العلم اللدني

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين
وعلى الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى امِّ المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين.السلام عليكم ورحمة الله.                                   موضوعنا حول العلم اللدني اوعلم الباطن انطلاقا من قصة سيدنا موسى والخضر. لنا ان نتساءل لأي مهمة سافر سيدنا موسى عليه السلام للقاء الخضر.?هل ليتعلم علوم الشريعة أي العلم الظاهر? لا،فهو نبي من أولي العزم من الرسل عارف بالعلوم التي تخص شريعته كما ان قوله  للخضر*هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا* يفيد انها علوم اختص بها الخضر...وَرَدَّ عليه الخضر *وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا” وهذه الاية تبين أن الخضر على علم  بالأمور قبل وقوعها و”الـخُــبْر”(برفع الخاء) الذوق ـوالذوق عند  الصوفية هوعبارة عن علوم إلهية تُدرك إدراكا قلبيا ، لا تعلّما أو نقلا ، عن طريق الكشف والالهام،علم ليس للملك فيه وساطة ، فهذا العلمٌ،لاعِلْمَ لسيدنا موسى عليه السلام به ،ولا خُبرله به ،لهذا كتبت  تعلمن بدون ياء، فالعبد الصالح عنده علوم ليست عند موسى،علم لدني، عَلِمه الخضر بتعليم الله اياه. ولشرف هذا العلم ،شد موسى الرحال في طلبه،وتحمل مشقة السفر*لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا *                                                                            قال تعالى”ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فحيثما تصل الرحمة يصل العلم  قال تعالى”أتيناه رحمة من عندنا وعلمنا من لدنا علما بنون الجمع”آتيناه علمناه”من لدنا”من عندنا“. أي لا وساطة لأحد، بالنسبة للانبياء الوحي ياتيهم بوساطة الملك ،اما هنا فالمقام مقام الولاية.فالخضر متصف بالرحمة والعلم وبهذه الرحمة ،قتل الغلام وبالعلم عرف أنه لوعاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا،.وبهذه الرحمة خرق السفينة وأقام الجدار،وبالعلم عرف تسلط الملك على السفن .. وبالعلم عرف  الكنز الذي تحت الجدار.                                                              ولا أحد يجهل أن قتل الغلام ليس بالصعب ،ولكن معرفة ان الله سيبدلهما ولدا خيرا منه مومنا وبارا هو المعجز .وكل انسان يمكنه خرق السفينة ،أما ما لايقدر عليه أحد الا بإخبارإلهي ،وبالكشف الصُّراح هو معرفة ان المَلِـــك سوف يترك السفينة للعيب الذي بها.وكذلك إقامة الجدارليس امرا صعبا ،انما المعجزهو معرفة ان تحته كنز وأنه لغلامين يتيمين ومعرفة أن أبوهما كان صالحا.و معرفة أن الكنز سيبقى محصَّنا سليما الى حين بلوغ الغلامين اشدهما. فالعلم اللدني هو الالهام الذي يحصل للعبد المختار دون وساطة ملك،وهذا يبين ان الخضر ولي ،عرف حقيقة الامور ،والحقيقة لا تخالف الشريعة لان الشريعة من جملة الحقائق.

وهناك تطابق بين قصة الخضر والأحداث التي وقعت لموسى:
مَلِك يأخذ كل سفينة غصبا  في مقابلة فرعون الجبار يقتل أبناء بني اسرائيل    .–سفينة المساكين نجت بسبب العيب الذي أحدثه الخضربها، في مقابلة موسى  الصبي الذي نجا من القتل بسبب الجَمرة التي اخذها عوض الثمرة .              

الجدار في مقابلة البئر: دخل موسى مدين ولم يجد من أهلها أي ضيافة حتى أنه بعدما سقى للبنتين تولى إلى الظل ولم يطلب أجرا منهما،وهو نفس ما حدث له   بصحبة الخضر، حيث ابى اهل القرية ان يضيفوهما فلم يطلب الخضر أجرا على الجدار . وكما كان اب البنتين صالحا كان اب الغلامين صالحا.                                        وهناك تطابق بين الكنز المادي للغلامين والكنز المعنوي لموسى المتمثل في العصا التي بها انتصر على السحرة وانفلق بها البحر ،وانفجرت اثنى عشرة عينا من الصخرة بضربتها.                                                                             وبهذه الرحمة أُلقِيَّ موسى وهورضيع في اليم،وبهذه الرحمة أعيد الى أمه لترضعه،وبهذه الرحمة قُتل القبطي، وبهذه الرحمة سقى لبنات شعيب ،وهذه الرحمة كذلك هي الظل الذي تولى إليه “فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وانتبه إلى كلمة الظل فهي معرفة  بالألف واللام ولم يقل تعالى الى ظل .                                                                            لقد استفاد موسى كثيرا من صحبة الخضر،وعرف ان الحقيقة اصل والشريعة فرع عنها..الشريعة لاتقبل قتل النفس بغير حق، أماالحقيقة فاقتضت قتل الغلام رحمة بوالديه.واقتضت قتل موسى للقبطي، لأن قتله كان سبب  خروجه وهروبه الى مدين،ولقائه بنبي الله شعيب،وتزوجه باحدى بناته،وبعدها جاءته النبوة والكلام ” وكلم الله موسى تكليما”.                      

والثلاثة اختبارات التي رتبها له الخضر كانت كافية له عليه السلام ليتعلم الحقيقة،وعلم أن لافاعل  حقيقة الا الله “والله خلقكم وما تعملون “وهو القائل “ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهـَا مَنْ تَشَاء وَتهدِي مَنْ تَـشـَاء” فارجع الامور الى الله جلالها وجمالها

وعلم ان الوجود ما ظهر منه وما بطن إنما هو آثار الأسـماء الإلهية، ظهرت في صور المخلوقات على وفق مراد الحق سبحانه وتعالى، ونحن نسميها أحداث ووقائع ،وأفراح،وأتراح. “قُـلْ كُلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ”.وعلم ان هناك من هو أعلم منه ”ان فوق كل ذي علم عليم وإن لم يكن هذا المُعلم رسولا من  اولي العزم  لان  عطاء الله مطلقغيرمقيد “وما كان عطاء ربك محظورا.

فالخضر شيخ لموسى أخذ عنه علوم الباطن ،والخضر ولي من الاولياء كما ذكر هذا  القشيري في رسالته واشار  صاحب الابريز الى ذلك.هو ولي لا يتعدى مقامه مقام الابدال ،قال لموسى” ما لم تحط به خبرا “فالخُبر تابع  للمعرفة اللدنية. للالهام الالهي اما الوحي فهو بواسطة الملك ، قال الخضر” ما فعلته عن أمري“ فهو عبد مأمور،الآمر الناهي،هو الله ..ولو قال الخضر لموسى من أول لقاء : كل ما سأفعله هو بأمر الله ما أنكر عليه موسى شيئا. فحتى فراقه لموسى كان بأمر الله ،فلم يعترض موسى. فما فعله الخضر،لم يكن من مقام النبوة. ومن اسماء الله “الظاهر والباطن “فيجب أن تكون هناك  حقائق تابعة لإسمه الظاهر،واخرى لإسمه تعالى الباطن.وكل اية قرءانية تحمل في طيها الحُكم والحكمة الحكم ظاهر والحكمة  باطنة.  فالخضر ولي ومن اسماء الله الحسنى الولي ،فتخلق الخضر وتحقق بهذا الاسم فكان  كلامه كله ادب :                          “قال فأردت أن أعيبها ّوالعيب هو ما يذم عليه فنسبه لنفسه   وقال ” فأردنا أن يبدلهما“ضمير واحد للإشتراك بين ما يُحمد ابدال الغلام بخير منه وما يُذم هو قتله ،والاشتراك في ضمير واحد بين الله والخضر “فأردنا” هو من حيث ان الخضر ولي،ومن اسماء الله تعالى “الولي”،فالضمير باطنا راجع على الله تعالى من حيث اسمه الولي. وقال ” فأراد ربكّ”” واعاد الضمير على الربوبية ” لأن أبوهما رجل صالح وكانت أمانته (الكنز) عند الله.              ولو لم ترد هذه القصة في القرءان ووردت في السنة النبوية لوحدها لانكرها الكثير.فسيدنا موسى لم يتعلم هذا العلم الا بصحبة الولي الصالح كذلك من اراد تعلمه فلابد له من شيخ عارف مأذون له بالتربية وبالظهور ولولا ان الله تعالى أمر الخضر بالظهور لموسى ما ظهرله.فالخضر لم يكن معروفا عند سيدنا موسى ،أما اصحاب السفينة فيعرفونه كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري.

هناك من يقول الخِضر بكسر الخاء وهناك من قرأها بالفتح : ووردت بالفتح في صحيح البخاري ,عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الخَضِرَ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ» أي أنه جلس على أرض يابسة ليس فيها نبات، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء؛ نبت فيها العشب الأخضر.                                                                                                  

حصل المقال على : 1٬862 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد