النور المحمدي ( صلى الله تعالى عليه وسلم ) النور في القرآن الكريم : أجمع العلماء والمتكلمون على أن النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره وأجمعوا على أنه قسمين : نور حسي ظاهري وبه يدرك البصر الأشياء من المبصرات ، ونور معنوي باطني وبه تحيى القلوب ، وتهتدي البصيرة ، وتستضيء النفس ، ويسر به الإنسان في ظلمات الجهل والمادة ، ويسلك به الصراط المستقيم ، قال تعالى : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه ( الرمز : 22 ) . وقد أطلقت كلمة النور في القران الكريم على معان عدة منها : لتدل على القران الكريم ، كما في قوله تعالى : وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَه ( الأعراف : 157 ) ، وقوله تعالى : فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ( التغابن : 8 ) . كما أطلقت لتدل على ما انزل على سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من الأحكام والإرشادات والتوجيهات : قال تعالى : يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ . وأطلقت على الفطرة أيضاً ، قال تعالى : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( النور : 40 ) . ومن المعاني الأخرى : أنه صفة الله تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( النور : 35 ) . وأُطلقت على سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كما في قوله تعالى : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ( المائدة : 15 ) ، وقوله تعالى : وَسِرَاجاً مُنِيراً ( الأحزاب : 46 ) . ولاختلاف المصادر اختلف العلماء والمفسرون في المراد به ، فقيل : أنه النعم الثلاث التي خُص بها العباد : وهي الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، والقران الكريم ، والعقل ، وقل غير ذلك . والحق فإن المراد به هو جميع ما تقدم ، فهو صفة الله تعالى والرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والقران العظيم والإسلام والعقل والفطرة … فهو واحد في أصله متكثر بمظاهره ، كتغيير ضوء الشمس عندما يظهر بألوان متعددة حين يمر بالزجاج المختلف الألوان . إن النور واحد في جوهره ، متعدد في أعراضه وأغراضه ، ومن أغراضه ما ذهب إليه الطبري وابن كثير ، من أن النور يهدي النفس إلى الاتجاه نحو الأيمان ، قال تعالى : وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ( الحجرات : 7 ) ، ومنها : ما ذهب إليه المفسر الكبير فخر الدين الرازي من أنه يكشف فيميز الخبيث من الطيب ، أو بالأصح يساعد على التمييز بين المتناقضات . ومنها : أن فيه قوة تحرك المخلوق على زيادة أعمال الخير ، فإن الزيادة في عمل الطاعات تعني الزيادة في استمداد النور تدعيماً لتقوى النفس ، ويأتي هذا من صدق المخلوق مع نفسه وربه ، فإن كان صادقاً شمله الله تعالى برعايته وزاده من نوره الذي يشرق على قلب العبد ، فيزيده ابتهاجاً وسروراً لما يراه من الحقائق الإلهية ، فهو الهادي والكاشف لهذه الحقائق . فبالنور تكتمل الأشياء معرفياً لاستحالة اكتمال الشيء من ذاته ، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى في المخلوقات نور الفطرة ، وبه تسعى للحصول على المزيد منه لكي ترقى له تعالى . ويمكننا القول في أن كل ذلك هو مظاهر وجودية ومعرفية لصفة النور الإلهي ، إذ أن النور في أصله صفة أزلية قائمة بالذات الاحدية ، وبواسطته أظهر الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض من العدم إلى الوجود , لأن النور إذا تجلى على شيء أو في شيء أظهره ، قال تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ، وبواسطة هذا النور اكتسبت جميع الممكنات مظاهرها الوجودية والمعرفية ، فكان النور للوجود كالروح للجسد ، وفي ذلك يقول الشيخ ابن عربي قدس الله سره : « لولا النور ما ظهر للممكنات عين »(1) ، فصفة النور : هي مبدأ الخلق والإيجاد والظهور والمعرفة لجميع الممكنات . وقد يتبادر إلى الأذهان أن النور الوارد في قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض هو عين الذات الإلهية وهذا غير صحيح , لأن الصفة غير الذات ، ولتوضيح ذلك يجدر بنا أن نلقي نظرةً ولو سريعة على العلاقة بين الصفة والذات الأحدية في الفكر الإسلامي . الهوامش : (1) – الفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن عربي – ج3 ص 392 . |
منقول
حصل المقال على : 1٬367 مشاهدة