اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مَنْ رُوحُهُ مِحرابُ الملائكة والكَوْن اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مَنْ هُوَ إمامُ الأنْبياء والمُرْسلين اللَّهُمَّ صَلَّ على مَنْ هُو إمَامُ أهل الجنّة عبادِ الله المُخْلَصِين(2)،صلاة تعظيمٍ للقائم قَبْلا وبَعدًا فكان عينَ الحمد بُطونًا وظهُورا،سَيّدُنَاومَوْلانَامُحَمَّدٌﷺوَعَلَى آلِه البارق مِن الأحدية فَعَجَزْنا عن دَرْك حقيقته كُنهًا ونُورا،المَوْصُوفُ المخصوصُ بالله عزوجل اصطحابا، سيدُنا ومولانا أحمدُ ﷺوَعَلَى آلِه الصفةُ القرآنُ المتلوُّ كتابا،الكعبةُ التي تُشَدُّ إليه رِحالُ جواهرِالأرواح استِمْدادا،والقبلة التي تهفُو إليه موادُّ هياكل الأشباح اعْتِمَادا، تسليمًا له وعليه وبه ﷺوعلى آلِه تحقيقًا وعرفانا، فنحنُ أُسارَى حقِّه وحُقوقه وأرقّاءُ عبديته إيمانًا وإمتنانا،صلاةً و تسليما تجعلُنا في الأرض مِنَ الأحاديّين ويوم العرض مِنَ الكَثِـيبِيـّين،وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء القُدُسية سيدة نساء العالمين،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى أمِّ المُومنين،وعلى آله الأطْهاروصحْبه الأخيار أجْمعين.
تفنَّن الأولياءُ العارفونَ في صُنوف التَّمَدُّحِ والتَّعْظيمِ لسيّدنَا ومَوْلانا مُحَمَّدٌﷺوَعَلَى آلِه إبرازًا لحُقوقه و حَقائقه، فكان إنشاءُ صِيَغِ الصلوات مِن أجل هاته الغاية مضمارًا سانحًا للتّنافُس وإظهار درجات المحبة والتّعلق والشّوق بينهم،كُلٌّ بحسب ما أَوْصَلتْهُ إليه معارفُه وقربُه من الحبيب المحبوبﷺوَعَلَى آلِه،فعباراتُ التّعظيم ومدائحُ التّكريم مِن جانب العُشّاق المُحِبِّينَ لا تُحَدُّ كثرة،والجمالُ المُحَمَّدي المعشوقُ هو فوق كل وصْفٍ لا شريكَ له ولا ضرّة ، ولله دَرُّ بُلبل القوم حين شدا :
عباراتُنا شتَّى وحُسْنُكَ واحِدُ وكُلٌّ إلى ذاك الجمَال يُشيرُ
ومِنْ أرَقّ وأَرْقى ما اشتُهِرَعند السّادات العارفين مِن تِلْكُم العبارات في بيَان حقائقه وحُقوقهﷺوعلى آله،صلاةٌ مِن صلوات الشيخِ العارف المُحَدِّث الشريفِ سيدي مُحَمَّدعبد الحيّ بن عبد الكبير الكتّاني روّحَ الله روحه و نفَع به(3) الذي تربطنا به شِجْناتُ الأرْحام،فمن الوُدِّ والبِرِّ تَسْطيرُها بماء العيْن على حبّةِ القلب بالأقلام ، وقد قال المولى سيدنا مُحَمَّدٌﷺ وعلى آله (الرَّحِمُ شِجنةٌ من الرّحمنِ ، قال اللهُ : مَنْ وصلَكِ وصلتُه،ومن قطعَكِ قطعتُه)(4)، فأولُ شِجنةٍ أنَّ الشيخ الجليل مِن جِلّة السادة آل البيت الذين أُمِرْنا تجاههم بوافر التوْقير والتكريم ، لمكانهم مِن سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعلَى آلِه محلُّ التّبجيل والتّعظيم،فمودةُ القُربى أساس الدين الحنيف و جوهر الأجْر، فَهُمْ نُطَفُ النبوة ، معادن النّور وسناجلُ الطُّهر(قُل لَّاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِی ٱلۡقُرۡبَىٰ) الشورى-23، ثانيهما أنهُ مِن فحُول أولياء الأمّة المُحَمَّدية، وجهابذة علماء الحديث وأعيان الطريقة الكَتّانية ،وثالثها أنه شَيْخُ شيخِ شيخِنا،فهوبمَحلِّ الجدّ الروحي لنا ،و شُكر أفضالهم علينا واجب من صميم الدين ،فالاعتراف بمكارم الكرماء مِنْ شيَم الصالحين ،(مَنْ لَمٔ يشكُر النّاس لا يشكُر الله) كما قال سيدنا و مولانا محمد ﷺوعلَى آلِه سلطان الدنيا والدين(5):
أُولَئِكَ أسْيَادِي، فَجِئْني بمِثْلِهِم إذاجَمـــَعَتْنا يا وَلِيُّ المَجَامِعُ
وُلد روّح الله روحه عام 1883م بفاس،في أسرةٍ معروفة بالعلم والصلاح، فبرز نُبوغه العلمي مُبكرًا ليجمع بين الرسوخ في علوم الفقه والأصول والتفسير والحديث والتاريخ واللغة والبيان وغيرها ،حتى ربَتْ مؤلفاته على المائتين في مختلف العلوم، ودرَّس في الزّاوية الكتّانية ثم في القرويين على حداثة سنه، وصدر ظهير ملكي يُعَيِّنُه شيخا مع كبار علماء الطبقة الأولى الذين يقرؤون الحديث بالضريح الإدريسي صبيحة كل يوم وهو بالكاد ابن 19 سنة، وترقّى إلى الرتبة العلمية الأولى من رتب علماء القرويين عام 1907 ،وهو لم يتجاوز 23 عاما من عمره، كما أنه رُشِّح لمنصب شيخ الإسلام بالمغرب عام 1912م و قد تولّى مشيخة الزاوية الكتانية بعدَ وفاة والده واستشهاد أخيه الشيخ سيدي مُحَمَّدأبو الفيض الكتاني وبقي بالمغرب إلى أن هاجره ليستقربمدينة نيس بفرنسا حيث توفي 1962م ، ولئن كانت القامة العلمية والحديثية والفقهية للشيخ سيدي مُحَمَّدعبد الحي الكتاني قدس الله سره قد طبقت الآفاق و كانت محل إجماع الأمة المُحَمَّدية شرقا وغربا،حتى ممن خالفه وعاداه، فإنّ قامته بين فحول الأولياء، قِلّة من الناس مَن خبَرَها وعَرَفَها،وسُنعَطِّرُ إن شاء الله ختامَ هذا الشرح مِن طيبِ عَرْفِها.
———————— —— وهذا متْنُ الصلاة جليلة القدر ———————-
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد مِغْنَاطِسِ الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ . بَازِّ المَمْلَكَةِالحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ. المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ. فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْرَادِ.وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَجَلْبِبِينَ بِجِلْبَابِ الجَمَالِ.إِذَا بَدَتْ صُورَةُ الجَلاَلِ. وَمِنَ القَائِمِينَ قُبَالَةَ النَّقَائِصِ النَّفْسِيَّةِ. بِأَرْدِيَةِ الكَمَالاَتِ الحَقِّيَةِ.وَاحْمِنَا بِحِمَايَةِ كَمَالِهِ.عَنْ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نَخْشَى أَحَداً فِي دِينِكَ. أَوْ تَزِلَّ قَدَمُنَا فِي مَعْرِفَتِكَ وَيَقِينِكَ. وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ مِنَ النَّكَــبَاتِ وَالأَوْحَالِ.وَجَنِّبْنَا جَنَايَا خَبَايَا الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ. وَصَحْــبِهِ وَسَــلِّمْ.
وقد أخْبرني شيخي نفَع الله به أنّها صلاةٌ لَمْ تَحْظَ بسابق شرْحٍ أو تصنيف، فأشارعليّ بتبيان معارفها إذناً بالتكليف، وقد ســمّيناهُ كما تقــدّم :(المُزْنُ القُدُسِيّةِ في شَرْحِ الصّلاة المَغْناطيسِيّة)،لِما وجدناهُ أثناء اشتغالنا بها مِن صنوف البركات ومباهج الخيراتِ،وتنقسمُ إلى قسمَيْن إثنين،أولاهُما مُخَصَّصٌ للمدح و الثناء على سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌ ﷺوعلَى آلِه وثانيهما مُخَصَّصٌ للطلب و (الدُّعاء هو العبادة)(6) :
هذا التقسيم موسومٌ بآدابٍ مع سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌ ﷺوعلَى آلِه رفيعةٍ، يحذُوهُ إلتزامٌ في الطلب من الله ﷻ نهجًا لمحجّة الشريعة ، كما ورد في عدة أحاديث منها :
- (كل دعاء محجوب حتى يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم (7) .
-(إذا صلى أحدكم،فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم يُصلي على النبي ﷺ،ثم يدعو بعدُ بما شاء)(8).
-(لا تجعلوني كقدح الراكب، قيل: وما قدح الراكب؟ قال: إن المسافرإذا فرغ من حاجته صب الماء في قدحه فإن كان له إليه حاجة توضأ منه أو شربه وإلا أهرقه،اجعلوني في أول الدعاء وأوسطه وآخره)(9).
-عن عمرَ بنِ الخطابِ قال : (إن الدعاءَ موقوفٌ بينَ السماءِ والأرضِ، لا يَصْعَدُ منه شيءٌ حتى تُصَلِّيَ على نبيِّك صلى الله عليه وسلم )(10).
القسم الأول من الصلاة المُخَصَّصٌ لِذِكْر النعوت الأحمدية (11):
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدوَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد مِغْنَاطِسِ الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ.بَازِّ المَمْلَكَةِالحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ. المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ.فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْرَادِ.
سنقفُ على شرحِ كلمات عالية القَدْر إستهلالا،بها تُفْتَتَحُ أغلبُ صلوات ساداتنا الأولياء إجمالا :
اللَّهُمَّ
كلمةٌ جامعةٌ بين اسم الجلالة (اللهُ) والميم (مَّ) فهي طلَبٌ يقومُ مقامَ ندائنا ب( يا اللهُ)، حُذِفتْ ياء التّذلُّل(يا) وعُوِّضت بالميم المُضغمة الباطنة في إسم (محممدُ ) ﷺوعلَى آلِه، ومحممد ﷺوعلَى آلِه جُمَّلُها هو العدد 132، وهو نفسه حاصل مجموعُ جُمّل كلمات : (أحد13+الله66+أحمد53 )، فهي تُـشيرإلى الحقيقة المحمدية،البارزة مِن الأحدية (أحد) المُصطحِبة بالأسماء الإلهية (الله) وبالقرآن (أحمد) ،و إذا نظرتَ إلى كلمة (اللَّهُمَّ) من حيث كهوف حروفها الخمس وجدتَها تُقابل نفس كهوف الحروف الخمس لكلمة (محممدُ)إشارةً للعوالم الخمس التي أحصاها سيدنا ومولانا ﷺوعلَى آلِه، اللَّهُمَّ هي إذًا واسطةٌ في دعائنا وأصلُها هي الكلمة الطيبة (لا اله إلا اللّه مُحَمَّدرسول الله)وهو اتصال الميم بلفظ الجلالة (اللّهُــمُــحمد) .
صَــلِّ:
(اللَّهُمَّ صَلِّ) هو طلبٌ نتوجَّه به للحق ﷻ أنْ يُصلّي هو تعالى على نبيِّه سيدناومولانا مُحَمَّدٌﷺ وَعَلى آلِه،إظهاراً مِنَّا لكامل عجزنا عنِ القيام بكامل حقِّ تلك الصّلاة وإفصاحاً بحالنا ومقالنا عن عظيم قصورنا في الوفاء بما يستحقه مقام الإجلال لشأن الآمِربالصلاةﷻولشأن المأمور له بهاﷺ وعلى آله (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا)الأحزاب-56،فحقيقته وكنههﷺ طُلْسِم عنّا فكيف نُوَفّيَهُ حقَّهُ ﷺوعلى آله من خلال الصلاة عليه مِن عنديّاتنا، فهو سبحانه عرف حقيقته ﷺوعلَى آلِه دون سواه (ماعرفني حقيقةً غير ربي)، لكن ما حقيقة صلاة الله ﷻ على نبيه المحبوب ﷺ؟
القرآنُ المجيدُ هوالجامِعُ لكل الكمالات و النعوت العظيمة التي خاطب الله ﷻبها نبيه سيدنا ومولانامحمدﷺوعلى آله، فالقُرآنُ صِفَتُهﷺوعلَى آلِه وقدْ قالت أُمُّنا ومولاتُنا الصّديقةُ عائشة بنتُ الصّديق رضي الله عنهما ( كان خُلُقُهُ القُرآن)(12)،والقرآن كذلك قَوْلُهُ ﷺوعلى آله(إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٍ كَرِیمٍ)الحاقة-40 والتكوير-19، فنحن نصلي عليه بصفته و بقوله ، أي بكل النعوت الأحمدية القرآنية التي جمعت كل كمالاته ( راجع تعريف النعوت الأحمدية في الإحالات الأخيرة)، فما مِنْ قول نقوله مِن بنات أفكارنا بعيداعن نعوت القرآن الواصفة لسيدنا ومولانا مُحَمَّدٌ ﷺوعلَى آلِه،لن يفي البتّة بالحق ولا بالحقيقة ولابالحقوق الواجبة في جناب المولى سيدنا مُحَمَّد ﷺوعلَى آلِه.
قال سيّدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعلَى آله (مَن صلى عَلَيَّ واحدةً ، صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا)(13)، فبالصّلاةعليهﷺوعلَى آلِه ينالُ المُصلّي حظَّه مِن هذه الخلافة العامّة خصوصا إنْ كانت الصلاةْ نعتيةً راقيةً تُحَرّك القدر و يكونُ التّشوُّف القدَري لهذا المُصَلِّي)كما قال مشايخُ مشربنا الفاطميّ رضي الله عنهم وعنّا بهم، فالصلاة عليه ﷺوعلَى آلِه هي طلبُ لإظهارٍ المقتضيات وصلاة الله سبحانه على نبيه ﷺوعلَى آلِه هي القرآن كما أسلفنا﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ الأحزاب-56، فِعل «يُصَلُّونَ» جاء بصيغة المضارع الذي يُفيدُ الإستمرارَ و الديمومة وما تُنْتِجهُ التجليات الإلهية إلى آخر الدهر، قال العارف المحقق (فالصلاة على نبينا تُقاوم العدلَ و تستوجبُ الفضلَ ،فما شغَل الله تعالى العوالم كلها علوية أو سفلية ملكية أو ملكوتية إلا بأعظم الطاعات و افضل القربات )(14).
على أنَّ صلاةَ المُصَلّين على سيّدنا ومولانا مُحَمَّدٌ ﷺوعلَى آلِه هي على ثلاث مراتب كما يقول الختْم الأكبرُ الوهراني رضي الله عنه ( مِنهم مَنْ وصَفَه عليه الصلاة و السلام بما جاء بالسيرة النبوية العطرة و لا يُراعِي هل ما جاء في السيرة مُشترَكٌ مع غيره من الأنبياء و المرسلين أم لا..و آخرون انتخبوا مِن سيرته العطِرة ما هو خاصٌّ به عليه الصلاة والسلام و أطلقوا عليها إسم الشّمائل بمعنى تشمله وحده وهذا ما امتاز به علماء المغرب..وآخرون وصفوه عليه الصلاة و السلام بما وصفه الله به في القران المجيد و تُسمى هذه بالنعوت، وقلَّ مِنَ الرجال مَنِ استطاع ذلك والصلاة بالنعوت تفوقُ غيرها،وتَطْوِي المسافات الطويلة لصاحِبها مِثْل ما ترى الفَرْقَ بينَ المسافرين إلى بيت الله الحرام فافهم يا وليّ و لا تكن ).
وَسَــلِّــمْ:
تَسليمُ كُلِّ أمْرٍ للنّبوّة ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسْلِیما﴾النساء-65،فجاءت الكلمة ﴿ تَسْلِیما﴾ ولم يقل (سلاما) ،لذلك لمْ يَرِدْ في القرآن المجيد كله أنه سبحانه يُسلّم على نبّيه ﷺوعلَى آلِه،وطُولب المومنون بالصلاة والتسليم،وتسليم الأمر للنبوة ليس من السهل المُتيسِّرلكل أحد ،فهذا مضمارُ التّفاضل بين المومنين ، فَكُلُّ مَنْ قَوِيَ تسليمه ورسَخ كان أكثر قربا (وَلِكُلّ دَرَجَـٰتٌ مِّمَّا عَمِلُوا۟ )الأنعام -132 ، و التسليم عليه ﷺوعلَى آلِه لا يفارق المسلم حتى في عبادته لله إذ ما مِن مسلمٍ إلا ويقولُ في تحِية أواخر الصّلوات: السلامُ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، دليلا على وجود وساطة النبوة بين الحق والخلق حتى في حال صِلتهم الخاصة بمعبودهم تعالى والصلاة صِلةٌ، فمِن باب آكد أنْ تكونَ الوساطةُ المُحَمَّديةُ حاضرةً في ما سواها مِنَ الأحوال.
وَبَارِكْ:
طلبُ البركة، قال شيخ شيخنا قدس الله سره “أصْلُ الكون الإلهي نقطةٌ و تلك النقطة النورانية برقت من الأحدية الصِّرفة في الهوية ثُم إلى بساط الألوهية،فوَقع الاصطحابُ بينهَا وبين الفيضة القُرآنية،ثمَّ انْقسَمت قسمين،قِسمٌ عُنْوِنَ عنهُ بأحمد وقسمٌ عُنْوِنَ عنهُ بمُحَمَّد، فأفصح القرآن المجيد بقوله ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا ﴾ الزلزلة-2،فحينما يُبارِكُ اللهُ في تلك النقطة تَصِلُ البركة إلى سائر الأكوان)، في الآية ﴿ بُورِكَ مَن فِی ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا ﴾النمل-8 “، (بُورِكَ) جُمّلها يُعطي العدد 114×2=19×6×2 ،فالكونُ وأهْلُه واقعٌ تحت حيطة المقتضيات القرآنية (التي يشير لها عدد السُّور 114 ) وطلسم النبوة (19 على عدد حروف البسملة ،أُسُّ القرآن العددي و المَددي) يحتوي الجهات السّت (6) ظاهرًا و باطنًا(2)،ولولا البركة المحمدية ما كان شيء.
عَلَى سَيِّدِنَا :
سيادة النبوةُ على الكون وأهله مُحيطةٌ شاملةٌ،وهي ليست مِن قبيل المُجاملة الإجتماعية أو «الإتيكيت» التي يُخاطِبُ به بعضنا بعضا بوصف “السيد فلان والسيد علان” ،قال شيخ شيخنا الجبلي الوهراني رضي الله عنه في إستمداداته (السيادة في الأصل الرياسة، فمَنْ لم يُسَيٍّد يكونُ قد رفَضَ رياسته ﷺوعلى آله، و عليه أنْ يختار رئيسا لنفسه و يكون رئيسُه هو هواه، لأنّ هذا الرئيس الذي هو سيدنا مُحَمَّدٌﷺ وعلى آله اختارَهُ اللهُ تعالى و ألْبَسه تلك الحُلّة ولا يقبل غيرهُ أحدا)،ولئن كان القرءانُ قد نعتَ النبي الكريم سيدنا يحيى عليه السلام ب﴿سَیِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِیًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ ﴾ آل عمران-39،فإنّ الأَوْلى بتقديم التّسييد والآكَدُ في حق التعظيم هو سيّد السادات وسُلطانهم،سيدناومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه. رُفِعَت الأقلام وجفت الصحف.
ومَوْلاَنَا مُحَمَّد:
الكونُ وأهْلُهُ مَدينٌ لسيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه بعظائم النّعائم ، إذْ ما مِنْ نعمةٍ أنْعَم الله ﷻ بها على مربوبٍ إلا وسيدنا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه هو السبب فيها بدءً و عودةً ، والقاسِمُ لها والمُوصِلُ ،لذلك قال شيخ شيخنا رضي الله عنه ( المولوية تقتضي في ظاهرها الرّقية) و رِقِيّةُ كل مربوبٍ بإزاء جناب النبوة هي رِقِيّةُ إمتنانٍ له ﷺ ،فهو مولانا ،والكون وأهْلُهُ عن بُكْرة أبيه مُمْتنٌّ له ﷺ ،فلا أقلّ من مُخاطبته ﷺخطاب تعظيمٍ و عرفانٍ بنَعْتِ المَوْلوِية، فهو عينُ الرحمة وصاحبُ الشفاعة ﷺ ( لهذا اعتبر فحول الامة أنفسهم رقيقا له ﷺ ،حيثُ أنه لا يستطيعُ أحدا أنْ يشفع لنفسه)كما قال مولاي عبد السلام الجبلي الوهراني رحمه الله.
وعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد:
الآلُ هُمُ النُّطَف النُّورانية مِنْ ذُريّة الطُّهْر و الشّرف النّبوي من أبناء سيدة نساء العالمين مولاتنا وأمنا الزهراء عليها السلام ، الآل الأطهار هم ضمان الأمة المحمدية من عدل الله فقد قال المولى( إني تاركٌ فيكم إثنان ما إن تمسكتم بهما لن تصلوا بعدي أبدا، كتاب الله و عترتي أهل بيتي) و عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : (ارقبوا محمداً ﷺ في أهل بيته)(15) وفي رواية في “عترته” قال العارف سيدي علي وفا رضي الله عنه: (أي إشهدوه ﷺ بهم) (16)، وعن عُلُوّ شأن آل بيت النبوة عليهم السلام ،قال العارفُ سيدي مُحَمَّد أبي الفيض الكتاني في فتوح الجوارح (أَرَى بِضَعَهُ المُحَمَّدِيَّةَ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ أَنْوَارٌ كَامِلَةٌ،وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي العَالَمِ، وَنُجُومٌ زَوَاهِرُ فِي الكَوْنِ، وَسُفُنُ نَجَاةٍ مَعْنَوِيَّةٍ، وَأَمَانُ اللَّهِ جَلَّ أَمْرُهُ فِي عَالَمِهِ يَطْفِي بِهِمْ صَوْرَاتِ غَضَبِهِ، وَيَسْتَدْفِعُ بِهِمُ الأَزَمَاتِ وَصُرُوفَ الدَّهْرِ الحَاصِلَةَ مِنَ المُخَالَفَاتِ التَّكْلِيفِيَّةِ، وَيَدْرَأُ بِأَنْوَارِهِمْ وَنُطَفِهِمُ المُحَمَّدِيَّةِ فِي نُحُورِ الفَسَادِ الظَّاهِرِ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ، فَكَانُوا صُوَراً جُزْئِيَّةً مَخْلُوقَةً مِنْ عَيْنِ الكَرَمِ وَالرَّحْمَةِ فِي وَادِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} ) هذا العلو و الرفعة قاد الأكابر من أهل الله إلى التشوف للكينونة مع آل البيت المطهرين ، قال شيخنا نفع الله به ( صلاةً تُلحقني بنسبه “آلُ مُحَمَّدكُلُّ تَـقـِيٍّ”)(17)،وهذا الإلحاقُ- الذي سنتوسع في بيانه في الآتي من الشرح- مقامٌ عزيزٌ يناله الرّجال السّلمانيون في كل عَصر و مَصر( سلمانُ مِنَّا آل البيْت)(18)، وانتبه يا وليُّ لسِرِّ التّبعيض والنّسبة “منّا” في هذا الحديث النبوي الشريف،ففيه فتح لهذا الباب، فمن أهل البيت أيضا السادة الاولياء العارفون أهل الرقائق و التغزلات الأحْمدية فهُم أعرفُ الخلق بحقوق و حقائق سيد الوجود ﷺ وعلى آله.
ثمَّ استهلَّ الشيخُ العارفُ الجليلُ سيدي مُحَمَّدعبد الحي الكتاني روّح الله روحَهُ أولَ نعتٍ كريم مِن النُّعوت الأحْمدية مادحًا المولى سيدنا مُحَمَّدﷺوعلى آله بقوله :
مِغْنَاطِسِ الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ
استعارَ الشيخُ خاصية المغناطيس في جذب معدن الحديد ، ليصف بها ميزةً عظيمة مِن مزايا الحقيقة المحمدية باعتبارها النورالإلهي الجاذب الذي يضمُّ إليه كل الخلائق،فالنبوة مغناطيس كُلّ الأرواح والأشباح،و تمييزُ«الأَرْوَاحِ القُدْسِيَّةِ» بالإسم عن غيرها في هذا الموضع ، هو مِن قبيل دلالة الجزء على الكل، وما الأرواح القدسية الكريمة إلا جزءٌ مِن كُلٍّ، فأتى العارفُ بالجُزء الرفيع وهي الأرواح القُدْسيّة ، للدلالة على الكُلّ وهي جميع الأرواح و الأشباح ، ملكا و ملكوتا، فكلها منوطةٌ مرهونة به ﷺ وعلى آله،لأن العالمين كلهم، مجذوبون مضمُومون إلى سيدنا و مولانا مُحَمَّدﷺ وعلى آله.
خاصية الجذب هاته تستلزم طرفين إثنين :
1-جاذِبٌ فاعل =مغناطيس 2- مُنْجدبٌ، مجذوبٌ منفعل=الحديد
الجاذب الفاعل هو سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه، صاحبُ الفعل و مصدره ، وفعله ﷺ وعلى آله غير معلول بفعل العالمين ولا مُقيّدٍ به ( جَلَّ حُكم الأزل أنْ يَنْضاف إلى العلل)،لأنَّ فعله ﷺوعلى آله غير متوقفٌ على فعل غيره و إلا كان فعله مجرد ردِّ فعل،فيكون منفعلا أي تابعا لفعل غيره تابعا له ،وهذا لا يستقيم مع كمال النبوة وعلو شأنها،بل إن حركات الخلائق وسكناتهم هي من قسمته وعطائه،وقد قُلنا نظْمًا في هذا المعنى:
هَيُولى لِذِي الأكْوانِ بالضّمِّ جاذبُ و مُعْــطٍ لهُم قَـَــسْمًا، لكَوْنٍ مُراقِبُ
الإنفعال الحاصل بين الحديد المجذوب والمغناطيس الجاذِب يُشير إلى إشتراكهما وتجانسهما في خاصية مادية،هاته المجانسة قائمةٌ بين الوِجْهة الخلقية للنبوة المحمدية من جهة و بين المخلوق المعبَّر عنه بالعالمين في الآية (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ) الأنبياء-107 من جهة أخرى وبسبب هذا التجانس الخَلقي حصلتِ الألفةُ والمُؤانَسة وسَهُلَ على الناس رؤيةُ السّعي المحمدي في الأرض فحصل لهم به ﷺوعلى آله الإتّساءُ والسيرعلى النهج القويم (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا)الأحزاب-21،وهذا من معاني انجذابهم له لما يتحقق به صلاحهم وسريان رحمته ﷺ وعلى آله بينهم وفيهم ومعهم،و لو بقي سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺ وعلى آله على خصّيصته الحَقّيّة النورانية الإلهية الصِرْفة لما تم ذلك التجانس و لما تحققت المقاصد من الإيجاد، بَلْهَ الإمداد.
شواهدَ إنجذاب الخلائق له ﷺ وعلى آله و تعويلُهُم عليه كثيرة منها :
- الدُّعاء نفسه لا يُقْبل ولا يُستجابُ للدّاعي إلا بالصلاة عليه ﷺ وعلى آله و الدين كله لا يُقبل إلا إن كان موافقا لما جاء به شرعُه الحنيفﷺ وعلى آله،وهذا معلوم من الدين بالضرورة.
- أنه ﷺ وعلى آله مناطُ أخْذِ الميثاق في عالم الذر (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰب وَحِكۡمَة ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُول مُّصَدِّق لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰلِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ) آل عمران-81، ميثاق أُخذ منهم وهذا جذبٌ منه ﷺوعلى آله لهم وبقي الوفاءُ من الأرواح له في كُلّ وقت مُذْذاك .
-أنه ﷺ وعلى آله مناطُ أخذ البيعات إنجذابًا من المبائعين منهم إليه ﷺ وعلى آله ،فبَيْعةٌ أعطاها الصحابة تحت شجرة الرضوان ( لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ )الفتح-18 ثم بيعات لا تنقطع يعطيها إخوانه المومنون في كل زمن(إِنَّ ٱلَّذِینَ یُبَایِعُونَكَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ ٱللَّهَ یَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَیۡدِیهِمۡۚ )الفتح-10، الوارد ذكرهُم في الحديث(وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا. قالوا يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ ؟ قالَ: بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ..)(19)، وفي المعهد الفاطمي المحمدي تتجدد تلك البيعة في كل وقت فيقوى الإنجذاب للنبوة، ويقوى الإنجذاب لبضعته الفاطمة عليها السلام فهي باب الدخول عليه ﷺ، قال شيخنا مولاي محمد بن المبارك نفع الله به ( ففي كل صلاةٍ نعتيةٍ نُبايِعُه و نكُونُ مِنَ المُقرّبين مِنْ نُبُوّته..)(20). - أنه ﷺ وعلى آله قهرمانُ التجليات المصطحب بكل الأسماء والصفات كما قال شيخنا (تجلى فيه الحق فطلبه الخلق) (21)(بِك تردى و عليك استوى)(22) والعطايا لا تصل لهم إلا بقسمته ﷺ ومدده (وَحَیۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ)،فمُجانَسَةُ الخَلق معهﷺ و نِسبتُهم إليه لأنه برزخٌ بين حقائق الألوهية وحقائق العبودية، ومعاملاتهم في حقيقة الأمر كلُّها مع وساطته، والذات الإلهية وراء كل ذلك، لا معبودة ولا مشهودة،لا تدركُها العبارة ولا تلحقها الإشارة .
-أنّهُ ﷺوعلى آله قِبلةُ العالمين، قال الشيخ الأكبر في صلاته الفيضية (حَبِيبِكَ الَّذِي ..َنَصَبْتَهُ قِبْلَةً لِتَوَجُّهَاتِكَ فِي جَامعِ تَجَلِّيَاتِكَ، وَخَلَعْتَ عَلَيْهِ خِلْعَةَ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَا) و يقول الشيخ سيدي أحمد السرهندي الفاروقي النقشبدي روّح الله روحه : «حقيقة الكعبة الرّبّانيّة صارت مسجودا إليها للحقيقة المحمّديّة، فإنّ حقيقة الكعبة الرّبّانيّة هي بعينها الحقيقة الأحمديّة الّتي الحقيقة المحمّديّة ظلّها في الحقيقة، فتكون مسجودا إليها للحقيقة المحمّديّة بالضّرورة … وكما أنّ صورة الكعبة مسجود إليها لصور الأشياء، كذلك حقيقة الكعبة مسجود إليها لحقائق الأشياء، فإن حقائق الأشياء عبارات عن الأسماء الإلهية … وحقيقة الكعبة فوق تلك الأسماء» (23) وقد صرَّح الختم الأكبر سيدي مُحَمَّدأبي الفيض الكتاني قدس الله سره (24) فقال ( حَتَّى أُشَاهِدَ حَقِيقَةَ الكَعْبَةِ عَلَى أَنَّهَا مَظْهَرٌ لِلْحَقِيقَةِ الأَحْمَدِيَّةِ، وَ أُشَاهِدَ مَكْنُونَ القُرْءانِ عَلَى أَنَّهُ صُورَةُ الحَقِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، فَمَنْ طَالَعَ الحَقِيقَةَ المُحَمَّدِيَّةَ عَلِمَ أَنَّهَا مُنْتَسِجَةٌ مِنْ حَقَائِقِ القُرْءانِ الكَرِيمِ، وَمَنْ طَالَعَ القُرْءانَ الكَرِيمَ عَلِمَ أَنَّهُ صُورَةُ الحَقِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ لأَنَّهَا خُلُقُهَا القُرْءانُ )، وقد صار الكون به ﷺ وعلى آله لربه عابد مُسبِّح ساجد ﴿مَّا مِن دَاۤبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِیَتِهَاۤ إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ صِرَ ٰط مُّسۡتَقِیم ﴾هود-56 وهو مِن مَصاديق قول الحق (وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ ) الشعراء -219. - أنه ﷺوعلى آله منتهى الإسناد ومَقصِدُه ،فالاسنادُ سبيلٌ من سُبل انجذاب الأمة لمغناطيس النبوة والرسالة والإستمداد من بركاتها في مستويات الدين الثلاث: إسلاما و إيمانا وإحسانا، فالعلماء أصحاب الأسانيد المُتّصلة بكل علمٍ من علوم هاته المراتب،ارتبط اللاحق منهم بالسابق اتصالا متسلسلا خلفا عن سلف حتى وصلوا إلى السادة الصحابة ومنهم إلى حضرة المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و على آله ، فكان منهم رحمهم الله أهل الاسناد في الحديث وفي علم القراءات و في الخط العربي الشريف و غيرها ، ويبقى أهل الإسناد في مرتبة الإحسان هم ساداتنا المشايخ الاولياء أشراف الأمة الذين تلقَّوْا معارفهم و أسرارهم بالإذن مِن صدرٍ لصدرٍ،عبر سلاسل ذهبية تتّصلُ حلقاتُها حتى تنتهي إلى المولى سيدنا محمد ﷺو على آله (قُلۡ هَـٰذِهِۦ سَبِیلِیۤ أَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِیرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِیۖ وَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ )يوسف -108،جاء في الحديث الشريف (يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس،فيقال هل فيكم من صاحب الرسول،فيقولون نعم فيفتح لهم،ثم يأتي على الناس زمان ،فيغزو فئام من الناس،فيقال لهم،هل فيكم من صاحب أصحاب الرسول،فيقولون نعم،فيفتح لهم،ثم يأتي على الناس زمان،فيغزو فئام من الناس،فيقال هل فيكم من صاحب،من صاحب أصحاب الرسول،فيقولون نعم فيفتح لهم) هي «سلسلة تنتهي إلى مولانا رسول الله.فالفتح مَنوطٌ بصحبته،أوصحبة من صاحب أصحاب أصحابه،فلا يعرفه،إلا من عرف من عرفه.فمن أدرك هذه الصحبة ظفر بالمحبوب وأصاب المطلوب،وأصلح مضغة القلوب وأضاف إلى الأب الطيني،الأب الروحي الديني» كما قال شيخنا في الصلاة 8 من خبيئة الأسرار، (لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)كما قال بن المبارك و( لكل دين فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد) كما قال يزيد بن زريع ، ومِن ساداتنا أكابر الأولياء مَنْ يُكرمُه الله تعالى فيتَّصل مباشرة بالمولى سيدنا محمد ﷺ وعلى آله فيأخذ عنه يقظة و مناما ، وقد كان شيخُ شيخنا فردًا منهم ثم إقتفى أثره مِن بعده شيخُنا وارث سره نفعنا الله بهم أجمعين(وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ)الضحى-11.
ولعل أقصا درجات الإنجذاب لمغناطيس النبوة ،هوما يطلبه الأولياء في الحظوة بالإلحاق و الوُصْلة بجناب الحبيب ﷺ وعلى آله، من ذلك قول الشيخ الأكبر في إحدى صلواته: (صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ صَلاَةً يَصِلُ بِهَا فَرْعِي إِلَى أَصْلِي، وَبَعْضِي إِلَى كُلِّي، لِتَتَّحِدَ ذَاتِي بِذَاتِه، وَصِفَاتِي بِصِفَاتِهِ، وَتَقَرَّ الْعَيْنُ بَالْعَيْنِ، وَيَفِرَّ الْبَيْنُ مِنَ الْبَيْنِ، وَسَلِّمْ عَلَيْهِ سَلاَماً أَسْلَمُ بِهِ فِي مُتَابَعَتِهِ مِنَ التَّخَلُّفِ) وقال شيخنا (اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آل سيدنا ومولانا محمد،صلاة تسقي روحي من نبوته.وتُغذّي سري من ثديي رسالته.وتُعرفني بأسرار حقيقته،وترفعني إلى أعلى مقامات أميته.وتثبت قلبي على محبته.وتلحقني بحسبه ونسبه “سلمان منا أهل البيت”وصحبه وسلم) (25) وهو ما طلبه القطب الشريف مولاي عبد السلام بن مشيش قدس الله سره في صلاته (اللهمَّ ألحقني بنسبهِ وحققني بحسبهِ) و ما طلبه الختم الأكبر ابي الفيض الكتاني قدس الله روحه في فتوحه ( وهَبْنا الطُّموحَ بِشَراشِرنا للتحقق بحقائق الحقائق المحمدية حتى يكونَ له به أعظمُ عُلقةٍ و أكرمُ ارتباطٍ) ، وهو الإرتباطُ والإلحاقُ و الوُصْلَةُ والجذبُ الذي يرفعُ الأولياءَ لمقامٍ جليلٍ يكونون فيه من الجناب المحمدي العظيم (شعرةً في جسده الشريف،وموجةً في بحر حقيقتة المنيف) كما قال شيخنا نفع الله به(26)، حينها يقول ختمٌ أكبرٌ منهم ، وهوالشيخ ابو الفيض قدس الله سره:
تبدَّتْ معاني الجمع حشوَ ردائها بدون أنا إذ صار كُلي خمارها
فلستُ أنا إذ لم أكن ،غير أنني أدُور على ذاتي وذاتي دثارها
ولست أنا إذ لم أكن غيرها ولي ذوائب ثوب الليل هي نهارها
ثم قال العارف في نعت أحمديّ جليلٍ ثانٍ :
بَــازِّ المَمْلَكَةِ الحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ
يَظُنُّ الكثيرمن القُرّاء أنّ الشيخَ العارف في هذا الجزء مِن صلاته يُشبِّهُ النبوة بالطائرالجارح المعروف ب«الباز»والقلَّة مَنْ يعرفون دلالات كلمة إسم الفاعل «بَازِّ» بتشديد الزاي وكسرها ، لذلك فالتّعريجُ على الأصل اللغوي للفِعْل (بَزَّ ، يَبُزّ ) من شأنه توسيع دلالات الفهم لهاته الكلمة للوقوف على مراميها ذوقيا و عرفانيا ، ففي تاج العروس نجد :
البَزُّ: الثِّيابُ. وَقيل: ضَرْبٌ من الثِّياب، أي نوعٌ منه،بَزَّالشيءَ {يبُزُّه} بَزَّاً: انْتزَعَه. وَمن أمثالِهم: (مَن عزَّ بَزَّ )، أَي مَن غَلَبَ سَلَبَ. البَزّ: الغَلَبَة والغَصْب، أي أَخْذُ الشيءِ بجَفاءٍ وقَهرٍ.البَزْبَزَة: مُعالَجةُ الشيءِ وإصْلاحُه، يُقَال للشيءِ الَّذِي قد أُجيدَت صَنْعَتُه: (قد بَزْبَزتُه).البِزَّة، بِالْكَسْرِ: الهَيْئةُ والشّارةُ واللِّبْسَة، يُقَال: إنّه لذُو (بِزَّة حَسَنَةٍ)، أَي هَيْئَةٍ ولِباسٍ جيِّد. وَفِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ لمّا دَنا من الشامِ ولَقِيَه الناسُ قَالَ لأسْلَم: (إنّهم لم يَرَوْا على صاحبِكَ بِزَّةَ قَوْمٍ غَضِبَ اللهُ عليهِم) ،البِزُّ، بِالْكَسْرِ: ثَدْيُ الْإِنْسَان..
وفي لسان العرب نجد :
الْبِزِّيزَى كَالْخِصِّيصَى وَهُوَ السَّلْبُ..وَبَزَّ الشَّيْءَ يَ بُزُّ بَزًّا: انْتَزَعَهُ. وَبَزَّهُ: حَبَسَهُ. وَحُكِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ: لَنْ يَأْخُذَهُ أَبَدًا بَزَّةً مِنِّي أَيْ قَسْرًا.
وسنجد معانيَ أخرى ( دون تكرار ما سبق منها) في معجم اللغة العربية المعاصرة (27):
بَزَّ بَزَزْتُ، يَبُزّ، ابْزُزْ/ بُزَّ، بَزًّا، فهو بازّ، والمفعول مَبْزوز، بزَّ الشَّخصُ أقرانَه: بذَّهم؛ غلَبهم، فَاقَهم “لا تستطيع أن تبزّ غيرك بلا جهد – بزَّه في المصارعة”.بِزٌّ جمعه أبزاز و المعنى: حلَمَةُ الثّدي “نام الرّضيع ملتقِمًا بِزَّ أمّه”.د حلمة الضّرع عند ذوات الأربع، ثدي ومنه (بئس البِزُّ الَّذي أرضعك): أي بئس التَّربية التي تربَّيتها ، (بِزُّ الرَّجل لا يُدرّ لبنًا) أي أنه قاسي الطّبع، قليلاً ما يُشفق (على عكس المرأة) ويُضرب للرَّجل الذي له ثأر ولا يَقبل إلاّ الأخذَ به ، (فلانٌ لا يشربها من البِزِّ الأيسر)أي لا يُلوى ذراعُه، لا يُجبر على أمرٍ لا يرتضيه ، و بِزَّة [مفرد]من معانيها: هيئة “هو حسن البِزَّة”، ثوب، بدلة، شارة “يرتدي الشابّ البزّة العسكريّة”.
ومن خلال ما مرّ معنا مِنْ تَفرُّعات لغوية لجذر (بزّ يبزّ) ، تتبدّى لنا العديد من المعانيَ العرفانية لإسم الفاعل (بازّ) والتي سنستعرِضُها كما يلي :
1-المعنى الأول – البازُّ = صاحب البِزِّ و التربية و الإمداد:
فالإمداد لهُ ومنه ﷺ بدءً ومنتهًى ،لأنّ الدوائر الكونية جميعاً عالةٌ على سيّدنا و موْلانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه، باعتباره ، صاحب البِزِّ أي البازَّ المُعيلُ المُمِدُّ المُربِّي وربُّ العائلة الكونية و سيِّدُها ،و احسب الكلمة القرآنية (رَبُّنَا) بحساب أهل الأسرار بَسْطًا تعطيك الإسم الأعظم الشريف مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه مُكرَّرًا مرتين 354×2 ، (فلا تعطيل لدائرة من الدوائر الكونية،إذِ الكُلُّ من مقتضى الأسماء الإلهية، الماسكة للوجود بأيادٍ خفية التجليات الإلهية هي غذاء الكون ومدده ترتوي منها سائر الدوائر الكونية ،كي لا يتعطّلُ سيرها )(28).
فهو ﷺ وعَلى آلِه يَدُ الله في الكون حلاًّ وعقدًا وحُكْمًا (فَٱحۡكُم بَیۡنَهُمۡ)،ومَنْ تحته هم مُتصرِّفون بإذنه باعتبارهم أيادي تصريف الأمر في الكون، واحسب ياولي الله هذا الوقف (یَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ) يعطيك العدد 266 وهو حاص ضرب العدد 19 في العدد 14 ..19 هو طلسم النبوة المحمدية المكنون في سر البسملة بعدد حروفها، و 14 هو جُمّل إسمه «وهّاب»، ثم تأمَّل قوله ﷺ وعَلى آلِه في الحديث(والله المُعطي و أنا القاسم) (29)، ومن قسّم لك فقد أعطاك كما يقول شيخنا نفع الله به(30)، ففضله وإمداده وعطاؤهﷺ وعَلى آلِه لا حدّ له وليس بالمُستطاع إحصاؤُه ولا الإعرابُ عنه، في ذلك قال البوصيري رحمه الله :
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ
2-المعنى الثاني – البازُّ = صاحب البَزّ، ذو الغلَبة ،المتفوق والقاهر :
قال سيدنا و مولانا مُحَمَّدﷺوعلى آله( ستكون نبوةٌ و رحمةٌ ثم كذا و كذا ثم تكون بِزَّيزَى و أخذ أموالٍ بغير حق)(31) وقال الحارث بن كعب المذحجي يوصي ( بنيه كونوا جميعا و لا تفرقوا فتكونوا شيعا و بزُّوا قبل أن تُبَزُّوا، فموت في عِزٍّ خَيْرٌ مِن حياةٍ في ذُل و عجْز)(32) وقال اللحياني ( بزَّهُ حَبَسَهُ)(33)، و قد جاء في الحديث الشريف ( إنّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نارًا، فَلَمَّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الفَراشُ وهذِه الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها، فأنا آخُذُ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فيها)(34)، فمن شدة حرصه ﷺ وعلى آله ورحمته بالناس و شفقتهم عليهم والسعي لهدايتهم ضرَب المَثَل في أنه أوقد النار ليضيء لهم طريقهم ، لكن مِنْهُم مَنْ يريد الوقوع في النار، لكنه ﷺ وعلى آله يبزّ الخلائق عن الوقوع فيها، ويحبسهم عنها و يقيهم حرّ صدمات التجليات، فهو بازٌّ لهُم عن كل المهالك.
أما صفة «القهرية» التي تشمل معاني التفوق والغلبة، فهي كلها معدودة في نعوت سيدنا و مولانا مُحَمَّدﷺ وعَلى آلِه ، باعتباره الخليفة الظاهر بأوصاف من استخلفه سبحانه والقائم بأسماء من استنابه ،فظهرﷺوعَلى آلِه بجميع الأسماءوالصفات الإلهية و القهّارُ من جملة الأسماء ،و إن شئت فاقرأ الاية(وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ) الأنعام-18 و احسب جُمّل (وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ) يعطيك العدد 354 وهو مطابق لإسمه الشريف مُحَمَّدٌﷺوعلى آله بحساب أهل الأسرار بَسْطا، و كفى بها إشارة، وقد غلَبَ كُنْهُهُ ﷺوعَلى آلِه الخلائقَ وبَزَّ إدراكهم ، فحقيقته ﷺ وعَلى آلِه و سرُّه و معناهُ و كُنْهُهُ بازٌّ لكل مخلوق، او في ذلك قال البوصيري رحمه الله :
أعْيا الورى فَهْمُ معناهُ فليس يُرى في القُرْبِ والبعدِ فيهِ غير منفحِمِ
3-المعنى الثالث- البازُّ = صاحبُ البِزّة أي ذو الهيئة و اللباس الحسن
عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ وعَلى آلِه يقول: (في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزّ صدقته )(35)، والبزُّ هنا الثياب المعدَّة للبيع ،وعن مولاتنا عائشة الصديقة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها قالت :(كان على النبيِّ ﷺ ثوبانِ قطرِيَّانِ غليظانِ ، فكان إذا قَعدَ فعرِقَ ثَقُلا عليه ، فقدِمَ بزٌّ منَ الشامِ لفلانٍ اليهوديِّ ، فقلتُ : لو بعثْتَ إليه ، فاشتريتَ منه ثوبينِ إلى الميسرَةِ ، فأرسلَ إليه ، فقال : قدْ علمْتُ ما يريدُ ؛ إِنَّما يريدُ أنْ يذهَبَ بمالِي ، فكذَبَ ! قدْ علِمَ أنِّي أتقاهم وآدَاهم للأمانَةِ )(36)وقد أُثِرَعن سيدناعُمرالفاروق رضي الله عنه قوله (إنهم لم يروْا على صاحبك بِزة قومٍ غضب الله عليهم).
فالحاصِلُ أنّ البِزّة هي الثياب والأردية والهيئة الحسنة التي لبسها و ارتداها سيدنا و مولانا محمد ﷺوعلى آله، هي كُلُّ الأسماء الحسنى والصفات الإلهية باعتبارها مجْلى المملكة الحقية،فهي جميعُها بِزّتُهُ و حُلَلُهُ ، جميعُها لهُ، وهُوَ لها، بل هوهي ،وهي هُو، فهوﷺوعلى آله البازُّ المترّدي بالأردية الأسمائية ، اللابس للحُلل الصفاتية تصرفا مطلقا كما أراد الله وهو معنى «الإصطحاب» في مشربنا وشاهِدهُ (هُنَّ لباسٌ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لباسٌ لَّهُنَّۗ)البقرة-187.
4-المعنى الرابع -البازّ=صاحب البزَّة و السلاح ، المنافح الحامي :
البزّة تُطلَقُ أيضا على السلاح وعلى الهيئة التي يكون عليها المُتّشِحُ بهذا السلاح، ، فقد قال ابوقلابة الهذلي يصف سلاحه (37) : بَزٌّ أحمي به المُضافَ إذا دعا و بدا لهم يومٌ ذَنوبّ أحْمَسُ
وكذلك سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه هو صاحب البزّة والسلاح ،وهوالبازُّ المُنافِحُ الحامي للكون وأهله، فإنَّ مِن مقتضياتِ عظيمِ رحمةِ النبوة بالعالمين أنَّهُﷺ وعَلى آلِه أنه قائمٌ بين الحق والخلق، مِن حيثُ كونه برزخًا يوصل العطايا والقسائم الإلهية للعالمين،ومن حيثُ كونه حجابًا حاجزا يَقي الخلائق مِن أهوال التجليات (فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ)الزخرف-41، فهي شفاعةٌ محمديةٌ مُعَجَّلةٌ للمخلوقات في الحياة الدنيا،تحميهم من إنصباب صدمات تجليات الأسماء الإلهية عليهم لأن “الذهاب به” يفتح الباب المجال أمام الجلال المحض ،وهي أيضا شفاعة محمدية مؤجلة لتلك المخلوقات يوم القيامة،حيث يتجلّى غضبُ الجبار سبحانه،فيخاف المقربون من الرسل والانبياء والملائكة الذين لايعصون الله قط ،فضلا عمن سواهم ،فلا يبق للخلائق إلاركن النبوة المحمدية الشديد يأوُون إليه (ءَاوِیۤ إِلَىٰ رُكۡن شَدِید)،وانتبه يا ولي الله:(رُكۡن شَدِید) يعطيك حساب جُمله :(92×14)= أي (محمد×وهاب)، فهو ﷺ وعَلى آلِه السلاح المتين والملجأ الحصين والمأوى في الدنيا ويوم الدين، وقد كان الصحابة رضي الله عنه يحتمون به في الحروب لِقُوّته وشجاعته كما سنرى.
5- المعنى الخامس-البازّ =صاحبُ الإصلاح و الإجادة و الإحسان
جاء في لسان العرب (والْبَزْبَزَةُ: مُعَالَجَةُ الشَّيْءِ وَإِصْلَاحُهُ ، يُقَالُ لِلشَّيْءِ الَّذِي أُجِيدَ صَنْعَتُهُ: قَدْ بَزْبَزْتُهُ) ، ويكون إسم الفاعل «البازُّ» يشير إلى مَنْ أجادَ الصنعة وكان إصلاحُه في غاية الإتقان وتمامه فهو المُصلح المُجيد الواصل في إجادته أقصا مراتب الإحسان و هذه كلها من نعوت سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه ، فهو صاحب الإحسان في الفعل و القول و الحال .
6-المعنى السادس- البازّ= صاحب الاختصاص :
فيُقال ابتزّ الرجل بالشيء : اختَصّ به وهو معنى فريد ،أورَدَهُ سيبويه رحمه الله (38)،وكذلك سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺوعلى آله، اختصّ اللهُ ﷻ به، وهوﷺ اختصّ بالله ،وهو جوهر معنى الإصطحاب في مشربنا الفاطمي ،فلئن قال مَلِك مصر في وقته عن سيدنا يوسف عليه السلام أنَّهُ استخلصَهُ لنفسه (وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۤ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِیۖ)يوسف-54، فإنّ الله تعالى وهو مَلِكُ الملوك اختصَّ سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه له سبحانه ، فهوﷺ وعَلى آلِه ( العبد الحقّاني المنفرد بليس كمثله شيء)كما قال الشيخ أبو الفيض الكتاني قدس الله سره في فتوحه، فما مِن إسم و صِفة إلهية إلا وقد لبسها سيدنا و مولانا محمدﷺ وعَلى آلِه ، فهو مخصوص بها و هي مخصوصة له (الذي جعلتَ إسمه مُتّحداً باسمك و نعتك) كما قال الشيخ ابو الفيض في الأنموذجية، فلا شريك لسيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺعَليْه وَآلِه في هاته البزّة الإلهية ، فقد ابتزّ بها اختصاصا .
ثم قال رحمه الله في نعت أحمدي مدحي ثالث :
المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ. فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفـَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْـــــرَادِ.
إنّ سيدنا ومولانا مُحَمَّدﷺوعلى آله من حيثُ كونِهِ جامعًا بين وِجْهته الحقية المُجانِسة للحق تعالى و وجْهَتِه الخلقية المُجانِسة للخلق، قامَ مقامَ النسبة بين الله تعالى و العالمين ، فالله تعالى لم يُوجِدِ الوجودَ لحاجة له به ، إنما لإظهار أسمائه و صفاته، فأوجدَ النسبة أولا ثم أوجدهم ليعرفوه بها فهي نائبة عن الحق تعالى في الظهور هي وجه الله المشهود في ذرات الوجود (فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ )البقرة-115 كما قال شيخنا نفع الله به (39) نسبةٌ كان مِنْ مَجَاليها أنه ﷺوعَلى آلِه هو الرحمة للعالمين والقاسم لأُعْطيات العالمين (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ) وكان مِنْ لوازم سريان رحمته ﷺوعَلى آلِه أنّ (بها رَحِمَ اللهُ تعالى حقائق الأشياء كلها، فظهر كل شئ فى مرتبته من الوجود،وبها استعدَّتْ قوابل الموجودات لقبول الفيض والجود كما قال العارف الجيلي في حديثه عن الكمالات الإلهية في الصفات المُحَمَّدية وهذا مِنْ مصاديق الآية (وَرَحْمَتِي وَسِعَت كُل شَيْءٍ) الأعراف- 156.
وفي قول العارف : (المُفَاضِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا يَسْتَغْرِقُهُ أَهْلُ العَالَمِ مِنَ الأَعْدَادِ. فَيُفِيضُ هُوَ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ حَتَّى تَضِيعَ أَعْدَادُ الأَفْرَادِ)، نُميِّزُ بين أمرين جامِعيْن للنعوت عَلِيَّة القدر :
1- أنه ﷺ وعَلى آلِه “المُفَاضُ عَلَيْهِ”..أي أنه صاحب الاستمداد من الحق :
فهوﷺ وعَلى آلِه يأخذُ من الحق ﷻ لما لهُ مِن مُجانسة حقية معه ، فيعطي للخلق لما له من مجانسة خلقية معهم( والله المعطي و أنا القاسم)، (وهو السراج الذي اتَّقَدَتْ منه جميع السُّرُج) (40) لأنه ﷺ وعَلى آلِه هو الروح الكلية و(النورالبرزخي الجمعي الذي أفاض الله عليه من كمالاته،وحلاه بأسمائه وصفاته..)(41)وما كان للمُقتضيات أنْ تظهر دونه ، بل هي منوطة بفيضته القرآنية، قال العارف البوصيري :
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصدُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ
كلُّ فضــل في العالَمين فمن فَضلِ النبيِّ استعارَهُ الفُضَلاءُ
ولله درُّ العارف سيدي أبي الفيض الكتاني قدس الله سره حين يقول في فتوحه( وأشهدني يا أللهُ عظيمَ وُسْع عطائك المُفاضِ على اليمين المحمدية حتى أشهد ما أودَعْتَهُ فيها من حظوظ الكائنات أجمَعِها من لدن فتق رتق عالم التصوير الشهادي الى منتهاه ، فإنّ جميع حظوظ الموجودات المتأخرة كلها أودَعْتَها في اليمين المحمدي )، وقد جاء ما ضَمنَّهُ الشيخ الأكبر في “صلاة فواتح الحقيقة” موافقا لهذا المعنى في معرض مدحه لسيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه أنَّهُ ( مالك أَزِمَّة الأمر الإلهي تهيّؤاً واستعداداً، السالكُ مسالك العبودية إمداداً واستمداداً)، وما كان للنبوة المحمدية أنْ يكون لها وِجههٌ إلى الحق سبحانه تستمد منه و تستفيض لو لم تكن هي في ذاتها و كنهها حقا و نوراّ إلهيا صِرْفا، على أنّ القرآن المجيد شاهدٌ بحقانيته ﷺوعَلى آلِه (مُحَمَّدوَهُوَ ٱلۡحَقُّ)محمد-2 (فَقَدۡ كَذَّبُوا۟ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُمۡ)الأنعام-5 كما شهد ﷺ وعَلى آلِه بحقانيته (مَن رَآنِي فقَدْ رَأَى الحَقَّ)(42) و كفى بالله و نبيه ﷺ وعَلى آلِه شهيدا.
2- أنه ﷺ وعَلى آلِه “يُفِيضُ على غيره”.. أي أنه صاحب الإمداد للخلق:
إنّ سيدناومولانا مُحَمَّدﷺوعلى آله هو مجلى غِنى الحق عن الخلق (إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)العنكبوت-6 (فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنكُمۡۖ)الزمر-7(فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) آل عمران-97، و مِن مستلزمات ذلك الغنى قيامه ﷺوعلى آله برزخا و واسطةً بين الحق و الخلق ، أعَدَّهُ الله ﷻ للنُّزول الإجمالي والتفصيلي لتستمدّ كل العوالم منه، فلا ينزل أمرٌ إلا عليه و لا يصعد إلا منه وإلى هذا المعنى أشارالشيخ العارف الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سره بقوله ( برزخ البرازخ كلها وجمعها هو الحقيقة المُحَمَّدية )(43).
والفيض الواصل منهﷺ وعلى آله للعالمين هو وهبٌ وعطاءٌ إلهي كلمة “عطاءٌ” و مشتقاتها وردَتْ في القرآن الكريم 14 مرة بعدد جُمّل إسمه «وهّاب» ، لذلك اقترنَ العطاء في القرآن بالربوبية (كُلّا نُّمِدُّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مِنۡ عَطَاۤءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَاۤءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا)الإسراء-20(جَزَاۤء مِّن رَّبِّكَ عَطَاۤءً حِسَابا)النبأ-36(إِلَّا مَا شَاۤءَ رَبُّكَۖ عَطَاۤءً غَیۡرَ مَجۡذُوذ)هود-108، وربطه بالرّبّ يُفيد اقترانه بالتربية و الإعالة و الإرضاع، وهي كلها من معاني قيام النبوة المحمدية بصفة ” البازّ”السابقة ، قال الولي الكبير الشيخ سيدي مُحَمَّد مهدي الرواس الرفاعي (هذا الميم المبارك ميزاب الرحمة الإلهية المفاضة على العوالم الكونية،ومحراب الإلتجاء لكل ذرة خلقية ..) (44).
ومن شواهد وُسْع الفيض المحمدي للكون، قوله ﷺ وعلى آله (والله المُعطي و أنا القاسم) ، وإن حسبتَ جُمّل هذا الشق من الحديث فسيعطيك العدد 762 ،فإذا أضفتَ إليه العدد 12 (الذي يُشير لدورة الزمان أي الساعات و الأشهر والبروج الإثنيْ عشر) فإنك تحصلُ على العدد 774فاقسمه على الرقم 6(الجهات الستّ التي تحيط بالكون) يظهر لك العدد 129 وهو جُمّل الإسم اللطيف، فهو ﷺ على آله هو الرحمة المهداة التي مَزَجتْ باللطف كل التجليات، واحسُب جُمّل الإسمين المُصْطَحَبَيْن في الحديث أعلاه (المعطي القاسم ) يعطيك العدد 632 إذا أضفتَ عليه العدد 12 فإنك تحصلُ على العدد 644 فاقسمه على العدد 7 المُشير إلى الكون و خلائقه (ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ)الإسراء-44،يظْهَرُ لك العدد 92 وهوجُمّل الإسم الشريف مُحَمَّدﷺوعلى آله ، فهو بازّ المملكة كلها فيضا وعطاءً وإمدادًا كما رأيتَ آنفا.
لقد أعطاه الحق المفاتح والمقاليد ﴿هَـٰذَا عَطَاۤؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَاب﴾صٓ- 39،لو حسبت جُمّل هذا الوقف القرآني(فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَاب) لأعطاكَ العددَ2012 ثم أضفْ عليه العدد12 المشير لزمن الكون فيعطيك العدد 2024 ، وهوحاصلُ جُمّل عدد الإسم الشريف مُحَمَّد92 ﷺوعلى آله مضروبا في العدد 11(ضميرالغائب المُستتر”هُوَ”) مضروبا في 2 (ظاهر و باطن)، فاعلم حينئذ أنّ قسمة العطاء الكوني هي بيد سيدنا ومولانا محمدﷺوعلى آله في الظاهروالباطن لا ينقطع زمنها وهي مستترة،و استتارُ عطائها عن رؤية السوى (إلا من شاء الله)هو رحمةٌ بهم تَنْضافُ إلى رحمة العطاء والقسمة الواصل إليهم منه ﷺوعلى آله، قال شيخنا المحقق مولاي مُحَمَّدبن المبارك نفع الله به في “ضمير الهوية ” (ولما تَحقّق ﷺوعلى آله بالهوية صارمجهولاً عند كل العوالم: “ما عرفني حقيقة غير ربي”،قال العارف الكبير إبن مشيش: “لم يُدْركه منّا سابق ولا لاَحق”. فكما أن كَنْزية الأسماء الإلهية تَقدّم لها البُطون فكذلك حقيقته ﷺ وعَلى آلِه تقدم لها البُطون،وكما أن الحق تعالي غَيْب فحقيقة سيدنا مُحَمَّد ﷺ وعَلى آلِه غيب: “ولون الماء لون إنائه”)(45) ، فتأمّل هاته الفذلكات أيها الفَطِنُ الأريب والذكي اللبيب.
القسم الثاني – مُخَصَّصٌ لتقديمٌ الطلب و الدّعاء :
(وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَجَلْبِبِينَ بِجِلْبَابِ الجَمَالِ. إِذَا بَدَتْ صُورَةُ الجَلاَلِ. وَمِنَ القَائِمِينَ قُبَالَةَ النَّقَائِصِ النَّفْسِيَّةِ. بِأَرْدِيَةِ الكَمَالاَتِ الحَقِّيَةِ. وَاحْمِنَا بِحِمَايَةِ كَمَالِهِ. عَنْ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نَخْشَى أَحَداً فِي دِينِكَ. أَوْ تَزِلَّ قَدَمُنَا فِي مَعْرِفَتِكَ وَيَقِينِكَ. وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ مِنَ النَّكَــــبَاتِ وَالأَوْحَالِ. وَجَنِّبْنَا جَنَــايَا خَبَايَا الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ. وَصَحْبِهِ وَسَـــلِّمْ).
هذا الجُزْءُ مِن الصلاة جامعٌ في نفس الوقتَ بين أمّهات الثناء على سيّدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه،وأمّهات الطّلبات من الله توسُّلا به ﷺ وعلى آله ،إذْ ضمّن فيها معاني الجمال والجلال والكمال المُحَمَّدي كما يلي:
الطّلبُ الأوّلُ- التّحليّ بالجمال درءًا لمُقتضيات الجلال:
قال العارف الشيخ الكتاني رحمه الله (وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنَ المُتَجَلْبِبِينَ بِجِلْبَابِ الجَمَالِ. إِذَا بَدَتْ صُورَةُ الجَلاَلِ) وهذا من وافر أدبه مع سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه وعظيم رجائه لهُ،لسان حاله قولُ البوصيري :
هُوَ الحَبــيـــبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
ما سامني الدهرُ ضيماً واستجرتُ بهِ إلاَّ استلمتُ الندى من خيرِ مُستلمِ
يا أكرَمَ الخلق مالي مَنْ أَلُوذُ به سِوَاكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
طلبُ النوال مِن سيدنا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه هو إتيانٌ للأمر من بابه، فهو باب الله ﷻ،و قاسم عطاياه، وقد طلبَ الشيخُ ببركة صلاته هاته أنْ يخلعَ عليه سيدُنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه جلبابَ الجمال إذا بدت صورة الجلال والمقصود به يوم القيامة حين يغضب الجبار سبحانه،كناية عن شفاعة النبوة و الدُّخول في ركنها الشّديد يوم لا ينفع مال ولا بنون ،يوم يخاف كل الملائكة و الأنبياء والرسل من الجلال الإلهي حينئذ،فلا يكون الملجأ إلا حِمى سيدنا و مولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه فهو لها في الآخرة كما كان لها في الدنيا، قال ﷺ وعَلى آلِه (أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القِيامَةِ، وهلْ تَدْرُونَ بمَ ذاكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، فيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، ويَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ والْكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ، وما لا يَحْتَمِلُونَ، فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ألا تَرَوْنَ ما أنتُمْ فِيهِ؟ ألا تَرَوْنَ ما قدْ بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فيَقولونَ: يا آدَمُ، أنْتَ أبو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إلى ما قدْ بَلَغَنا؟ فيَقولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّه نَهانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى ما قدْ بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهمْ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّه قدْ كانَتْ لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بها علَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى إبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَيَأْتُونَ إبْراهِيمَ، فيَقولونَ: أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وخَلِيلُهُ مِن أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إلى ما قدْ بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهمْ إبْراهِيمُ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وذَكَرَ كَذَباتِهِ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فيَقولونَ: يا مُوسَى، أنْتَ رَسولُ اللهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ برِسالاتِهِ، وبِتَكْلِيمِهِ علَى النَّاسِ، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى ما قدْ بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بقَتْلِها، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فيَقولونَ: يا عِيسَى أنْتَ رَسولُ اللهِ، وكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ، وكَلِمَةٌ منه ألْقاها إلى مَرْيَمَ، ورُوحٌ منه، فاشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى ما قدْ بَلَغَنا؟ فيَقولُ لهمْ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، ولَمْ يَذْكُرْ له ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونِّي فيَقولونَ: يا مُحَمَّدُ، أنْتَ رَسولُ اللهِ، وخاتَمُ الأنْبِياءِ، وغَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ، وما تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لنا إلى رَبِّكَ، ألا تَرَى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى ما قدْ بَلَغَنا؟ فأنْطَلِقُ، فَآتي تَحْتَ العَرْشِ، فأقَعُ ساجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ ويُلْهِمُنِي مِن مَحامِدِهِ، وحُسْنِ الثَّناءِ عليه شيئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفَعُ رَأْسِي، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي، فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ، أدْخِلِ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عليه مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِن أبْوابِ الجَنَّةِ، وهُمْ شُرَكاءُ النَّاسِ فِيما سِوَى ذلكَ مِنَ الأبْوابِ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدبيَدِهِ، إنَّ ما بيْنَ المِصْراعَيْنِ مِن مَصارِيعِ الجَنَّةِ لَكما بيْنَ مَكَّةَ وهَجَرٍ، أوْ كما بيْنَ مَكَّةَ وبُصْرَى.)(46).
الفرارُ إلى سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه والطلبُ منه ،هُو دأْبُ الصحابة الكرام ،فعن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ( جاءت امرأة إلى النبي ﷺ ببردة، فقال: سهل للقوم أتدرون ما البردة؟، فقال القوم: هي الشملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟، فأخذها النبي ﷺ محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: نعم، فلما قام النبي ﷺ لامَهُ أصحابُه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي ﷺ أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها ، وقد عرفتَ أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي ﷺ لعليّ أكفن فيها )(47)، وقد كان الصحابة يحتمون بهﷺ في الحروب و الغزوات لِقُوّتِه و شجاعته ﷺ ، فعن الإمام علي كرم الله وجهه (كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه)(48)وقال البراء بن عازب رضي الله عنه(كنا والله إذا احمرَّ البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به” يعني النبي ﷺ)(49).
الطلب الثاني-التّحلّي بالكمال درْءًا لنقائص الخِلال :
ثم قال روّح الله روحه (وَمِنَ القَائِمِينَ قُبَالَةَ النَّقَائِصِ النَّفْسِيَّةِ. بِأَرْدِيَةِ الكَمَالاَتِ الحَقِّيَةِ)، أردية الكمالات الحقية المطلوبة هاهنا هي الإستمداد من كمالاته ﷺ وعَلى آلِه ، و هذا مِن معانى التّأسّي الوارد في الآية (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرا)الأحزاب-21،فرجاءُ العارفين مِن كرم النبوة لا حد له ،لذلك انتقل الشيخ الكتاني مِنْ طلبِ «جلباب» الجمال بالمفرد إلى طلب «أردية» الكمال بالجمع ، وهذا يشي بِسَعَة رجائه وجميل تَذَلُّلــِه بين يدي النبوة وإقراره بوجود نقائصه النفسية وذنوبه ، وحاشا أن يعظُمَ الذنب في جنب عِظَم رحمته ﷺوعَلى آلِه ،فكيف إذا كان الطّالبُ الراجي هو من ذريته الشريفة ومن كبار خدام حديثه الشريف ، بل من فحول الأولياء العارفين،فالكريم لا تتخطاه الآمال،وقد كان الصحابي الجليل سيدنا جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه جاء إلى سيدنا و مولانا النبي ﷺ وعَلى آلِه وهو في بيت ملئ بالناس، فوقف على الباب، فنظر النبي ﷺ يمينًا وشمالًا فلم ير موضعًا فأخذ النبي ﷺ رداءه فلفه ثم رمى به إليه وقال لهذا الصحابي: “اجلس عليه”، فأخذه الصحابي فضمه وقبله ثم رده على النبي ﷺ وعلى آله وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني، فقال رسول الله ﷺ: (إذا أتاكم كريمُ قومٍ فأكرموه) (50).
السادة العارفون أهل الفناء في الحب المحمدي لا يُحْيي أرواحَهم إلا شمُّ رداء الحبيب و قميصه إذا أُلْقيَ إليهم ،قال الله ﷻ حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) يوسف-93، سيدنا يوسف عليه السلام هو رمز المحبوب وهوأوتي شطر الجمال المحمدي و يعقوب المُحِبُّ يرمزُ للعارفين العاشقين، فرَقَّ المحبوب لحال حبيبه فبعث له قميصه وهو عارفٌ نتيجةَ إلقاء الرداء على وجه المحبوب ( فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا)، و المحبوب الأعظم ﷺ وعَلى آلِه لاينسى أحبّاءهُ وهو أرحم بهم من أنفسهم بل هو اولى منهم بأنفسهم (ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡ)الأحزاب-6،والأحباء قبل الحظوة برؤية المحبوب يتنسَّمون عطره في آثاره و قمصانه و أرديته و آثاره :
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
هذا وإنّ الطلب الوارد في هاته الصلاة تجلببا بالجمال وتّردّيا بأردية بالكمال ،هومِن قبيل تغطية وصف الطالب الضعيف الناقص بوصفٍ من أوصاف النبوة الكاملة ، إنه سعيٌ إلى التشوف لاستقرار الصفة الكاملة بين جنبي الطالب المحب العاشق للجناب الشريف الواردة في الحديث القدسي ( إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ )(51)،حيثُ يصيرُ المحبوب سمعًا وبصرا ويدا ورجلا للحبيب و لا تُردُّ له دعوة ،يُغطّى وصفُ النقص المعزُوِّ للطالب ،بوصف الكمال المطلق القائم بالمطلوب المحمدي ﷺوعَلى آلِه، قال العارف بن عطاء الله السكندري رحمه الله في حِكَمه ( لو أنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً . ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه غطى وصفك بوصفه ونعتك بنعته فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه)، وهو مصداق الآية ( یُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـٰت) الفرقان-70 وأعظم سيئة عند المقربين هي بقاء نفوسهم في جنب المحبوب، وأعظم قربة عندهم إنتفاء نفوسهم ببقاء المحبوب وحده لا شريك لهﷺوعَلى آلِه كما في الحديث ( فإنْ لَمْ تَكُنْ )(تَرَاهُ )(52)، وقد أحسن الشيخ الحرّاق روَّح الله روحه حين قال في تائيته الراقية:
وَكُنـــــتُ بِها مُغرىً أراها حَبيبَةً إِذا أَنَّها وَالله عَينُ حَقيـــــــقَتي
وَفيها اِدّعيتُ العَين في مَذهَبِ الهَوى وَقَطَّعتُ رَسمي كَي أُصحِّحَ حُجَّتي
وَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَقَد كُنتُ عاشِقاً لِأَن ظُهوري صارَ أَعظَم زَلَّتي
الطلبُ الثالث – الحماية بالكمال درءًا للضّلال:
ثم قال رحمه الله ( وَاحْمِنَا بِحِمَايَةِ كَمَالِهِ. عَنْ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نَخْشَى أَحَداً فِي دِينِكَ. أَوْ تَزِلَّ قَدَمُنَا فِي مَعْرِفَتِكَ وَيَقِينِكَ) ، فعظَمةُ رحمة سيدنا ومولانا مُحَمَّدﷺ وعَلى آلِه بالعالمين ليس فقط مِن حيثُ كونه برزخا موصلا للعطايا والقسائم الإلهية للعالمين،بل أيضا باعتباره حجابا حاجزا يَقي الخلائق مِن أهوال التجليات و صدماتها في الدنيا و الآخرة،لولا حجابيته لهلك السوى عن بكرة أبيهم (فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ)الزخرف-41.
لذلك طلب الشيخ سيدي عبد الحي الكتاني الحمايةً من كمال النبوة درءًا لأي ضلال في الدين أو زيغ في المعرفة أو ضعف في اليقين، ولا يوجد ركنٌ أحمى من جناب المُحَمَّدية يُأْوَى إليه لا في الدنيا و لا في الآخرة ، فهو ﷺ وعَلى آلِه هوالركن الأحْمى والملجأ الشفيع الأسْنى.
الطلب الرّابع – الستر من النكبات و الأوحال:
قال العارف خاتما صلاته ( وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ مِنَ النَّكَبَاتِ وَالأَوْحَالِ. وَجَنِّبْنَا جَنَايَا خَبَايَا الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ. وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ)، و هنا تتداعى بين طيّات دعاء العارف ما ابتليَ به من صنوف النكبات رُفقة ذويه مِن أعيان آل البيت الكتاني الشريف وكان فيهم أكابرُالأولياء و المُحَدِّثُون وجِلّة العلماء، من ظروف التضييق والإعتقال أولا ثم السجن ثانيا، حيث أشار لذلك في مستهل حديثه عن ظروف كتابة مؤلَّفِهِ ” وسيلة الولد الملهوف الى جده الرحيم العطوف” (فَيَقُولُ العَبْدُ الوَجِلُ المَلْهُوفُ. الذِي وُوجِهَ مِنَ الرَّزَايَا بِصُنُوفِ… كَمُل جمعه و ترتيبه و تهذيبُه و تبويبُه يوم الإثنين ثاني جماد الثانية سنة 1327 هجرية أيام الإعتقال ، فرّج الله الكرب و يسّر فتْحَ عِقال الأحوال آمين بجاه مَنْ لهُ الجاهُ آمين يا أرحم الراحمين ) حيث كان معتقلا مع أبيه الشيخ سيدي عبد الكبير و شقيقه الشيخ سيدي مُحَمَّد أبي الفيض وباقي آل البيت الكتاني في عام 1905 بسبب معارضتهم دخول الاستعمار الفرنسي الى المغرب و لوجود مخالفات عَقَدية أخرى ارتكبها أولياء الأمور في وقتهم.
في ظروف الإبتلاء الشديد هاته، كان إنشاء هاته الصلاة والتي ختَمَها بطلب الحق تعالى السترَمن النكبات والأوحال،وتجنب الجنايات و المظالم التي رآى بعضاً منها رفقة آل بيته على يد مَن سمّاهم “الأَنْجَاسِ الأَرْذَالِ”،ومِن كمال أدب صاحب الصلاة رحمه الله، أنّ حضور واسطة النبوة لم يُفارقه في دُعائِهُ (وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ) فالضميرُ (به) يعود على سيدناومولانا مُحَمَّدٌﷺوعَلى آلِه، فهو يطلبُ الستر بواسطته ﷺ وعَلى آلِه كما طلب آنفاً الإحتماء عن الجلال الإلهي بجماله ﷺ وعَلى آلِه في الآخرة ، وجعل طلب الستر مرفوقا باسم الجلالة ثلاث مرات،إشارة للدنيا والبرزخ والآخرة، ومن عجيبُ أسرارهذا الطلب(وَاسْتُرْنَا يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ. يَا اَللَّـهُ بِهِ) أنّ حاصل حسابه يعطي العدد1196 وهو مجموع ضرب الإسم الشريف مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه 92 في العدد13 أي (أحَد)، فكأنَّه رحمه الله يستعطفُ جده الرؤوف الرحيم ويتوسل إليه في نوال مطلبه بالرّحِمِ الذي بينه ﷺ وعَلى آلِه و بين محتده الأحدي،فإنّ بساط الأحدية هو صفة برقت منها النبوة المحمدية فهي معدودة مِن أمهاته ﷺ وعَلى آلِه،وهذا التوسلُ يقومُ مقام القائل “دخيلك” بلهجة أهل المشرق أو “المْزَاوْگة” أو “التعَوْريط” بلهجة أهل المغرب ، كل ذلك من باب التذلل والإستعطاف وطلب الغوث والصفح والمساعدة والدخول في الحِمى و الأمان المطلوب من لدن من كان عالي المقام عظيم الشأن،وليس لها إلا سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺ وعَلى آلِه ،فانظر كيف جمعت هاته الصلاة الرفيعة في كَلِمِها القليل ، بين العظيم من النعوت الأحمدية والجليل، مدحا لسيدنا و مولانا محمد ﷺ وعَلى آلِه ، و بين البليغ من الطلب و الرقيق من الأدب.
خاتــمة و توسُّــل
أمَا وقدْ وقَفَ جوادُ القلم هاهنا ،فالحقُّ أحقُّ أن يُقال ،لقد أُشِيعَتْ عن الشيخ الشريف سيدي مُحَمَّدعبد الحيّ بن عبد الكبير الكتّاني رحمه الله التُّهَم جزافا وظلماً وحاوَل بعضُ مُخالفيه النَّيلَ من سُمعتِه والإستطالة عليه ،والحالُ أنه قدس الله سرّه معدودٌ عند كبارأهل الله واحدٌ مِن أعيانهم وكُبرائهم،فقد وَصَلنا مِن طريق شيخنا نفعنا الله به مِن طريق شيخه كَشْفًا مُوثَّقًا مضموناً، أنَّ الشيخ سيدي مُحَمَّدعبد الحي الكتاني هو وشقيقه سيدي مُحَمَّد أبي الفيض الكتاني روّح الله رُوحَهُما، لهما مكان جليلٌ بين أولياء المُخمّس العرشي(53) ،فالشيخان الشقيقان العارفان هما مِن كبار العارفين المفتوحُ عليهم في علوم خاصة متعلقة بمعرفة سيدنا ومولانا محمدﷺ وعلى آله ، و لا أدَلَّ على ذلك من علو كعبهما في المعارف المحمدية و الأحمدية التي (مَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیم) مِن أكابر القوم والتي ضمّنوها في صلواتهم الخاصة منها دليل الصلوات« فتوح الجوارح» و«صلاة مولانا أحد»و«مزج الأنموذجية»و«صلاة المتردي» وهي للشيخ سيدي أبي الفيض ثم «وسيلة الولد الملهوف»و«صلاة العروس» و«صلاة منتهى التقديس»و«صلاة الترجمان» و«صلاة مولانا طه» وهي للشيخ سيدي عبد الحي،بل إنَّ «صلاة المُتردّي» المذكورة أُعْطِيَتْ مناما مِن لدن المولى سيدنا مُحَمَّدٌ ﷺوعلَى آلِه وعلى آله للشيخ أبي الفيض رضي الله عنه وقد شرحها شيخنا نفع الله به فأجاد و وفّى( وهي منشورة في مدونة المعهد الفاطمي المُحَمَّدي) ، ونَخْتمُ بالتوسل بالشيخ سيدي عبد الحَيّ ،وشقيقه وبكل القوم أهلِ الحَيّ،في قريضٍ منظومٍ على بسيط البحور، لعلَّ نظرةً منهم تُرقّينا و تَشْفِ الصدور،جاءتْ أبياتا أربعة عشر على عدد إسمه «وهّاب »، و استُهِلَّتْ صُدورُها بحروف الصفة الخالدة وبمن له الإصطحاب ﷺوعلَى آلِه :
أُخَــيَّ ذِي مُزْنُ عبْدُ الحَـــيِّ كتّــاني أهَــلَّ قَطْرٌ لَـها نُوراً بعِـــرْفانِ
حِرْصاً على شَرْحِ أنْوارٍ لها برَقَتْ = صلاةُ شيـخٍ جليلٍ ما لهُ ثانِ
دَعا إلى الله عِلـمًا فَهْوَنادِرَةٌ=سَمَـتْ به أُمَّةٌ ماسًا و عِـقْيانِ
أُهَيْلَ حَيِّ الهوى مَنْ هُمْ إذا ذُكِرُوا أغاثَ مُزْنٌ لهُم عَطْشى وذا العاني
حارَتْ بِمُضْناكُمُو هاذي الدُّنى قَلَقاً حنَانَكُمْ أَرْجُ غَوْثاً،تَصْفُ أشْجاني
مَنْ للضعيفِ إذا شـابَتْ عَوارِضُهُ أنا عُبـــَيْدٌ لكُمْ فالبَيـــْنُ أضْنَاني
دَخِيلُــكُم يا بُدوراً في السّماءِ عَلَتْ على الثَّرى عَبْدُكُم مُلْقًى بنيرَانِ
مُضْناكُمو إنْ رَضِيتُمْ منهُ نافِلَةً أهْدَاكُــمُو فَرْضَ رُوحٍ منهُ صِنوانِ
حمْدًا لِذِي الحَمدِ ظنّي بالكرامِ فَهُمْ ما ضيَّعوا – حاشــا- حقَّا لأقْنانِ
ما هزَّ أَرْواحَنا غَيْرُ المعارِفِ إنْ تمايَسَتْ في خُـــدُورٍ ،قَطْفُها دانِ
داعٍ بِمَرْآكُمو مُنُّـــوا بِنَظْرَتِــكُمْ عَمَــايَ خيرٌ إلَّمْ تَنْــظُرْكَ أَعْياني
ياربِّ بالسّروالحَــرْفِ الذي بُدِأَتْ قصيدتي مِنْهُ هَبـــْني نُورَ قُرْآنِ
واجْعَلْنِ في حِجْرِ مولانا مُحَـــمَّدِنا دليلَ خيرٍ له جمْــعًا بإخْوانِ
جمْعًا و دَوْماً بلا فَرْقٍ فَهَـبْنِ غِنًى أكُنْ بك منكَ ذاك الأقرَبَ الفاني
تمَّ الفراغ منه يوم الجمعة 15 جمادى الآخرة عام 1445 الموافق ل29 دجنبر 2023 بحمد الله صلاةً و تسليماً على سيدنا ومولانا مُحَمَّدﷺوعلَى آلِه ،سيد الوجود عين الحمْد وكعبة القصْد وعلى بَضعته الفاطمةُ القُدُسية صاحبةُ الحلّ والعَقد، وعلى بَنيها الأطهار أقمار العِزّ والمجْد،والصّحب الأخيار حُفّاظ الدين والعهْد، ورقَمَه أسِيرُ الذّنب علِيلُ القلب «بن الفاطمي» من تلاميذ الأستاذ مُحَمَّد بن المبارك لحميتي نفع الله به و متّعنا برضاه و أمدّنا مِن وافر أمداده الشريفة.
الإحالات
1-كان شيخ شيخنا مولاي عبد السلام الجبلي الوهراني قدَّس اللهُ سرّهُ ينصحُ بقراءة الصلاة المغناطيسية والمشيشية والمتردي و صلوات أخرى عالية القدر قبل الفجر.
2-صلاة مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام وهي من أرفع ما قيل في تعظيم شأن سيدنا ومولانا مُحَمَّدٌﷺوعلى آله، ذكرها القطب الدباغ في إبريزه رضي الله عنه.
3- لمزيد اطلاع على ترجمة الشيخ يرجى الرجوع لمقدمة كتاب وسيلة الولد الملهوف باعتناء من الشريف الدكتور حمزة الكتاني وكذا ترجمة الشيخ الشهيد سيدي مُحَمَّدابي الفيض الكتاني قدس الله سره .
4- (الرَّحِمُ شِجنةٌ من الرّحمنِ ، قال اللهُ : مَنْ وصلَكِ وصلتُه،ومن قطعَكِ قطعتُه).رواه سيدنا أبوهريرة رضي الله عنه في الصحيحين.
5- (من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ) رواه ابن حجر العسقلاني.
6- (الدُّعاء هو العبادة) رواه المنذري.
7-(كل دعاء محجوب حتى يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) رواه الديلمي في “مسند الفردوس” عن أنس، والبيهقي في “شعب الإيمان” عن علي موقوفا.
8- -(إذا صلى أحدكم،فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم يُصلي على النبي ﷺ،ثم يدعو بعدُ بما شاء).رواه الترمذي
9-(لا تجعلوني كقدح الراكب، قيل: وما قدح الراكب؟ قال: إن المسافرإذا فرغ من حاجته صب الماء في قدحه فإن كان له إليه حاجة توضأ منه أو شربه وإلا أهرقه،اجعلوني في أول الدعاء وأوسطه وآخره) رواه الترمذي
10- عن عمرَ بنِ الخطابِ قال : (إن الدعاءَ موقوفٌ بينَ السماءِ والأرضِ، لا يَصْعَدُ منه شيءٌ حتى تُصَلِّيَ على نبيِّك صلى الله عليه وسلم )(رواه الترمذي
11-النعوت الأحمدية هي الأوصاف التي وصف الله تعالى بها مدحا سيدنا و مولانا مُحَمَّدصلى الله عليه و سلم في القرءان المجيد ، و يتم استنباطها من باطن القرءان من لدن فحول الأولياء ،وهم قِلة ممن استطاع ذلك. قال أبو الفيض روح الله روحه: (من صلى على المُحَمَّدية بالمُحَمَّدية فقد مدحها، ومن صلى عليها بالأحمدية فقد أثنى عليها، وشتان بين المدح والثناء). والصلاة بالنعوت تفوق غيرها، وتطوي المسافات الطويلة لصاحبها فمن وصفه عليه الصلاة والسلام بالنعوت فهو أرقى المقامات، ومن وصفه بالشمائل يكون دونه، ومن وصفه بالسيرة دونه كذلك.كما قال شيخ شيخنا مولاي عبد السلام الجبلي الوهراني قدس الله سرهما.
12-( كان خُلُقُهُ القُرآن) أخرجه شعيب الأرناؤوط في مسنده.
13-(مَن صلى عَلَيَّ واحدةً ،صلّى اللهُ عليه بها عَشْرًا) أخرجه مسلم.
14- راجع “مزج المشيشية” على مدونة المعهد الفاطمي المحمدي https://www.fatimimohamadi.com
15 – (ارقبوا محمداً ﷺ في أهل بيته) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (ج16 ص251 ط حيدر آباد).
16-ذكَره الشيخ بهاء الدين البيطار في شرحه لشرح الصلاة العظيمية- النفحات الأقدسية في شرح الصلوات الأحمدية الإدريسية-تحقيق عاصم الكيالي-2006دار الكتب العلمية -ص405.
17- الصلاة 40 من الخبيئة.
18-(سلمانُ مِنَّا آل البيْت)حديث حسّنه الترمذي و ضعفه آخرون.
19- (وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا. قالوا يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ ؟ قالَ: بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ..) النسائي.
20-الصلاة 13 من الخبيئة.
21- الصلاة 90 من أسرار و حقائق.
22- الصلاة 110 المرجع نفسه.
23- (مكتوبات الإمام الرباني) – ص 180- ط: دار الكتب العلمية .
24- فتوح الجوارح.
25- الصلاة 68 من دليل أسرار و حقائق.
26 – الصلاة 59 –المرجع السابق.
27- الدكتور أحمد مختار عمر- ط1-2008-عالم الكتب – ص201/ص20
28- الصلاة 10من خبيئة الاسرار.
29- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون» أخرجه البخاري
30-الصلاة 79 من خبيئة الأسرار.
31- ذَكَره ابوعبيد الهروي في كتاب الغرِيبَيْن، غريبيْ القرآن و الحديث، تحقيق محمود محمود الطناحي-الناشر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – مصر1970-ص161/ص22
32- جوهرة خطب العرب، جمع صفوت ج1ص49.
33- ابن سيدة- المحكم و المحيط الأعظم-المحقق: عبد الحميد هنداوي- دار الكتب العلمية – بيروت-الطبعة1 – 2000 -ج9ص 15.
34- رواه الإمام البخاري.
35- عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ وعَلى آلِه يقول: (في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البزّ صدقته ) أخرجه أحمد في مسنده.
36- وعن مولاتنا عائشة الصديقة أم المؤمنين رضي الله عنها و ارضاها قالت :(كان على النبيِّ ﷺ ثوبانِ قطرِيَّانِ غليظانِ ، فكان إذا قَعدَ فعرِقَ ثَقُلا عليه ، فقدِمَ بزٌّ منَ الشامِ لفلانٍ اليهوديِّ ، فقلتُ : لو بعثْتَ إليه ، فاشتريتَ منه ثوبينِ إلى الميسرَةِ ، فأرسلَ إليه ، فقال : قدْ علمْتُ ما يريدُ ؛ إِنَّما يريدُ أنْ يذهَبَ بمالِي ، فكذَبَ ! قدْ علِمَ أنِّي أتقاهم وآدَاهم للأمانَةِ) أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد .
37- ترتيب وتعليق: مُحَمَّدمحمود الشنقيطي – الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة – مصر – 1965.
38- (كتاب سيبويه)-المحقق عبد السلام مُحَمَّدهارون-مكتبة الخانجي، القاهرة-الطبعة الثالثة – 1988
39-الصلاة 27 من من خبيئة الأسرار الأحمدية.
40- الصلاة 14 المرجع نفسه.
41- الصلاة 38 المرجع نفسه.
42-(من رآني فقد رأى الحق) رواه الإمام البخاري و غيره.
43- كتاب المواقف في التصوف والإرشاد..
44- مراحل السالكين ص183 -دار الكتب العلمية.
45- من مقال عرفاني حول”مرايا الهوية” لشيخنا نفع الله به.موقع التصوف السني العرفاني على تليغرامhttps://t.me/+uj14PKLptf84MzA0.
46- حديث غضب الجبار سبحانه .رواه الإمام مسلم
47- حديث أتدرون ما البردة.رواه الإمام مسلم
48- عن الإمام علي كرم الله وجهه (كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه)رواه أحمد في مسنده.
49- عن البراء بن عازب رضي الله عنه(كنا والله إذا احمرَّ البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به” يعني النبي ﷺ)رواه الإمام مسلم.
50- روي في حلية الأولياء و طبقات الأصفياء لأبي نعيم الاصبهاني-ج6-ص204-ورواه غيره.
51- حديث من عادى لي وليا ،رواه رواه الإمام البخاري.
52- كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ، قالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: ما المَسْئُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وسَأُخْبِرُكَ عن أشْرَاطِهَا: إذَا ولَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ في البُنْيَانِ، في خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآيَةَ، ثُمَّ أدْبَرَ فَقالَ: رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شيئًا، فَقالَ: هذا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ)-رواه البخاري.
53- لمزيد اطلاع على المخمس العرشي ، الرجوع لمدونة المعهد الفاطمي المحمدي في مواضيع :(ابن عربي من الختمية الى المخمس العرشي)و( إشاراتٌ عن المُخَمّس العَرْشِي).