بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين.
العقل الأول: هو مرتبة من مراتب الحقيقة المحمدية تستمد منها كل العقول حتى العقول الغير البشرية التي ذكرت في الكتاب كالنمل الفريد في مجتمعه وكيفية تنظيمه،والنحل،والعناكب، والطيور،والاسماك المهاجرة(وبهذه النسبة التي بينهم وبين العقل الاول ذكروا في القرءان). فمن أكبر الخرافات أن ننسب شيئاعلى درجة كبيرة من الكمال، والتعقيد إلى محض الصدفة .فالذي يقول بالصدفة حكمته هي مجموع علمه وجهله معا.فلا وجود للصدف في الكون الإلهي، الكون كله مبرمج أزلا ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ“ويسير وفق نظاما مظبوط
وعلى سبيل المثال تهاجر طيور”السنونو”من أوروبا إلى إفريقيا ثم تعود في فصل الربيع إلى السقوف نفسها التي بنت عليها أوكارها فكيف عرفت أنها يجب عليها أن ترحل وعندعودتها كيف تعرفت على السقف نفسه بين آلاف السقوف الأخرى في المدينة.والطائر الذي يوجد في مقدمة سرب الطيورالمهاجرة ليس بالضرورة هو القائد وليس بالضرورة طائر مُسن يعرف الطريق التقليدي جيدا . صاحب نظرية “التهور”(وليس التطور) يقول لك أن المسألة تتعلق باختيار طبيعي فالطيورالتي فهمت أن عليها أن تهاجر إلى مناطق أدفأ هي التي تحافظ على بقائها أما الأخرى فتقضي عليها أحوال الطقس القاسية ؟ وهي التي سميت ” الغريزة “وما نراه في الطيور المهاجرة نجد مثيله في الاسماك.فهذه البرمجة الجد متطورة تستمد من العقل الأول الذي يمد كل مخلوق﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾.قال تعالى﴿فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ﴾ إذا كان الغراب يعرف الدفن بالغريزة فكيف لم تتوفر المعرفة لقابيل،وهل الغربان في زمننا تدفن جثة رفاقها.؟
العقل البشري مقيد بالحواس لهذا لم يتسمى الله بالعاقل وتسمى بالعالم .لا يُعرف الله بالعقل بل بنور الايمان .فالعقل الأول يبطل نظرية التطور التي أقامت الاستمرارية بين الإنسان والحيوان، وبين الحيوان والحيوان.فكما يقول أبو حامد الغزالي :”إن جميع المعجزات طبيعية وأن الطبيعة كلها معجزة” .فهؤلاء الناس عندما تواجهه مشكلة غير مفهمومة يسميها:” الغريزة”.أو”مادة ذاتية التنظيم”, أو”مادة شديدة التنظيم”.ويحل مشكلة جهله.والقائل بأن الانسان ينحذر من القرد لا نكذبه فهو أعرف بأجداده منا.
قال تعالى في حق سيدنا داوود ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ ﴾ .وقال تعالى” كل نمد” فالإمداد ياتي من العقل الاول “ولا شيء إلا وهو به منوط”فمكتشف قوانين الجاذبية والحركة منه استمد والعصامي من قسمته أخذ قال تعالى ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ سلطان العلم المستمد من العقل الأول
ابن عربي في مراتبه يجعل العقل الاول والقلم الاعلى واحدا ويفرد لهما الدائرة الاولى
ورد في الخبر” أول ما خلق الله العقل”، فهوأول المراتب وانتهى الخلق إلى الجنس الإنساني فاتصل آخر الدائرة بأولها. أما بالنسبة للجيلي ( الدائرة التاسعة) والكتاني(الدائرة 11 )فلم يميزا بينهما أما شيخنا فميزبينهما،و جعل القلم الاعلى في المرتبة 10 ويجعل العقل الأول بعده في الدائرة 11. وغالب الظن انه رضي اعتبرالقلم الاعلى هو الحاوي لجميع التقديرات الالهية، والعقل الاول هو من هذه التقديرات الاولية لذا اخر مرتبته ،خصوصا وان ما نزل من القرءان:اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربك الاكرم الذي علم بالقلم” القلم الاعلى وبعد ذلك العقل الاول دون بعدية زمانية فالعقل الكلي هو عقل محمد عليه الصلاة والسلام وهو الآمانة المعروضة على السموات والأرض ﴿إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ والقلم الاعلى هو ما خطه القدر في اللوح المحفوظ فبالعقل خط القلم”أول ما خلق الله العقل” “أول ما خلق الله القلم”.فمصطلح العقل والقلم يعودان على حقيقة واحدة واختلفت مهامهما. العقل الاول والقلم الاعلى اسمان لمرتبتان من مراتب الحقيقة المحمدية والتقديرات (القلم) سبقت التقريرات (العقل)القلم يقدر والعقل يقرر.
يقول الشيخ الاكبر في باب (أمية محمدية )….فأول موجود أراده سبحانه ،فلك الإشارات إرادة إحاطة معنوية وهوأول الأفلاك الممكنات المحدثات المعقولات و أول صورة ظهر في هذا الفلك العمائي صورالروحانيات المهيمات الذي منها القلم الإلهي الكاتب العلام في الرسلات وهو العقل الأول الفياض في الحكيمات والأنباء وهو الحقيقة المحمدية والحق المخلوق به والعدل عند أهل اللطائف والإشارات وهو الروح القدسي الكل عند أهل الكشوف والتلويحات…انتهى
ويقول في موضع آخر…. كذلك المفعول الإبداعي الذي هو الحقيقة المحمدية عندنا والعقل الأول عند غيرنا،وهو القلم الأعلى الذي أبدعه الله تعالى من غير شيء هو أعجز وأمنع عن إدراك فاعله…..
يضيف في (باب بسم الله الرحمن الرحيم.)…الفصل الحادي عشر في الاسم الإلهي البديع …” قال تعالى”بديع السموات والأرض” لكونهما ما خلقا على مثال متقدم وأول ما خلق الله العقل وهو القلم فهو أول مفعول ابداعي ظهرعن الله تعالى وكل خلق على غير مثال فهو مبدع بفتح الدال وخالقه مبدعه بكسر الدال…فاختلفت الاسماء كذلك نقول في العقل الأول عقلاً لمعنى يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلماً يخالف المعنى الذي لأجله نسميه روحاً يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلباً ،والعين واحدة والحكم مختلف … لذا تنوعت الأرواح والصور.انتهى
المفعول الابداعي هو الحقيقة المحمدية وهو القلم الاعلى،وهو العقل الاول اسماء لمسمى واحد عند الشيخ وعند كل العارفين والمسمى بهما هو الحقيقة المحمدية .
يقول الجيلي في الانسان الكامل”الباب الثالث والخمسون:.. ثم اعلم ان العقل الاول والقلم الاعلى واحد، فبنسبته الى العبد يسمى العقل الاول وبنسبته الى الحق يسمى القلم الاعلى ثم ان العقل الاول المنسوب الى محمد خلق الله جبريل عليه السلام منه في الازل فكان محمد ابا لجبريل واصلا لجميع العالم فاعلم ان كنت ممن يعلم فديت،من يعقل فديت من يفهم، لهذا وقف عنه جبريل في اسرائه وتقدم وحده وسمي العقل الاول بالروح الامين،لانه خزانة علم الله وامينه ويسمى بهذا الاسم جبريل تسمية الفرع بأصلهن فافهم والله اعلم انتهى.
ويقول في كتابه الكمالات الالهية في الصفات المحمدية…. وروح محمد هو المعبر عنه بالقلم الاعلى وبالعقل الاول لبعض وجوهه ومن هذا المعنى ورد قوله صلي الله عليه وسلم “اول ما خلق الله القلم “وقد قال” أول ما خلق الله روح نبيك يا جابر”ولو لم تكن الاشياء الثلاثة عبارة عن وجود واحد لكان التناقض في هذه الثلاثة الإخبار وليس كذلك بل هي جميعها عبارة عنه كمايعبرعن قلم الكتابة تارة باليراعة وتارة بالقلم كل ذلك لوجوهه من غير زيادة ولانقص.انتهى
يقول العارف بالله احمد التجاني فيما نقله عنه تلميذه علي حرازم في كتابه جواهر المعاني:اما الحقيقة المحمدية فهي في هذه المرتبة لاتعرف ولاتدرك ولا مطمع لأحد في نيلها في هذا الميدان ثم استأثرت بألباس من الانوار الالهية واحتجبت بهاعن الوجود فهي في الميدان تسمى روحا بعد احتجابها بالألباس وهذا غاية ادراك النبئيين والمرسلين،والاقطاب يصلون الى هذا المحل ،ويقفون ثم استأثرت بألباس من الانوار الالهية اخرى وبها سميت عقلا…انتهى..
يقول الاميرعبد القادرالجزائري المتوفى سنة 1300هجرية في كتابه المواقف(الموقف 89) : ولهذه الحقيقة المحمدية اسماء كثيرة باعتبار كثرة وجوهها واعتبارتها واذكر طرفا منها ليكون انموذجا لما لم اذكره فإن كثيرا من الناس الذين يطالعون كتب القوم رضوان الله عليهم حين يروا هذه الاسماء الكثيرة يظنون أنها لمسميات متعددة وليس الامر كذلك وانما هي مثل السيف والصارم والقضيب والهندواني والابيض والصقيل والمحدد ونحو ذلك لمسمى واحد ومنها التعين الاول،والقلم الاعلى،وامر الله،والعقل الاول،وسدرة المنتهى، والحد الفاصل،والانسان الكامل.وروح القدس،والروح الكلي، والروح الاعظم والتجلي الثاني،وحقيقة الحقائق،ونفس الرحمان،والفيض الاول والدرة البيضاء،والحق المخلوق به انتهى
جاء في كتاب التنبيهات على علو الحقيقة المحمدية في التنبيه السادس عشر :أول ما فاض بالفيض الاقدس من الاعيان عينه الذاتية وأول ما وجد بالفيض الاقدس من الاكوان روحه الشريفة فحصَّل بالذات الاحدية والمرتبة الالهية وعينه الثابتة الاولى واعلم أن أفراد الامة الثلاثة وما زاد عنها فهو صادر منها وهذه الثلاثة المشارإليها في الموجودات هي الذات الاحدية والمرتبة الالهية والحقيقة المحمدية المسماة بالعقل الاول … انتهى.
يقول الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني في كتاب اللمحات القدسية في متعلقات الروح الكلية:”…(وصل):اعلم أولا أن الحق تعالى لما أبرز روح الوجود وحياته العقل الأول جعلها هيولى جامعة لارتسام جميع الأشكال والصور فما ثم مادة من جواهرالممكنات إلا وهي مقتبسة منها وما ذلك إلا لأنها روح أعيان الموجودات وعين مادة وجودها بشاهد قول القرءان (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)فصدرالآية فرق لأنها أنبأت بالإثنينية في قولها البحرين وأعقبها الجمع أو جمع الجمع في قوله يلتقيان إذ البحرين كناية عن بحرالربوبية والمربوبية، انتهى. وفي كتاب الطلاسم في الكمالات المحمدية يقول”.. هي مسمى بالهباء والهيولى والعقل الأول والروح الأعظم والنفس الكلية والموضوع والمحمول والمادة والعنصرواليعسوب والأصل والقلم الأعلى واللوح والكرسي والعرش والأول الثاني وبفلك العالم وبقطب المجرة وببرزخ الكرة وبالخمرة وبالكاس وبليلى وبسعدى وبمظهر الإسم الجامع وبالإنسان الكامل وبفلك العجائب وبالنقطة المجردة وبالباء وبالجامع وبالنقطة وبسر الباء وبالوحدة المطلقة وبالوجود المطلق وبعرش التجلي وبغموض بطن الأزل وبليس في الإمكان أبدع مما كان وبأم الكتاب وبلوح البطون وبكرسي التفريد وبالكتاب وببرزخ البحرين وبلابس اللونين وبمطلع الشمسين وبخط القوسين وبمظهر العظمة وبآدم الأكبر وبعين العين وبالمطلسم وبمنتهى الحيرة وبالظاهر وبالباطن وبالأول وبالآخر وباليتيم وبالقرءان وبالمجرد وبالأحد أي في بشريته. ..”انتهى
فتدرج الحقيقة المحمدية وظهورها في الدوائر الكونية أعطاها وجوها وشؤونا ومهاما مختلفة والعين واحد والحكم مختلف.لهذا السبب خصص شيخنا رضي الله عنه للقلم الاعلى دائرة .وللعقل الاول دائرة فإن رجعا على حقيقة واحدة فقد اختلفا في المهام….فافهم
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ.العَقْلُ الأَوَّلُ الَّذِي اِرْتَقَتْ فِيهِ الأَسْرَارُ وَالعُلُومُ.وَالقَلَمُ النُّورَانِيُّ الَّذِي سُطِّرَ تْ بِمدَادِهِ الأَقْدَارِ وَالفُهُومِ، وَجَمِيعُ مَاكَانَ وَمَا يَكُونُ.إِذْ مِنْهُ غَرَفَتِ الأَرْوَاحُ، وَاسْتَمَدَّتِ الأَشْبَاحُ.وَهُوَ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ الَّذِي انْطَوَى عَلَى كُلِّ سِرٍّ مَكْتُومٍ.وَالنَّفَسُ الرَّحْمَانِيُّ السَّارِيُّ،بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الدَّالاَّتِ، عَلَى كُلِّ أَمْرٍ مَعْلُومٍ، وَقَضَاءٍ مَحْتُومٍ.وَعَلَى سَيِّدَتِنَا فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ البَتُولِ،وَسَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَالسِّبْطَيْنِ سُلَّمِ الوُصُولِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه
كتب سنة 2009.