الطّرُق إلى الخالق على عدد أنفاس الخَلائق

الطّرُق إلى الخالق على عدد أنفاس الخَلائق

نُقل في كتب الصوفية:أن بعضهم كان يَبيع شعيراً،وهو يُنادي في السوق:”سَعْتَر بَرِّي”، فسَمِعه جماعة من السالكين.فواحد سمع من كلامه: “إسْعَ تَرَى برِّي”،وآخر فَهِم: “ما أوْسَع بِرّي”.والثالث سمع:”الساعة تَرى بِرّي”.فكل منهم فَهِم حسب حاله،وهكذا الأمر في الطريق إلى الله،كل سالك يتنزَّل عليه الفيض الإلهي والنفحات الربانية،بما يُناسب صِدْق تَوَجّهه وقوة استعداده،الناتجة عن عُلُوّ هِمّته،وحسب مقامه، والإمداد يكون حسب الاستعداد قال ابن طفيل: .

ما كل من شَمّ نالَ رائحة●للناس في ذا تبايُن عجيب.
قوم لهم فكرة تَجول بهم●بين المعاني أولئك النُّجب.
وفرقة في القشورقد وَقفوا●وليس يَدْرون لُبَّ ما طَلبوا.
لاغاية تَنْجَلي لطالبهم●منه ولاينقضي لهم أرَب.
لايتعدّى إمرُؤ جِبِلّته●قد قُسّمت في الطبيعة الرُتَب.

قال تعالى(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(العنكبوت)فعلى قدراجتهادك ومجاهدتك، وعلى قدر همتك واستعدادك، يَسْلُك بك سبيلا من سُبُله الكثيرة ،منها ما هو ظاهر،ومنها ما هوباطن،والحضرة المحمدية تَجْتَبيك وتَجْذبك،بشرط أن تطهر قلبك من الغل،والحقد، والحسد،والكبرياء،والرياء،والغيبة ،والنميمة…وأن تكون من المومنين الصادقين، المنفقين المعطين من حرمهم،العافين عمن ظلمهم، المستغفرين بالاسحار،الكاظمين الغيض… وأن تكون مُكثراً من ذكر الله،والصلاة على نبيّ الله،هذا هو مفتاح هذه الحضرة الربانية.

طَهّر ظاهرك بالشريعة،وزَيّن باطنك بالحقيقة،ولايَحْجُبنك سلطان عادَتك عن تحصيل أسباب سعادتك،فاسْع إلى بلوغ أعلا درجات الإحسان: فأوله مراقبة ومجاهدة، وآخره مشاهدة،ولا نهاية له(وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ)(النجم).

 قال تعالى(اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)(الشورى)فالإجتباء تابع للمشيئة ،ويجب التمييز بين الجذب السلوكي ،والسلوك الجذبي،فالمجتبى سالك جُذب،أما الجذب السلوكي فهو مجذوب طويت له الطريق ولم تطوى عنه.

 قال صاحب لطائف المنن:ولا تظن أن المجذوب لاطريق له،بل له طريق طوتها عناية الله تعالى فسلكها مسرعا الى الله تعالى اهـ ..

والسالك أتم من المجذوب لأن السالك عرف الطريق،وسلك سبلها وفجاجها وجبالها.أما المجذوب فكالمسافر ليلا،المسرع سيرا،لايحكي لك شيئا عن الطريق، لأنه لم يرشيئا ،فلا خبرة له بالمقامات.وعلى أي،فالمتبع لشيخ انتقل الى رحمة الله،إذا سمع بشيخ حي عارف لزمه استخارة الله،والذهاب إليه والأخذ عنه،فإن لم تجر أفعالك على مراد غيرك،لم يصح لك الإنتقال عن هواك(كما تقول عبارة الحاتمي).فالشاذلي رحمه الله تعالى ،لم يكتف بالطرق الصوفية التي كانت موجودة في زمانه بالمغرب،بل ذهب الى العراق باحثا عن غوث الوقت للأخذ عنه، فانظرالى هذه الهمة العالية ،والصبر الكبير،في تحمل مشاق السفر ذهابا وإيابا،فلا تترك لنفسك الفرصة في مجادلتك وتثبيطك فهي أمارة بالسوء وأكبر سوء تسيئ به الى سلوكك الروحي، وجود عارف ببلادك وأنت عنه غافل منشغل بأوراد زمان كانوا يطبخون طعامهم على الحطب، ويضيئون منازلهم بالقناديل، ويسافرون مشياعلى الأقدام أو على الدواب،وبمنزلك الغاز والكهرباء،وبين يديك هاتف ذكي،ينقلك من الشرق الى الغرب.؟ بمعنى أن التجليات الإلهية تغيرت،فكما تبعتها ظاهرا في حياتك اليومية، فسايرها باطنا.

في الطريق الى الله المنافسة شديدة،باطنة أكثر من ظاهرة، فاكتم سيرك وأحوالك ،فلايخلو أحد من الحسد،فهارون أخو موسى،ووزيره عليهما السلام،لما أراد موسى الذهاب لمناجاة ربه انفرد بالحقيقة وقال لأخيه (ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ)ولما كان الذهاب الى فرعون استصحبه مع (وَأَشْرِكْهُ فِىٓ أَمْرِى).فالامور العادية بح بها،وسيرك الباطني اكتمه. التصوف هومقام الإحسان،فلا يَصْرفنّك عنه قول الشاكين فيه، ولاتنطّعات الجاهلين بحقيقته فالاختلاف وارد،وهو من سنن الله في الكون.فما ظهرت حقيقة قط في الوجود، إلا قوبلت بدعوى تماثلها وأُدخل عليها ما ليس منها،أو ظهر من يكذبها.

فالجاهل نظر إلى التصوف وانحرف،والشاكّ تَحيّر وتَوقّف، والمقلّد مع كل صنف إنْصَرف، والسالك أقَرّ به واعْتَرف. فلا تُسِيئ الظنّ،وتَتْرُك غنمك تَنْفش في حرث القوم ليلاً،وتَهْمل فيه نهاراً.

التصوف حقيقة باطنة،والسّكر بالخمرلا بالعنب.فافهم،وسَلّم تَسْلم،وإلافالْزَم الصّمت تَغْنَم.

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد