الشيخ
سيدي أحمد زروق
ولد أبو الفضل شهاب الدين أبو العباس احمد بن احمد بن محمد بن عيسى
البر نسي الفاسي المعروف بزروق صبيحة يوم الخميس الثاني والعشرين من محرم سنة 846
هـ الموافق 7حزيران 1442م، وهو من قبيلة البرانس البربرية التي تعيش في منطقة جبل
البرانس ما بين فاس وتازا، وولد رضي الله عنه في قرية تليوان بتلك المنطقة، لوالد
كان من أهل الولاية والصلاح، حيث شيد على مدفنه في القرية بناية أنيقة تشتمل على
مسجد جامع ومكان لسكن الإمام وتعرف بزاوية سيد احمد زروق ولها أوقاف، ويحظى ضريح
والده بتعظيم واحترام أهل القبيلة، وتشير السيرة التي كتبها الإمام إلى انه ولد
وشب في مدينة فاس، وقد ورث زروق هذا اللقب عن جده الذي كان ازرق العينيين زرقة
معروفة في العرق البربري، وحين ولد زروق اسماه أبوه محمدا، لكن ما لبث أن عرف باسم
أبيه (احمد) حين توفي الأب واحتفظ باسمه، وكان احمد وحيد أبويه، وتوفي كلاهما في
الأسبوع نفسه الذي تلا ميلاده نتيجة للطاعون الذي ضرب فاس في عام ولادته، وتربى في
حجر جدته لأمه فاطمة والتي كانت تكنى بأم البنين أسوة بفاطمة بنت عبد الله الفهري
وهي التي انشات جامع القرويين سنة 245هــ، وكانت جدته سيدة فقيهة وقبل رحيله عن
القاهرة ذهب لشيخه الحضرمي يودعه، فأخذ الحضرمي رقعة وكتب عليها هذين البيتين
ورفعها إليه:-
عش حْامل الذكر بين الناس وارض به فذاك اسلم للـــــدنيا وللــدين
مـن خالــط الـناس لم تسلــم ديــانتـــــه ولم يزل بين تحريك وتسكين
جاء الشيخ إلى مصراته عام 886هــ/ 1481 م وطاب له فيها المقام حيث قضى
فيها بقية أيام حياته،وقد تكون المدينة اعجبتة ببساطتها وصفائها، وبحياتها شبه البدوية
، ولعل ما ذكره المؤرخ الصوفي محمد بن ناصر الدرعي بعد مرور قرن من ذلك الزمان يصف
مصراته ويقول: ” وحسب مصراته أن زروقاً اختارها مسكناً وان الله اختارها له
مدفناً، ذلك لما طبع عليه غالب أهلها من الحياء والتقشف ومحبة الصالحين والاعتناء
بالمنتسب إلى طريقتهم ، ولما طبعوا عليه من الكلام من عدم الفحش، ولما فيهم من
السخاء ولين الجانب للغريب ، وغير ذلك “
وقد كان من أقران الشيخ ولي مسلاته الشيخ عبد الواحد الدكالي وهو شيخ
ولي زليتن الشهير عبد السلام الأسمر، حيث كان يأتي إليه الشيخ زروق من مصراته إلى
بلد مسلاته على فرس حمراء وبيده رمح كما ذكرذلك الشيخ عبد السلام الأسمر ، وقد
أصاب الشيخ زروق في مصراته المكانة الرفيعة والتوقير العظيم من أهلها بسبب مكانته
العلمية وشهرته الصوفية، وأصبح واحداً من أهلها ، وتجمع الطلبة والمريدون من حوله
، وصارت له الصدارة في مجالسهم ، وغدا ينشر علمه بين الناس في المسجد الذي كان
يؤدي فيه صلاته قرب منزله، وتزوج أمة الجليل بنت أحمد بن زكريا المصراتي وحملت له
ولدين وبنتاً ، فضلاً عن زوجته الفاسية فاطمة الزلاعية الني لحقت به من المغرب.
ولم يغادر مصراته بعد استقراره بها سوى مرتين ، الأولى سنة 91/ 892
هــ إلى الجزائر ليرعى بعض شؤونه هناك ويحضر أسرته، والثانية سنة 894 هـــ (1489م ) حيث أدى
فريضة الحج للمرة الثالثة الأخيرة ، وقضى بعدها السنوات الأربع الباقية من حياته
القصيرة الحافلة.
وفي اليوم الثاني عشر من شهر صفر سنة 899 هـ (1493م) وهي آخر سنه في
سني القرن التاسع الهجري توفي احمد بن احمد بن محمد بن عيسى، زروق ، في خلوته،
وعمره أربعة وخمسون عاماً ، وكان يدعو ربه أن يقبضه إليه قبل أن يشهد القرن
العاشر، وقد استجاب الله لدعوته تلك ، وكان كل ما تركه من ارث بعده ، نصف فرس
يشاركه فيها رجل مصراتي ، وبرنوساً ابيض وجبة وثوباً من الصوف ، ومسبحة أهداها
إليها الحضرمي ، وأربعة عشر مجلداً من المؤلفات من مختلف الموضوعات .
لقد ولد فقيراً ، وعاش فقيراً ومات فقيراً كما ولد وكما عاش رغم
انتشار صيته وخدمة الدنيا وأهلها له.
أما النسوة والأولاد الذين خلفهم وراءه فهم زوجة زروق فاطمة الفاسية
التي أنجبت له ولديه احمد الأكبر واحمد الأصغر ، وزوجته المصراتيه – امة الجليل – التي
جاءته بإبنيه احمد أبي الفتح واحمد أبي الفضل بالإضافة إلى ابنته منها عائشة ، وقد
توفي الثلاثة الأخيرون واحداً تلو الأخر ، أما ولداه احمد الأكبر وأحمد الأصغر فقد
غادرا مصراته بعد موته إلى المغرب، واستقر بهم الأمر في قسنطينة من مدن الجزائر ،
وبعد فترة عاد ابنه احمد الأصغر المعروف بأحمد الطالب إلى مصراته مرسلاً من قبل
أخيه ليأخذ نصيب أمه وأخيه من ارث والده ويعود إلى الجزائر ، كما فاز ابنه احمد
الأكبر من ارث والده بسمعتة وصيته ، وخلفه في شي من النفوذ على أتباعه بالجزائر ،
ولم يسمع بعد هذا شي عن آل الشيخ زروق.
كان رضي الله عنه رجلاً قصيراً جميل الصورة ابيض البشرة، وكان يعاني
من مرض يعاوده مدة أربعة اشهر بين الحين والأخر لمدة طويلة من عمره وكان خلال فترة
مرضه لا يأكل سوى الزيتون الأسود، كما كان رضي الله عنه إنساناً خجولاً حيياً، و
كان عصبيّ المزاج سريع الانفعال لحساسيته المفرطة وذلك قبل أن يبلغ الأربعين، ولم
يبق شيء من ذلك بعد أن تجاوز الأربعين، وكان متواضعاً تقياً مرحاً لطيف المعشر
وسهل المخالطة، وكان يخاطب أصحابه برقة ولطف ويناديهم بكنى مضحكة أحياناً، وكان
أتباعه سعداء كل السعادة بتلك الكنى.
وقد صنف المهتمون مؤلفات الشيخ زروق بحوالي 39 مؤلفاً في التصوف و 6
مؤلفات في الحديث و 10 مؤلفات في علم السيمياء ومؤلفان في السير الذاتية والتراجم
وديوان شعر ومؤلفان في الطب ومؤلفان في تفسير القران الكريم وشرح الفاتحة و 10
مؤلفات في الفقه وثلاثة مؤلفات في علم الحروف ومؤلفان في العقائد ، فضلاً عن
الشروح والتعلقيات المختلفة، ومنها على سبيل التعريف 17 شرحاً للحكم العطائية، ومن
أهم مؤلفاته في التصوف: قواعد التصوف، وعدة المريد الصادق، والنصيحة الكافية،
واعانة المتوجه المسكين، وبذلك صدقت عبارة الشيخ حين سأله خادمه أحمد عبد الرحيم
يوماً بعد استقراره في مصراته: ” إلا نبني هنا زاوية ونتخذ لها أوقافاً ؟ ” وكان جواب الشيخ
بالنفي القاطع وهو يقول : ” يا أحمد نحن لا تفوح رائحة مسكنا إلا بعد ما
نتسوس تحت التراب ” وبعد وفاة الشيخ بعشرين عاماً كاملة كثر خلالها عدد
الزائرين لضريحه ، وذاع صيته في الأفاق ، بنى أحمد عبد الرحيم جامعاً بجانب الضريح
وعاش فيه ، وصار هذا الجامع بمرور الزمن ” زاوية سيدي أحمد زروق” وأصبحت
احد المعالم الرئيسية في المنطقة، ومعهداً دينياً معروفا في البلاد الليبية، يقصده
كل من أتم حفظ الفران الكريم، ليقضى فيه فتره من الزمان يدرس خلالها اللغة العربية
وأصول الفقه والشريعة والمعرفة الدينية الضرورية ، كما كانت مأوى للفقراء
والمساكين ، ومقصداً للعلماء والفقهاء والصوفية من جميع أنحاء العالم الإسلامي ،
وتتكون الزاوية من مسجد جامع وضريح الشيخ ومكتبة ومعهد لتحفيظ القران ، ولعل
واقعها الآن لا يدل على ماضيها المشرق حيث تحتاج الزاوية إلى الإصلاح والتحديث.
كان للشيخ في حياته سلسلتان تصله أحداهما بالشيخ أبي الحسن الشاذلي،
وتربطه الثانية بالشيخ عبد القادر الجيلاني ،
يفرغ المداد في الكتابة عن سيرة الشيخ زروق رحمه الله ولا يؤدّى حقه ،
ونكتفي بما انقضى من الحديث عنه، ونختتم سيرته بذكر أسماء بعض تلاميذه: سيدي
الشيخ عبد السلام الأسمر وليّ زليتن، والشيخ شمس الدين اللقاني المصري، والشيخ
محمد علي الخروبي الولي الطرابلسي الشهير، وأبو حفصى عمر ألوزاني عالم الجزائر
الشهير ، والشيخ أحمد بن يوسف الراشدي المصلح المشهور، وأبو راوي الفحل وليّ سوسة،
وإبراهيم الخياط اليمني وكثير غيرهم ، ولم يقتصر تأثير الشيخ على تلاميذه، بل
تعداه إلى تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم وهلم جرا، وفيما يلي باقة من أقوال الصالحين
في الشيخ رحمه الله:
ونختتم سيرة الإمام أحمد زروق رحمه الله بأبيات من قصيدة لبعض أهل
المحبة في الشيخ:
ازروق أهل الله في كل برهــــة ومأوى العفاة في اليسار وفي العسر
فلا زلت للاحسان أهلا وموطناً ومأوى الخصال الساميات لدى الدهر
عليكم من الرحمن أزكــى تحية وأسمى مهابات إلى الحشر والنشــر
وصلى الذي ولاك مجداً وسؤدداً على المنتقى المبعوث للسود والحمر
واله والأزواج طـــــــراً وصحبه ذوي النجدة الفيحاء والســــــادة
الغرّ
تذيـيــل
الشيخ الزروق وتسلسل حديث المصافحة
ذكر الشيخ محمد سليمان الروداني وهو عالم جليل ولد ونشأ وتعلم في
المغرب وجاور بالحرمين وتوفي بدمشق سنة 1094في سنده لروايته لحكم بن عطاء الله كما
ذكره في حديث المصافحة حيث قال : ” وأبو عثمان المغربي صافح أيضا محمد
الخروبي الطرابلسي ، وهو صافح سيدي احمد زروق، وهو صافح الشمس السخاوي…” إلى أن
وصل إلى ” خلف بن تميم قال :” دخلنا على أبي هرمز نعوده، فقال : دخلنا
على انس بن مالك نعوده فقال : صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلي الله عليه وسلم ،
فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو هرمز
فقلنا لأنس : صافحنا بالكف التي صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحنا
فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه، وقال: السلام عليكم. قال خلف فقلنا لأبي هرمز : فصافحنا بالكف التي صافحت
بها أنساً فصافحنا ، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه، وقال: السلام عليكم ،
وهكذا مسلسلاً بهذا إلى الشيخ زروق”.
ومن الفوائد التي يعطيها حديث المصافحة هذا هي :
1. شدة الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتعلق به ابتداء من الصحابة
والتابعين ومن اقتدى بهم من بعدهم تقديراً وحباً وتبركاً.
2. إن بين يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفة و يد الشيخ زروق خمس
عشرة يداً، وهي منقبة تزاد في مناقبه.
3. مشروعية التبرك بآثار الصالحين.
حصل المقال على : 2٬712 مشاهدة