نـــــفـــــحــــات عــــرفــــانـــــيــــة في شــــرح
الــــصــلاة الـــمـــشـيــشيــة
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَنْ مِنْهُ انْشَقَّتِ الأَسْرَارُ. وَانْفَلَقَتِ الأَنْوَارُ.وَفِيهِ ارْتَقَتِ الْحَقَائِقُ. وَتَنَزَّلَتْ عُلُومُ ءادَمَ فَأَعْجَزَ الخَلاَئِق.وَلَهُ تَضَاءَلَتِ الفُهُومُ فَلَمْ يُدْرِكْهُ مِنَّا سَابِقٌ وَلاَ لاَحِقٌ. فَرِيَاضُ المَلَكُوتِ بِزَهْرِ جَمَالِهِ مُونِقَةٌ. وَحِيَاضُ الجَبَرُوتِ بِفَيْضِ أَنْوَارِهِ مُتَدَفِّقَةٌ.وَلاَ شَيْءَ إِلاَّ وَهُوَ بِهِ مَنُوطٌ.إِذْ لَوْلاَ الوَاسِطَةُ لَذَهَبَ كَمَا قِيلَ المَوْسُوطُ.صَلاَةً تَلِيقُ بِكَ مِنْكَ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ.اللَّهُمَّ إِنَّهُ سِرُّكَ الجَامِعُ الدَّالُّ عَلَيْكَ.وَحِجَابُكَ الأَعْظَمُ القَائِمُ لَكَ بَيْنَ يَدَيْكَ.اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بِنَسَبِهِ. وَحَقِّقْنِي بِحَسَبِهِ.وَعَرِّفْنِي إِيَّاهُ مَعْرِفَةً أَسْلَمُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الجَهْلِ.وَأَكْرَعُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الفَضْلِ.وَاحْمِلْنِي عَلَى سَبِيلِهِ إِلَى حَضْرَتِكَ.حَمْلاً مَحْفُوفاً بِنُصْرَتِكَ. وَاقْذِفْ بِي عَلَى البَاطِلِ فَأَدْمَغهُ. وَزُجَّ بِي فِي بِحَارِ الأَحَدِيَةِ.وَانْشُلْنِي مِنْ أَوْحَالِ التَّوْحِيدِ.وَأَغْرِقْنِي فِي عَيْنِ بَحْرِ الوَحْدَةِ.حَتَّى لاَ أَرَى وَلاَ أَسْمَعَ وَلاَ أَجِدَ وَلاَ أُحِسَّ إِلاَّ بِهَا. وَاجْعَلِ الحِجَابَ الأَعْظَمَ حَيَاةَ رُوحِي.وَرُوحَهُ سِرَّ حَقِيقَتِي. وَحَقِيقَتَهُ جَامِعَ عَوَالِمِي بِتَحْقِيقِ الحَقِّ الأَوَّلِ.يَاأَوَّلُ يَاآخِــرُ يَاظَاهِرُ يَابَاطِنُ. اِسْمَعْ نِدَائِي بِمَا سَمِعْتَ بِهِ نِدَاءَ عَبْدِكَ سَيِّدِنَا زَكَرِيَاء عَلَيْهِ السَّلاَمُ. وَانْصُرْنِي بِكَ لَكَ. وَأَيِّدْنِي بِكَ لَكَ.وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِكَ. الله الله الله إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ.رَبَّنَا ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّءْ لَنَا مِنَ اَمْرِنَا رَشَداً (3). إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله الأول بأحديته،الأبدي بأسمائه وصفاته،الظاهر بتجلياته، الغير مُدرك من حيث كنه ذاته ،لاشبيه له في وحدانيته،ولا نَدَّ له في ألوهيته ،خلق الخلق لإظهار سلطان صفاته وأسمائه ،تنزه في ظهوره،وتقدس في بطونه،لايحده المكان ولايداوله الزمان،اتصف بالإرادة والإختيار،وتعالى عن الحركة والإنتقال، وأصلى وأسلم على عظيم الخصال من كان قاب قوسين بدون اتصال ،من خصه الله بمحبته،واصطفاه لخلافته،فربى الكون على عبادة الخالق.وملأ قلوب العارفين بالحقائق،زين ظاهرهم بالشريعة،ونور باطنهم بالحقيقة.سيدنا ومولانا محمد عبد الله،ورسول الله،صاحب الشرائع الأحمدية،والشريعة المحمدية وعلى ءاله صحبه.
هذه محاولة بسيطة لشرح هذه الصلاة النعتية الرقيقة،التي تتغزل في الحقيقة المحمدية،بنعوت أحمدية دقيقة،وقد تناولها بالشرح الكثير من أهل التصوف،ولكن كل ومشربه وكل وأذواقه.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَنْ مِنْهُ انْشَقَّتِ الأَسْرَارُ
“اللهم”معناه يا ألله،وهو طلب منا الحق سبحانه وتعالى،أن يصلي على سيدنا محمد أما نحن فعاجزون عن معرفة هذا البرزخ النوراني العظيم،هيولى النزول الإجمالي والتفصيلي،لجهلنا بحقيقته “ماعرفني حقيقة غير ربي”والصلاة عليه ،هي ذكره، ومدحه، والثناء عليه،بالنعوت القديمة المذكورة في القرءان ،وهي للتخفيف من حرارة التجليات الإلهية،ولإظهار المقتضيات القرءانية فالكون مفتقر إلى الصلاة على سيدنا محمد،إذ لولاها لإضمحل من هيبة الله.وما دام يمدح،إلا والرحمة تتنـزل على الكون،ويشمل اللطف كل المخلوقات،فمدد الكون واستمراريته ومراقبته موكولة الى مخلوق مثله﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ﴾يوتي الملك من يشاء لغناه تعالى عن عبادة من يعبده ،وعن معرفة من يعرفه،بل غناه تعالى حتى عن اسمائه وصفاته
اللهم : إتصال الميم الباطنة المدغمة (محممد) باسم الجلالة”الله”يقتضي أن القرءان نزل دفعة واحدة،منه إليه،بدون وساطة.قال تعالى﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ الْقُرْءآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ﴾فلمن ياترى علم القرءان قبل خلق الإنسان؟ فهذه الآية تشير الى أقدمية النبوة المحمدية،كقوله تعالى﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ارتقب أنت يامحمد،ولايقال للغائب ارتقب، وهذه الآية تعنون عن مراقبة النبوة المحمدية للملك الإلهي وفق الإرادة الإلهية ﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾فالغنى المطلق لله اقتضى ان يكون،وسيط برزخي بينه وبين خلقه،يمتثل الأوامر الإلهية ،ويسير حسب البرمجة الاولية في بساط الرحمانية ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًمِّمَّاقَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ “مما قضيت” فقضاءه من قضاء الله فلا يقع في ملك الله ما لايريده الله .
قال صلى الله عليه وسلم “كنت نبيا وءادم منجدل في طينته” والنبوة من النبإ أي الاخبار فكان صلى الله عليه وسلم مخبرا عن الله تعالى قبل القبل قال تعالى “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ” وسماه رسولا في تلك الازمنة الغابرة والمقامات الاحمدية الباطنة فهو” رسول من الله“(البينة) قبل ظهور الجسم الشريف المولود من أم وأب و“رسول من عند الله“(البقرة) عند بعثته ومجيئ جبريل فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ارسل لتعريف الخلائق بالخالق ..ورد في كتب الصوفية حديثا غير وارد نقلا حققوه كشفا هو”كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف،فخلقت الخلق،فبي عرفوني” فبي” جُملهايساوي 92 وهو عدد جمل اسم محمد ،أي بـمحمد عرفت ميازب الذات العلية،ووسعت الرحمة الإلهية كل الخفايا والخبايا الملكية والملكوتية ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾”رحمتي سبقت غضبي”،و بالنبوة المحمدية رُتِّبت الدوائر الكونية على وفق الأسماء الإلهية،فلايظهر في الكون إلاسر مقتضياتها بعد تجلي الحق فيها،واصطحابها مع حقيقته.والقرءان كلام الله، والكلام صفة المتكلم،والصفة ملازمة للموصوف،وحروف اللغة محدثة،فلم يكن القرءان في أزليته حروفا ضمت بعضها لبعض،ولكن كلاما لا يشبه كلامناإذ الحق تعالى﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء﴾،الله اعلم به،ولهذا كان من اللازم وجود واسطة و”ترجمان” له،ولا يستطيع ترجمته إلا من “ظهر” والقرءان من محتد واحد،اي من الصفة الأحدية﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾: وهذا تحقق في نور النبوة. قال تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلنَٰهُ قُرءَٰنًا عَرَبِيّا﴾(يوسف)﴿إِنَّا جَعَلنَٰهُ قُرءَٰنًا عَرَبِيّا﴾(الزخرف)، بالجعل،فلم يكن عربيا،إنما جُعل عربيا وأُنزل عربيا،وهذا هو سر حذف كلمة (قُرءَٰنًا)في هاتين الآيتين ،وثبتت في باقي القرءان كله وهذا ليس صدفة فافهم .فلا مجانسة بين كلام الله وكلام البشر.﴿فَإِنَّمَا يَسَّرنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ﴾هذه عامة ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾وهذه خاصة بأمته صلى الله عليه وسلم.”فيُسِّر” ليوافق لغتنا فصار كتابا﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾…فكل من ذُكر اسمه في الكتاب، من كل الكائنات الكونية،ما عُرفت إلا بعد ما جُعل عربيا(فلا يصح أن تذكر البعوضة أو العنكبوت أو غيرهما،في كلام الله الأزلي الذي لا يمكن ان يقيد بالفعل والفاعل والزمان ،إنما الجعل هو الذي أدخلهم،فذكرهم مخلوق مثلهم (محمد).ولهذا عُطف الكتاب على القرءان،والعطف يقتضي المغايرة﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ﴾.﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ وعندما جاء دور جبريل نزل القرءان بلسان كل نبي﴿هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُمَن قَبْلِي﴾ هذا :أي القرءان ذكر من سبق من الأنبياء.فأسرار القرءان كلها انشقت منه صلى الله عليه وسلم،قال تعالى﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾في الكتاب،ولم يقل في القرءان،والشئ أنكر النكرات،فلا يوجد شئ في عالم الملك،إلا و أخبرنا عنه ” اللسان المحمدي” ،ظاهرا كان أو باطنا مستورا وراء الحِكم القرءانية،و وراء الرسم القرءاني .والرسم توقيفي بأمر من مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي أمر الكُتَّاب أن يكتبوه على تلك الهيئة،بزيادة الألف أو نقصها،أو زيادة ياء أو نقصها… وكذلك القراءات المختلفة،فكل قراءة لها معنى يخصها،ولها أسرار تنفرد بها … أسرار باطنة لا تدرك إلا بالفتح الرباني.كما أنّه صلى الله عليه وسلم الروح الكلية التي ظهرت منها الأرواح جميعها،فكما أن الأرواح من روح واحدة ﴿فَإِذَاسَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ فكذلك الأنفس من نفس واحدة﴿ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾لأنه صلى الله عليه السر الساري،في جميع الأسماء والصفات،وهو الهيولى الذي عرَّف الكون بخالقه،وانشقت منه الأسرار الباطنة ،لأنها مرتوقة في حقيقته.فانشقت منه وبه، قال تعالى﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا﴾وجاء رسم كلمة “لشايء” بزيادة ألف ،مخالفا للرسم الإملائي، يشير من الناحية الباطنية الإشارتية إلى أن الأشياء معلومة عنده ، صلى الله عليه وسلم ،وتخرج من وجود علمي إلى وجود عيني، فالأشياء بالنسبة لحقيقته ليست نكرة.فالكل ارتشف من نور النبوة،فصارت الكائنات تعرف خالقها،وتعبده ،وتسبح بحمده ﴿وَإِنْ مِّنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾.
وَانْفَلَقَتِ الأَنْوَارُ
انفلقت أي ظهرت بعدما كانت في عالم البطون تنتظر إبان ظهورها، لأن نوره هو أول ماخلق الله تعالى﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾”أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر”وهذه الأنوار هي: أنوار القرءان،وأنوار مراتب النبوة المحمدية الأولية،و أنوار الملائكة، وأنوار الكتب السماوية (هي جزء من القرءان)، وأنوار الأنبياء، وأنوار الرسل الكرام،و أنوار الأولياء،وأنوار كافة المومنين.ونور الإيمان،ونور العقل،ونور العلم، والنفحات الإلهية، كلها أنوار انفلقت من نوره صلى الله عليه وسلم وكذلك أنوار تجليات الأسماء الإلهية،التي ظهرت مقتضياتها في الكون الإلهي،فظهر الوجود،و طلبت المربوبين وطلبوها،فاسمه تعالى الرَّزاق يطلب المرزوق، والهادي يطلب الضال، كما أن المذنب يطلب الغفار…وهكذا. للوسع الإلهي . فمن حيث أتيت لا تجد إلا نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ينفهق عليك﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.قال تعالى “ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ” فمشكاة الأنوار هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من نبوته يصل المدد لجميع الأنبياء السابقين ،وكذلك المدد لجميع الأولياء اللاحقين .فما صاروا أولياء إلا بنوره واتباع سنته وهديه.
أما الظلمة،فظلمة الشرك،وظلمة الكفر،وظلمة الجهل،وفقدان العقل. وأما الذي ليس بنور ولا ظلمة ،فالشك، والظن ،والحيرة.
وَفِيهِ ارتَقَتِ الْحَقَائِقُ
كل الحقائق مُلكية أوملكوتية،حسية أو معنوية،ظاهرة أوباطنة،إلا ومحتدها نور نبوته صلى الله عليه وسلم فكانت منه وبه وله.قال تعالى﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾هذا إخبار وراءه أسرار ،لأن كل الناس يعرفون أنهم ميتون.أي إنك يا محمد تترقى في رحمة الله،وتزداد في العلم بالله﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾وهم عاجزون عن الوصول إلى معرفتك،والإحاطة بمراتب نبوتك وحضرات حقيقتك.فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يترقى في رحمة الله،ولامنتهى لها،والمومنون يترقون في رحمته على اختلاف مشاربهم ،ولاسبيل لهم إلى بلوغ معرفة حقيقته.وهذه الترقيات واختلاف المقامات هوالذي ينتج الخصومات﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِعِندَرَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾و الحقائق، تَرَقِيها بنبوته،هوظهورها كذلك،حين يصل إبان التجلي الذي سيخرجها للوجود. فالحقائق كما تترقى بنبوته هي مرتوقة فيها،ملازمة لها،ملازمة الفرع لأصله،وبعد الرتق ياتي الفتق. فكان أول مُتلقٍ منهاءادم عليه السلام ،وأخذ منها الأنبياء كتبهم ومعجزاتهم،وأحكامهم وحِكمهم،و أخذ داوود صناعة الحديد…، و أمد صلى الله عليه وسلم الغواصين في بحر حقيقته بلؤلؤ المعرفة ومرجان التحقيق و بالعلوم اللدنية، والتغزلات الأحمدية﴿خلائف الأَرْضِ﴾ (ولم يقل تعالى خلائف في الأرض)،وأخذ منها أصحاب كل العلوم الدنيوية والابتكارات والاختراعات العلمية.فكل من تفوق في علم ما،فمن برزخيته صلى الله عليه وسلم استمد وعلى قسمته اعتمد﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ﴾ “إنما أنا قاسم وخازن والله المعطي” ﴿هَذَاعَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِحِسَابٍ﴾ .
فالفتق مبرمج بحيث لايقع شيء في ملك الله إلا بترتيب زماني،فلو كشف (مثلا)ابن مشيش،اللثام على بعض حقائق النبوة المحمدية، اكثر مما حقق. لظهر الهاتف المحمول في زمانه.فهو صلى الله عليه وسلم الممد لكل الحضرات، ومطية السير لأهل القربات.والكل به منوط أولا وآخرا،ظاهرا وباطنا،حسا ومعنى.فكل ما يظهر في الكون ميراث محمدي عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله.
وَتَنَزَّلَتْ عُلُومُ ِءآدَمَ فَأَعْجَزَ الخَلاَئِقَ
بل علوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هي التي تنـزلت لآدم فأعجز بها الخلائِق ،علوم أول العابدين،علوم من كان نبيا وءادم بين الماء والطين، وقد أصاب البصيري في همزيته :
لك ذات العلوم من عالم ☼الغيب ومنها لآدم الاسماء
فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الخليفة الكلي، وإنسان عين الوجود ،المقصود من الوجود .قال تعالى﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ “كلها” شاملة عامة لكل العلوم.قال صلى الله “…فعلمت علوم الأولين والآخرين” (الحديث)،و ءادم من الاولين فدخلت علومه في دائرة علوم سيدنا ومولانا محمد، ومن مراتب النبوة المحمدية مرتبة العقل الاول الذي ارتقت فيه الاسرار والعلوم،ومرتبة القلم الاعلى الذي سطرت به كل الأقدار والفهوم ،وهو اللوح المحفوظ الذي حوى كل ما كان وما يكون ،منه غرفت الارواح، و استمدت منه الاشباح .
روى الترمذي وأحمد.”قالوا يا رسول اللَّه مَتَى وجَبتْ لك النبوة، قال وءآدمُ بين الرّوحِ والجسد”(الحديث).اي قبل القبل ،ولا مبرر لوجود النبوة إلابوجود مقتضاها.فعلوم ءادم من مدد مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،تَنَزَّلَتْ لأدَمَ فَأَعْجَزَ الخَلاَئِقَ ، أَمَدَّتُه بعلوم تتعلق بمقتضيات الأسماء الإلهية،ليكون أهلا للخلافة الالهية،(وهذا هو الاحصاء المذكور في الحديث من احصاها دخل الجنة أي احاط بمقتضياتها وهذه من شروط الغوثية ) فعجز الملأ الأعلى عن معرفة اسمائهم هل هي من مقتضى الأسماء،أم من مقتضى الصفات ،أم من مقتضى الأسماء والصفات ﴿قَالَ يَاآدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ﴾.فَأَعْجَزَ الخَلاَئِقَ ،وءادم من الخلائق.أما حقيقته صلى الله عليه وسلم ،فلا يشمله الخطاب،هو نور من الله “كلكم من ءادم،وءادم من تراب” ولم يقل كلنا.وسجودهم لآدم،هو في الحقيقة سجود لنور نبوته صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلألأ في جبين ءادم.
وَلَهُ تَضَاءَلَتِ الفُهُومُ فَلَمْ يُدْرِكْهُ مِنَّا سَابِقٌ وَلاَ لاَحِقٌ
عجز الخلائق عن معرفته صلى الله عليه وسلم والإحاطة بكنهه ،بداية من الـملائكة القائلين﴿لَوْأَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِّنَ الأًوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾.والأولون هم مراتب الحقيقة المحمدية، كالعقل الأول، والقلم الأعلى …ومرورا بالأنبياء، والرسل، والأولياء، ووصولا إلى كافة عباد الله .قال تعالى﴿قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ فإن تولوا عن معرفتك فقل حسبي الله عرفني وأحاطَ بِجُمَلي وتفاصيلِي،ولم يَكِلُنِي إلى من يحوم حول معرفتي فيختلف كشفهم عن محتدي ،وءارَاؤُهُمْ حول مراتب نبوتي،ومفاهمهم عن حضراتي “مَا عَرَفَنِي حَقِيقَةً غَيْرُ رَبِّي “عرفوا الله بالعجز،وماعرفوا سيدنا محمدا بالعجز ،و”لون الماء لون إنائه”. هيهات هيهات لما يطلبون. كيف يعرفون حقيقة الحقائق الكلية التي من الاحدية برقت، ببساط الهوية مرت، وبحلل الإِصطحابِ إِلْتَحَفَت،فصالت وَجَالت. وعن حقائق الأُلُوهيَّة نابَت.وفي بساط الواحدية تكَثَّرت،فظهرت وبَطنَت.جمعت بين الاضداد وخالفت هيئة العباد.الجَهْل بها معرِفَةٌ،ومعرفتها جهل ﴿وَتَرَىٰهُم يَنظُرُونَ إِلَيكَ وَهُم لَايُبصِرونَ﴾ لايبصرون حقيقتك. بالمضارع الذي يفيد الاستمرارية إلى آخر الدهر.فللحضرة المحمدية من الكمالات ما للحضرة الإِلهِيَّة من التجليات،لأنه الواسطة العظمى في ظهور المقتضيات، فتنوعت تجلياتها،واستحالت الحيطة بشؤونها.”وَلَوْنُ المَاءِ لَوْنُ إِنَائِهِ”،هيهات هيهات لما يطلبون ﴿
قال الشيخ أحمد التجاني رحمه الله: أنه صلى الله عليه وسلم سارٍ في جميع الموجودات سريان الماء في الأشجار،لا قيام لها بدونه،كما أن هذا السريان لا مطمع للعقل فيه،فما أدركتها أكابر الملائكة،ولا أكابر الأنبياء والمرسلين،ولوفقد سريانه صلى الله عليه وسلم في ذات من ذوات الأكوان، لصارت محض عدم.اهــ. قال الصديق الاكبر رضي الله عنه “العجز عن الإدراك إدراك”
فلم يدركه السابق من الأنبياء ولا اللاحق من الأولياء .اصطفاه الله تعالى برزخا عظيما حاجزا بين الربوبية والمربوبين ،وأوجب الصلاة عليه من كل الدوائر العلوية والسفلية.فكل الخلائق موجة في بحره،وقطرة في يـَمِّه، فليس هناك من يوازيه لا أصلا ولا فصلا. وصدق البوصيري رحمه الله :
أعيى الورى فهم معناه فليس يرى☼☼للـقرب والبعد فيه غير مـنفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد☼☼ صغيـرة وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ☼☼ قوم نـيام تسلوا عنه بالحـلم
فمبلغ العلم فـيه أنه بشـر☼☼ وأنـه خـيـر الخـلق كلهم
فمبلغ العلم انه عبد من عباد الله.
فَرِيَاضُ المَلَكُوتِ بِزَهْرِ جَمَالِهِ مُونِقَةٌ.
وَحِيَاضُ الجَبَرُوتِ بِفَيْضِ أَنْوَارِهِ مُتَدَفِّقَةٌ.
من رآه صلى الله عليه وسلم يأكل الطعام،ويـمشي في الأسواق يقول هو بشر مثلنا من عالم الملك.وإذا حققت عظيم شأنه،وعلو صفاته وفردانية مكانته،ورأيت ببصيرتك رياض الملكوت بأسراره مونقة ،وبجماله مزينة ، قلت هو من عالم الملكوت.وإذا كوشفت عن غيب سر غيبه،وأحدية هويته ،وحلل فردانيته، قلت هو من عالم الجبروت. فهو صلى الله عليه وسلم له وجهة خلقية ووجهة حقية فهو ملكي وملكوتي ناسوتي ولا هوتي“ما كذب الفؤاد ما راى” إذ الامور عادية عنده صلى الله عليه وسلم .يفاجأو يكذب من الامور جديدة بالنسبة له غير مألوفة في نظره.
فَاجْتمعت فيه الأضداد،ولم يكن كهَيْئَة أَحدٍ من العباد.فارقت بشريته البشريات,فلا هو من ذا،ولا من ذاك.لأنه نور إلهي. إصطحب مع ميازيب الذات العلية،ومع الفيضة القرءانية فظهرنائبا عن الألوهية﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾.قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ إلا أنت يا محمد.فَأَكْلُ وشرب الأنبياء والمرسلين كَشُربنا وأَكْلنا،أما أكله وشربه صلى الله عليه وسلم، فهو تشريع لنا” إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين”.كلامه تشريع ،وسكوته صلى الله عليه وسلم تشريع. فحياض الجبروت تتدفق بالعلوم الربانية والأسرار اللدنية،وتصب في قلب كل عارف واصل يغترف منها بها.
لأنه صلى الله عليه وسلم نور محض،لم يكن له ظل،ستره الحق بالرسالة،وزينه بالنبوة،وألبسه حلل الأسماء الإلهية، وزيادة في التسترعليه قال تعالى﴿وَمَامُحَمَّدٌ إِلاَّرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾.
الهيكل الشريف المحمدي انتقل إلى الرفيق الأعلى،أما نبوته صلى الله عليه وسلم فما زالت في الآيات القرءانية ناطقة،وفي الكون الإلهي سائحة ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾.قال تعالى﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ والذين يدعون ربهم لم ينقطعوا عن أي زمان.فتدبر ،ولا تكن من الجاهلين .
وَلاَ شَيْءَ إِلاَّ وَهُوَ بِهِ مَنُوطٌ.
إِذْ لَوْلاَ الوَاسِطَةُ لَذَهَبَ كَمَا قِيلَ المَوْسُوطُ.
اعلم أن مقتضى الإسم الإلهي لايصل إلى الكون مباشرة،بل لابد من الإصطحاب مع النبوة المحمدية ،لكي تشمل الرحمة كل التجليات الإلهية﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾حتى الجمال يقتضي وجود حقيقته المحمدية﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍمَا يَشَاءُ﴾فهو البرزخ المطلسم ، والنور الأعظم،والواسطة الكبرى في كل شيء.فلا دخول إلا من بابه،ولا شهود إلا فيه،ولا تجل إلا منه.فلولاه لما استطاع الوجود الصمود،أمام حرارة التجليات الإلهية ، ولإضمحل من حينه﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ﴾. (ولولا الواسطة لذهب الموسوط) لانعدام المجانسة والمناسبة مع الله.فهو الرحمة المهداة التي رُفعت بها الأستار،وظهرت الأسرار،وانفلقت الأنوار.والموسوط هو الكون وأهله،فالكل به منوط صلى الله عليه وسلم.
لنبوته الغنى﴿وَمَانَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾(ولم يقل من فضلهما) لها الإستجابة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْاسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾(ولم يقل إذا دعوكما).لها الإنعام أو النعمة ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾وجل كلمة النعمة في القرءان مضافة إلى اسم الجلالة،الذي هو بساط الإصطحاب لذا كانت النعمة لا تصل إلى أهلها إلا بواسطة المصطحب معه “محمد” لها القضاء﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًمِّمَّاقَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ (ولم يقل ويسلموا سلاما،بل السلام مع تسليم الأمور له صلى الله عليه وسلم) بيده القضاء وبالتالي فبيده مفاتح الاسماء الالهية فهو يقضي بها ،لها الرضى﴿وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾(ولم يقل يرضوهما).في القرءان ﴿أَلَمْ تَرَ﴾كلها دالة على أقدميته ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾لأنه كان قبل الظل﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ﴾.وأقسم بعمره﴿ لعمرك﴾وقال له﴿وَنَبِّئْهُمْ﴾أنت يا محمد ﴿ أن المَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾.فهل يُقْسم بحياة المعدوم،وهل يطلب من الغائب الشهادة﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً﴾.
صَلاَةً تَلِيقُ بِكَ مِنْكَ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ
تليق بك منك إليه: أي مستمدة من النعوت القديمة المذكورة في القرءان ، ومسايرة لتجليات الأسماء والصفات الإلهية، ولِلَّه الغنى المطلق ،فالحق تعالى غني حتى عن أسمائه وصفاته،لأن الكمال ذاتي له سبحان وتعالى ،وغير مقيد بصفة تظهر كماله. إليه، ولم يقل”عليه” أي دون واسطة جبريل ،من أحمديته على محمديته ،و ما زالت الضمائر القرءانية تحملها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فالكون في ترق دائم لأن التجليات الإلهية في ترق دائم ،ولن تقوم الساعة حتى تظهر جميع المقتضيات القرءانية ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾. لقد قام صلى الله عليه وسلم بكل العبادات في عالم البطون على الوجه الأكمل، فصارت الرسالة صفة له،ومنها فرضت الفرائض على من ظهر على صورة القالب المحمدي (أي البشر) وعلى الجن. فاعتبرت الفرائض منه،﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾(فرض الله له) ولم يقل عليه.
كما هو أهله أي أنه صلى الله عليه وسلم يستحق ذلك، وكيف لا ؟ وهو نور من الله ،وواسطة في ظهور المقتضيات ،وخليفة الله وشفيع الخلائق.
اللَّهُمَّ إِنَّهُ سِرُّكَ الجَامِعُ الدَّالُّ عَلَيْكَ.
وَحِجَابُكَ الأَعْظَمُ القَائِمُ لَكَ بَيْنَ يَدَيْكَ
اصطحبت النبوة المحمدية مع الاسم الجامع “الله””ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله” فجمعت اسرار الاسماء الالهية التي تحت رئاسة الاسم الجامع،فهو صلى الله عليه وسلم سر جامع،جمع بين ما ظهر ومابطن،وبين ما تقدم وتأخر.جمع بين الشرائع الأحمدية،والشريعة المحمدية.شريعته المحمدية جاءت مصحوبة بالحقيقة على خلاف الرسالات السابقة التي لم تأت إلا بالشريعة،بدليل قصة سيدنا موسى والخضر،ومعجزته الخالدة :القرءان،هيمن على كل الكتب السماوية السابقة.قال تعالى﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ وقال﴿هَذَا ذِكْرُمَن مَّعِيَ وَذِكْرُمَن قَبْلِي﴾من قبلي من الأنبياء والرسل .أي ما جئتكم به هو الشمولي وليس هناك شيء آخر. فالقرءان صفته صلى الله عليه وسلم،وهو المشكاة التي كان يستمد منها المقتسمون الأولون﴿وَقُل إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ولا يفوتنك يا ولي الإنتباه الى أداة التشبيه”كما“. أخذ كل نبي ورسول (قسمة)من القرءان، وجعلوه عضين أي مجزأ لكل واحد منهم شريعة ومنهاجا. فهو سر الله الدال على الله قبل ظهور الجسم الشريف المولود من أم وأب وبعد ظهوره.
كل النبيئين والرسل الكرام اتوا= نيابة عنه في تبليغ دعواه
فهو الرسول الى كل الخلائق في=كل العصور ونابت عنه افواه
قال تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين“: وإرساله رحمة للعالمين يقتضي أن يكون أفضل العالمين،و موجوداً قبل العالمين،إذ لا فائدة من إرساله رحمة للعالمين ،وهو لم يظهر إلا مُتأخراً عنهم، ولا فائدة ان يكون رحمة للعالمين اذا لم يكن دوره في الكون الالهي دائما استمراريا الى قيام الساعة .
قال تعالى ”شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” هو وحي له صلى الله عليه وسلم ووصية لغيره،فانتبه .
قال تعالى﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً﴾ وهي شهادتُه على أَهل الكونِ كلِّهمْ (والشاهد يجب أن يكون حاضرا وإلا فشهادته مردودة ومطعون فيها) وقال تعالى ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً﴾وهي شهادته على أهل الكون كلهم،فلما خصص الله شهادته على أمته قَالَ﴿وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاَءِ﴾(انتبه الى تقديم وتأخير (هَؤُلاَءِ). فهو سر جامع هَيْمَنَ على الأرواح بصفِته ،فكان شاهدا.وسَيْطر على الأشباح بقالبه،فكان شهيداً.فهو دال على الله بالله ،ودال على الله بنفسه،وهو برزخ عظيم بين الرب والمربوبين،وجهته الحقية كانت وما زالت حجابا عظيما للعارفين،حتى ظن بعضهم أن الحق يخاطبه،وأنه يتلقى مباشرة من الله.فيا عجبا لمن يدعي رؤية الحق والأخذ مباشرة من الحضرة الإلهية،وهولم يعرف حقيقة نبيه الذي هو من جنسه، وعلى قالبه . فما سمع من الإله إلا محمدا، وما خاطب الحقُّ إلا محمدا.
رق الزجاج وراقت الخمر ☼☼وتشابها وتشاكل الأمر
ففي هذا التشابه ،تشاكل الأمر بين وجهته الحقية﴿ثُمَّ دَنَا﴾ ووجهته الخلقية ﴿فَتَدَلَّى﴾وتاه العارفون، فهي رب وعبد،ناسوت ولاهوت،تَأْمُر وتُطاع، تَظهر وتختفي،اصطحبت بجميع الأسماء والصفات الإلهية، فتعددت مظاهرها واستحالت معرفتها﴿ وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ فهوصلى الله عليه سر الله الجامع،وحجابه الأعظم المانع.
اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بِنَسَبِهِ.وَحَقِّقْنِي بِحَسَبِهِ
قال صلى الله عليه وسلم “آل محمد كل تقي” (الطبراني)، اللهم أَلْحِقنِي بِنسبه ،نسب ديني على قدم الخلفاء الراشدين البررة،وعلى نهج الـمُبَشرين العشرة،ومع زمرة أصحاب بيعة الشجرة ،نسب يلحقني بمن نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخوانه “وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي”
أما المراد بالحَسب في اللغة، عد ذَوي القرابات، مأْخوذ من الحساب ؛ وذلك أنهم إذا تفاخروا ؛في الجاهلية عدوا مناقبهم ومآثرهم فالحَسب العد والمَعدود ، والحَسب: قَدرالشيءِ وحسِبه أي قَدره كقولك:الأَجر بحسبِ ما عملْت.من حسب ( بضم السين ) ،ما يعده المرء من مفاخر نفسه وآبائه، أو الشرف الحاصل بالكسب.
وحسب النبوة ومفاخرها هو قدرها العظيم ،
وحققني بحسبه حتى اكون على علم بمراتب وحضرات نبوته،وأعرف مهامه في الكون الإلهي،فهو الخليفة الكلي والمراقب الكوني،وهو الرحمة المهداة وهو برزخ عظيم بين حقائق الالوهية والعبودية،وهو حجاب الله الأعظم.
وعرفني بصفاته الذاتية :النبوة،والرسالة، والأمية….ورد في حديث البراء بن عازب قال :…فلما بلغت(اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت:”ورسولك الذي ارسلت “، قال: لا ونبيك الذي أرسلت “(الحديث).ومن عرف حقيقته صلى الله عليه وسلم ،تحقق بحسبه، ونُسِب إلى أهل البيت (سلمان منا أهل البيت)فآل محمد كل تقي.فاتق الله وزكي نفسك تَلْحِق بقرابته الدينية.قال تعالى﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾هذا في حق الصحابة سبقت التزكية التعليم،لأنهم كانوا على الشرك. أما في حقنا،فقال تعالى﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ فقدم التعليم على التزكية،لأننا وُلِدْنَا والحمد لله مسلمين موحدين.والتصوف هو تزكية النفس، فلنزكي أنفسنا للحوق بالزمرة الـمحمدية ،وبنسبه الديني المحمدي ولنتحقق بحسبه.
وَعَرِّفْنِي إِيَّاهُ مَعْرِفَةً أَسْلَمُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الجَهْلِ
العارف بالله هو من عرف الأسماء والصفات الإلهية ومقتضياتها،وعرف كيف نَسج الله تعالى الْمُلك ،وهو في غنى عنه ،وميز بين الأحمدية والمحمدية من حيث الخطابات القرءانية ،وعرف القرءان بـسيدنا محمد،وعرف سيدنا محمدا بالقرءان.فإن حصَّل (بالتشديد لأن الأمور تتطلب الصبر والمثابرة والمجاهدة وصحبة شيخ عارف) على هذا،يسمى عارفا بالله.أما معرفة الذات الإلهية فمستحيلة،لأنه تعالى ليس من جنسنا، و لامناسبة تجمعنا.ومن عرف حقيقته صلى الله عليه،أدرك أن العبادات لا تقع إلا على دائرته﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ والشرك لا يصل الالبرزخيته ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾فجمع لهم الإيمان والشرك في نفس الوقت قال تعالى ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ولم يقل تعالى ولا يشرك بربه.وهذه هي موارد الجهل وأوحال التوحيد التي تعوَّذ منها العارف الكبير.قال تعالى﴿كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِـــــرَسُولِهِ﴾(التوبة)(بزيادة الباء)ولم يقل كفروا بالله ورسوله وقال﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾(دون باء) فالإيمان بالله هو إيـمان برسوله،وما أكثر الكافرين بمحمد،الغارقين في أوحال التوحيد. قوم لم يروا الا فقير قريش ويتيمها.
قال تعالى ﴿فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ حديثا، فأحرى قديما والنبوة قديمة. فانتبه نور الله قلبي وقلبك وضاعف في هذا النبي الكريم حبي وحبك.و افقه الحديث عن الله قديما كان او حديثا.
وَأَكْرَعُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الفَضْلِ
موارد جمع مورد وهو محل الشرب،والكرع هو الشرب على الفم . العارفون يتفاوتون بينهم في المعارف،كلٌ ومقامه المعرفي وقامته العرفانية.على قدر معرفتك بنبيك يعلو مقامك ،بل تكون في مقامات لايشم رائحتك عارف اخر ،وإن كان من أهل التحقيق.ابن عربي في كتابه”رسالة روح القدس في محاسبة النفس” ترجم لعدة شيوخ منهم من لقي جسديا،ومنهم من لقي روحيا .ابن عربي (ت638هـ)عاصر ابن مشيش (ت 622 هـ) وفي سفره الى مراكش، للقاء أبي العباس السبتي،مَرَّ قرب جبل العَلَم، حيث خلوة ابن مشيش،ولم يشم رائحته،ولم يذكره في كتابه.لأن المشيشي كان على هرم الأولياء و أناخ راحلته في مقامات لم يدركها بعد ابن عربي . قال تعالى﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾مع العلم أن أزواجه لم تكن لهن ذرية،بإستثناء أمنا خديجة الكبرى،وأزواجه كتبت بالألف المحذوفة،
إشارة إلى معاني كثيرة،فهناك من يستمد من النبوة،وهناك من يغترف من الرسالة،
وهناك من يتغدى على ألبان الأمية. فالشريعة من موارد الفضل ومراتب النبوة .كلها من موارد الفضل. الشيخ ابن مشيش رحمه الله تعالى يطلب مشربا قويا.ويريد أن يغترف بدون آنية أو ماعون (أي بدون وساطة).قال تعالى ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ولم يقل يشرب منها،فهي العين وهي الإناء،كقوله تعالى﴿حَتَّى إِذَابَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً﴾فهي الشمس، وهي الواقية من الشمس. يشرب بها منها،دون وساطة او قيد وبلا قناعة،فالعلم اللدني لا يُشبع منه﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ “علما“، نكرة، وفي النكرة إطلاق للعموم.فلنجتهد لننال نصيبنا من هذا العلم ولنكرع من العين منها بها.
وَاحْمِلْنِي عَلَى سَبِيلِهِ إِلَى حَضْرَتِكَ.
حَمْلاً مَحْفُوفاً بِنُصْرَتِكَ
بعد أن طلب ابن مشيش المشرب القوي،ها هو يطلب القرب، والمقامات القعساء،وأن تطوى له الطريق بعون الله وبمدد مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم(حَمْلاً مَحْفُوفاً بِنُصْرَتِكَ)على سبيله أي أن يكون وارثا محمديا،متبعا لشريعته المطهرة. مقتفيا أثره الشريف ظاهرا وباطنا.وحضرة الله هي حضرة نبيه،وهي حضرة الأسماء والصفات الإلهية ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ﴾ لوجدوا اللّه﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾. إِنَّما يبايعون اللَّه.
وَاقْذِفْ بِي عَلَى البَاطِلِ فَأَدْمَغهُ.
وَزُجَّ بِي فِي بِحَارِ الأَحَدِيةِ
ينبغي الوقوف عند قوله ” أقذف بي على الباطل فأدمغه”:فالذي يضمحل الباطل أمامه وبوجوده هو سيدنا محمد لأنه هو الحق﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ فالقذف والدمغ مستعاران وهما أبلغ ، والقدف دليل على القهر ،فيزهق الباطل.وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم لأن من اسمائه صلى الله عليه وسلم “الحق” .والوارث المحمدي له نصيب من هذا المقام.
أما الأحدية فالجيلي اعتبرها اسما والكتاني اعتبرها اسما يدل على صفة
وابن مشيش اعتبرها كذلك اسما هذا ما دلت عليه صلاته
فالاسم: هو ما دل على معنى في نفسه ،أما الصفة: فهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يُعرف بها وقـال ابن فارس: الصفة: الأمارة اللازمة للشيء
وذهب طائفة من أهل الله،إلى أن الأسماء الإلهية كلها أسماء صفات حتى أسمه تعالى “الله”،صفة هذا الاسم هي الألوهية واسمه الرحمن كذلك صفته الرحمانية، نظراً إلى أن الذات الإلهية،لا يقع عليها اسم،مما تعَرَّف به إلينا،ولا نعت،ولا وصف، ولاصفة،بوجه من الوجوه.لأن الصفة،إنما تكون لأجل التعرف بمعنى من معانى الكمالات الإلهية.والإسم إنما يكون لأجل العَلَمية.حتى لا يقع التنكير.وليس للذات الإلهية تخصيص تنكير،ولا تعريف،ولاظهور،ولابطون،ولا نسبة،ولا إضافة،ولا تعين، ولاغيب،ولا شهادة.”تفكروا في ألآء الله ولا تتفكروا في ذات الله”الحديث
قالوا في تعريف الصفة:الصفة حقيقة عقلية معدومة العين موجودة الحكم،كلية لا تقبل التجزئة.الصفة هي إسم يعطي الإشتقاق ويدل على معنى يقوم به ،أي الصفة ما طلب المعنى.اهــ
الصفة تدل على معنى في الموصوف،فهي إذا لا تعطي ماهية الموصوف ولايمكن الوصول إلى ماهيته من خلالها.الصفة مايبلّغُكَ حالة الموصوف أي ما يوصل إلى معرفة حاله،يعني أنها الشيء الذي يفيدك معرفةً بالموصوف.
الصفة تُكيّف الموصوف عندك،وتجمعه في وهمك،وتوضحه في فكرك وتقربه في عقلك،فتذوق حالة الموصوف بصفته. والصفة تابعة للموصوف أي أنك لا تتصف بصفات غيرك،لأن الصفة متعلقة بالموصوف تابعة له،توجد بوجود الموصوف،وتفقد بإنعدامه فهي تتبع الموصوف في سائر أحواله. وبالتالى فمذهبنا هو ان الاحدية صفة للحق تعالى (وهذاهو كذلك مذهب ابن عربي )،والصفة لا تُجَزأُ، لأن بحار تفيد الكثرة ،والكثرة تفيد التجلي والظهور ،وهي حضرة سحق ومحق،وليس لها مقتضى في الكون إطلاقا،ولا تجلٍ بها بإجماع جميع العارفين، وهي مَحْتِدُ النور المحمدي.لهذا وحتى لاننسى وساطته نقول:وَاقْذِفْ بِـــــه عَلَى البَاطِل فَأَدْمَغهُ.(أي مقدرتي على محو الباطل بإتباعي لنبي ،لا بي). وَزُجَّ بِــــــه فِي بــــحـــر الأحدية،أي بـمحمد، فالأحدية تخصه (بحر الأحدية)فأدمغه،ولم نوافق اللغة العربية و نقول:وَاقْذِفْ بِـه عَلى الباطِل فــــيــــدمغه،بل فَأَدْمَغهُ،دمغ الباطل هو بالأصالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و بالتبعية للعارف ،وراثة محمدية. إذ كل عارف ومقامه، وبالتالي نصيبه من دفع الباطل ودمغه، وهذا المقام هو الوارد في الحديث :كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش لها ( الحديث).
والمقصود من كلام سيدي ابن مشيش، أنه يطلب أن يرى سيدنا محمدا متأحدا في عين الكثرة،ويطلب الفناء في الله،والغيبة عن كل ما سوى الله ،ويطلب إضمحلال السوى،وأن لا يشهد مع الله غيره .ان شئت قل هو يسعى أن يكون من الاحاديين اصحاب وحدة الشهود.
وَانْشُلْنِي مِنْ أَوْحَالِ التَّوْحِيدِ.وَأَغْرِقْنِي فِي عَيْنِ بَحْرِ الوَحْدَةِ.حَتَّى لاَ أَرَى وَلاَ أَسْمَعَ وَلاَ أَجِدَ وَلاَ أُحِسَّ إِلاَّ بِهَا. وَاجْعَلِ الحِجَابَ الأَعْظَمَ حَيَاةَ رُوحِي.وَرُوحَهُ سِرَّ حَقِيقَتِي.وَحَقِيقَتَهُ جَامِعَ عَوَالِمِي بِتَحْقِيقِ الحَقِّ الأَوَّلِ.يَا أَوَّلُ يَا ءآخِــرُ يَا ظَاهِرُ يَا بَاطِنُ
انشلني أي أنقدني وخلصني.والتوحيد على وجوه :
توحيد عامة المومنين : يرون أن الرَزَّاق هو الله،والمعطي هو الله،والمعز هو الله،والمذل هو الله…..: وهذا التوحيد هو الذي أشار إليه الله تعالى بقوله﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ وسماه العارف بأوحال التوحيد.لأنهم جهلوا حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا يرون وساطته وربما أنكروها ولا يرون قضاءه ” فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًمِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً” مما قضيت” فمفاتح( مفاتح معنوية فكتبتها دون ياء) الأسماء الإلهية بمعيته.
توحيد الخواص: يرون أن الكون كان ظلمة فاستضاء بنوره عليه الصلاة والسلام ، فالنور سبب الظهور .ولولاه ما ادرك البصر ولا البصيرة شيئا “فبي عرفوني” واصبح الوجود يعبد الله ويسبحه ويصلي له.
أما توحيد المقربين الآحاديين: هم الذين يرون حقيقة النبوة في التجلي وفي المقتضى “فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ “لايرون في الكون إلا أحد أحمد ،واكتفوا بالصفة التي هي خالدة بين الناس، والـمُمَثَل فيها الأمر والنهي إجمالا وتفصيلا، يرون الكثرة شريعة،والوحدة حقيقة.فالكثرة موجودة ،والوحدة مشهودة، والوحدة راجعة أصلا وفصلا الى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو عينها ،لأنه هو أصل الكون، ومبدأه،وقائده،من حيث حقيقته لا من حيث صورته. فغاية السالك أن يَغْرِقَ في بحر عين الوحدة فعين الوحدة هو حقيقته المحمدية ،والغارق في بحرها لا يرى الكثرة الوجودية بل هو فانٍ في الوحدة الشهودية. قال الكتاني رحمه الله تعالى: المتأحد في عين الكثرة والمتكثر في عين الوحدة(صلاة المتردي) ولا أجدَ : من الوَجد،فتكون أفعاله،وحركاته ،وسكناته بالله ومن الله وإلى الله،أي الفناء في حقيقته صلى الله عليه وسلم،فلا يرى في الكون إلا الصفة والموصوف بها ،أي ليس إلا أحد أحمد ،أو محمد أحمد، ليكون محمد حياة روحه،به يعيش،وسر حياته،وحقيقته جامع عوالـمه سواء كانت دينية أو دنيوية، أوبرزخية أوآخروية،فهو لايريد الإنفصال عنه دنيا وآخرة ، لأن الروح الكلية هي سر حقيقته، وهي مبتغاه. يريد ان يعيش بها في الدنيا وفي الاخرة وفي البرزخ قال بعضهم”لوغاب عني رسول الله طرفة عين ماعددت نفسي من المسلمين”وقال آخر ماعددت نفسي من حصى الرمل.وحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بالكون، والكون مربوط بها ارتباط المَلِك بملكه،والراعي برعيته،والكون الإلهي لا يستقيم وجوده ،ولا تثبت استمراريته إلابافتقاره إلى التجليات الإلهية هي غذاؤه بكرة وعشيا،وباقتدائه بسيدنا محمد. والحق الأول هو القضاء .
يَا أَوَّلُ يَا آخِــرُ يَا ظَاهِرُ يَا بَاطِنُ اِسْمَعْ نِدَائِي
بِمَا سَمِعْتَ بِهِ نِدَاءَ عَبْدِكَ زَكَرِيَاءُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
أثْنى الشيخ ابن مشيش قدس الله سره في أول الصلاة على الحقيقة المحمدية، ومدحها بنعوت رقيقة،ثم طلب مشربا قويا ،وأن يكون في بساط القرب،وأن يقتفي أثر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حسا ومعنى ظاهرا وباطنا ،أي يكون وارثا محمديا صِرْفا.ثم تضرع إلى الله وترجى أن يستجاب دعاءه كما أستجيب لدعاء سيدنا زكرياء على نبينا وعليه الصلاة والسلام. هناك من رأى أن الشيخ ابن مشيش يطلب وارثا روحيا، كما طلب زكرياء وارثا من صلبه ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾وغالبا هذا هو الذي جعل ابن مشيش يتضرع الى الله تعالى راجيا النيل من مقتضى هذه الآية فأدخل الوساطة الزكراوية في طلبه ،وهذا طلب عرفاني يشير الى معرفته بتجليات الايات القرءانية في الكون الالهي،وظهور مقتضياتها.
ومهما كان الأمر،وبما أن سيدنا محمد واسطة في كل شيء،ووساطته ظاهرة، “اطيعوا الله واطيعوا الرسول “”استجيبوا لله وللرسول”….. والكل به منوط، سواء كان طلبا دنيويا او اخرويا،حسيا او معنويا ، واقتران الميم المحمدي بإسم الجلالة الله “اللهم” يقتضي أن الإستجابة تمر عبر برزخيته،ونحن من أمته، فالتضرع الى الله به والتقرب إلى الله به من باب اولى : اِسْمَعْ نِدَائِي بِمَا سَمِعْتَ بِهِ دعاء عبدك سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.( دعاء ولم اقل نداء لأن سيدنا محمد قريب من رب العزة) لأن الحق تعالى ما خاطبنا دون وساطته.قال تعالى﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾أنت يا محمد ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾فإذا أردت الفوز بالإستجابة،فسأل عنه حبيبه،فهو تعالى قريب من نبيه.أضف إلى هذا أن سيدنا زكريا لم يُعْطَ إلا وارثا حصورا ،وهذا ليس كمالا. فالتوسل إلى الله بزكريا طلب مقيد محجر،وبسيدنا محمد مطلق مُرْسل ،فلنطرق باب الدار الكبيرة التي لا ترد السائل.
وَانْصُرْنِي بِكَ لَكَ.وَأَيِّدْنِي بِكَ لَكَ.
وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِكَ
ربماشاهد العارف ابن مشيش رضي الله عنه الوجهة الحقية لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مُتَحَلية بالأسماء والصفات الإلهية،مرتدية رداء الكبرياء،ومؤتزرة بالعظموتية،ومتعممة ب﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾”من رآني فقد رآى الحق”ففنى فيها وظن أنه في مكافحة الذات الإلهية.فقال وَانْصُرْنِي بِكَ لَكَ. وَأَيِّدْنِي بِكَ لَكَ. وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِكَ” وهو القائل في أول الصلاة “ولا شيء إلا وهو به منوط”. فالنصر والتأييد منوط به صلى الله عليه وسلم ، وطَلَبَ ابن مشيش الجمع بينه وبين حضرة لاتقبله (وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ).فلسان الفرق هنا أولى و إثبات وساطته صلى الله عليه وسلم أحق :وانصرني به لك) أي بمحمد حتى نُبقي وساطته( وأيدني به لك وأجمع بيني وبينه )أي بمحمد ( لأننا من جنسه وعلى قالبه،وهو وسيلتنا إلى ربنا.
الله .على نور الحقيقة النبوية ، بساط رتق كل الحقائق الكونية.
الله .على النبوة المحمدية،المصطحبة بالاسماء الالهية وبالفيضة القرءانية
الله .على هذا النبي الحق، بساط الرتق والفتق ومرآة الجمع والفرق. عرَّف الخلائق بوحدانية الخالق،فلم يدركه لا السابق و لا اللاحق،ولم يُحط بمراتبه لا المجذوب ولا المحقق.
بسائط أولية تخص النبوة المحمدية .فأتبعها عارفنا الكلام عن بساط الألوهية معاد الحقيقة النبوية :
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ
المعاد هو البلد الذي يعيش فيه الإنسان،لأنه أينما حل وارتحل يعود إليه فهو معاده ﴿إِلَى مَعَادٍ﴾ يعني لَرَادُكَ إلى مكة، حسب علماء الرسوم.أما المعاد بالنسبة لمن هو من مقتضى الصفة الأحدية،فهو الرجوع إلى بساط الألوهية ،حيث وقع الإصطحاب بين نور النبوة ،والفيضة القرءانية.وقد رُدَّ صلى الله عليه وسلم إلى مَعَاده في معراجه حيث فرشت النبوة للموصوف بها البساط،و(استضافته) في عش وكرها،حيث لا زمان ولا مكان. “مازاغ البصر وما طغى” فرجع الى اهله محمدا احمدا ،احمدا محمدا.
ففي عالم البطون قال تعالى “ليس على النبي حرج فيما فرض الله لــــــــه” وفي عالم الظهور “ان الذي فرض عــــــــليك القرءان”. وظهرت وساطة جبريل في الوحي وكذا في الاسراء.
﴿رَبَّنَا ءَاتِنَامِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّءْ لَنَامِنَ اَمْرِنَارَشَداً﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
الصلاة على النبي هي العبادة الوحيدة التي يشاركنا فيها الحق سبحانه وتعالى وملائكته.وإن لم يكن فيها من الفضل إلا مشاركة الحق،فهو كاف.قال تعالى﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا﴾ فالخطاب موجه للذين ءامنوا،فإن كنت من المصلين على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت مومن حقا،وإلا،فيحق عليك قوله تعالى﴿قُلْ لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ وأنت مهتد﴿ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾(الاسراء)ولست مهتدي﴿مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي﴾(الاعراف )وزيادة المبنى، زيادة المعنى،فانتبه. وقال صلى الله عليه وسلم “لن يومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين”وقال تعالى﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾فالحق سبحانه وتعالى قدمه على نفس كل مؤمن، ومعنى ذلك إذا تعارض لك حقان،حق لنفسك وحق للنبي صلى الله عليه وسلم فأسبقهما وأوجبهما وأشرفهما حق النبي.ثم يأتي حق النفس بعد.
ورد في الحديث “قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي فَقَالَ مَا شِئْتَ قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ”.فلنُصَلِّ على حبيبنا، يُكفى همنا، ويُغفر ذنبنا.فلا تجارة أعظم منها،فالواحدة بعشرة،والعشرة بمائة،والمائة بألف،والألف بعتق رقبة من النار،والزيادة غنيمة، ومن زاد، زاد الله له،ولا يمل الله حتى تـملوا.
تعزلات عرفانية عالية في الحقيقة النبوية جمعتها هذه الصلاة العرفانية فلكم البشارة يا أهل الإشارة،إن فهمتم رموز هذه العبارة
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين
قُرئ هذا الشرح بحضرة شيخي رضي الله عنه ورحمه الله تعالى،فمن مشربه ارتويت ،ومن عرفانه استقيت،وبتربيته اقتديت،جزاه الله عني احسن جزاء،والتغييرات الواردة بالصلاة هي من نفحات شيخي وصادق عليها مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كل ما ذكره الشيخ ابن مشيش من حقائق عرفانية في هذه الصلاة المباركة،هي قمة المعرفة والعرفان بالنسبة لزمانه،وكل من عاصره من العارفين لن يستطيع إضافة حقائق آخرى لها،لأن التجليات الإلهية في زمانه لم تكن تسمح بغير ذلك.
رحم الله القطب الكبير ابن مشيش ورحم الله شيخي ختم زمانه و رضي الله عنه،وأسكنهما فسيح جناته بجوار نبيه سيد الأولين والآخرين.واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات المومنين والمومنات .
محمد بن الـمبارك العارف بالحقيقة المحمديةالاحمدية.شهر ماي 2009م الموافق لجمادى الثانية1430 هــ.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه.