الأسس السبع للمعرفة (الباب 177 من الفتوحات) الأول “علم الحقائق”،وهو العلم بالأسماء الإلهية.
الثاني“العلم بتجلّي الحق في الأشياء”.
الثالث “العلم بخطاب الحق عبادَه المُكَلّفين بألسنة الشرائع”.
الرابع “علم الكمال والنّقص في الوجود”.
الخامس “علم الإنسان نفسَه من جهة حقائقه”.
السادس “علم الخيال”،وعالَمِه المُتّصل والمُنفصل.
السابع “علم الأدوية والعِلَل”.
الأول : معرفة الاسماء الإلهية
يقول …ومن الأسماء ما هي حروف مركّبة،مثل “الرحمن” وحده. ومنها ما هي كلمات مركّبة،مثل “الرحمن الرحيم”. واعلم أن الحروف كالطبائع وكالعقاقير،بل الأشياء كلها: لها خواص بانفرادها،ولها خواص بتركيبها. وليس خواصّها بالتركيب لأعيانها،ولكن الخاصية لأحدية الجمعية. فافهم ذلك،حتى لا يكون الفاعل في العالَم إلا الواحد،لأنه دليل على توحيد الإله. وكل جزء منها،على إنفراده،له خاصية تُناقض خاصية المجموع.وهكذا تركيب الكلمات كتركيب الحروف.وأما “كُنْ” فهو من فعل الكلمة الواحدة لا من فعل الحروف، وخاصيّته في الإيجاد،وله شروط. ومع هذا يتأدّب أهل الله مع الله،فجعلوا بَدله في الفعل “بسم الله”.وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وما سُمع منه قبل ذلك ولا بعده،وإنما أراد إعلام الناس، من علماء الصحابة بمثل هذه الأسرار بذلك. وردت الأسماء الحسنى الإلهية،في القرآن،بطريق “الثناء”،نَعَت بها كلها ذاته عز وجل من طريق المعنى، وكلمة “الله” من طريق الوضع اللفظي.فالظاهر أن الإسم “الله” للذات كالعَلَم، ما أريد به الإشتقاق،وإن كانت فيه رائحة الإشتقاق. وأما “أسماء الضمائر” فإنها تدلّ على الذات بلا شكّ،وما هي مشتقّة،مثل: “هو” و”ذا” و”أنا” و”أنت” و”نحن”.. فهذه كلها أسماء ضمائر وإشارات وكنايات تعُمّ كلّ مُضمَر ومُخاطَب ومُشار إليه ومُكنّى عنه وأمثال هذه. ومع هذا فليست أعلاماً، ولكنها أقوى في الدلالة من الأعلام،لأن الأعلام قد تفتقر إلى النّعوت،وهذه لا إفتقارلها،وما من كلمة منها إلا ولها في الذّكر بها نتيجة.وما من أحد من أهل الله،أهل الأذواق،رأيناه نَبّه على ذلك في طريق الله للسالكين بالأذكار،إلا على لفظ “هو” خاصة،وجعلوها من ذكر خصوص الخصوص، لأنها أعْرَف من الإسم “الله” عندهم في أصل الوضع،لأنها لا تدلّ إلا على العين خاصة،المُضمرة من غير إشتقاق.وما عَلمت الطائفة أنّ غير لفظة “هو” في الذّكر أكمل في المرتبة،مثل: “الياء” من “إنّي”،و”النّون” من “نزّلنا”، ولفظة “نحن”. فهؤلاء أعلى مرتبة في الذكر من “هو” في حقّ السّالك،لا في حق العارف،فلا أرفع من ذكر “هو”عند العارفين في حقّهم.ومع هذا فما أحد من أهل الله سَنّ الذّكر بها،كما فعلوا بلفظة “هو”. فلا أدري هَل مَنعهم من ذلك عدم الذّوق لهذا المعنى؟ وهو الأقرب،فإنهم ما جعلوها ذِكراً.ونحن نقول بالذّكر بذلك كلّه،مع الحضور على طريق خاصّ. فلا بدّ من “الطهارة والحضور والأدب والعلم” بهذه الأمور،حتى تعرف من تذكُر وكيف تذكُر ومن يذكُر وبمن تذكُر. الذي يعتمد عليه أهل الله في أسمائه تعالى هي ما سَمّى به نفسه في كُتبه أو على ألسنة رسله. وأما إذا أخذناها من الإشتقاق أو على جهة المدح،فإنها لا تُحصى كَثرة،والله يقول (ولله الأسماء الحسنى)،وورد في الحديث (إن لله تسعة وتسعين إسماً) الحديث. وما قدرنا على تعيينها من وجه صحيح،فإن الأحاديث الواردة فيها كلّها مضطربة،لا يصحّ منها شيء. وكل إسم إلهيّ يحصُل لنا من طريق الكشف،أو لمَن حصل، فلا نورده في كتاب ،وإن كُنّا ندعو به في نفوسنا،لما يُؤدّي إليه ذلك من الفساد في المُدّعين الذين يفترون على الله الكذب،وفي زماننا منهم كثير. ومن أراد أن يَقف على أسماء الله تعالى على الحقيقة،فلينظُر في قوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله). وعلى الحقيقة ف”ما في الوجود إلا أسماؤه”، ولكن حَجَبت عيون البصائر عن العلم بها أعيان الأكوان..
يـــــتــــبــــع