بكاف الخطاب المُوجَّه للنبوة (وَرَبِّكَ)، أَقْسمَ على نفي الإيمان على وجه التأبيد والديمومة ،نَفْيَهُ عمَّن لمْ يحكم النبوة في أمره (حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ). فمتى لمْ يتمّ تحكيمُ النبوة في كل أمر يخُصُّ المومن،انتفى عن هذا الأخير الإيمان. “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ” ..و(يُحَكِّمُوكَ) فعل مضارع يفيد الاستمرار،رُبط بحرف غاية وجر(حَتَّى) : فالغاية تمليك كل نفسٍ مِن حُكم سلطان النبوة الدائم عليها ،وجَرِّها لتخضع لهذا السلطان،هذا لبيان حكم الشريعة ،لتُقام الحُجّة على المُكَلّف.. فللنبوة مطلق الحكم على المكلفين وفوق رؤوس العٰلمين،حلًّا وعقدا،قضاء وحُكما،عطاءا وقسمةً (الله معطي وانا القاسم).
(حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ): لاحِظْ انقلاب الأفعال :(يُحَكِّمُوكَ) فعل مُضارع ،يفيد ان تحكيمُ النبوة وتَصرُّفُها استمراري،وأنها في الكون حاضرة وله ناظرة.
(شَجَرَ)فعل ماضٍ،ليُعلم أنَّ اختلاف الأمة واقع لا محالة(وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرا مَّقۡدُورًا) فالنبوة اطّلعتْ على كل ذلك في البسائط الأولى،والتي لاخُبرلنا بها ولا خَبرعنها ،فهوصلى الله عليه وسلم ،عَلِم ماسبق ،بحكم الاستخلاف المُطلق وتحكيمُه مُستمِرّ محقق .شريعة وحقيقة،وهذا التسليمُ يتفاضل فيه أصناف المومنين :فمن كان أذْعَنَ لحكم الشرع من غيره صارأرفعَ مقاما ،ومَنْ لا، فلا ،حتى يكون هوى المومن تبعا لما جاء به سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله ..
مِّمَّا قَضَيْتَ = لم يقل الحق تعالى (من ما قضيت)وتبيان التبعيض..بل (مِّمَّا قَضَيْتَ)هذا يعني أن للنبوة قضاءا كاملا مطلقا لا تبعيض فيه ..وهو قضاء غير معلول بكسب المتّشاجرين مِنَ المكلفين ،إذ بحكم الاستخلاف،حُكمها موافِقٌ لما قدره الله تعالى وقضت به إرادته.(قَضَيْتَ) بصيغة فعل ماض ،فسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله ،عرَفَ سير الكائنات واطّلع على كل الموافقات والمخالفات الكونية” ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ” فذرهم وما يفترون” معرفة مسبقة.قبل القبل….قال المحقق: (بمقتضى الاصطحاب لايخفى شيء في الكون عن النبوة،فهي تعرَّفَتْ على جميع المقتضيات،وهي حاضرة في جميع التجليات، تتكلم جميع اللغات مطلعة على الجزئيات والكليات ،خبيرة بكل الهويات،وواسطة في كل العطاءات) .. ﴿وقيله يارب إن هٰؤلاءقوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون﴾ فلا يفاجئها مَن عصى الأمر،وخالف الشريعة وأنْكر،فسلطان التجلي حاكم ولامناص منه ولا مفر﴿ما من دابة إلا هو اخذ بناصيتها إن ربي علىٰ صرٰط مستقيم﴾ انتهى.فافهم يا صاح إن كانت ممن …
(وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)…انتبه لانقلاب الفعل ليصير مضارعا: فالتسليم فِعلٌ يصدرمنا تعظيما لشأن النبوة لقائمة بكل الاحكام على وجه الاستمرار..وأرْدَفَهُ الحق بمفعول مطلق (تَسْلِيماً).. تسليم كامل مطلق له صلى الله عليه وسلم وعلى آله ..فَأَیۡنَ تَذۡهَبُونَ……؟
الآية الثانية –﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم﴾…﴿قَضَى اللَّهُ﴾فعل ماض واسم الجلالة فاعل كما يليق بجلاله ﴿وَرَسُولُهُ﴾ معطوف على إسم الجلالة والعطف في حقيقة الامر هوالإصطحاب في بساط الألوهية ..القضاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ازلا ،إرادة الحق تعالى سابقة لا لاحقة ،فاعلة لا منفعلة، والامر يعود إليها بدءا وعودة،اولا واخرا ” اليه يرجع الامر كله”..وسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم بحكم الاصطحاب والخلافة الكونية ،هو المسير للدوائرالكونية وبالتالي له دورفي القضاء(قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ)قضاء غير معلول بكسب كاسب ،فهو ليس منفعل ..فافهم يا أُخيّ قدرنبيك العظيم صلى الله عليه وسلم ..
وَما﴾ استئناف ونفي ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص ﴿لِمُؤْمِنٍ﴾﴿وَلا﴾﴿مُؤْمِنَةٍ﴾ نفي يشملهما ﴿أَنْ﴾﴿يَكُونَ﴾ مضارع﴿لَهُمُ﴾﴿الْخِيَرَةُ﴾ ..حسم الأمر فلا خيار للمومن فيما سبق به القضاء الالهي..لانه قضاء محتوم و يد النبوة قاسمة لكل عطاء مقسوم ..واحسب الجملة (قضى الله) تجد النبوة ثمة حاضرة: 19 ×14.. 19 طلسم النبوة و 14 إسمه وهاب ..فما من عطاء الا وهو وهب إلهي ، قسمته النبوة وأوصلته لمستحقيه.. ففي حقيقة الامر ثم إلا عطاء إلهي قائم،و برزخ محمدي قاسم… فَأَیۡنَ تَذۡهَبُونَ.حيثما ذهبتم لا تجدون الا محمدا صلى الله عليه وسلم بلباس الاسماء الالهية ؟
وصل ثانٍ = برزخية النبوة ووساطتها في الآخرة:
في الآخرة لا بد للوساطة النبوية أن تكون حاضرة من باب أولى وآكد .. من بين دلائل ذلك :
الآية الأول : (دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰم وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِین) ٱللَّهُمَّ =الله+م… لا يتصل باسم الجلالة إلا المصطحب معه،محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم.فهذه الميم،هي الميم المدغمة من اسم (محممد)والتي تشير الى الحقيقة المحمدية ، فجملها محممد=132، وهذا العدد هو 13+ 66+ 53،،ظهرت الاحدية 13، واسم الجلالة (بساط الاصطحاب) 66، والفيضة الأحمدية53 ،هذه الميم ظهرت في النطق وبطنت في الكتابة، وظهرت في آخره اسم الجلالة “الله” منحنية إنكسارا وتذللا،لأنها متصفة بالعبودية حتى ولولبست حلل الأسماء الإلهية،وتعممت بتاج الخلافة الكلية.. اللهم= 13+66+53..حساب اهل الانوار كما يحلو للشيخ الاكبر ان يسميه.
–الآية الثانية : ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُون﴾..
فالذهاب بالنبوة يفتح المجال للجلال المحض،لأن مذهب النبوة هو توحيد الله والاقرار بوحدانيته ،والوجود اذا خلا من لا اله الا الله محمد رسول الله،تصبح التجليات لا تسير الا في اتجاه المنتقم والجبار والقهار وغيرها من اسماء السحق والمحق.. والكون مآله الى العدم.. “لاَ تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: الله، الله”. رواه مسلم.
فبقاء الرحمة الالهية مشروط ببقاء النبوة ،والعطاءات الالهية تصل الى الموسوط المخلوقات بالواسطة المحمدية، لأن خلق الخلق، معلول للنبوة أصلا فلولا النبوة ما خرج الخلق من العدم الى الظهور، لذلك جاء في الحديث (لولاك لولاك لما خلقتُ الأفلاك)قال الشيخ أبو العباس التجاني قدس الله سره:(ما خلق الله لنفسه إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،والباقي الوجود كله مخلوق لأجله معلل بوجوده . لولا أنه خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما خلق شيئاً من العوالم ، فبان لك أن الوجود كله مخلوق لأجله )انتهى ،وقال استاذنا (فالوجود مخلوق لمخلوق.وانفرد الحق تعالى بالغنى المطلق.فهو تعالى غير محتاج لالكون ولا لأكوان ولاتنفعه طاعة ولايضره عصيان .خلق الخلق للخلق لا له) ،
فهو صلى الله عليه وسلم وعلى آله محل نظرالحق من الخلق و به كان الخلق فهوعلة الإيجاد وواسطة الإمداد.. وعلى قدر الاستعداد يكون الامداد”كل ميسر لما خلق له”.
قال تعالى (وَمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَهۡووَلَعِب وَإِنَّ ٱلدَّارَٱلۡـَٔاخِرَةَ لَهِیَ ٱلۡحَیَوَانُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ)؟ هذه الدنيا الفانية مقارنة بالاخرة ليست إلا لهو ولعب لأنها دار زوال.. .أَفَيَنْتَفي دورالقاسم للعطايا صلى الله عليه وسلم في الآخرة ؟؟…مع ان الآخرة هي (ٱلۡحَیَوَانُۚ..).. أي هي دارالخلود.فالنبوة قاسمة للعطاءات وفي الآخرة تكون هذه المهمة من باب أولى و آكد.
ٱلۡحَیَوَانُۚ..جُملها يعطي 106 =53 +53 .. أي =أحمد+أحمد. وهو نفس جمل دعاء أهل الآخرة كما تقدَّم ذِكره (اللهم=106 ) فما ثم غيرسيدنا ومولانا محمد أحمد صلى الله وسلم ،وِجهةً وملاذاً للخلائق تتعلق به في الآخرة شفاعةً وكهفا للأمان .وامحمداه وامحمداه وامحمداه. كما كانت تلوذ به في الدنيا باعتباره عين الرحمة وقاسم العطية،علم ذلك من علمه و جهله من جهله.. فالتعبير بهذا الوصف (ٱلۡحَیَوَانُۚ )هوتعبير يتيم في القرآن ومعناه أن الآخرة هي الحياة الحق مصدرها الصفة (أحمد)والموصوف بها (محمد) صلى الله عليه وسلم ..فمجرد هذا الوصف يثبت كامل الحضور والحياة الذاتية للنبوة… وحياةُ مَنْ في الآخرة مرتبطٌ مرهونٌ بصاحب هاته الحياة الذاتية التي هم بها أحياء ،وبوساطته تعطى العطاءات ،وتقسم الامدادات،وترفع المقامات…فالخلائق منوطون بالاسم الجامع(الله)بساط الإصطحاب وبالمصطحب معه ،فبرزخية النبوة لن تنقطع عن اهل الآخرة .أما في الدنيا فمُقتضى الاسم الإلهي لايَصِلُ إلى الكون مباشرةً بلْ لا بُدَّ مِنَ الاصْطحابِ بالنبوة لكي يكونَ اللطف،والرحمة في دار الفناء ،والدار الاخرة من باب اولى اذ هي الحيوان أي الحياة الحقيقية ،ومن شاغبَ وأنكر شمول تلك الرحمة النبوية هنا وهناك فليُعدّ جوابا حين لا يبقى للخلائق إلا سيدنا ومولانا محمدا صلى الله عليه لتلوذ به بما فيهم اولي العزم من الرسل والملائكة الكرام عليهم السلام ..وسيد الوجود يقول أنا لها أنا لها..
فأهل الجنة في نعيمٍ مقيم ٍ،وواسطة النبوة قائمة للغنى المطلق لله فلا ضرةً لها في كون الله.دنيا واخرة.. قال استاذنا بل( حتى الجمال لوْ ظَهَر مِنْ غير حجابِ برزخيّتِه لما استطاع الكونُ تحمُّله،فهو الوساطة العظمى في إمدادات الرّبوبية،هو مَيْزَابُ فَيْضها،وَيَدُ مُنَاوَلَتِهَا،وَمَصْدر إِسْدَائِهَا.وساطة أبدية أزلية من ليلة﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾إلى فيما بعد ضحى يوم” أنا لها”..
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العٰلمين،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين،وعلى آله وصحبه اجمعين.والحمد لله رب العٰلمين..الفقير الى عفو ربه ابن الفاطمي