بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين
اهل الصفة : كل من إتّصف بأوصافهم من (الخروج عمّا كسب لله) أو (أخذه بالله،وأعطاه لله)،فهو منسوب إليهم،فيُقال له (صوفي): إما نسبة إلى (الصّفّة) على غير قياس،وإما لأنه (صَفَت أحواله)..
قال الشيخ زروق: [ كل من إتّصف بأوصافهم فهو منسوب إليهم،سواء كان غنياً أو فقيراً.لأن الله عز وجل لم يمدحهم بالعَدَم،وإنما مدحهم بكونهم (يدعونه بالغدوّ والعشيّ يريدون وجهه)،فمن إتّصف بهذا كان على طريقتهم. ودليل ذلك أنه كان منهم بعد ذلك: (الأمير والفقير،والمُتسبّب والمتجرّد)،ولم ينقل ذلك وصفهم عما كانوا موصوفين به،ولا نقصهم عما هم فيه من العمل بالحق والحقيقة. بل شكروا على الدنيا حين وُجدت،كما صبروا عنها حين فُقدت،فكانوا لمولاهم في الحالتين.ومن كان بهذه الصفة فهو تابع لهم..وإذا كان أمر التصوف (حال أهل الصفّة)،فهو أمر ثابت عن الشارع بتقريره،ولم يبق البحث إلا في التّسمية وهو أمر إصطلاحي لا مدخل للإنكار فيه،إذ هي من عوارض الألفاظ.. ]..
إذا كان مقصود التصوف (تصفية البواطن) حتى يكون العبد على حالة يرضاها الله ورسوله،ظاهراً وباطناً: فكل علم يتوقّف عليه إما من باب الشّرط أو الكمال،إذ مداره على (صدق التوجه إلى الله تعالى) من حيث يرضى بما يرضى.فكل علم لا يصحبه صدق التوجه إلى الله فليس بشيء،إذ (الإخلاص شرط في الجميع)..
وأيضاً مقام التصوف هو (مقام الإحسان) الذي فسّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تعبد الله كأنك تراه،فإن لم تكن تراه فإنه يراك)،وذلك لا يصحّ بدون ما تقع به العبودية والتعبّد من عقائد الإيمان وأعمال الإسلام،فهما ظاهره وهو باطنهما،فلا قيام لهما إلا به،ولا صحّة له بدونهما..ولذلك قال مالك: (من تفقّه ولم يتصوّف فقد تفسّق،ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق،ومن تفقه وتصوف فقد تحقّق)..فغاية التصوف ومداره: (تفسير مقام الإحسان)،لأنه دال بأوله على (خشية الله)،وبأوسطه على (معاملته)،وبآخره على (معرفته)..
والتصوف كان في الصدر الأول (غضاً طرياً جديداً)،لقربه من نور النبي صلى الله عليه وسلم،فكان أقلّ شيء منه يُنهض صاحبه. ثمّ طال أمره وقلّ وجوده،فوجدناه (غثاً يابساً متهشماً)،لكنه يصلح للرّعي كالأول،مع أفضلية الأول.فحقائقه لم تتغيّر،وإن تغيرت أعيانه.فالعمل به لم ينقطع،لكنه (صار غريباً وأهله غرباء)..
وطريق القوم ميمونة مباركة،فكل من سَلَكها ب(الصدق والمحبة والجدّ والإجتهاد) وجد بركتها ويُمنها..وبركتها هي ثمرتها،وثمرتها: (ما ينتُج منها من مكارم الأخلاق ومعرفة الخلاّق)،وقيل: ثمرتها (سخاوة النفوس،وسلامة الصدور،وحسن الخلق)..
رشيد موعشي